واشنطن «تضغط على الجميع» من أجل اتفاق في غزة

«الضمانات» التي تريدها إسرائيل و«حماس» هي كلمة السر في الاتفاق المحتمل والعقبتان هما مصير الحرب ومناطق الانسحاب

فلسطينيون ينزحون من مخيم البريج عقب عملية إسرائيلية الأربعاء (إ.ب.أ)
فلسطينيون ينزحون من مخيم البريج عقب عملية إسرائيلية الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

واشنطن «تضغط على الجميع» من أجل اتفاق في غزة

فلسطينيون ينزحون من مخيم البريج عقب عملية إسرائيلية الأربعاء (إ.ب.أ)
فلسطينيون ينزحون من مخيم البريج عقب عملية إسرائيلية الأربعاء (إ.ب.أ)

رمت الولايات المتحدة بثقلها من أجل الدفع قدماً بمقترح وقف النار الذي عرضه الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة الماضي، وفيما عاد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز ومبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى المنطقة، لعقد اجتماعات في الدوحة والقاهرة، دعت مصر الفصائل الفلسطينية إلى مشاورات، لكن مسألة وقف الحرب ما زالت تشكل العقدة الرئيسية، إذ تسعى إسرائيل إلى ضمانات أميركية بأنها قادرة على استئناف هذه الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة، فيما تسعى «حماس» إلى ضمانات بأن الحرب ستتوقف بعد هذه الجولة نهائياً.

وقالت مصادر في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة تريد ضمانات واضحة بوقف الحرب، لا تحمل أي تفسيرات أو تأويلات.

وأضافت: «الذي يحدث أن إسرائيل تتلاعب. تريد هدنة مؤقتة، ثم ستستأنف الحرب تحت غطاء أنها كانت مستعدة لمناقشة ذلك (وقف الحرب) وفق شروط معينة، ولكن ليس تعهداً بوقف الحرب. لا يوجد حتى الآن نص واضح. إنهم يستخدمون نصوصاً غامضة وقابلة للتفسير والتأويل».

وأكد أحد المصادر: «الحركة تريد نصاً واضحاً، أو ضمانات أميركية وعربية واضحة. لا نتحدث عن مناقشة وقف الحرب بوصفه احتمالاً لما سيكون. بل وقف الحرب. هذا أولاً. وثانياً، لا نوافق على الانسحاب من مناطق مأهولة؛ لأن هذا يعني أن إسرائيل تريد البقاء في مناطق عازلة. نريد نصاً واضحاً حول انسحاب كامل».

جثامين ضحايا قصف إسرائيلي أمام مستشفى دير البلح الأربعاء (أ.ب)

وكان بايدن عرض الجمعة اقتراحاً قال إنه إسرائيلي وينص على إطلاق سراح بقية المحتجزين الأحياء من النساء والمسنين والمرضى لدى «حماس»، خلال مرحلة أولى مدتها ستة أسابيع، تجري خلالها مفاوضات بشأن شروط وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين الأحياء المتبقين في المرحلة الثانية، على أن تشهد المرحلة الثالثة تسليم جثث المحتجزين، وبدء خطة إعادة إعمار غزة بدعم دولي.

لكن سرعان ما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد تهديدات صريحة من اليمين الإسرائيلي بإسقاط حكومته، أنه لن يتخلى عن أهداف الحرب المتمثلة بالقضاء على «حماس»، واستعادة المحتجزين، قائلاً إن وصف بايدن للمقترح ليس دقيقاً، وإنه لا يتضمن استعداد إسرائيل لوقف الحرب.

ولمح نتنياهو إلى أن إسرائيل مستعدة لمناقشة وقف الحرب في القطاع وفق تصور إسرائيلي محدد وشروط إسرائيلية، وليس بالضرورة وقف الحرب، في موقف عدته مصادر فلسطينية خدعة إسرائيلية بلاغية.

واضطر نتنياهو إلى هذه التوضيحات رداً على اليمين الإسرائيلي بعدما «فضح» بايدن الخطة، لكن النية الرئيسية كانت إبقاء كل شيء غامضاً حتى في استخدام المصطلحات في بنود الصفقة، حتى تكون مقبولة إلى حد ما.

