استعادت أحزاب عراقية جدلاً قديماً حول تشكيل أقاليم على أساس المكونات والطوائف، وتقسيم موارد المياه والنفط.
وكان زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، قد صرَّح مطلع مارس (آذار) 2025، أن «الشيعة سينفردون بالنفط إذا أجبروا على التقسيم»، وهدَّد حسين مؤنس وهو نائب عن «كتائب حزب الله» العراقي، بـ«استقلال 9 محافظات إذا استمر ابتزاز الشيعة».
وأثارت هذه المواقف ردود فعل من أحزاب سنية اقترحت «تشكيل أقاليم على أساس تقسيم الموارد والثروات، ليحصل الإقليم السني على المياه».
وتحظى هذه النقاشات باهتمام القوى السياسية، بالتزامن مع موسم انتخابي مبكر، وضغوط أميركية على بغداد بضرورة الخروج من دائرة النفوذ الإيراني.
جدل قديم
عام 2005، كادت الأحزاب السنية العراقية تسقط الدستور الدائم بسبب رفضها التصويت على بنود تسمح بإقامة الأقاليم، وكان إقليم كردستان العراق واقع حال منذ عام 1991، وجرى العرف السياسي على كونه من الثوابت.
وخلال عملية كتابة الدستور تعرَّض أكثر من عضو سني في لجنة الصياغة إلى الاغتيال، ولم يتمكَّن العرب السنة من المشاركة في الاستفتاء الدستوري إلا بعد إضافة فقرة تنص على إعادة النظر بالنصوص بعد 5 أشهر.
وفي ذروة تلك الأحداث، فاجأ السياسي الشيعي عبد العزيز الحكيم رئيس «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» بطرحه إقامة «فيدرالية» للشيعة في جنوب البلاد.
وكان الحكيم قد أعلن عن مشروعه أمام حشد في مدينة النجف، وقال: «بات من الضروري إقامة إقليم واحد يضم جميع مناطق الشيعة على غرار إقليم كردستان في شمال العراق».
ويومها، قال أمين «منظمة بدر» هادي العامري، الذي كان حاضراً في خطبة الحكيم، إن «الشيعة يجب أن يحصلوا على الفيدرالية في الجنوب لكي نضمن حقوقهم»، وتابع: «لم نحصل من الحكومة المركزية إلا على الموت».
كما أن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان قد قدَّم عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ في عام 2005 خطة لتقسيم العراق إلى أقاليم، على أساس المكونات، مع حكومة مركزية في بغداد.
أولويات متغيرة
وبعد التصويت على الدستور الدائم للبلاد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2005، تحوَّل التحالف السياسي بين القوى الشيعية والكردية إلى غطاء استراتيجي للحكومات التي تشكلت لاحقاً. ومع مرور الوقت، تراجعت القوى الشيعية عن بعض التزاماتها المتعلقة بالفيدرالية، مثل إدارة الثروات وتطبيع الوضع في مدينة كركوك، كما تجمَّدت مطالب القوى السنية بتعديل الدستور.
ويميل مراقبون إلى الاعتقاد بأن المركزية المفرطة التي أظهرتها الأحزاب الشيعية، التي تستأثر بمنصب رئيس الحكومة وغالبية المناصب الأمنية، أسهمت في إطفاء النقاش حول الفيدرالية في العراق.
كما أن محاربة تنظيم «داعش»، منذ عام 2014، وتوسع نفوذ الفصائل الموالية لإيران إلى المدن السنية المحررة، جعلا الأقاليم مشروعاً غير واقعي.
ومع هروب بشار الأسد، وإطلاق مرحلة سياسية جديدة في سوريا بإدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، تصاعدت أصوات في العراق لاستعادة السجال حول إمكانية تطبيق الفيدرالية في المناطق الغربية، لا سيما مع المتغير الأهم الذي حصل في المنطقة، متمثلاً في كسر «الهلال الشيعي».
ويرى مراقبون أن الميل السني إلى الفيدرالية يعود إلى سببين، الأول «خيار جدي تدفع به زعامات عشائر وأحزاب مخضرمة»، في حين ينحصر الثاني في «محاولات سياسية لمناكفة القوى الشيعية» التي بدأت تطرح مسألة «النفط لإقليم الجنوب»، في حين تطرح أصوات «المياه لإقليم الغربية والشمال».