فساد ودعاية خلف استحداث الحوثيين النوافير والمجسمات

مشروعات مزاعم «تحسين صنعاء» تثير استياء السكان

زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
TT
20

فساد ودعاية خلف استحداث الحوثيين النوافير والمجسمات

زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)

تسببت نافورة جديدة افتتحتها الجماعة الحوثية أخيراً في زحام شديد بتقاطع حيوي ومزدحم غرب العاصمة المختطفة صنعاء، في ظل اتهامات للجماعة باستغلال عنوان «مشروعات تحسين المدينة» لنهب الأموال العامة والدعاية لخطابها الطائفي وادعاءات انتصاراتها العسكرية.

واتهم ناشطون موالون للجماعة القيادي عبد الملك الآنسي، المعيّن من قبلها مديراً عاماً لـ«الوحدة التنفيذية لصيانة الطرق وتحسين المدينة»، بممارسة الفساد ونهب الأموال العامة تحت عنوان «إنشاء مجسمات ونوافير».

وطبقاً لناشطين حوثيين، فإن جهاز الأمن الوقائي التابع للجماعة اعتقل الآنسي في الآونة الأخيرة؛ للتحقيق معه في شبهات فساد مرتبطة بهذه المشروعات، رغم أنه ابن شقيقة القيادي أحمد حامد، مدير مكتب القيادي الآخر مهدي المشاط رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي).

ويرى «عَمّار مُقْبِل»، وهو اسم مستعار لمهندس مدني يعمل في قطاع الأشغال العامة الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية، أن هذه النافورة، وغيرها من المشروعات الشبيهة، تشير إلى «حالة العبث والعشوائية والفساد؛ إذ إن المكان تقاطع مزدحم يفترض أن يُنشأ فيه ما يساعد على تخفيف الزحام وليس زيادته».

مبنى يزعم الحوثيون أنه مجسم للمسجد الأقصى في تقاطع مزدحم بالعاصمة صنعاء (إعلام حوثي)
مبنى يزعم الحوثيون أنه مجسم للمسجد الأقصى في تقاطع مزدحم بالعاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

ويوضح المهندس المدني لـ«الشرق الأوسط» أن المنشآت التي أنجزتها الحكومات اليمنية السابقة «لم تخفف من الزحام إلا بنسبة محدودة، وظل كثير من الأفكار قيد النقاش لخطط ومشروعات من شأنها أن تساعد في احتواء الحركة الواسعة بهذا الموقع، حتى جاء انقلاب الجماعة التي استغلت تلك المنشآت والخطط للدعاية لنفسها والزعم أنها من إنجازاتها. وهذا المشروع ليس إلا واحداً من عشرات المشروعات الشبيهة التي تشير إلى حجم الفساد الذي تنتهجه الجماعة لنهب الأموال العامة»، وفق المهندس مقبل، «فتكاليف إنشاء المجسمات والنوافير في عدد من أحياء صنعاء مبالغ فيها بشكل واضح وجلي، إلى جانب أنها تحمل دعاية لمشروع الجماعة ونهجها وممارساتها».

وتقع النافورة المستحدثة فيما تعرف بـ«جولة مذبح»، وهي التقاء شوارع عدة شمال غربي صنعاء، بالقرب من أحياء مذبح والسنينة والجامعة، وطرق تربط مختلف جهات وأحياء العاصمة بعضها ببعض وبضواحيها الشمالية الغربية.

استحداثات عشوائية

حاولت الحكومات اليمنية السابقة على انقلاب الحوثيين تخفيف الزحام في هذا التقاطع؛ الذي يربط كثيراً من الأحياء المهمة ويقع بجوار جامعة صنعاء، وذلك بإنشاء مرافق متعددة، بينها جسور وأنفاق، تزعم الجماعة الحوثية أنها من إنجازاتها.

خيل وجمال جلبها أصحابها إلى النافورة المستحدثة لتأجيرها للراغبين في التقاط الصور (إكس)
خيل وجمال جلبها أصحابها إلى النافورة المستحدثة لتأجيرها للراغبين في التقاط الصور (إكس)

وتتساءل «سميرة نجيب»، وهو أيضاً اسم مستعار لمهندسة: «كيف يمكن أن تكون هذه أفكار مهندس يحترم تعليمه ومهنته، كيف يجري إنشاء مرفق ترفيهي ومجسم في تقاطع وتحت جسر وفوق نفق في تقاطع مزدحم وفي مساحة ضيقة؟!».

وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت الجماعة افتتحت ما سمته «مجسم الأقصى» في المكان نفسه، ضمن مزاعمها مناصرة الفلسطينيين، وهو مبنى حاول مُنشِئوه جعله شبيها بالمسجد الأقصى، وحوّلوه إلى متحف صور عن معاناة الفلسطينيين، وأخرى للهجمات الحوثية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل. وأكدّت «نجيب» لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه أفكار دعائية لا علاقة لها بمهنة الهندسة أو بتحسين المدن وتجميلها، فالمعروف أن المنشآت الترفيهية والمجسمات الجمالية تُنشأ في مواقع لا ترتبط بشبكة الطرق الرئيسية أو الشوارع المزدحمة».

مجسم لـ«القَدَّاحَة» التي زعم عبد الملك الحوثي أن مقاتليه يستخدمونها في المعارك (فيسبوك)
مجسم لـ«القَدَّاحَة» التي زعم عبد الملك الحوثي أن مقاتليه يستخدمونها في المعارك (فيسبوك)

وبينت أن الأماكن المزدحمة في المدن «يُكتفى فيها بإضفاء اللمسات الجمالية على الإنشاءات التي تستحدث لتخفيف الزحام فيها، وليس بابتداع أبنية وأشكال تزيد من ضيق المكان أو تعوق حركة المرور فيه، مثلما يُمنع استحداث أي أسواق أو مراكز خدمية؛ عامة أو خاصة، بالقرب من تلك المناطق؛ وذلك للتخفيف من شدة الزحام».

ونوهت بأن ما يعرف بـ«مجسم الأقصى» يعدّ «الأغرب من نوعه، ولم يسبق له مثيل، فهو بناء وسط شارع ومساحة عامّين، ووجوده يستقطع جزءاً كبيراً منهما، ويقسّم كل منهما إلى قسمين، ويتسبب في زيادة الزحام وحجب رؤية سائقي السيارات والمركبات، ويعقّد حركة المرور وانتقال السكان».

زحام مروري

أثار إنشاء المجسم والنافورة استياء السائقين، لما تسببا فيه من زحام شديد وتعقيد لحركة المرور في التقاطع الذي يربط أحياء حيوية كثيرة.

قادة حوثيون يفتتحون أحد المجسمات للترويج لهجماتهم في البحر الأحمر وضد إسرائيل (إعلام حوثي)
قادة حوثيون يفتتحون أحد المجسمات للترويج لهجماتهم في البحر الأحمر وضد إسرائيل (إعلام حوثي)

وفي رأي السائقين وملاك المركبات أن شرطة المرور التابعة للجماعة الحوثية «لم تتدخل للتخفيف من الزحام الذي تسببت فيه النافورة منذ افتتاحها، كأنها تتعمد حدوثه».

ويذهب أكاديمي في جامعة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن «الجماعة الحوثية تعمدت فعلاً إحداث زحام شديد حول النافورة، بسبب الإقبال الشديد من سكان الضواحي والأرياف الذين يرتادون المدينة لأجل أعمالهم اليومية أو قضاء حوائجهم أو التداوي في المستشفيات».

ووفقاً لحديث الأكاديمي لـ«الشرق الأوسط»، الذي يقع مقر سكنه بالقرب من موقع استحداث النافورة والمجسم؛ فإن «هذا الزحام، في نظر الجماعة، يعدّ دعاية مجانية لما تتغنى به من إنجاز مشروعات لتحسين صنعاء وتجميلها، وخداع السكان الذين تسببت في تجويعهم وإفقارهم».

تشويه بصري تتسبب فيه المجسمات الحوثية المستحدثة للترويج لعملياتها العسكرية وأسلحتها (إعلام حوثي)
تشويه بصري تتسبب فيه المجسمات الحوثية المستحدثة للترويج لعملياتها العسكرية وأسلحتها (إعلام حوثي)

واستنكر إقدام الجماعة على إنفاق الأموال العامة في «مثل هذه المشروعات العبثية، بينما ما زالت منذ نحو عقد تحتجز رواتب الموظفين العموميين والمعلمين وأساتذة الجامعات».

وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي حملات سخرية لاذعة منذ افتتاح الجماعة الحوثية مثل هذه المنشآت، باعتبارها «شاهدة على مساعيها لترويج خطابها الطائفي ومزاعمها».

