كشفت مصادر سياسية في تل أبيب، يوم الخميس، عن مشروع جاهز لصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل و«حماس»، منذ يوم الثلاثاء، متفَق عليها وقابلة للتنفيذ، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تراجع عنها في اللحظة الأخيرة. وأوضحت المصادر أن نتنياهو جمع الوزراء لإقرار الصفقة، لكن بعدما استمع إلى اعتراضات الجيش وبعض الوزراء، «ارتدع وتراجع وخشي من ردود فعل حزبية تهدد حكومته، فأنهى الاجتماع بلا قرارات، وامتنع عن عقد جلسة ثانية في اليومين التاليين».
وقد تلقفت عائلات الأسرى الإسرائيليين هذه الأنباء بانزعاج شديد. وخلال اليوم الثالث للمسيرة التي تنظمها من تل أبيب إلى القدس، لرفع صوت الأسرى عالياً، راحوا يطالبون بإقرار الصفقة فوراً. وقالت أوريت مئير جان، التي خُطف ابنها ألموغ، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إنه «بات واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية لا تضع قضية أولادنا المخطوفين على رأس اهتمامها. ونحن نشعر بقلق شديد على حياة أولادنا. لقد مرت علينا 41 يوماً قاسية جداً، والحكومة لا تعطينا أي أمل، لهذا نحن ننطلق في هذه المسيرة ولن نكفّ حتى يعود أولادنا».
تفاصيل الصفقة
وقالت مصادر مطّلعة، في حديث مع ناحوم بارنياع، الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «الصفقة التي جِيء بها للمصادقة، يوم الثلاثاء ليلاً، في المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، تشمل إطلاق 50 مخطوفاً، من نساء وأطفالاً ومُسنّين، مقابل خمسة أيام من وقف النار وتحرير نساء وفتيان من السجن. وكان يفترض بالكابينت أن يُقرّها، وكان يفترض بالحكومة، يوم الأربعاء، أن تنعقد وتُقرّ الصفقة، كما يلزم، لكن هذا لم يحصل. جلسة الكابينت انتهت دون قرار. الحكومة لم تنعقد، أمس، وحتى جلسة الكابينت التي خُطط لها في اليوم التالي. كلما مرت الساعات أخذ الانطباع بأن المخطط تمزَّق، فالمعارضة الأولية كانت لمدة وقف النار: فقد طلب المستوى السياسي تقصير زمنها بثلاثة أيام؛ الاعتراض الثاني كان على العدد: فقد طلب المستوى السياسي زيادة عدد المحرَّرين. والحجة المضادّة في أنه خلال هذه اللحظة ليس ليحيى السنوار (رئيس «حماس» في قطاع غزة) تحكم على أكثر من 50 مخطوفاً، ضمن التصنيف الذي حدد، لم تقنع نتنياهو ووزراءه».
شروط «حماس»
ويقول بارنياع: «الشروط التي تُمليها حماس صعبة جداً، أخطر ما فيها هو مدة وقف النار، فخمسة أيام هي مدة أبدية، حين تكون ثلاثة ألوية للجيش في ذروة عملية برية. مجرد وجود مفاوضات مع هذه المنظمة، بعد المذبحة التي ارتكبتها، يخلق مشكلة قيمية وأخلاقية. يحيى السنوار، الشريك الذي فرض علينا، هو قاتل، مُبتزّ ووقِح في الوقت نفسه. لكن نتنياهو والوزراء عرفوا على مدى كل الطريق ما الذي يوجد في الرزمة، وما الذي لا يوجد فيها. ووفق رواية معينة، فهِم نتنياهو الثمن، وعندها، قبل لحظة من الحسم، حين بات الثمن سيصبح واقعياً، تخوّف وتراجع إلى الوراء. هكذا حصل في عشرات القرارات العملياتية في الماضي. دون صلة بمضمون القرارات، مسيرة القرار هدّامة، فهي تخلق انعدام يقين لدى مبعوثي الدولة الذين ينكبّون على المهمة، ولدى الوسطاء بيننا وبين الطرف الآخر. القرار ليس بسيطاً».
وأضاف: «فأنا لا أحسد أي واحد من أصحاب القرار؛ لا في الكابينت، ولا في الجيش. يمكن القرار بهذا الاتجاه، ويمكن القرار باتجاه آخر. ما هو محظور عمله هو تضليل العائلات، فتحرير المخطوفين ليس الهدف الأول في هذه الحرب؛ هو الهدف الثاني. أحد الضباط المشاركين قال لي في بداية المسيرة: يدور الحديث عن قتَلة منكرين. كل طفل يخرج من هناك حياً هو معجزة، بدايةً فليخرج. في الحكومة قد يكونون يتحدثون مثله، لكنهم عملياً يتصرفون بشكل مختلف. 239 مخطوفاً ليسوا بضاعة للمساومة. هم أبناء وبنات بشر. بعضهم ليس حياً، بعضم مرضى أو مُقعدون، بعضهم رُضّع: كل يوم آخر لهم في أَسْر منظمات الإرهاب يمكن أن يكون حرِجاً. في المنظومة ثمة من يأمل في أنه إذا جرى اغتيال السنوار، فإن خلفاءه سيخفضون الثمن. أما التجربة فتشهد العكس: الخلفاء يشددون المواقف. مهما يكن من أمر، خيراً سيكون إذا نجح الجيش والشاباك في الوصول إلى السنوار وزملائه، وجميل ساعة واحدة مبكرة».
«بم يفكر السنوار؟»
وتابع بارنياع: «مُشوِّق أن نعرف ما يفكر به السنوار عن الطريقة التي تتعاطى بها إسرائيل معهم. في البداية، قالت الحكومة إنه لن تمر مساعدة إنسانية إلى القطاع دون أن يتحرر المخطوفون؛ بعد ذلك فتحت الباب للمساعدة الإنسانية، بل رحّبت بها؛ الحكومة قالت إنها لن توافق على وقف النار، ولا على نبضات؛ أما الآن فهي توافق، الحكومة قالت إنها لن تسمح بإدخال الوقود إلى القطاع؛ والآن هي تقر 24 ألف لتر سولار، بدعوى أن الوقود لازم للسماح لشاحنات الوكالة بتزويد الإغاثة للاجئين. في الجيش لا يشكّون في أن قسماً من الوقود سيصل إلى (حماس). وهذا يعد ثمناً معقولاً لغرض تخفيض الضغط من البيت الأبيض، والاتحاد الأوروبي، ومصر، والمنظمات الدولية. تخفيض الضغط يعطي زمناً، والجيش بحاجة إلى كثير من الزمن. كل قرار على حدة معقول، لكن المسيرة تدل على أنه ليس لإسرائيل خطوط حمراء: يرسمون خطوطاً حمراء، وبعد ذلك يتجاوزونها ويرسمون خطاً جديداً.