مع استمرار نزوح العائلات جنوب لبنان... «مأساة تعليمية» تلوح في الأفق

عدد التلاميذ الذين نزحوا من مدارس الجنوب يُقدَّر بنحو 7 آلاف تلميذ (أ.ب)
عدد التلاميذ الذين نزحوا من مدارس الجنوب يُقدَّر بنحو 7 آلاف تلميذ (أ.ب)
TT

مع استمرار نزوح العائلات جنوب لبنان... «مأساة تعليمية» تلوح في الأفق

عدد التلاميذ الذين نزحوا من مدارس الجنوب يُقدَّر بنحو 7 آلاف تلميذ (أ.ب)
عدد التلاميذ الذين نزحوا من مدارس الجنوب يُقدَّر بنحو 7 آلاف تلميذ (أ.ب)

نزح اللبناني علي خليفة (50 عاماً) مع عائلته من بلدته عيتا الشعب في جنوب البلاد إلى العاصمة بيروت، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ كون منطقته تقع على خطوط المواجهة المباشرة مع المواقع الإسرائيلية، واضطر إلى إخراج ابنه من مدرسة قريتهم، بحسب تقرير أعدته «وكالة أنباء العالم العربي».

وفي ظل أزمة اقتصادية تؤثر على القطاع التعليمي في لبنان، منذ عام 2019، حيث أدَّت إلى انخفاض رواتب الأساتذة وزيادة المصروفات المدرسية، جاءت المناوشات في الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل لتدفع العائلات إلى النزوح من بيوتها وتوقف العملية الدراسية في عدة مدارس بالقرى الحدودية.

صبية لبنانيون يسيرون على أنقاض منزل دمرته غارة جوية إسرائيلية ليلة الثلاثاء (أ.ب)

وقال خليفة لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «ابني عمره 16 عاماً، وخلال السنوات الثلاث الماضية، لم يحصل على تعليم سليم، منذ أزمة انتشار فيروس (كورونا) وإغلاق المدارس والتوجه إلى التعليم عن بُعد، بالتوازي مع أزمة اقتصادية أدَّت إلى توجه الأساتذة إلى إضرابات متكررة. والآن (يأتي) العدوان الإسرائيلي على القرى الحدودية».

وأضاف: «لم يكد يبدأ العام الدراسي حتى عدنا للتوقف، ولا أعتقد أن الدعوة للتعليم عن بُعد مجدية؛ فقد اختبرناها أثناء فترة الإغلاق خلال انتشار وباء (كورونا)؛ لذلك، توجهنا إلى تسجيله بمدرسة في بيروت، ولكن تكلفتها مرتفعة، إضافة إلى أني استأجرت منزلاً، وربما لا أستطيع إكمال دفع إيجاره في الأشهر المقبلة، وحينها سنضطر إلى تغيير السكن، ومعه تبديل مدرسة ابني».

صورة تظهر غرفة مدمَّرة في مبنى أُصيب خلال قصف إسرائيلي على قرية مركبة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

وبحسب بيان وزارة الصحة اللبنانية، وبناء على معطيات «المنظمة الدولية للهجرة»، فقد تجاوز عدد النازحين من الجنوب 72 ألف شخص، وبلغ عدد المتوفين حتى 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي 118، فضلاً عن وقوع مصابين بلغ عددهم 536 شخصاً.

خطة وزارة التربية

وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر عباس الحلبي، وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، قراراً بإغلاق المدارس الواقعة في المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية.

وأطلقت وزارة التربية والتعليم العالي خطة طوارئ تعليمية تضم 10 مدارس و10 مراكز تدريب، ضمن مبادرة «مرونة التعليم» التي أطلقتها وزارة التعليم العالي لإنشاء بيئات تعليمية آمنة يسهل الوصول إليها وتوفير الموارد الأساسية للتعلم.

وأوضح الحلبي أن المناطق التي اختيرت فيها المدارس الآمنة «أعقبت التواصل مع آلاف الطلاب، واستطعنا التواصل مع 80 - 90 في المائة منهم بالاتصال الفردي، ورأينا خريطة توزعهم في المناطق، وعلى أساسها اختيرت المدارس التي جرى افتتاحها للاستجابة».

ويعدّ الوزير الحلبي إكمال العملية التعليمية أولويةً، حيث دعا التلاميذ إلى الالتحاق بالمدارس في المناطق التي ينزحون إليها.

