قال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، إن حكومة السودان مع «أي حل ينهي حرب الدعم السريع»، و«يعيد الطمأنينة للشعب»، في وقت منحت الهدنة المؤقتة السارية متنفساً «نادراً» لمواطني الدولة الواقعة في أتون الحرب.
وذكر بيان صادر عن «مجلس السيادة الانتقالي»، أن البرهان بحث خلال اتصال هاتفي مع رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جمهورية جزر القمر غزالي عثماني، الجهود المبذولة عبر «منبر جدة» لحل الأزمة في البلاد، «بالرغم من فشل جميع الهدن، وذلك لعدم وجود آليات فعالة وملزمة لمتابعة خروقات ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وعدم التزامها بإخلاء منازل المواطنين والمستشفيات ومراكز الخدمات والمرافق العامة والمقرات الحكومية».
ونقل البيان عن عثماني تأكيده على ضرورة أن يكون الحل أفريقياً لإحلال السلام في السودان.
وشدد البرهان على أن «حكومة السودان مع أي حل ينهي حرب الميليشيا المتمردة بمعاونة المرتزقة الأجانب، ويعيد الطمأنينة للشعب السوداني»، وفق تعبيره.
كانت السعودية والولايات المتحدة قد أعلنتا أمس (الجمعة)، عن توصل ممثلي الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في كافة أنحاء البلاد لمدة 24 ساعة اعتباراً من صباح اليوم السبت.
«متنفّس نادر»
ومنحت الهدنة، سكان الخرطوم متنفّساً نادراً منذ بدء المعارك قبل نحو شهرين، إذ أكدوا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنها وفّرت هدوءاً لم يعهدوه خلال اتفاقات سابقة خرقها الجانبان.
ومنذ بدء النزاع في 15 أبريل (نيسان) بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، أبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف النار، سرعان ما كان يتمّ خرقها. ودخلت الهدنة الجديدة حيز التنفيذ عند السادسة صباحاً (04:00 توقيت غرينيتش). وبعد ساعات على بدئها، أفاد سكان في العاصمة وكالة «الصحافة الفرنسية»، بأن الهدوء يسود مختلف أنحائها، ولا يسمعون أصداء قصف أو اشتباكات أو طيران حربي.
ورغم أن توقعات السكان حيال الهدنة كانت متواضعة، لكن توقف المعارك في يوم جمعة، أتاح لأهل العاصمة شراء حاجياتهم الضرورية، من دون الوقوع في شرك الاقتتال. وقال محمد رضوان الذي يقطن بجنوب الخرطوم أثناء تبضّعه في إحدى أسواقها إن «الهدنة فرصة بالنسبة لنا للحصول على مواد غذائية، بعدما عشنا الفترة الماضية على مواد محددة».
وأكد أنه انتظر «حتى مرت أربع ساعات» على بدء الهدنة ليتأكد من ثباتها، قبل أن يخرج لشراء الحاجات الرئيسية مثل الخضار والفاكهة ومواد تموينية. وتعاني الخرطوم، التي كان يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة قبل بدء المعارك، مثل مدن أخرى، من نقص في المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء وتراجع الخدمات الأساسية. وتركها مئات الآلاف من سكانها منذ بدء القتال. وقال علي عيسى الذي يعمل في محطة مؤقتة للحافلات: «اليوم زادت الأعداد بصورة كبيرة، بل تضاعفت أعداد المتجهين إلى مدني والقضارف وسنار وكوستي مع بدء سريان الهدنة»، في إشارة إلى مدن تقع جنوب الخرطوم.
«هدنة وجيزة»
ولم يتوقع سكان الخرطوم الكثير من هدنة ستكون، حتى بحال ثباتها، وجيزة. وقال محمود بشير الذي يقطن وسط ضاحية بحري بشمال العاصمة إن «هدنة يوم واحد أقل من طموحنا. نتطلع إلى إنهاء شامل لهذه الحرب».
وكما سابقاتها من الاتفاقات، تركز الهدنة على تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان السودان المقدّر عددهم بنحو 45 مليون نسمة، ويحتاج أكثر من نصفهم إلى مساعدات، في بلد كان أصلاً من الأكثر فقراً في العالم. ورغم تأكيد الطرفين نيتهما احترام الهدنة، شدد الجيش على احتفاظه «بحق التعامل مع أي خروقات» من قوات «الدعم السريع»، بينما أملت الأخيرة ألا يعرقل الجيش «جهود المساعدات الإنسانية لرفع معاناة المواطنين».
ولم ينعكس هدوء المعارك حلّاً سحرياً للمعاناة في العاصمة. فهاجر يوسف التي تقطن ضاحية أم درمان بشمال الخرطوم، خرجت من منزلها الجمعة، «أبحث عن صيدلية تعمل لأن والدتي مريضة بالسكري وتستخدم الأنسولين... وللأسف لم أجد صيدلية».
وضع إنساني متفاقم
وأودى النزاع بحياة أكثر من 1800 شخص، حسب «مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح» (أكليد). إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. ووفق «المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة»، تسبّب النزاع بنزوح وهجرة حوالى مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا إلى دول مجاورة مثل مصر.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان، خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) حيث المعارك على أشدها. ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد، وانعدام الأمن الغذائي، وسوء تغذية الأطفال. وحذّر رئيس بعثة الصليب الأحمر المنتهية ولايته ألفونسو فردو بيريز الجمعة، من أن الوضع الصحي «قابل للانهيار في أي وقت»، خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) الذي شهد نزاعاً دامياً على مدى عقدين.