​المستنقعات تحاصر سكان صنعاء وتهددهم بالأوبئة

اتهامات للحوثيين بالفساد وإهمال شبكات الصرف

ساحة في حي باب اليمن بصنعاء وقد أغرقتها السيول وأوقفت الحركة فيها تماماً (إكس)
ساحة في حي باب اليمن بصنعاء وقد أغرقتها السيول وأوقفت الحركة فيها تماماً (إكس)
TT

​المستنقعات تحاصر سكان صنعاء وتهددهم بالأوبئة

ساحة في حي باب اليمن بصنعاء وقد أغرقتها السيول وأوقفت الحركة فيها تماماً (إكس)
ساحة في حي باب اليمن بصنعاء وقد أغرقتها السيول وأوقفت الحركة فيها تماماً (إكس)

يواجه سكان العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أوضاعاً صعبة خلال موسم الأمطار، إذ يتحول كثير من الشوارع إلى مستنقعات، وتغرق غالبية الأحياء بالأوحال لأيام طويلة، وإلى جانب إعاقة الحركة والتسبب بخسائر مادية، تزداد المخاوف من مخاطر صحية بسبب اختلاط السيول بمياه الصرف الصحي، وتفشي وباء الكوليرا.

وتسببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها صنعاء خلال الأيام الماضية بإغلاق الشوارع وإيقاف حركة المرور، ويشكو السكان من عدم اهتمام مؤسسة المياه والصرف الصحي الخاضعة لسيطرة الحوثيين بإزالة مسببات انسداد شبكات الصرف الصحي وفتحات السيول في الشوارع، أو شفط المياه الراكدة المكونة للمستنقعات في غالبية الأحياء والشوارع.

ميدان التحرير وسط صنعاء بعد امتلائه بالسيول ليلة 28 يوليو (إكس)

ويؤكد مالك كافتيريا لـ«الشرق الأوسط» تراجع عدد زبائنه خلال مواسم الأمطار بسبب المستنقعات التي تحدثها الأمطار في الشارع الذي تقع فيه الكافتيريا والشوارع المحيطة، إلى درجة أن غالبية السكان يحجمون عن المشي هناك، وحتى حركة المركبات تتراجع بسبب خشية السائقين من الحفر التي تخفيها المياه، ومن الأوساخ التي تعلق بالسيارات.

وإلى جانب ذلك تتسبب الروائح الكريهة المنبعثة من المستنقعات والأوحال في عزوف الزبائن عن زيارة الكافتيريا، أو تناول المأكولات والمشروبات فيها.

وفي شارع «أبو الحسن الهمداني»، والمشهور بشارع حدة، وهو أحد أكبر شوارع صنعاء وأكثرها في الأنشطة التجارية، يتوقف كثير من المحلات عن بيع السلع، وتقديم الخدمات بسبب السيول التي تتدفق إلى داخلها، وتتسبب بكثير من الخسائر.

جبايات وإهمال

غير أن الأحياء الأكثر تضرراً من السيول والمستنقعات هي تلك الواقعة في أطراف صنعاء، خصوصاً الأحياء الغربية الواقعة في مديرية معين، مثل السنينة ومذبح وهائل، وأحياء جنوب شرقي المدينة، وهي الأحياء التي تمر بها أكبر كمية من السيول المقبلة من جهة الجنوب باتجاه الشمال، إلى جانب أحياء كثيرة في وسط المدينة مثل حي الصافية.

ومنذ أيام يشهد شارع خولان، وهو أحد أكبر الشوارع شرق صنعاء، توقفاً شبه تام في حركة السيارات والمشاة بعد أن جرفت السيول إليه كميات كبيرة من الأتربة والحصى والحجارة مختلفة الأحجام، لتغير معالم الشارع وتتسبب في إخفاء معالم الطريق، ونشوء المستنقعات والمطبات.

شارع خولان شرق صنعاء وقد توقفت الحركة فيه بفعل آثار السيول (إكس)

ويعدّ شارع خولان أحد أهم الشوارع التي تربط أحياء شرق صنعاء بأحياء الجنوب الشرقي، كما يضم في محيطه عدداً من الأسواق الشعبية، ويربط أيضاً المدينة بمديريات محافظة صنعاء الريفية باتجاه الجنوب الشرقي.

ويتهم مصدر في مؤسسة المياه والصرف الصحي في صنعاء الجماعة الحوثية بالاكتفاء بفرض الجبايات والرسوم غير القانونية، بما فيها ما تعرف برسوم النظافة وتحسين الطرقات، دون أن تنفذ أي أعمال من شأنها التخفيف من معاناة السكان خلال مواسم الأمطار.

وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» عن لجوء قادة حوثيين إلى فرض جبايات على السكان في الأحياء التي تتجمع فيها مياه السيول وتُشكل مستنقعات، تحت مبرر استئجار صهاريج لشفط المياه التي تعيق الحركة وتهدد بانتشار الأوبئة، مبيناً أن هذه الجبايات يجري جمعها عبر مسؤولي الأحياء المعروفين باسم «عقال الحارات»، ومن دون سندات رسمية.

مخاوف صحية

يدعي القادة الحوثيون أن هذه الجبايات تتم بروح تعاونية بين السكان لأجل المصلحة العامة، إلا أنه لا يجري شفط المياه بالقدر الكافي، كما لا تتبع عمليات الشفط أي أعمال أخرى لتنظيف الشوارع وإزالة مخلفات السيول.

ويرى سكان صنعاء أن ممارسات الجماعة الحوثية تسببت في انهيار منظومة المجاري والصرف، من خلال الإهمال المتعمد والفساد المستشري في الجهات المختصة التي يديرها قادة الجماعة، التي توقفت عن عمليات الصيانة، وإجراء التحديثات على منشآت الصرف الصحي وشبكة المجاري منذ الانقلاب قبل عشرة أعوام.

مشهد من مجرى السيول في صنعاء والمعروف بـ«السائلة» خلال الأيام الماضية (إكس)

ويشير السكان إلى أن الجهات الرسمية المختصة بصيانة ونظافة الشوارع والطرقات، والتي تسيطر عليها الجماعة الحوثية، توقفت حتى عن أداء أبسط الخدمات، ومن ذلك تنظيف الشوارع من مخلفات السيول، وردم المستنقعات، وإزالة الركام من فتحات المجاري.

ويلجأ السكان إلى إزالة بعض مخلفات السيول، وتنظيف فتحات المجاري بأنفسهم للتخفيف من تجمع المياه في الشوارع والأزقة، وتسهيل حركتهم.

وتحذر أوساط طبية من أن تتسبب الأوحال والمستنقعات وطفح شبكة الصرف الصحي، إلى جانب سحب السيول أكوام القمامة المتكدسة إلى تلك المستنقعات، بانتشار عدد من الأمراض والأوبئة، في ظل ما تعانيه البلاد من تفشي الكوليرا الذي يعاود انتشاره مجدداً، بالإضافة إلى الإسهالات المائية والملاريا والدفتيريا والتيفوئيد.

أحد شوارع حي الصافية وسط صنعاء بعد هطول الأمطار (إكس)

وذكرت مصادر طبية في صنعاء لوسائل إعلام محلية عن ازدياد حالات الإصابة بمرض الكوليرا خلال الأيام الأخيرة بشكل لافت، مع عجز أحد أكبر المستشفيات العمومية عن استيعاب الحالات التي تصل على مدار الساعة، وبعضها في حالة حرجة جداً.

ويأتي ذلك في وقت تمارس فيه الجماعة الحوثية تعتيماً إعلامياً عن انتشار الوباء في مناطق سيطرتها، خوفاً من اتهامها بالتقصير وتحميلها المسؤولية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

أقدم الحوثيون على التنكيل بسكان قرية «حنكة آل مسعود» التابعة لمديرية القريشية في محافظة البيضاء اليمنية، حيث اعتقلوا نحو 400 مدني، وفجَّروا ونهبوا 20 منزلاً.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن التقى في طهران وزير الخارجية الإيراني (الأمم المتحدة)

غروندبرغ يطلب ضغطاً إيرانياً على الحوثيين لإطلاق المعتقلين الأمميين

اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ زيارة إلى إيران، طالباً من الأخيرة الضغط على الحوثيين لإطلاق المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي تسجيل نحو 400 حالة وفاة غرقاً لمهاجرين أفارقة إلى اليمن في عام 2024 (إعلام حكومي)

بيانات دولية: مليون مهاجر أفريقي عَبروا اليمن خلال 10 سنوات

رغم الحرب التي طال أمدها في اليمن فإن ذلك لم يمنع من تدفق نحو مليون مهاجر أفريقي إلى هذا البلد خلال 10 سنوات، وسط ظروف قاسية تشمل التعذيب والاستغلال

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي اليمن يسجل العبء الأكبر من حالات الإصابة بالكوليرا على الصعيد العالمي (الأمم المتحدة)

توقعات بتدهور الوضع الإنساني في اليمن خلال 2025

بدأت الأمم المتحدة جمع البيانات حول الوضع الإنساني باليمن من أجل استكمال خطة الاستجابة الإنسانية في ظل نقص المعلومات وتوقعات بعدم كفاية التمويل

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي غروندبرغ يأمل أن تقود مساعيه لخفض تصعيد الحوثيين وإطلاق سراح المعتقلين الأمميين (أ.ف.ب)

غروندبرغ إلى طهران أملاً في ضغوط إيرانية على الحوثيين

على وقع التصعيد الحوثي المستمر إقليمياً وداخلياً، وصل المبعوث الأممي غروندبرغ إلى طهران أملاً في ضغط إيراني على الجماعة لخفض التصعيد، وإطلاق المعتقلين الأمميين.