أزمة تعليمية

وأوضح محمد منصور، أستاذ التعليم الثانوي في مرجعيون، أن عدد التلاميذ الذين نزحوا من مدارس الجنوب يُقدَّر بنحو 7 آلاف تلميذ، بينما تعرضت 7 مدارس لأضرار نتيجة القصف الإسرائيلي.

وقال منصور لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن الفصل الدراسي الأول ينتهي في يناير (كانون الثاني) «والمطلوب هو التجهيز للفصل الثاني في حال استمرار الحرب. ونحن بحاجة إلى تجهيز أكثر من 10 مدارس لاستيعاب الطلاب. وإن زاد العدد من النازحين، فنحن بحاجة إلى مدارس أكثر».

ويرى منصور أن المشكلة تكمن في قضيتين: «الأولى أن يكون المقصد الرئيسي للنازحين باتجاه المدارس، ونحن شهدنا بمدينة صور افتتاح عدد من الصفوف داخل 4 مؤسسات تربوية لاستقبالهم. وإن زاد العدد من الوافدين، فسنشهد حاجة كبرى للمساحات، ما سيضطر إدارة الكوارث في المحافظة إلى افتتاح صفوف جديدة للعائلات، وهو ما سيؤثر في العملية التدريسية».

وأضاف: «القضية الثانية تتعلق بالمدارس في القرى الجنوبية التي قد تتعرض لأضرار جسيمة في المباني. حينها، سنكون أمام مشكلة إعادة إعمارها؛ فمن سيدفع هذه التكلفة ونحن نعيش في أزمة اقتصادية؟ حتى رواتب الأساتذة لا يتم تأمينها بسهولة».

عشرات الآلاف نزحوا من جنوب لبنان (أ.ف.ب)

ويصف منصور الموقف بأنه يشهد «مأساة تعليمية» تشمل أيضاً الكادر التدريسي من المعلمين في جنوب لبنان... توقف العملية التدريسية سيكون له انعكاس على أجور المعلمين، خصوصاً مَن يتقاضون على عدد الساعات، وليس راتباً شهرياً مقطوعاً».

وتشير سارة جريس (30 عاما) من بلدة رميش في جنوب لبنان إلى أهمية تجهيز مدرسة الرميش بمستشفى ميداني مجهز بالأدوات الطبية الضرورية.

وقالت جريس لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «المدرسة مجهَّزة بنحو 20 سريراً، وتضم أدوية ومعدات استشفائية لمعالجة الجرحى والحالات التي يمكن استقبالها بديلاً عن المستشفيات، في حال توسع نطاق الحرب وازدياد الضغط».

وتشير النشرة الإحصائية الرسمية الصادرة عن «مركز البحوث والإنماء»، المرتبط بوزارة التربية، إلى أن عدد التلاميذ الكلي في لبنان يبلغ مليوناً و79 ألفاً و48 طالباً، منهم 127 ألفاً و930 طالباً في محافظة جنوب لبنان، و83 ألفاً و799 في محافظة النبطية.

وذكرت النشرة أن عدد المدارس الرسمية والخاصة يبلغ 2780 مدرسة في لبنان، منها 301 مدرسة في محافظة جنوب لبنان و251 مدرسة في النبطية.

صعوبة التعليم والنزوح

الأسبوع الماضي، خرج سامر الطويل (45 عاماً) من منطقة كفركلا، مع ازدياد العمليات العسكرية والغارات المتكررة في عمق جنوب لبنان، فاضطر إلى الرحيل مع زوجته وولديه إلى مدينة صور.

وقال الطويل لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «مع اقتراب العدوان بشكل أكبر داخل الأحياء السكنية، اخترنا الابتعاد حفاظاً على حياتنا».

وأضاف: «مع أصوات القصف المتواصلة، من الصعب على أولادنا الالتزام بالتعليم. والتوجه إلى التعليم عن بُعد له مشكلة تتعلق بضعف شبكة الإنترنت، لا سيما أننا نعيش حالياً مع أقربائنا، ما يشكل ضغطاً عليهم، خصوصاً أثناء إعطاء الدروس وحركة الموجودين في المنزل».

ورأى الطويل أن أحد الحلول المقترحة لإعادة ضبط العملية التعليمية بما يناسب الأهل وأولادهم هو تسهيل تسجيل الطلاب النازحين في المدارس، ومراعاة أوضاع أسرهم المالية، بحسب قوله.