دبابات وآليات إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم يشعرون بالقلق من أن تصريحات نتنياهو الأخيرة قد تؤدي إلى تخريب «الغموض البناء» الذي استخدمه المفاوضون لصياغة اتفاق إسرائيلي مقترح لوقف إطلاق النار، يمكن أن تقبله «حماس»، وبالتالي قد تضر باتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

لكن في كل الأحوال لا تنوي إسرائيل إجراء أي تعديلات.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير لم يذكر اسمه للقناة 12 إنه «لن يكون هناك عرض أفضل» من العرض الذي قدمته تل أبيب الأسبوع الماضي. والذي تحدث عنه بايدن. وأضاف المسؤول: «لقد ذهبنا إلى أقصى حد ممكن».

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية فإن نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب يشترطون من أجل دفع الصفقة التي وضعوها قدماً، ضمانات أميركية بأن بإمكانهم استئناف الحرب فعلاً بعد المرحلة الأولى.

وأمام التعقيدات المستمرة، سافر إلى المنطقة بيرنز وماكغورك، للضغط من أجل التوصل إلى اتفاق.

وانتقل بيرنز إلى الدوحة عاصمة قطر، ويفترض أن يكون ماكغورك وصل إلى القاهرة كذلك، إذ سيجري الاثنان محادثات مع كبار المسؤولين القطريين والمصريين حول الصفقة.

دمار في مخيم البريج (إ.ب.أ)

وقالت مصادر أميركية وفق موقع «واللا» الإسرائيلي إن الرحلة جزء من تحرك أميركي «للضغط على الجميع» من أجل تحقيق انفراجة نحو التوصل إلى اتفاق.

وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، التقى الثلاثاء، بعائلات المحتجزين الأميركيين في غزة، وأبلغهم أن إدارة بايدن تستخدم كل أدواتها للضغط على «حماس» لقبول الصفقة التي قدمها بايدن خلال خطابه.

وقال سوليفان إن واشنطن تنتظر رد «حماس» الذي سلم لها يوم الخميس الماضي.

وأكد ماجد الأنصاري المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، في بيان الثلاثاء، أن قطر تلقت اقتراحاً إسرائيلياً بشأن صفقة رهائن «تعكس المبادئ المنصوص عليها في خطاب الرئيس بايدن، وسلمته إلى (حماس)».

لكن المسؤول في «حماس» أسامة حمدان أكد أن الاقتراح الإسرائيلي لا يتناول مطلب الحركة بإنهاء الحرب والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من غزة.

وقال حمدان الثلاثاء: «لا يمكن أن نوافق على اتفاق لا يؤمّن ولا يضمن ولا يؤكّد على وقف إطلاق النَّار الدَّائم والانسحاب الشَّامل من قطاع غزة، وإنجاز صفقة تبادل جادة وحقيقية».

وتابع: «الآن نحن ننتظر الموقف الإسرائيلي الواضح من هذه المسألة، ونطالب الوسطاء بالحصول على موقف واضح من الاحتلال الإسرائيلي بالتزامه بوقف إطلاق النَّار الدَّائم والانسحاب الشامل».

نازحون من مخيم البريج بوسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

وسيكون هذا الأمر على طاولة المباحثات في قطر بين بيرنز والمسؤولين القطريين، وفي مصر بين ماكغورك والمسؤولين المصريين، وأيضا في مباحثات تجريها قطر ومصر مع المسؤولين في «حماس» والفصائل الأخرى، وبين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن بيرنز وماكغورك قد يتوقفان أيضاً في إسرائيل بعد اجتماعاتهما في قطر ومصر. وبموازاة الجهود الأميركية تضغط قطر ومصر على الأطراف.

ووصل وفدان لـ«الجهاد الإسلامي»، و«الجبهة الشعبية» إلى القاهرة بدعوة مصرية، ويفترض أن يصل وفد من «حماس» كذلك.

وأعلنت «الجهاد» أن أمينها العام زياد النخالة ونائبه محمد الهندي وصلا إلى العاصمة المصرية، الثلاثاء، بناء على دعوة مصرية.

