لبنان يعدّ خطة صحيّة واجتماعية لمواجهة احتمالات الحرب 

تشمل إجراءات طوارئ صحية ومراكز لإيواء النازحين

لبناني يتفقد منازل دمرتها غارات إسرائيلية على بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
لبناني يتفقد منازل دمرتها غارات إسرائيلية على بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT
20

لبنان يعدّ خطة صحيّة واجتماعية لمواجهة احتمالات الحرب 

لبناني يتفقد منازل دمرتها غارات إسرائيلية على بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
لبناني يتفقد منازل دمرتها غارات إسرائيلية على بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

لم تبدّد الجهود السياسية والدبلوماسية اللبنانية الهادفة إلى احتواء التصعيد على جبهة جنوب لبنان بين «حزب الله» وإسرائيلي، القلق من اندلاع حرب واسعة في أي لحظة، وهو ما استدعى تحرك وزارات لبنانية معنية لمواجهة خطرها.

وكشف وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أن وزارته «أطلقت خطة طوارئ الحرب، ورفعت الجاهزية الصحية لدى طواقمها الطبية»، بينما وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية عدداً من السيناريوهات للمواجهة وللتخفيف من نتائج الحرب إذا ما وقعت.

خطة طوارئ صحية

وكان الأبيض قال قبل أيام: «لدينا مخزون أدوية يكفي 4 أشهر، كما عالجنا نقاط الضعف في مصادر الطاقة، كالمحروقات والكهرباء والإنترنت، إضافة إلى تدريب الكوادر على ظروف الحرب، ونتوقع نزوحاً داخلياً لمئات الآلاف».

وأوضح مصدر في وزارة الصحة أن «الخطة تأتي في سياق العمل الاستباقي للحرب، حتى لا نتفاجأ بها كما حدث في عام 2006». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير «أشرف مع المسؤولين في الوزارة على خطّة المواجهة التي وضعت منذ أشهر، ويجري تحديثها بشكل دائم، كما تعقد لقاءات مع المؤسسات الدولية لدعم الوزارة، وهو يلقى تجاوباً بهذا الأمر»، مشيراً إلى أن «خطة الطوارئ ليست نتيجة ورود معلومات بحتمية وقوع الحرب، لكن المسؤولية تفرض على وزارة الصحّة وكل الوزارات والإدارات الرسميّة أن تتحسّب لأي مفاجأة».

بقايا منزل دمرته غارة إسرائيلية في بلدة يارون بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
بقايا منزل دمرته غارة إسرائيلية في بلدة يارون بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

وقال المصدر إن وزارة الصحة «تعمل على تجهيز المستشفيات الحكومية، خصوصاً أقسام الطوارئ وغرف العمليات، والتنسيق مع المستشفيات الخاصة للغاية نفسها، وتدرس الأماكن الملائمة لمستشفيات ميدانية قادرة على التعاطي مع الحالات الطارئة، وتقديم الإسعافات السريعة للمصابين، وتعمل على تجهيز فرق الإسعاف التي يفترض أن توجد على الأرض على مدار الساعة».

مراكز لإيواء النازحين

وما تخشاه وزارة الصحة تتحسّب له بقية الوزارات المعنية مباشرة بالأمر، إذ أكد وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار أن وزارته «تعمل منذ اليوم الأول للأحداث في الجنوب مع النازحين ومع القرى الصامدة الموجودة على خط المواجهة». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة الشؤون الاجتماعية «أطلقت مبادرات، ووضعنا عدداً من السيناريوهات للمواجهة، وللتخفيف من نتائج الحرب إذا ما وقعت، لا سمح الله، مستفيدين من تجربة حرب عام 2006، ومن مأساة انفجار مرفأ بيروت».

وقال حجار: «أنا موجود في الجنوب منذ 3 أيام لمواكبة الوضع، ونتمنّى ألّا يحدث شيء، لكن الأوضاع دقيقة للغاية».

أطفال يلهون في باحة فندق يستضيف نازحين في بلدة المروانية بجنوب لبنان (أ.ب)
أطفال يلهون في باحة فندق يستضيف نازحين في بلدة المروانية بجنوب لبنان (أ.ب)

وأوضح وزير الشؤون الاجتماعية أنه بالاستناد إلى التجارب السابقة «جرى تحديث الخطط، واستنفرنا الفرق الخاصة بإدارة الكوارث التي وضعت في حالة تأهب قصوى». وكشف عن «استحداث مراكز إيواء لآلاف العائلات في المدن الكبرى في الجنوب وبيروت، وصولاً إلى الشمال والبقاع، وآلية إيصال المساعدات إليها».

