نزوح «معاكس» من لبنان إلى شمال سوريا بمساعدة مهربين

رشى وطرق وعرة ومخاطرة بالمرور عبر مناطق سيطرة الحكومة

رمزي يوسف عاد من لبنان مع زوجته وأطفاله ودفع 2000 دولار للمهربين واستقر في مخيم معرة مصرين بإدلب (أ.ب)
رمزي يوسف عاد من لبنان مع زوجته وأطفاله ودفع 2000 دولار للمهربين واستقر في مخيم معرة مصرين بإدلب (أ.ب)
TT

نزوح «معاكس» من لبنان إلى شمال سوريا بمساعدة مهربين

رمزي يوسف عاد من لبنان مع زوجته وأطفاله ودفع 2000 دولار للمهربين واستقر في مخيم معرة مصرين بإدلب (أ.ب)
رمزي يوسف عاد من لبنان مع زوجته وأطفاله ودفع 2000 دولار للمهربين واستقر في مخيم معرة مصرين بإدلب (أ.ب)

لأكثر من عقد، وعبر تدفق مستمر من السوريين الحدود، فر الكثيرون من بلادهم التي مزقتها الحرب باتجاه لبنان، ومع تصاعد في المشاعر المعادية للاجئين خلال الشهرين الماضيين، انطلق مئات اللاجئين السوريين بالاتجاه المعاكس، إلى الشمال السوري، بحسب تقرير «أسوشيتد برس».

اليوم، يسلك هؤلاء السوريون طريقاً خاصة بالمهربين نحو منازلهم، عبر مناطق جبلية نائية، على دراجات نارية أو سيراً على الأقدام. وبعد ذلك، يجتازون بالسيارة، في رحلة محفوفة بالمخاطر، الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة، إلى شمال غربي سوريا، الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا أو «هيئة تحرير الشام»، مع الحرص على تجنب نقاط التفتيش أو اضطرارهم لدفع رشوة للمضي بطريقهم.

مخيم للنازحين في معرة مصرين بالقرب من إدلب شمال غربي سوريا 27 مايو

حتى هذا العام، كانت أعداد العائدين من لبنان ضئيلة للغاية، لدرجة أن الحكومة المحلية في إدلب، التي تديرها جماعة «هيئة تحرير الشام» (المحسوبة على القاعدة)، لم تهتم بتعقبهم رسمياً. ومع ذلك، سجلت وصول 1041 شخصاً من لبنان في مايو، مقارنة بـ446 الشهر السابق.

وأعلنت إدارة محلية مدعومة من تركيا، وتشرف على مناطق أخرى من شمال غربي سوريا، أن الوافدين من لبنان زادوا في المناطق التي تسيطر عليها.

جدير بالذكر أن لبنان، البلد الصغير الذي عصفت به الأزمات، يستضيف أعلى نسبة للاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان، الأمر الذي خلق ضغوطاً شديدة عليه منذ فترة طويلة. ويوجد نحو 780.000 لاجئ سوري مسجلين لدى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان، علاوة على مئات الآلاف غير المسجلين.

وعلى مدار سنوات، خاصة منذ أن غرقت البلاد في أزمة اقتصادية غير مسبوقة عام 2019، دعا مسؤولون لبنانيون إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا، أو إعادة توطينهم في مناطق أخرى.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، اشتعلت موجة من التوترات بلبنان، عندما لقي المسؤول بحزب «القوات اللبنانية» القومي المسيحي، باسكال سليمان، مصرعه. وعزا مسؤولون عسكريون مقتل سليمان إلى عملية سطو فاشلة على يد عصابة سورية مسلحة، ما أسفر عن اندلاع أعمال عنف مناهضة لسوريا، من قبل مجموعات أهلية.