مقالات ذات صلة

سوريا: ضبط مجموعات متورطة في بيع السلاح لـ«حزب الله»

المشرق العربي صورة لشخص ألقت السلطات السورية القبض عليه (سانا)

سوريا: ضبط مجموعات متورطة في بيع السلاح لـ«حزب الله»

أفادت وكالة الأنباء السورية، اليوم الأربعاء، بأن الأمن العام ألقى القبض على ما وصفتها بأنها «مجموعات متورطة في بيع السلاح لـ(حزب الله) اللبناني» في ريف دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود لبنانيون ينتشرون خلال احتجاج مناصري «حزب الله» أمام مدخل مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت (إ.ب.أ) play-circle

مطار بيروت سيقفل أبوابه خلال مراسم تشييع نصر الله

يقفل مطار رفيق الحريري الدولي أبوابه، الأحد، لأربع ساعات، وفق ما أعلنت المديرية العامة للطيران المدني، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يسيرون على طول طريق على الجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل وسط الدمار في قرية ميس الجبل بجنوب لبنان في 18 فبراير 2025 (إ.ب.أ)

بالصور: «دمار شامل» في قرى حدودية بجنوب لبنان بعد انسحاب إسرائيل

يعود أهالي جنوب لبنان إلى قراهم بعد انسحاب إسرائيل ليجدوا أمامهم دماراً شاملاً... بيوت ومعالم لم تعد موجودة بعد الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (د.ب.أ) play-circle 01:01

عون: القرار اللبناني موحَّد باعتماد الخيار الدبلوماسي في مواجهة عدم انسحاب إسرائيل

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، الثلاثاء، أن لبنان يواصل اتصالاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا لاستكمال انسحاب إسرائيل مما تبقّى من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة لنصر الله مرفوعة على ركام منزل في كفركلا الحدودية (أ.ب)

«حزب الله» يُحمّل الدولة مسؤولية التحرير ويدرس خيار «المقاومة المدنية»

بدا موقف «حزب الله» من استمرار احتلال إسرائيل لخمس نقاط حدودية مع جنوب لبنان باهتاً، مقارنة بمواقفه السابقة.

بولا أسطيح (بيروت)

مقتل شخص بضربة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان

عامل بناء يقف بجوار مبنى متضرر بينما انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان في قرية كفر كلا (رويترز)
عامل بناء يقف بجوار مبنى متضرر بينما انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان في قرية كفر كلا (رويترز)
TT

مقتل شخص بضربة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان

عامل بناء يقف بجوار مبنى متضرر بينما انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان في قرية كفر كلا (رويترز)
عامل بناء يقف بجوار مبنى متضرر بينما انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان في قرية كفر كلا (رويترز)

قُتل شخص، اليوم (الأربعاء)، جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، غداة سحب إسرائيل قواتها من عدد من البلدات الحدودية، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ما عدا خمسة مواقع استراتيجية.

وأوردت الوكالة: «أغارت مُسيرة مُعادية على سيارة رابيد في بلدة عيتا الشعب، في قضاء بنت جبيل»، مما أدى إلى «سقوط شهيد».

كان مواطن لبناني قد أُصيب في وقت سابق اليوم، جراء إطلاق القوات الإسرائيلية النار على متنزهات الوزاني في جنوب البلاد. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن ذلك جاء في أثناء قيام بعض أهالي البلدة بتفقد متنزهات الوزاني، حيث أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهم، مما أدى إلى إصابة مواطن. وأشارت إلى قيام الجيش الإسرائيلي اليوم، بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة من موقع الرادار في خراج بلدة شبعا في اتجاه منازل البلدة.

وأطلقت قوة إسرائيلية مؤلَّفة من دبابتين ميركافا النار على مركز الجيش اللبناني في منطقة بركة النقار جنوب بلدة شبعا من دون وقوع إصابات، حسب وسائل إعلام لبنانية.

وكان الجيش اللبناني قد استكمل أمس (الثلاثاء)، انتشاره في بلدات القطاعين الشرقي والأوسط في جنوب لبنان، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، وبقي الجيش الإسرائيلي في خمس نقاط رئيسية على طول الحدود في جنوب لبنان.

ودخل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ووافقت الحكومة اللبنانية على استمرار العمل بموجب تفاهم وقف إطلاق حتى 18 فبراير (شباط) الجاري.