ويؤكد الناشط المجتمعي أنيس مانع لـ«الشرق الأوسط» وجود «ممارسات فساد حوثي تُرافق إنشاء المجسمات والنوافير، ضمن ادعاءات (تحسين المدينة)، بينما غالبية الشوارع تعاني الإهمال والخراب وتردي خدمات النظافة وفيضان مياه الصرف الصحي».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يصادرون إلكترونيات المسافرين عبر مطار صنعاء

المشرق العربي المسافرون عبر مطار صنعاء يواجهون إجراءات حوثية مشددة (غيتي)

الحوثيون يصادرون إلكترونيات المسافرين عبر مطار صنعاء

لجأت الجماعة الحوثية لاحتجاز الأجهزة الإلكترونية للإعلاميين والناشطين المسافرين عبر مطار صنعاء لإجبارهم على العودة، في الوقت نفسه الذي تشدد رقابتها عليهم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الولايات المتحدة​ النائب الأميركي راجا كريشنامورثي يشير إلى رسائل نصية لوزير الدفاع بيت هيغسيث خلال جلسة استماع سنوية لتقييم التهديدات العالمية في مبنى مكتب لونغورث هاوس بعد تسريب «محادثات سيغنال» (أ.ف.ب)

روبيو: واقعة «سيغنال» خطأ فادح لكن لم يهدد حياة جنودنا

أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الأربعاء)، أن المعلومات الواردة عبر محادثة «سيغنال» بشأن الهجمات على اليمن لم تكن سرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال» play-circle

البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال»

حمّل البيت الأبيض اليوم (الأربعاء)، مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز المسؤولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شوائب غريبة تكشف غش الوقود المنتشر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

تسبب وقود مغشوش يباع بمناطق سيطرة الحوثيين بأعطال وتلف السيارات في حين تنصلت الجماعة الحوثية من المسؤولية ولم تقدم تفسيرات للسكان

وضاح الجليل (عدن)

نتنياهو متمسك بنزع سلاح «حماس»

خيام تؤوي الفلسطينيين النازحين خلال عيد الفطر (أ.ف.ب)
خيام تؤوي الفلسطينيين النازحين خلال عيد الفطر (أ.ف.ب)
TT
20

نتنياهو متمسك بنزع سلاح «حماس»

خيام تؤوي الفلسطينيين النازحين خلال عيد الفطر (أ.ف.ب)
خيام تؤوي الفلسطينيين النازحين خلال عيد الفطر (أ.ف.ب)

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد ساعات من إعلان «حماس» قبولها مقترحاً مصرياً لوقف النار قبل عيد الفطر، أنه قرر زيادة الضغط العسكري المكثف على الحركة، مؤكداً أن هذا الضغط هو وحده الكفيل بتدمير «حماس» واستعادة المحتجزين.

وقال نتنياهو في جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس: «إن الضغط العسكري في غزة فعَّال؛ لأنه يفتت القدرات العسكرية والسلطوية لـ(حماس)، ويفضي إلى تحرير مخطوفينا».

وأضاف: «نحن نتفاوض تحت النار؛ لذلك هي مفاوضات فعَّالة»، معتبراً أنه مستعد للحديث عن المرحلة النهائية بخطة «لا يخفيها على أحد» كما قال. وتقضي الخطة بـ«إلقاء (حماس) سلاحها، وسيُسمح لقادتها بالخروج. سنضمن الأمن العام في قطاع غزة (سيطرة أمنية)، وسنُمكَّن من تنفيذ خطة (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب، بالهجرة الطوعية».

ودافع نتنياهو عن سياسته في قطاع غزة، وزعم أنه يواجه ادعاءاتٍ كاذبة هي «صدى لدعاية (حماس) وما تبثه في أفلامها الدعائية لزرع الفرقة بيننا، وخلق صورة زائفة».

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن ثمة فجوات بين ما وافقت عليه «حماس» وبين ما تريده إسرائيل التي قدمت مقترحاً مضاداً، وتعتقد أن «حماس» قد توافق عليه تحت الضغط العسكري.

وكانت إسرائيل ردت على المقترح المصري بمقترح مضاد، تطالب فيه بالإفراج عن 10 أحياء على الأقل وليس 5، والحصول على جثامين، واتفاق تهدئة قبل حلول «عيد الفصح» اليهودي الذي يصادف بين 12 و20 أبريل (نيسان) المقبل.