نازحون سوريون يغادرون لبنان ضمن قافلة عودة طوعية (أرشيفية - أ.ف.ب)

واتخذت الأجهزة الأمنية اللبنانية إجراءات صارمة ضد اللاجئين، وداهمت وأغلقت عدداً من الشركات التي تستعين بعمالة سورية غير شرعية. في مئات الحالات، أقدمت السلطات على ترحيل اللاجئين. كما نظمت الحكومة اللبنانية رحلات «عودة طوعية» للراغبين في العودة إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها الحكومة، لكن القليل سجل بهذه الرحلات، خشية التعرض لانتقام الحكومة وقوات الأمن السورية.

غير أنه ومع تفاقم خطورة الوضع في لبنان، تفضل الغالبية في صفوف اللاجئين شق طريقها إلى شمال غربي سوريا، الخاضع لسيطرة خليط من الجماعات المسلحة، ويتعرض لقصف منتظم من جانب القوات الحكومية السورية. كما تعاني هذه المنطقة من تراجع حجم المساعدات الموجهة إليها من قبل المنظمات الدولية، التي تقول إن الموارد ستذهب إلى مناطق أزمات جديدة بالعالم.

من جهته، يرى وليد محمد عبد الباقي، الذي عاد إلى إدلب في أبريل، فإن مشكلات البقاء في لبنان فاقت، نهاية الأمر، مخاطر العودة. وقال: «كانت الحياة في لبنان جحيماً لا يطاق، وفي النهاية فقدت ابني هناك».

وليد عبد الباقي يعرض على هاتفه المحمول في إدلب صورة ابنه علي الذي توفي في لبنان في ظرف غامض (أ.ب)

اختفى نجل عبد الباقي، علي (30 عاماً)، الذي قال والده إنه يعاني من الفصام، لعدة أيام أوائل أبريل، بعد توجهه من وادي البقاع إلى بيروت، لزيارة أخته، والبحث عن عمل.

في النهاية، عثرت عليه أسرته في مركز للشرطة في بلدة بعبدا. وقال عبد الباقي إن نجله كان على قيد الحياة، لكن «جسده بأكمله كان مغطى باللونين الأسود والأزرق». وذكرت بعض التقارير الصادرة عن الجماعات الحقوقية، أنه تعرض للضرب على يد عصابة عنصرية، بينما أكد عبد الباقي أن ابنه اعتقل من قبل استخبارات الجيش اللبناني، لأسباب غير واضحة. وقال إن علي وصف تعرضه للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية، وتوفي بعد أيام.

ولم يرد المتحدث باسم استخبارات الجيش على طلب «أسوشيتد برس» للحصول على تعليق.

أما الطبيب الشرعي الذي فحص جثمان علي، ويدعى فيصل دلول، فقال إنه كان مصاباً بعدة جروح «سطحية»، «لكن فحوصات رأسه وصدره لم تكشف أي شيء غير طبيعي، وخلص إلى أن وفاته جاءت طبيعية».

وأصيب عبد الباقي بكرب شديد، لدرجة أنه اقترض 1200 دولار، ليدفع للمهربين لنقله هو وابنه البالغ 11 عاماً إلى شمال غربي سوريا. وفي سبيل ذلك، خاض رحلة شاقة عبر الجبال، سيراً على الأقدام.

وقال: «أمضينا أسبوعاً على الطريق، وتملكنا الخوف طوال الوقت».

والآن، يقيم عبد الباقي ونجله مع أقارب لهم في إدلب. أما منزلهم، فقد تضرر في غارة جوية ثم نهبه اللصوص.

نازحون سوريون يغادرون لبنان ضمن قافلة عودة طوعية (أرشيفية - أ.ف.ب)

من ناحيته، قال محمد حسن، مدير مركز وصول لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية تتابع أوضاع اللاجئين السوريين بلبنان)، إن «موجة منسقة من خطاب الكراهية وأعمال العنف ضد اللاجئين، تجري بتبرير من قيادات سياسية»، فتدفع البعض إلى مغادرة لبنان وإلا سيجري ترحيلهم قسراً. وفي الوقت الذي حذر مسؤولون لبنانيون من هجمات أهلية ضد اللاجئين، فإنهم يلقون باللوم على السوريين، بانتظام، باعتبارهم السبب وراء ارتفاع معدلات الجريمة، ويدعون إلى فرض المزيد من القيود عليهم.