وعمّا إذا كانت الخطة نتيجة تلقي معلومات أو تحذيرات بحتميّة الحرب، لفت الوزير حجار إلى أن «لا شيء محسوماً بحتميّة الحرب، ولا ضمانات بمنع نشوبها، لكنّ التجارب مع العدو تستدعي الحذر، ولا شكّ أن الوضع معقد». وأضاف: «منذ بداية الحرب على غزّة، ونحن نراقب الوضع الإنساني والاجتماعي هناك، لأخذ العبرة منها والتعامل مع أي وضع مشابه في لبنان، لا سمح الله، لكن الواقع يقول إن دولاً كبرى عجزت عن التعامل مع الوضع الإنساني في غزّة، وهذا يعني أنه في حال الحرب لا يمكننا أن نطفئ الحرائق، فكيف بالتصدي لها؟».

قصف إسرائيلي على بلدة كفر كلا الحدودية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على بلدة كفر كلا الحدودية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

مساعدات غذائية وأدوية

من جهته، أكد رئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء محمد الخير، لـ«الشرق الأوسط»، أن الهيئة «على جاهزيّة تامة لمواكبة أي تطور». وأشار إلى أن دور الهيئة «يركز على تقديم المساعدات الغذائية والفرش والأمتعة للمهجرين، كما يحدث الآن مع النازحين من الجنوب»، لافتاً إلى أن «الهيئة تؤمن المساعدات من خلال ميزانيتها السنوية وإن كانت متواضعة، كما تتلقى مساعدات هي عبارة عن أدوية تسلمها لوزارة الصحة أو المستشفيات الحكومية التي تعمل تحت سلطة الوزارة»، رافضاً الكشف عن مراكز الإيواء المستحدثة أو مراكز تخزين المساعدات «لأسباب أمنية، وحتى لا تكون عرضة للاستهداف من العدو».


مقالات ذات صلة

تحليل إخباري دورية لقوات «يونيفيل» في بلدة كفركلا الحدودية جنوب لبنان 6 أبريل الجاري (أ.ف.ب)

تحليل إخباري لبنان يربط معالجة ملف سلاح «حزب الله» بانسحاب إسرائيل من الجنوب

يربط لبنان الشروع في معالجة ملف سلاح «حزب الله» بانسحاب إسرائيل من النقاط التي يحتلها جيشها في الجنوب، وإعادة الأسرى.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي مواطنون يتجمعون بالقرب من مبنى تعرض لغارة إسرائيلية في صيدون جنوب لبنان (إ.ب.أ)

سلام: حصر السلاح وبسط سلطة الدولة بكامل أراضيها على طاولة الحكومة اللبنانية قريباً

قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، الأربعاء، إن قضيتي حصر السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها ستطرحان قريباً على طاولة مجلس الوزراء.

المشرق العربي محتجون يحملون لافتات لدعم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خارج قصر العدل في بيروت سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

قاضٍ لبناني يحيل رياض سلامة إلى المحكمة بتهمة «اختلاس 44 مليون دولار»

أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي قراره الظنّي في القضية، بجرم «اختلاس مبلغ 44 مليون دولار من أموال البنك المركزي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مروحية تسهم في إخماد حريق انفجار مرفأ بيروت خلال أغسطس 2020 (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفد قضائي فرنسي إلى بيروت لمواكبة التحقيق في انفجار المرفأ

كشف مصدر قضائي مطلع لـ«الشرق الأوسط» عن أن وفداً قضائياً فرنسياً سيزور بيروت بالأسبوع الأخير من أبريل (نيسان) الحالي للقاء القاضي طارق البيطار وتبادل المعلومات.

يوسف دياب (بيروت)

«إذا لم يقتلنا القصف فسنموت جوعاً»... مخزون الأغذية ينفد في غزة المحاصرة

طفل فلسطيني ينتظر الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)
طفل فلسطيني ينتظر الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)
TT
20

«إذا لم يقتلنا القصف فسنموت جوعاً»... مخزون الأغذية ينفد في غزة المحاصرة

طفل فلسطيني ينتظر الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)
طفل فلسطيني ينتظر الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)

نجت الفلسطينية رحاب الأخرس وعائلتها حتى الآن من القصف، ولكنها تخشى الموت جوعاً إذا لم يتم فتح المعابر التي أغلقتها إسرائيل منذ بداية مارس (آذار)، قريباً، وفق ما ذكرته «رويترز».

وبعد ستة أسابيع من قطع إسرائيل جميع الإمدادات عن سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نفدت تقريباً جميع المواد الغذائية التي تم تخزينها خلال وقف إطلاق النار في بداية العام.

الموت جوعاً يهدد سكان غزة بعد 6 أسابيع من قطع إسرائيل جميع الإمدادات عنهم (رويترز)
الموت جوعاً يهدد سكان غزة بعد 6 أسابيع من قطع إسرائيل جميع الإمدادات عنهم (رويترز)

وتوقفت عمليات توزيع وجبات الطوارئ، وأُغلقت المخابز، وباتت الأسواق خاوية.

