فساد ودعاية خلف استحداث الحوثيين النوافير والمجسمات

مشروعات مزاعم «تحسين صنعاء» تثير استياء السكان

زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
TT

فساد ودعاية خلف استحداث الحوثيين النوافير والمجسمات

زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)
زحام شديد بجوار نافورة استحدثها الحوثيون بأحد أكبر تقاطعات العاصمة حيوية وحركة مرورية (إكس)

تسببت نافورة جديدة افتتحتها الجماعة الحوثية أخيراً في زحام شديد بتقاطع حيوي ومزدحم غرب العاصمة المختطفة صنعاء، في ظل اتهامات للجماعة باستغلال عنوان «مشروعات تحسين المدينة» لنهب الأموال العامة والدعاية لخطابها الطائفي وادعاءات انتصاراتها العسكرية.

واتهم ناشطون موالون للجماعة القيادي عبد الملك الآنسي، المعيّن من قبلها مديراً عاماً لـ«الوحدة التنفيذية لصيانة الطرق وتحسين المدينة»، بممارسة الفساد ونهب الأموال العامة تحت عنوان «إنشاء مجسمات ونوافير».

وطبقاً لناشطين حوثيين، فإن جهاز الأمن الوقائي التابع للجماعة اعتقل الآنسي في الآونة الأخيرة؛ للتحقيق معه في شبهات فساد مرتبطة بهذه المشروعات، رغم أنه ابن شقيقة القيادي أحمد حامد، مدير مكتب القيادي الآخر مهدي المشاط رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي).

ويرى «عَمّار مُقْبِل»، وهو اسم مستعار لمهندس مدني يعمل في قطاع الأشغال العامة الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية، أن هذه النافورة، وغيرها من المشروعات الشبيهة، تشير إلى «حالة العبث والعشوائية والفساد؛ إذ إن المكان تقاطع مزدحم يفترض أن يُنشأ فيه ما يساعد على تخفيف الزحام وليس زيادته».

مبنى يزعم الحوثيون أنه مجسم للمسجد الأقصى في تقاطع مزدحم بالعاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

ويوضح المهندس المدني لـ«الشرق الأوسط» أن المنشآت التي أنجزتها الحكومات اليمنية السابقة «لم تخفف من الزحام إلا بنسبة محدودة، وظل كثير من الأفكار قيد النقاش لخطط ومشروعات من شأنها أن تساعد في احتواء الحركة الواسعة بهذا الموقع، حتى جاء انقلاب الجماعة التي استغلت تلك المنشآت والخطط للدعاية لنفسها والزعم أنها من إنجازاتها. وهذا المشروع ليس إلا واحداً من عشرات المشروعات الشبيهة التي تشير إلى حجم الفساد الذي تنتهجه الجماعة لنهب الأموال العامة»، وفق المهندس مقبل، «فتكاليف إنشاء المجسمات والنوافير في عدد من أحياء صنعاء مبالغ فيها بشكل واضح وجلي، إلى جانب أنها تحمل دعاية لمشروع الجماعة ونهجها وممارساتها».

وتقع النافورة المستحدثة فيما تعرف بـ«جولة مذبح»، وهي التقاء شوارع عدة شمال غربي صنعاء، بالقرب من أحياء مذبح والسنينة والجامعة، وطرق تربط مختلف جهات وأحياء العاصمة بعضها ببعض وبضواحيها الشمالية الغربية.

استحداثات عشوائية

حاولت الحكومات اليمنية السابقة على انقلاب الحوثيين تخفيف الزحام في هذا التقاطع؛ الذي يربط كثيراً من الأحياء المهمة ويقع بجوار جامعة صنعاء، وذلك بإنشاء مرافق متعددة، بينها جسور وأنفاق، تزعم الجماعة الحوثية أنها من إنجازاتها.

خيل وجمال جلبها أصحابها إلى النافورة المستحدثة لتأجيرها للراغبين في التقاط الصور (إكس)

وتتساءل «سميرة نجيب»، وهو أيضاً اسم مستعار لمهندسة: «كيف يمكن أن تكون هذه أفكار مهندس يحترم تعليمه ومهنته، كيف يجري إنشاء مرفق ترفيهي ومجسم في تقاطع وتحت جسر وفوق نفق في تقاطع مزدحم وفي مساحة ضيقة؟!».

وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت الجماعة افتتحت ما سمته «مجسم الأقصى» في المكان نفسه، ضمن مزاعمها مناصرة الفلسطينيين، وهو مبنى حاول مُنشِئوه جعله شبيها بالمسجد الأقصى، وحوّلوه إلى متحف صور عن معاناة الفلسطينيين، وأخرى للهجمات الحوثية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل. وأكدّت «نجيب» لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه أفكار دعائية لا علاقة لها بمهنة الهندسة أو بتحسين المدن وتجميلها، فالمعروف أن المنشآت الترفيهية والمجسمات الجمالية تُنشأ في مواقع لا ترتبط بشبكة الطرق الرئيسية أو الشوارع المزدحمة».

مجسم لـ«القَدَّاحَة» التي زعم عبد الملك الحوثي أن مقاتليه يستخدمونها في المعارك (فيسبوك)

وبينت أن الأماكن المزدحمة في المدن «يُكتفى فيها بإضفاء اللمسات الجمالية على الإنشاءات التي تستحدث لتخفيف الزحام فيها، وليس بابتداع أبنية وأشكال تزيد من ضيق المكان أو تعوق حركة المرور فيه، مثلما يُمنع استحداث أي أسواق أو مراكز خدمية؛ عامة أو خاصة، بالقرب من تلك المناطق؛ وذلك للتخفيف من شدة الزحام».

ونوهت بأن ما يعرف بـ«مجسم الأقصى» يعدّ «الأغرب من نوعه، ولم يسبق له مثيل، فهو بناء وسط شارع ومساحة عامّين، ووجوده يستقطع جزءاً كبيراً منهما، ويقسّم كل منهما إلى قسمين، ويتسبب في زيادة الزحام وحجب رؤية سائقي السيارات والمركبات، ويعقّد حركة المرور وانتقال السكان».

زحام مروري

أثار إنشاء المجسم والنافورة استياء السائقين، لما تسببا فيه من زحام شديد وتعقيد لحركة المرور في التقاطع الذي يربط أحياء حيوية كثيرة.

قادة حوثيون يفتتحون أحد المجسمات للترويج لهجماتهم في البحر الأحمر وضد إسرائيل (إعلام حوثي)

وفي رأي السائقين وملاك المركبات أن شرطة المرور التابعة للجماعة الحوثية «لم تتدخل للتخفيف من الزحام الذي تسببت فيه النافورة منذ افتتاحها، كأنها تتعمد حدوثه».

ويذهب أكاديمي في جامعة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن «الجماعة الحوثية تعمدت فعلاً إحداث زحام شديد حول النافورة، بسبب الإقبال الشديد من سكان الضواحي والأرياف الذين يرتادون المدينة لأجل أعمالهم اليومية أو قضاء حوائجهم أو التداوي في المستشفيات».

ووفقاً لحديث الأكاديمي لـ«الشرق الأوسط»، الذي يقع مقر سكنه بالقرب من موقع استحداث النافورة والمجسم؛ فإن «هذا الزحام، في نظر الجماعة، يعدّ دعاية مجانية لما تتغنى به من إنجاز مشروعات لتحسين صنعاء وتجميلها، وخداع السكان الذين تسببت في تجويعهم وإفقارهم».

تشويه بصري تتسبب فيه المجسمات الحوثية المستحدثة للترويج لعملياتها العسكرية وأسلحتها (إعلام حوثي)

واستنكر إقدام الجماعة على إنفاق الأموال العامة في «مثل هذه المشروعات العبثية، بينما ما زالت منذ نحو عقد تحتجز رواتب الموظفين العموميين والمعلمين وأساتذة الجامعات».

وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي حملات سخرية لاذعة منذ افتتاح الجماعة الحوثية مثل هذه المنشآت، باعتبارها «شاهدة على مساعيها لترويج خطابها الطائفي ومزاعمها».

ويؤكد الناشط المجتمعي أنيس مانع لـ«الشرق الأوسط» وجود «ممارسات فساد حوثي تُرافق إنشاء المجسمات والنوافير، ضمن ادعاءات (تحسين المدينة)، بينما غالبية الشوارع تعاني الإهمال والخراب وتردي خدمات النظافة وفيضان مياه الصرف الصحي».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

العالم العربي أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الولايات المتحدة​ النائب الأميركي راجا كريشنامورثي يشير إلى رسائل نصية لوزير الدفاع بيت هيغسيث خلال جلسة استماع سنوية لتقييم التهديدات العالمية في مبنى مكتب لونغورث هاوس بعد تسريب «محادثات سيغنال» (أ.ف.ب)

روبيو: واقعة «سيغنال» خطأ فادح لكن لم يهدد حياة جنودنا

أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الأربعاء)، أن المعلومات الواردة عبر محادثة «سيغنال» بشأن الهجمات على اليمن لم تكن سرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال» play-circle

البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال»

حمّل البيت الأبيض اليوم (الأربعاء)، مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز المسؤولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شوائب غريبة تكشف غش الوقود المنتشر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

تسبب وقود مغشوش يباع بمناطق سيطرة الحوثيين بأعطال وتلف السيارات في حين تنصلت الجماعة الحوثية من المسؤولية ولم تقدم تفسيرات للسكان

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي اتهامات للجماعة الحوثية باستخدام المساعدات في استقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (رويترز)

تعسف الانقلابيين يضرب التكافل الاجتماعي في اليمن

تتسبب ممارسات الجماعة الحوثية في تراجع التكافل الاجتماعي بين اليمنيين، بالتزامن مع مساعيها لحرمان السكان من المساعدات المقدمة من فاعلي الخير وتجييرها لصالحها

وضاح الجليل (عدن)

خبراء: «حزب الله» بين خياري الرضوخ والاستسلام... أو الحرب المدمرة

عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
TT

خبراء: «حزب الله» بين خياري الرضوخ والاستسلام... أو الحرب المدمرة

عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

لا تبدو خيارات «حزب الله» بعد استهداف إسرائيل للضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الأولى منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كثيرة، فهو يُدرك أنه سيكون عليه أن يختار بين الرضوخ والاستسلام للواقع الراهن، كما فعل طوال الفترة الماضية في التعاطي مع الخروقات الإسرائيلية، التي اتخذت أشكالاً شتى، والمغامرة برد، أياً كان حجمه، وهو ما ستتخذه تل أبيب مبرراً لجولة جديدة من الحرب قد تقضي على ما تبقى من قدراته ووجوده العسكري، حسبما يقول خبراء.

إلغاء احتفالية للحزب

ويبدو واضحاً أن الحزب لم يكن يتوقع أن تؤدي عمليات إطلاق الصواريخ التي لا تزال حتى الساعة «لقيطة»، إلى استهداف الضاحية وترويع بيئته وتهجير مناصريه من جديد. كما قام بإلغاء احتفال كان سينظمه بعد ظهر الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، كان يفترض أن يتحدث خلاله أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم.

ولم يصدر حتى ساعات المساء الأولى أي تعليق من الحزب على التطورات الأخيرة غير تصريح مقتضب للنائب عن الحزب، إبراهيم الموسوي، الذي طالب الحكومة بـ«مصارحة الناس والقول ماذا أعدت من أجل وقف هذه الاستباحة المتمادية للسيادة اللبنانية»، مشدداً على أن «هذه العربدة الإسرائيلية لا يمكن أن تدوم».