وأوضح حسن أن الطريق من لبنان إلى إدلب «تخضع لسيطرة عصابات التهريب اللبنانية والسورية المرتبطة بميليشيات محلية وأخرى عابرة للحدود»، وهي طريق غير آمنة.

والطريق محفوفة بالمخاطر بشكل خاص لأولئك المطلوبين للاعتقال في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، بسبب التهرب من الخدمة العسكرية أو الانتماء الحقيقي أو المشتبه به للمعارضة.

رمزي يوسف يمشط شعره في خيمته بمخيم للنازحين بالقرب من إدلب (أ.ب)

من جهته، انتقل رمزي يوسف، المنتمي أصلاً إلى جنوب محافظة إدلب، إلى لبنان قبل اشتعال الحرب الأهلية في سوريا من أجل العمل. وبقي هناك لاجئاً بعد اندلاع النزاع.

العام الماضي، عاد يوسف إلى إدلب، برفقة زوجته وأطفاله، بعد أن دفع 2000 دولار للمهربين، بسبب «العنصرية، والضغوط من جانب الدولة، والانهيار الاقتصادي في لبنان وانعدام الأمن».

في حلب، جرى إيقاف العائلة عند نقطة تفتيش واحتجازها، بعد أن أدرك الجنود أنهم قدموا من لبنان. وقال يوسف إنه جرى نقله بين عدة أفرع عسكرية، واستجوابه.

أضاف: «تعرضت للتعذيب كثيراً، رغم أنني كنت خارج البلاد منذ عام 2009 ولا علاقة لي بأي شيء (يخص الحرب). لقد حملوني مسؤولية آخرين من أقاربي».

ونفت الحكومة السورية تقارير تفيد بوقوع أعمال التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في مراكز الاعتقال، واتهمت الحكومات الغربية بـ«شن حملات تشهير ضدها، ودعم الإرهابيين».

في النهاية، جرى إطلاق سراح يوسف، وإرساله إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، غير أنه هرب بعد أسابيع، وتوجه مع أسرته إلى إدلب مصمماً أنه لن ينظر إلى الوراء.


مقالات ذات صلة

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جولة سابقة لاجتماعات آستانة في كازاخستان (أرشيفية)

اجتماعات تركية - روسية للتهدئة بمنطقة «بوتين - إردوغان»

عقد الجانبان التركي والروسي اجتماعاً في إدلب قبل أيام من الجولة 22 لمسار آستانة للحل السياسي في سوريا، التي من المقرر أن تعقد الاثنين في عاصمة كازاخستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية عناصر من قسد والقوات الأميركية في شمال شرقي سوريا (أرشيفية)

تركيا تواصل التصعيد شمال سوريا وأميركا تؤيد مخاوفها الأمنية

تعرضت قاعدتان عسكريتان تركيتان في شمال وشرق سوريا لقصف من جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات السورية، فيما أيدت واشنطن حق تركيا في حماية أمنها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قصف تركي على مواقع «قسد» في شرق سوريا (أ.ف.ب)

مباحثات تركية - أميركية على خلفية التصعيد في شمال سوريا ضد «قسد»

بحث وزير الدفاع التركي يشار غولر، مع نظيره الأميركي لويد جيمس أوستن، قضايا الدفاع والأمن، والتطورات الأخيرة في المنطقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الجيش السوري صعّد من قصفه على مواقع «هيئة تحرير الشام» في شمال غربي البلاد (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

القوات السورية تقصف محيط نقطة تركية... وقتلى بالمواجهات مع «تحرير الشام»

تصاعد التوتر بشدة في مناطق خفض التصعيد بشمال غربي سوريا، في ظل استعدادات «هيئة تحرير الشام» للهجوم على القوات السورية في حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة. وأضاف بيدرسن: «نرى أنه من الضروري للغاية تهدئة التصعيد حتى لا يتم جر سوريا أكثر إلى هذا النزاع».

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.