ينظر اللبنانيون إلى إقرار مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024، على أنه مدخل لموازنة أكثر واقعية، وتوحيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والتخلص من الأسعار الثلاثة الموجودة بالحد الأدنى لصرف الليرة، وهي: السعر الرسمي (15 ألف ليرة للدولار الواحد)، ومنصة «صيرفة» (85 ألف ليرة للدولار الواحد)، والسوق الموازية (89 ألف ليرة للدولار الواحد).
وتُعدّ مسألة توحيد أسعار الصرف من أحد الشروط المسبقة لحصول لبنان على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار (3.09 مليار يورو). ففي نهاية جولة وفد الصندوق الأخيرة على المسؤولين في لبنان في الشهر الماضي، أكد الصندوق أن «من شأن توحيد أسعار الصرف وضع حد لفرص تحقيق الريع، وتخفيض الضغوط على احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، وتمهيد الطريق أمام سعر الصرف الذي تحدده قوى السوق»، مشدداً على أنه «ينبغي أن تقترن هذه العملية بضوابط مالية مؤقتة للمساعدة على حماية موارد النقد الأجنبي المحدودة في النظام المالي اللازمة لضمان الوصول إلى حلول منصفة للمودعين».
حاصباني: فشل «صيرفة»
ويرى عضو لجنة المال والموازنة النائب غسان حاصباني (القوات اللبنانية) أن «صندوق النقد يربط الإصلاحات وتحسين الوضع النقدي والمالي في لبنان بتحرير سعر الصرف واستخدام سعر موحّد في الموازنة». من هنا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يجب تطوير سوق الصرف بعد فشل منصّة (صيرفة) في تحقيق الاستقرار، لا بل سمحت بتحقيق الأرباح لفئات معيّنة استفادت منها». أما منصّة «بلومبيرغ» التي أعطت الحكومة اللبنانية تفويضاً لاعتمادها، «فمن المفترض أن تتحكّم بها حركة العرض والطلب»، مشيراً إلى أن «نجاحها مرتبط بما هو مخطط لها، وقد يكون تدخّل مصرف لبنان محدوداً في السوق من خلال البيع والشراء، وربما هي خطوة جيدة نحو تحرير سعر الصرف».
ويقول حاصباني: «علينا انتظار مشروع قانون موازنة 2024 الذي أعلن أنه يتضمن أرقاماً مبنية على سعر موحّد. نحن لا نعلم ما هو، ربما 85 ألفاً للدولار الواحد. وقد يكون هذا بدوره مدخلاً لموازنة أكثر واقعية، بعدما لحظت موازنة 2022 عدة أسعار للصرف؛ سعر للدولار الجمركي، وآخر للرواتب والأجور، وغيرهما».
وعن السعر الذي سيسحب عليه المودعون ودائعهم بموجب تعاميم مصرف لبنان (المركزي)، قال حاصباني إن هذه المسألة «غير واضحة، ولكنها من المفترض أن ترتبط بقانون الانتظام المالي أيضاً».
اقرأ أيضاً
تراجع الإقبال على «صيرفة»
وفي الوقت الذي تراجع فيه الإقبال على منصَّة «صيرفة»، حافظ «المركزي» على تدخّله في سوق القطع شارياً الدولار بهدوء بعيداً عن المضاربة التي تميَّزَت بها أشهر الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة الأخيرة في الحاكميَّة.
وكان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أعلن فور تسلّمه مهامه أن «الوقت اليوم هو الأنسب لتحرير وتوحيد سعر الصرف، لمعطيات عديدة أبرزها انخفاض الكتلة النقدية من 80 تريليون ليرة إلى 60 تريليون ليرة، وارتفاع الجباية لدى الدولة إلى حدود 20 تريليون ليرة شهرياً، وجزء منها نقدي، وهذا ما يؤدي إلى سحب الليرة أيضاً من السوق»، مشيراً إلى «موسم السياحة المزدهر في الصيف والذي يرافقه ضخّ مبالغ كبيرة من الدولار الفريش في السوق». وشدد على أن «تحرير سعر الصرف وتوحيده يعني أن سعر الدولار المقوّم على الليرة اللبنانية يتم تحديده بحسب عمليات السوق دون تدخّل من المصرف المركزي».
ومع اتخاذ قرار توحيد سعر الصرف تلغى حكماً الحاجة إلى الأسعار التي حدّدتها التعاميم «151» و«157» و«158» و«161». وبرأي بعض الخبراء، فإن اعتماد السعر الجديد (الذي سيكون حكماً سعراً مصطنعاً) قد يُترجم بارتفاع بحجم الكتلة النقدية وضغوطٍ تضخّمية إضافية.
فحيلي: تداعيات كارثية
ويؤكد خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي لـ«الشرق الأوسط» أن تحرير سعر الصرف «هو نتيجة تداول حرّ ومحرّر من أي قيود، ويتحدّد نتيجة العرض والطلب، وليس مركّباً على قياس المصرف المركزي وقدراته، أو وزارة المال ورغباتها». ويقول: «لا يوجد تبادل حرّ على سعر الصرف 15 ألف ليرة، أو 85500 ليرة، وهذا يعني أن هناك سعر صرف واحداً، وعلى من يحدّد ويتحكّم بالتداول على السعرين المذكورين أن يحرّر هذا النشاط الاقتصادي أو الخدمات من القيود».
ويرى فحيلي أن «أي محاولة لتحرير سعر الصرف في ظل غياب تام للإصلاحات سوف تؤدي إلى تداعيات كارثية، خصوصاً لأصحاب الدخل المحدود ومن يتعاطى دخله بالليرة اللبنانية»، لافتاً إلى أن «الظروف الاقتصادية والنقدية غير مناسبة للتوجّه نحو تحرير سعر الصرف، ولكن صندوق النقد متمسّك بهذا التدبير».
ويشير فحيلي إلى أن «صندوق النقد الدولي طلب رزمة من الإصلاحات المترابطة ويجب أن تتزامن في إقرارها وتطبيقها، وكان تحرير سعر الصرف أحدها. من المستحيل إقرار وتطبيق أي واحد من هذه الشروط على حدة وبمعزل عن الشروط الأخرى».
«اللغط» بين التوحيد والتحرير، يوضحه فحيلي بالقول إنه «ما من شيء اسمه توحيد، إنما المقصود هو تحرير السعر، وهذا يتطلّب سحب يد كل من السلطة المالية والنقدية من السوق؛ الأولى بإقرار موازنة متوازنة، والثانية بعدم إقدامها على شراء الدولارات لدفع الرواتب والأجور للقطاع العام أو غير ذلك»، ويترافق ذلك مع سحب القيود عن التداول بالعملات الأجنبية. ويُحصر تحديد سعر الصرف بالعرض والطلب، ما يعني تحرير سعر الصرف مع وجود سعر واحد؛ أي توحيد سعر الصرف، مشدداً على أن «أنسب كلمة هي تحرير سعر الصرف؛ لأن التوحيد مكلف ولا يحلّ المشكلة النقدية في لبنان».