سكان حي في صنعاء ينامون قرب جبل من النفايات

روائح مزعجة تملأ الأرجاء والتلوث يتسرب إلى المياه

جانب من مكب القمامة جنوب غربي العاصمة صنعاء (البنك الدولي)
جانب من مكب القمامة جنوب غربي العاصمة صنعاء (البنك الدولي)
TT

سكان حي في صنعاء ينامون قرب جبل من النفايات

جانب من مكب القمامة جنوب غربي العاصمة صنعاء (البنك الدولي)
جانب من مكب القمامة جنوب غربي العاصمة صنعاء (البنك الدولي)

قبل أن ينام، يمسك محمد النوري شالاً طويلاً بيده اليسرى، وفي مواجهته ترتفع يده اليمنى بزجاجة عطر رخيصة، يوجه منها رشات عدة على الشال، ثم يلفه حول وجهه ويحاول النوم، وتلك طريقته الوحيدة لمواجهة الروائح المنبعثة من مكب النفايات الذي يقع على بُعد 700 متر من مقر سكنه غرب العاصمة اليمنية صنعاء.

يقول النوري، وهو طالب جامعي من أبناء محافظة تعز، إنه لا يعود إلى سكنه إلا للنوم فقط، ويحاول كل ليلة أن يتأخر قدر المستطاع كي يوفر على نفسه عناء استنشاق روائح مكب النفايات، غير أن أقصى موعد يستطيع أن يجد فيه وسيلة مواصلات تقله هو الساعة الحادية عشرة ليلاً.

ويتأسف النوري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، للحال التي يعيشها سكان الحي بسبب الروائح المنبعثة من مكب النفايات، حيث لا يفيد إغلاق النوافذ، ولا حتى استخدام البخور في إيقافها.

جانب من مكب القمامة جنوب غربي العاصمة صنعاء (البنك الدولي)

لم يكن مقرراً أن يتحول المكان إلى مكب للنفايات، بل هو محطة لتجميع النفايات بالناقلات الصغيرة، حيث تأتي بعد ذلك الشاحنات الضخمة لنقله إلى المكب الرئيسي في منطقة الأزرقين شمال العاصمة صنعاء، بجانب الطريق التي تربطها بمحافظتي عمران وصعدة، بحسب موظف سابق في مشروع النظافة في العاصمة صنعاء.

مشكلة مزمنة

يفيد محمد شبان، وهو اسم مستعار للموظف السابق في مشروع النظافة في صنعاء، حيث طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته، بأن الروائح لم تكن تنبعث من المكان لأنه لم يكن مسموحاً ببقاء النفايات فيه لمدة طويلة، ولا يسمح بتسرب سوائل العصارة منها إلى الأرض؛ حيث يجري نقل النفايات بشكل متواصل طوال اليوم، وعندما تم إنشاء محطة المعالجة؛ كان يجري فصل النفايات الرطبة عن تلك الجافة لمنع انتشار الروائح أو تسرب العصارة.

ويتابع: «قبل الانقلاب الحوثي كان يجري تجميع النفايات التي يمكن معالجتها في المحطة، ويتم التخلص من البقايا الجافة قرب المحطة، حيث يتراكم الجبل الذي بدأت مكوناته الرطبة تزداد منذ الأسابيع الأولى للحرب، لتتحول إلى روائح عفنة تنتشر في منطقة يزيد محيطها على أكثر من 2000 متر».

وتزداد قوة الروائح ونفاذها ليلاً عند تجمع الشاحنات وإفراغ محتوياتها في المحطة التي توقف نشاطها منذ بدء الحرب بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود.

بوابة سوق للمنتجات الزراعية افتتحها الحوثيون جوار مكب النفايات في العاصمة صنعاء (إكس)

ويفسر شبان استمرار تحويل مقر الصندوق إلى مكب للقمامة رغم توفر الوقود خلال السنوات الأخيرة للحصول على تمويل دولي لإفراغه من القمامة ومنع انتشار الروائح، وهو التمويل الذي يقدمه عدد من الهيئات الأممية التي، بحسب رأيه، لم تكن لتقدم مثل هذا التمويل، لولا قرب مقار عدد منها من المنطقة.