وفي مخيم مكتظ يحتمي سكانه فقط بخيام من الأغطية البلاستيكية، حيث تعيش رحاب مع أسرتها النازحة في خان يونس، استخدمت الفلسطينية البالغة من العمر 64 عاماً قصاصات من الكرتون لإشعال النار من أجل تسخين علبة من الفول هي كل ما تبقى لديها.

وقالت: «نحن 13 فرداً، كيف تكفينا علبة الفول؟».

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)

وأضافت: «إن لم تفتح المعابر فالناس ستموت من غير أكل. تحمَّلنا الحرب، ننام ونصحى وسط القصف، لكننا لا نحتمل الجوع... ليفتحوا المعابر... المرضى من دون أكل».

وإلى الشمال، في النصيرات، اصطف مئات الفلسطينيين في طوابير للحصول على أرز مطبوخ ساخن في مطبخ طوارئ مفتوح. واصطف الأطفال الصغار في مقدمة الطوابير يلوحون بالأواني التي جاءوا بها ليحصلوا فيها على أي شيء تقتات عليه عائلاتهم.

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في النصيرات (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في النصيرات (رويترز)

وتقول وكالات إغاثة كانت تقدم وجبات الطوارئ إنها ستضطر إلى التوقف خلال أيام ما لم تتمكن من إدخال المزيد من الأغذية.

وكان برنامج الأغذية العالمي يوفّر إمدادات الخبز في 25 مخبزاً في قطاع غزة، لكن جميع هذه المخابز باتت مغلقة الآن، وستضطر المنظمة قريباً إلى وقف توزيع عبوات المواد الغذائية بحصص مخفضة.

«جوع شديد للغاية»

وقالت جولييت توما، من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إن «كل الإمدادات الأساسية على وشك النفاد».

وأضافت: «ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير خلال الشهر الماضي، ومنذ أنْ فرضت السلطات الإسرائيلية الحصار على قطاع غزة».

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في النصيرات (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في النصيرات (رويترز)

وأوضحت: «هذا يعني أن الرضع والأطفال ينامون جائعين. من دون هذه الإمدادات الأساسية تقترب غزة كل يوم من الجوع الشديد للغاية».

ولا يستطيع كل مواطن في غزة تحمل الأسعار الخيالية لما تبقى من كميات طعام قليلة في الأسواق، فكيس الدقيق بوزن 25 كيلوغراماً، الذي كان يباع بستة دولارات زاد سعره الآن بعشرة أمثال، ولتر زيت الطهي، إن وُجد، يباع الآن بعشرة دولارات بعدما كان بدولار ونصف الدولار. وربما يحالف الحظ قليلين فيجدوا بالصدفة علبة سردين بثمن خمسة دولارات.

وقال جافين كيليهر، المدير المسؤول في المجلس النرويجي للاجئين، عن توصيل المساعدات في غزة: «توقف توزيع الغذاء بالكامل تقريباً، وتم تحويل المخزونات المتبقية من أجل أن يستمر توزيع الوجبات الساخنة لبضعة أيام أخرى، لكن هذا سيتوقف قريباً أيضاً».

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي أعدته جمعية خيرية في خان يونس (رويترز)

وتقول منظمة «أطباء بلا حدود» الخيرية، إن هناك أطفالاً ونساء حوامل يعانون من سوء تغذية حاد، وإن الأمهات المرضعات أنفسهن جائعات جداً لدرجة أنهن لا يستطعن ​​إرضاع أطفالهن.

وتنفي إسرائيل أن هناك أزمة جوع في غزة. ويتهم الجيش الإسرائيلي مقاتلي «حماس» باستغلال المساعدات، ويقول إنه مضطر لحجب كل الإمدادات حتى لا يحصل المقاتلون عليها.

وقال: «يتصرف جيش الدفاع الإسرائيلي وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية. إسرائيل لا تنقل المساعدات إلى أيدي التنظيمات الإرهابية، ولن تفعل ذلك (في المستقبل)».

وذكرت وزارة الخارجية أن 25 ألف شاحنة مساعدات دخلت غزة خلال وقف إطلاق النار، الذي استمر 42 يوماً، قبل إغلاق الحدود في بداية مارس (آذار)، وأن «حماس» استفادت من المساعدات في إعادة بناء آلتها الحربية.

وتنفي «حماس» استغلال المساعدات وتتهم إسرائيل باستخدام التجويع تكتيكاً عسكرياً.

وفي النصيرات، تخرج نعمة فرج الله، يومياً في الساعة السادسة صباحاً، لتتنقل بصحبة أطفالها من مطبخ خيري إلى آخر في منطقة الحرب على أمل الحصول على طبق أرز.

وقالت: «إذا لم نمت من القصف، فسنموت من الجوع». وأضافت: «قلبي بيتقطع عندما يقول لي ابني الصغير يا ماما أشتهي كاسة حليب».