انتخابات مجالس المحافظات تُفجر حرب المحافظين بين القوى السياسية العراقية

لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)
لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)
TT

انتخابات مجالس المحافظات تُفجر حرب المحافظين بين القوى السياسية العراقية

لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)
لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)

لا يمكن لأي مراقب قراءة طبيعة التنافس على مجالس المحافظات العراقية المقرر إجراء انتخاباتها في 18 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بمعزل عن مجمل الصراع السياسي في العراق. فعلى الرغم من أن العملية السياسية الحالية في العراق بدأت قبل عقدين من الزمن وبالذات بعد أبريل (نيسان) 2003 حين أسقطت دبابة أميركية ضخمة تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في قلب بغداد، فإنها لا تزال تعاني إشكاليات التأسيس. ومن بين أبرز إشكاليات التأسيس التي انعكست لاحقاً على كل مخرجات تلك العملية هي ما تسميه القوى السياسية العراقية «التوافق»، وهي صيغة تتناقض مع ما أقرّه الدستور العراقي الذي كتبته القوى السياسية نفسها وعرضته على التصويت في جو مشحون بالتعبئة الجماهيرية مما جعله يحظى بنسبة تصويت مرتفعة (حصل على 82 في المائة) من أصوات العراقيين رغم مقاطعة العرب السنة في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وكركوك وديالى بنسب كبيرة.

محاصصة شاملة

فصيغة التوافق التي تحولت إلى محاصصة شاملة في توزيع المناصب، بدءاً من المواقع السيادية (رئاسات الجمهورية والحكومة البرلمان)، مروراً بالوزارات والهيئات والمحافظات والوكالات والنقابات والمديريات العامة، لا تنسجم مع مخرجات الانتخابات البرلمانية التي أُجريت منها 5 دورات حتى الآن وأنتجت 7 حكومات.

لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)

ففي الوقت الذي يؤكد فيه الدستور العراقي على الديمقراطية التمثيلية، فإن كل الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003 وإلى اليوم تقوم على التوافق الذي كرس المحاصصة التي بات يصعب التخلص منها لأنها تحولت إلى نوع من التخادم بين القوى السياسية نفسها، وإلى نوع من الزبائنية بين القوى السياسية والجمهور.

الاحتجاجات الجماهيرية

هذه الصيغة انعكست على الحكومات (الحكومة الاتحادية) مثلما انعكست لاحقاً على الحكم المحلي (المحافظون ومجالس المحافظات). ولعل المتغير الذي لم تكن تتوقعه القوى السياسية هي الاحتجاجات الجماهيرية الكبرى التي اندلعت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، وامتدت إلى عام 2019 وأدت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي عام 2020، والتي هددت الصيغة التي بُنيت عليها العملية السياسية لولا أن جرت مجابهتها بالحديد والنار، الأمر الذي أدى إلى مقتل نحو 600 متظاهر وجرح أكثر من 20 ألفاً آخرين.

وفي سياق هذه المواجهة الاحتجاجية، كان إلغاء مجالس المحافظات أحد المطالب الرئيسية لتلك الاحتجاجات. ومع أنه بدا أنه ليس أمام القوى السياسية سوى الانحناء أمام عاصفة تلك الاحتجاجات لكن ما إن استقرت لها الأوضاع حتى قررت إجراء انتخابات تلك المجالس التي كانت قد تعطلت لسنوات كونها منصوصاً عليها في الدستور. هذه الذريعة الدستورية هي التي مكَّنت القوى السياسية من تحشيد أكبر ما تستطيع من إمكانات وقدرات مالية لغرض خوضها بوصفها إحدى أهم معارك المصير بالنسبة لهذه القوى. وتقف من حيث طبيعة المنافسة القوى الشيعية في المقدمة تليها القوى السنية في المحافظات الغربية. تشذّ عن ذلك محافظات إقليم كردستان، حيث تَقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم مع المحلية خلال ربيع عام 2024.

متوالية الصدر والإطار

كان التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر قد حاز خلال انتخابات 2021 أعلى نسبة تصويت ومقاعد (73 مقعداً) لكنه أنسحب تاركاً المجال لخصومه (قوى الإطار التنسيقي الشيعي) لتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني بمشاركة كردية - سنية عبر صيغة توافقية أُطلق عليها «ائتلاف إدارة الدولة». ومع أن هذا الائتلاف يمتلك الغالبية العظمى داخل البرلمان العراقي (280 نائباً من 329 نائباً» فإن خروج التيار الصدري من المعادلة البرلمانية الحاكمة لم يُخرجه من المعادلة السياسية، نظراً لجمهوره الكبير والمنضبط معاً لجهة التوجيهات التي تصدر من قيادته وبالتحديد قائده مقتدى الصدر.