لا قدرة على الرد

ويصف العميد المتقاعد الدكتور حسن جوني ما حصل، الجمعة، وبالتحديد لجهة استهداف الضاحية، بـ«التطور الخطير جداً»، عادّاً أن «السياق الحالي لا يحرج (حزب الله) وحده، بل يشمل أيضاً، وبشكل أساسي، الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها من العهد إلى الحكومة والسلطة».

ويرى جوني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «السؤال الذي يطرح نفسه ليس إذا كان (حزب الله) سيرد أم لا، إنما هل يستطيع الرد؟ وهل سيكون الرد محدوداً مثل ردّ فعل على اعتداء معين، أم أنه سيؤدي إلى تصعيد يخدم رغبة نتنياهو، والظروف التي تناسب راهناً لإسرائيل؟».

ويرجح جوني ألا يرد الحزب لعدة أسباب أبرزها أنه «لم يتعافَ لدرجة تسمح له بخوض حرب جديدة، كما أن الدولة اللبنانية، رغم كل ما يجري، لا تزال في مرحلة تسعى للحفاظ على كيانها وسيادتها. وهذا ما يجعل الإحراج يقع أولاً على الدولة اللبنانية نفسها، وخصوصاً أن الحزب يقول إنه لا يزال يقف خلف الدولة».

ويضيف: «أعتقد أن الرسالة التي وجهتها إسرائيل إلى لبنان كانت عنيفة. وهي ليست فقط للدولة اللبنانية، بل أيضاً للمجتمع اللبناني بكل مكوناته، بهدف ممارسة الضغط والعودة إلى طاولة التفاوض. والرسالة الإسرائيلية واضحة وتقول إنها لن تكتفي بأي رد محدود ولن تتوقف عند أي خطوط حمراء في الضاحية أو غيرها، ما لم يتم التجاوب مع الطروحات الأميركية المتعلقة بإنشاء لجان تفاوض، بحيث إذا بدأت عملية تفاوض قد تؤدي إلى تهدئة الوضع الميداني ولو بشكل جزئي».

صراع داخل «حزب الله»

من جهته، يعتبر الناشط السياسي ورئيس تحرير موقع «جنوبية»، علي الأمين، أن «(حزب الله) أمام 3 خيارات: إما أن يرد بما يتناسب مع الضربات التي يتعرض لها، وبالتالي يدخل في عملية ردّ قد تستدرج ضربات إسرائيلية كبرى لن يكون قادراً على تحمّلها، وإما أن يختار الصمت ولا يردّ على العملية الأخيرة، والخيار الثالث الذي يحاول دائماً اللجوء إليه هو تنفيذ عمليات غير مُعلنة، مثل إطلاق صواريخ دون تبنّي المسؤولية عنها، بحيث لا يُعرف من الجهة التي أطلقتها. لكن هذه الاستراتيجية بدأت تفقد فاعليتها؛ لأن إسرائيل لم تعد تتعامل معها على أنها هجمات من جهة مجهولة، بل تردّ باستهداف مباشر لـ(حزب الله)».

ويستخلص الأمين أن «حزب الله» لا يملك خياراً إلا الالتزام بموجبات الدولة اللبنانية سياسياً. لكن في الوقت ذاته، نعلم جيداً أنه إذا فقد ميزته العسكرية والأمنية، أي فقد سلاحه ودوره العسكري والأمني، فهذا يعني نهايته، مضيفاً: «بالتأكيد، هناك بُنى عسكرية وأمنية داخل الحزب لا تزال تؤمن بإمكانية البقاء والتأثير، وهذا ما نشهده اليوم. هناك صراع داخلي موضوعي بين جناح يريد التسليم بالمعطيات الجديدة بعد سقوط سوريا وتراجع إيران، وبين قوى أخرى ترى أنه لا دور لـ(حزب الله) إلا في قتال إسرائيل. وهو ما يفسّر بعض الأحداث الأخيرة، مثل إطلاق الصواريخ مجهولة المصدر، حيث إن الحزب حتى الآن لا يعترف بمسؤوليته عنها».