كما أكدت «الشعبية» أن وفدها وصل إلى مصر في محاولة لمواصلة العمل على «وقف حرب الإبادة ورفع الحصار، وتحقيق الإغاثة والإعمار العاجل لقطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

تحليل إخباري فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي تسبب القصف الإسرائيلي على غزة في استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال (رويترز)

تجمدوا حتى الموت... البرد يودي بحياة 3 أطفال في غزة

توفي 3 أطفال فلسطينيين في الساعات الـ48 الماضية بسبب البرد الشديد، حيث قال الأطباء إنهم تجمدوا حتى الموت أثناء وجودهم في مخيمات غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)

إسرائيل و«حماس» تتبادلان اتهامات «عرقلة صفقة غزة»

بدَّدت إسرائيل وحركة «حماس»، أمس الأربعاء، أجواء التفاؤل بقرب عقد صفقة في قطاع غزة، تشمل هدنة مؤقتة وتبادلاً للأسرى، وتراشقتا بالاتهامات حول مسؤولية عرقلة.

كفاح زبون (رام الله)
شمال افريقيا أشخاص يتفقدون موقع القصف الإسرائيلي على خيام تؤوي فلسطينيين نازحين من بيت لاهيا (أ.ف.ب)

​«هدنة غزة»: «جمود» يدفع المفاوضات إلى «مصير غامض»

مغادرة الوفد الإسرائيلي الدوحة للتشاور بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة فتح تكهنات بشأن «مستقبل مسار الجمود الحالي» في ظل طلب الوسطاء «التعاون»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي جانب من قداس منتصف الليل في بيت لحم (إ.ب.أ)

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

خيَّمت الحرب المدمرة في قطاع غزة على قداس منتصف الليل في بيت لحم الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)

قصور «قرى الأسد»... أناقة دولة الجريمة المنظمة

شعار القيادة العامة للعمليات العسكرية في صالون منزل رئيس الاستخبارات العسكرية الهارب (الشرق الأوسط)
شعار القيادة العامة للعمليات العسكرية في صالون منزل رئيس الاستخبارات العسكرية الهارب (الشرق الأوسط)
TT

قصور «قرى الأسد»... أناقة دولة الجريمة المنظمة

شعار القيادة العامة للعمليات العسكرية في صالون منزل رئيس الاستخبارات العسكرية الهارب (الشرق الأوسط)
شعار القيادة العامة للعمليات العسكرية في صالون منزل رئيس الاستخبارات العسكرية الهارب (الشرق الأوسط)

لسنوات، ظلت قصور «قرى الأسد» ومنازلها الفاخرة أشبه بـ«محمية» للحلقة الضيقة حول الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وزوجته أسماء من رجال أعمال وقادة أمنيين وعسكريين برتب رفيعة.

لكن بعد سقوط النظام، باتت المنطقة الواقعة غرب دمشق، في عهدة السلطة الجديدة التي نشرت فصائل مسلحة لحمايتها من السرقة أو محاولات إحراق الوثائق، كما جرى في قصر يسار إبراهيم الذي يوصف بأنه الذراع المالية للسيدة الأولى السابقة.

ولا تبدو على المسلحين المكلفين حراسة القصور أي علامات اهتمام بتفاصيلها الفاخرة من مسابح وصالات رياضة حديثة وأثاث مستورد. فكل ذلك بالنسبة إليهم دليل إضافي على حياة البذخ التي عاشها رجال السلطة على حسابهم.

ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يدخل جيشهم إلى منزلنا ومناطقنا لا يتركون أبواباً أو بلاطاً أو حديداً أو شرائط كهربائية داخل الجدران. يقومون بـ(التعفيش) المنهجي؛ فلا يبقى من بيوتنا إلا هياكل عظمية... هل كانوا فعلاً يحتاجون إلى ذلك؟».

وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في المنطقة، رصدت عدداً من علامات الهروب المرتبك لقاطني هذه القصور. ففي منزل اللواء الركن كمال علي حسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، على سبيل المثال، تنتصب شجرة ميلاد نصف مزينة وسط الصالون الكبير، توحي بأن العائلة رحلت على عجل قبل الانتهاء من مهمة التزيين.