قرار عشوائي

مختصون يمنيون في البيئة أفادوا -من جهتهم- بأن قرار إنشاء محطة لنقل ومعالجة النفايات في هذه المنطقة كان عشوائياً ولم يراعِ الكثير من المعايير، ومنها قربه من الأحياء السكنية والأراضي الزراعية سابقاً، حتى وإن كان المكب عبارة عن محطة تجميع؛ فإن قرار إنشائه في تلك المنطقة لم يكن مسؤولاً أو مدروساً، طبقاً للمهندس الزراعي سمير المقطري.

ويوضح المقطري، الذي يعمل في مكتب الري والزراعة، أن المنطقة كانت في العقود الماضية بعيدة من العمران بالفعل، إلا أنها كانت عبارة عن منطقة زراعية مأهولة بمزارعين للخضراوات والفواكه، وكان وجود المكب خطراً على تلك المزروعات، إضافة إلى وجود بعض المؤسسات والمصانع الحكومية وأغلبها تابعة للجيش.

كما أن المنطقة كانت ضمن المخططات المدنية والعمرانية، ما يعني أن متخذي القرار كانوا على علم بتحولها مستقبلاً إلى منطقة سكنية، وكان حينها يمكن الاكتفاء بمنح المشروع مقراً إدارياً فقط، والبحث عن أرض بعيدة عن العمران والتخطيط العمراني لتكون محطة لتجميع ونقل ومعالجة النفايات.

مسؤولة في الصليب الأحمر الدولي تتفقد مكب القمامة غربي العاصمة صنعاء ضمن أنشطة لنقل النفايات خارج المدينة (الصليب الأحمر)

ونوه المقطري بأن سلطات الانقلاب الحوثية افتتحت، منذ أشهر، سوقاً لبيع المنتجات الزراعية قرب مكب القمامة، ورغم أنه لا يرى وجود مخاطر كبيرة على المنتجات المعروضة للبيع قرب المكب؛ فإن افتتاح هذه السوق يدل على عدم الاهتمام بصحة مَن يرتادون أو يعملون في السوق.

حي راقٍ وموبوء

مع توسع العمران وتحول المنطقة إلى حي سكني يضم بنايات وقصوراً تدل على ثراء السكان الذين استوطنوها، تم إنشاء محطة المعالجة، وكان يجري فرز النفايات الرطبة ونقلها إلى مكب الأزرقين لمنع تسرب مكوناتها إلى التربة والمياه الجوفية ومنع تلوث الهواء في المحيط.

وتأتي الروائح الكريهة التي تنتشر في محيط المكان من السوائل المتسربة بسبب بقايا الطعام الرطبة التي تختلط مع النفايات العضوية المتكدسة والمتحللة وتتفاعل معها؛ حيث تعد بقايا الطعام المكون الرئيسي للنفايات في العاصمة صنعاء، وبما نسبته 70 في المائة على الأقل طبقاً لتقديرات وردت في دراسة أممية منذ 9 أعوام.

ويقدر حجم النفايات التي تتراكم في المكب بأكثر من 200 طن يومياً يجري نقل أكثر من نصفها إلى مكب الأزرقين، وتحتوي تلك الكميات على مواد خطرة على الصحة والبيئة من مخلفات صناعية وطبية وبقايا زيوت السيارات ومبيدات حشرية وبطاريات، ولا يجري فرزها أو فصلها عن بعضها، ويتم ردم الكثير منها في خنادق معدة لذلك، ما يؤدي إلى تسربها إلى المياه الجوفية.

فتاة يمنية تجلب المياه لعائلتها في حي شعبي في أطراف العاصمة صنعاء (إ.ب.أ)

يصف غازي العامري، وهو أيضاً اسم مستعار لموظف في منظمة دولية، معاناته قبل 8 أعوام عندما استأجر منزلاً بالقرب من تقاطع شارعي الستين والجزائر جنوب غربي العاصمة صنعاء، ليستقدم عائلته من مدينة تعز التي بمجرد وصولها إلى المنزل تفاجأت بالروائح التي عكرت عليها المعيشة في مسكنها الجديد في الحي الراقي والهادئ.