علي ربيع (عدن)

الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
TT

الحوثيون ينكّلون بسكان قرية يمنية في محافظة البيضاء

طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)
طوال سنوات لجأ الحوثيون إلى البطش والتنكيل بسكان المناطق القبلية المعارضة (أ.ب)

بعد حصار وقصف داما أكثر من أسبوع أَقْدَمَ مسلحو الجماعة الحوثية على التنكيل بسكان قرية «حنكة آل مسعود» التابعة لمديرية القريشية في محافظة البيضاء جنوب شرقي صنعاء، حيث اعتقلوا نحو 400 مدني، وفجَّروا ونهبوا أكثر من 20 منزلاً، وفق ما أفادت به مصادر الحكومة اليمنية.

ونقلت وكالة «سبأ» الحكومية عن مصادر محلية قولها إن الميليشيات الحوثية اختطفت 400 مدني على الأقل من أهالي قرية «حنكة آل مسعود»، بينهم أطفال وشيوخ، ونقلت 360 معتقلاً منهم إلى سجن إدارة أمن مديريات رداع في منطقة الكمب، و60 معتقلاً آخرين إلى السجن المركزي في مدينة رداع.

وطبقاً لما أوردته المصادر، فجَّر الحوثيون منازل 3 من سكان القرية هم علي أحمد الجوبلي المسعودي، ومحمد صالح الجوبلي المسعودي، ومحمد أحمد حسين المسعودي، بعد أن أُحرقت 5 منازل بشكل كامل، وفُخخت 6 منازل أخرى، فضلاً عن اقتحام ونهب أكثر من 11 منزلاً في القرية، بحسب إحصائية أولية.

وباشر مسلحو الجماعة الحوثية الذين استخدموا كل الأسلحة الثقيلة والطيران المسير لاقتحام القرية باستهداف منازل السكان إثر حصار خانق وقصف مكثف لأكثر من أسبوع.

مسلحون حوثيون في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

وأوردت المصادر الرسمية اليمنية أن عناصر الجماعة أحرقوا 5 منازل، وفخخوا 6 أخرى بالمتفجرات استعداداً لنسفها، قبل أن تتدخل وساطة قبلية، وتَحُول دون تفجير تلك المنازل، كما اقتحموا أكثر من 11 منزلاً آخر في القرية، ونهبوا كل محتوياتها من الجواهر ووثائق ملكية الأراضي والعقارات وغيرها من المقتنيات الثمينة.

وكانت الجماعة الحوثية قد قامت بالتزامن مع حصار القرية وقصفها بقطع شبكات الاتصالات، وحجب خدمات الإنترنت عن القرية والقرى المحيطة بها بشكل كامل، خوفاً من كشف جرائمها بحق الأهالي التي تشمل التصفيات الجسدية والاختطافات والترحيل القسري.

جرائم وحشية

وعلى وقع تنكيل الحوثيين بسكان القرية، حذر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تصريح رسمي، من ارتكاب الجماعة «أعمال إبادة جماعية بحق الأهالي، وقال إن القصف العشوائي الذي شنته الميليشيا على منازل المدنيين باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، أسفر عن سقوط كثير من الضحايا بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال، كما تم تدمير نحو 20 منزلاً، مع منع وصول الفرق الطبية لإسعاف المصابين أو إدخال المواد الغذائية للمحاصرين.

وأشار الإرياني إلى أن قرابة 10 آلاف شخص يقطنون نحو 2000 منزل في القرية، يعيشون في حالة من الرعب والخوف جراء الهجمات الوحشية الحوثية، والتي تشمل أعمالاً انتقامية، واعتقالات عشوائية طالت الأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى اقتحام المنازل، ونهب الممتلكات الشخصية مثل الذهب، والأموال والأسلحة الشخصية.

وانتقد الوزير اليمني ما وصفه بـ«الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم الوحشية»، وقال: «هذا الصمت يشجع الميليشيا على استمرار سياساتها العدوانية التي تمثل استخفافاً بحياة الأبرياء، وتعد انتهاكاً صارخاً وغير مسبوق لحقوق الإنسان وللقوانين والمواثيق الدولية.

وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لوقف «الجرائم الوحشية»، وحماية المدنيين، كما دعا إلى التصنيف الفوري للحوثيين «جماعة إرهابية عالمية»، ومحاكمة قادتها أمام المحاكم الجنائية الدولية على الجرائم والانتهاكات الجسيمة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.