لافتات المرشحين للانتخابات المحلية تغزو شوارع بغداد (أ.ف.ب)

ومع اقتراب موعد الحسم، إذ لم يتبقَّ سوى أقل من أسبوعين على إجراء تلك الانتخابات، فإن ما يجري في الشارعين الشيعي والسني يبدو أكبر من انتخابات مجالس محلية. ولعل التجسيد الأكبر لذلك وما يوازيه من تحشيد سياسي وجماهيري يتعلق بالمحافظين الذي يتولون قيادة المحافظات في ظل غياب المجالس التي تحكم عملهم وتشكل رقابة عليهم مرة، وقيداً على سياقات عملهم مرة أخرى.

حرب المحافظين

ففي الوقت الذي بدأت حرب المحافظين بشكل مبكر في محافظة نينوى ذات الغالبية السنية شمالي العراق، عندما جرى تفعيل عملية اجتثاث المحافظ نجم الجبوري بتهمة الانتماء إلى حزب البعث رغم أنه كان قائد العمليات العسكرية التي أدت إلى تحرير الموصل من تنظيم «داعش» وشغل منصب المحافظ لسنوات، لكنَّ الصراع الأكبر على المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب. فالمحافظات الغربية اشتدّ الصراع فيها الآن بعد إقصاء رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو ما سوف يؤثر كثيراً في صيغة الحكم المحلي بعد معرفة نتائج الانتخابات، لكن المشكلة الكبرى تبقى في المحافظات الوسطى والجنوبية بسبب الصراع الحاد بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي. فالصدر لم يشارك في الانتخابات لكنه في الوقت نفسه لا يسمح بتغيير المعادلة داخل تلك المحافظات لجهة تغيير المحافظين لصالح هذا الطرف أو ذاك.

المؤشرات حتى الآن تؤكد الذهاب إلى إجراء الانتخابات رغم ما يحصل حالياً من مواجهات في الشارع لا سيما على صعيد محاولات إحراق بعض مقرات الأحزاب الشيعية لا سيما دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وهو الخصم الأشد للصدر، وكذلك مقرات تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم. وسواء أُجريت الانتخابات أم لا، لا سيما في حال تصاعد الصراع حد المواجهات المفتوحة فإن نتائج الانتخابات يمكن أن تُنذر بمخاطر أخرى، خصوصاً إذا جرى التلاعب بخريطة الحكم المحلي وبالتحديد مناصب المحافظين.


مقالات ذات صلة

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

توتر سياسي واسع داخل المعسكر الشيعي الحاكم في العراق بعد التراجع عن إدراج «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية على قوائم الإرهاب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتَين إرهابيتَين»

نفت رئاسة الجمهورية العراقية علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعتَي «أنصار الله (الحوثيين)»، و«حزب الله» اللبناني إرهابيَّتين، وتجميد أصولهما وأموالهما.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)

قُتل فلسطيني وأُصيب 3 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة شمال غربي قطاع غزة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية اليوم.

وأشارت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إلى أن القوات الإسرائيلية استهدفت مجموعة من المدنيين في محيط المنطقة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.


مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية اليوم (السبت)، إن مصر ترحب بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة 3 سنوات.

وأضافت «الخارجية» المصرية في بيان نشرته في صفحتها على «فيسبوك»، إن مصر تشدد على أن دور وكالة الأونروا محوري، ولا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله.

ودعت المجتمع الدولي إلى توفير التمويل المستدام لوكالة «الأونروا»، لضمان «استمرار خدماتها الحيوية».

وأشارت إلى أن وجود «الأونروا» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر قضية اللاجئين ذاتها، وبالمسؤولية الدولية تجاه إيجاد حل دائم لها، وفق قرارات الشرعية الدولية.


احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
TT

احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)

في موازاة احتفالات مستمرة في سوريا بمرور قرابة سنة على إسقاط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، تسربت معلومات أمس عن خطط يقف وراءها رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد لإطلاق انتفاضتين في الساحل السوري ضد حكم الرئيس أحمد الشرع.

وجاءت هذه المعلومات، في وقت شهدت ساحة العاصي بمدينة حماة، الجمعة، فعالية حاشدة بمناسبة مرور عام على تحريرها من قوات الأسد. ورفع مشاركون في الفعالية علماً سوريّاً بطول 500 متر، وعرض 4 أمتار، وسط الساحة «في مشهد رمزي يؤكد وحدة الأرض والشعب»، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة «سانا» الرسمية.

تزامناً مع هذه الاحتفالات، نشرت «رويترز» تحقيقاً ذكرت فيه أن اللواء كمال حسن المسؤول السابق في المخابرات السورية، وابن خال الأسد الملياردير، رامي مخلوف، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين؛ أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة.

وقال 4 أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فرّ إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو.