مؤشرات مقلقة حول تغير توجهات الأسواق الأميركية بين مرحلتي «الثور» و«الدب»

محللون ربطوا التحول بسياسات ترمب الجمركية وتباطؤ اقتصاد الولايات المتحدة

تمثال الثور الهائج المعروف أيضاً باسم ثور وول ستريت بالحي المالي في مانهاتن (رويترز)
تمثال الثور الهائج المعروف أيضاً باسم ثور وول ستريت بالحي المالي في مانهاتن (رويترز)
TT

مؤشرات مقلقة حول تغير توجهات الأسواق الأميركية بين مرحلتي «الثور» و«الدب»

تمثال الثور الهائج المعروف أيضاً باسم ثور وول ستريت بالحي المالي في مانهاتن (رويترز)
تمثال الثور الهائج المعروف أيضاً باسم ثور وول ستريت بالحي المالي في مانهاتن (رويترز)

توقع محللون اقتصاديون احتمال تحول السوق المالية الأميركية من مرحلة «الثور» إلى مرحلة «الدب»، مؤكدين أن المؤشرات الاقتصادية والمالية بدأت تثير القلق مؤخراً.

تأتي هذه التوقعات في وقت شهدت أسواق الأسهم تراجعات حادة بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية هائلة لم تفرّق بين حليف وعدو، والتي أدت إلى تأجيج الهلع في الأسواق وتسجيل خسائر فادحة، وهو ما أفضى إلى طرح تساؤلات ما إذا كان هذا يعتبر «انهياراً» لسوق الأسهم.

 

ويشير مصطلح «سوق الثور» (Bull Market) إلى فترة طويلة من ارتفاع أسعار الأسهم وتفاؤل المستثمرين بخصوص الاقتصاد، وخلال هذه المرحلة، يميل المستثمرون إلى الشراء، وتزداد الثقة في الأسواق، وعادةً ما ترتفع الأرباح وأسعار الأصول.

رد فعل متداول في بورصة نيويورك بعد تسجيل المؤشرات خسائر فادحة (أ.ف.ب)

على عكس «سوق الثور»، يشير مفهوم سوق «الدب» (Bear Market) إلى انخفاض أسعار الأسهم بنسبة 20 في المائة أو أكثر من أعلى نقطة خلال الدورة الاقتصادية، مصحوباً بتشاؤم المستثمرين وزيادة عمليات البيع. تتميز هذه المرحلة عادة بتباطؤ اقتصادي أو توقعات سلبية لأداء الشركات.

وهذا يعني أن انخفاضاً بنسبة 20 في المائة من ذروته يعتبر «سوقاً هابطة... فهل نحن قريبون من هذا الوصف حالياً؟».

سنوات «الدب»

دخلت السوق الأميركية في مرحلة «الدب» في سنوات عدة، كان أبرزها عام 2000، حين سميت فقاعة الدوت كوم، نتيجة انهيار شركات التكنولوجيا التي كانت أسعار أسهمها مرتفعة بشكل مبالغ فيه. وخلال الأزمة المالية عام 2008، دخلت السوق هذه المرحلة بسبب انهيار سوق الرهن العقاري، وكذلك عام 2020 في أزمة كورونا، حيث تسبب انتشار جائحة كورونا في انهيار سريع وحاد في الأسواق المالية.

سوق العمل وأرباح الشركات

يشرح جون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في «ساكسو بنك»، بأن دخول السوق في مرحلة الدب يشير فقط إلى سوق الأسهم، ويمكن أن يحدث سواء كان هناك ركود أم ضعف في الاقتصاد. فـ«على سبيل المثال، كان عام 2022 عاماً سيئاً للأسهم، وشهدنا دخول السوق في (مرحلة الدب) نتيجة السياسة النقدية المتشددة من قبل (الاحتياطي الفيدرالي)، وليس بسبب ركود اقتصادي. وأعتقد أن احتمالية ظهور (مرحلة الدب) في السوق الأميركية هذا العام ستكون مرتبطة بضعف الاقتصاد».