اضطر العامري إلى تركيب عوازل للهواء في جميع منافذ المنزل لمنع دخول الروائح، وهو ما جعل المنزل يفتقر إلى التهوية الكافية إلا خلال ساعات النهار التي تنحسر فيها الروائح، إلا أنه اضطر إلى نقل سكنه بتوجيهات من المنظمة التي يعمل فيها بسبب تخزين الحوثيين أسلحة في محطة معالجة النفايات.

انتقل سكن العامري إلى حي يبعد نحو كيلومترين عن سكنه السابق، وبعد أيام من انتقاله انفجرت الأسلحة المخزنة في المحطة، وهو ما أشعل حريقاً استمر لأيام انتشرت معه الأدخنة في محيط المنطقة، وتسببت في انتشار أمراض مختلفة، وكان نصيب العامري وعائلته زكاماً وسعالاً استمرا لأشهر لم تفد معهما جميع المحاولات العلاجية.


مقالات ذات صلة

موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

العالم العربي دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

نفذت إسرائيل رابع موجة من ضرباتها الجوية مستهدفة منشآت حيوية خاضعة للحوثيين المدعومين من إيران شملت مطار صنعاء ومنشآت أخرى حيوية في المدينة ذاتها وفي الحديدة.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي عمود من النيران في أعقاب ضربات على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون 20 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

«حماس» تدين «العدوان» الإسرائيلي على الحوثيين في اليمن

أدانت حركة «حماس» الفلسطينية التي تخوض حرباً مع إسرائيل في قطاع غزة، الخميس، الضربات الإسرائيلية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي تصاعد الدخان بعد غارات إسرائيلية بالقرب من مطار صنعاء باليمن 26 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 00:38

غارات إسرائيلية تستهدف مطار صنعاء... ونتنياهو يتوعد الحوثيين

شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو، الخميس، في أعقاب ضربات شنّها جيشه في اليمن، على أن بلاده ستواصل ضرب المتمرّدين الحوثيين «حتى إنجاز المهمة».rn

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي سجناء في الحديدة أُفرج عنهم مقابل الالتحاق بالجبهات (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يستقطبون عشرات السجناء في الحديدة للقتال

استقطبت الجماعة الحوثية عشرات السجناء على ذمة قضايا مختلفة في محافظة الحديدة اليمنية (226 كيلومتراً غرب صنعاء) وألحقتهم ببرامج تعبوية ودورات عسكرية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي) play-circle 01:34

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مع تصاعد تهديد إسرائيل للحوثيين فرَّ قادة الجماعة إلى كهوف صعدة شمالاً وتحصّن آخرون في حي الجراف شمال صنعاء، واستنفروا قطاع الصحة، وسط مخاوف السكان من التداعيات

محمد ناصر (تعز)

أمين عام الأمم المتحدة: الضربات الإسرائيلية في اليمن تثير القلق

رجال إطفاء يعملون في موقع غارة جوية إسرائيلية على محطة كهرباء جنوب صنعاء باليمن 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)
رجال إطفاء يعملون في موقع غارة جوية إسرائيلية على محطة كهرباء جنوب صنعاء باليمن 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

أمين عام الأمم المتحدة: الضربات الإسرائيلية في اليمن تثير القلق

رجال إطفاء يعملون في موقع غارة جوية إسرائيلية على محطة كهرباء جنوب صنعاء باليمن 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)
رجال إطفاء يعملون في موقع غارة جوية إسرائيلية على محطة كهرباء جنوب صنعاء باليمن 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)

ندد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الخميس بالتصعيد بين إسرائيل واليمن، وقال إن الضربات الجوية الإسرائيلية على مطار صنعاء الدولي وموانئ على البحر الأحمر ومحطات كهرباء تثير القلق.

وقالت إسرائيل إنها قصفت أهدافا مرتبطة بجماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران في اليمن يوم الخميس، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي. وأفادت وسائل إعلام تابعة للحوثيين بأن ستة أشخاص على الأقل قتلوا. وذكر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في إفادة صحفية أن «الضربات الجوية الإسرائيلية اليوم على مطار صنعاء الدولي وموانئ البحر الأحمر ومحطات الكهرباء في اليمن مثيرة للقلق بشكل خاص»، وعبر عن مخاوفه من احتمالات حدوث مزيد من التصعيد بالمنطقة.