وأوضح أن «المؤشرات التي يجب مراقبتها لتحديد المخاطر المتزايدة على الاقتصاد تتركز في سوق العمل، مثل ارتفاع طلبات إعانة البطالة وسلسلة من الانخفاضات في أرقام الوظائف الشهرية، رغم أن بيانات الوظائف كانت مضطربة منذ الجائحة. ويمكن لتقارير أرباح الشركات للربع الأول، التي تبدأ في منتصف أبريل (نيسان)، أن توفر بيانات مهمة».

شاشة تعرض انخفاض مؤشر «داو جونز» بعد إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية (إ.ب.أ)

وعرّج هاردي إلى التعريف حول مفهوم «مرحلة الدب»، وقال: «بالنسبة للسوق نفسها، تُعرّف (مرحلة الدب) على أنها انخفاض بنسبة 20 في المائة من أعلى مستوى له في الدورة، وقد شهدنا فقط تصحيحاً بنسبة 10 في المائة في مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) في أسوأ حالاته الأخيرة... لذلك، يجب أن يكون الانخفاض ضعف هذا المقدار لكي نعتبر أن الأسواق قد دخلت فعلياً في (مرحلة الدب). هذا المستوى يقع تحت 5 آلاف نقطة، أي حوالي 4910 نقاط تحديداً».

وكان مؤشر «ستاندرد آند بورز» قد تراجع يوم الجمعة بنسبة 5.97 في المائة ليصل إلى 5074.08 نقطة، وهو أكبر انخفاض له منذ مارس (آذار) 2020. في حين انخفض مؤشر «داو جونز الصناعي» 5.5 في المائة، إلى 38314.86، في أكبر انخفاض منذ يونيو 2020 خلال جائحة كورونا.

 

موجة بيع حادة

في المقابل، قال أرون ليزلي جون، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال»، إن الأسواق الأميركية شهدت مؤخراً موجة بيع حادة استمرت أربعة أسابيع، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك تصحيحاً أم بداية لمرحلة الدب.

رد فعل متداول في بورصة نيويورك بعد التراجع الكبير في سوق الأسهم يوم الجمعة (إ.ب.أ)

وأضاف: «يعتبر الانخفاض بين 10 و20 في المائة تصحيحاً، وهو عادةً حاد وقصير الأجل، في حين أن التراجع بنسبة 20 في المائة أو أكثر يشير إلى سوق الدببة، الذي يميل إلى التكشف تدريجياً».

وأشار إلى ارتفاع مؤشر «فيكس» للتقلبات فوق مستوى 20 لمدة 16 جلسة متتالية الشهر الماضي، وهو ما يدل على احتمالية تقلبات قادمة دون أن يعني بالضرورة وجود ذعر حقيقي في السوق. ولفت إلى أهمية مراقبة انقلاب منحنى العائد، رغم عدم حدوثه حالياً، منبهاً إلى توقع الأسواق خفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة مرتين في 2025.

وأكد أن أرباح الشركات الأميركية لا تزال قوية، رغم تباطئها مؤخراً، مع ضرورة متابعة اتساع السوق وثقة المستهلك كمؤشرات إضافية، مضيفاً أن الدخول رسمياً في «سوق الدببة» يتحقق بإغلاق مؤشر «ستاندرد آند بورز» دون مستوى 4915.32 دولار.

السيناريوهات المحتملة

وعن السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تحدث في حال دخول السوق الأميركية مرحلة «الدب»، قال جون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في «ساكسو بنك»: «يتجلى السيناريو الأكثر وضوحاً في فقدان السوق الأميركية للزخم نتيجة ضعف الاقتصاد الأميركي وزيادة حذر المستهلكين بسبب تراجع سوق العمل، ما يدفع الشركات إلى تقليص خطط الإنفاق نظراً لحالة عدم اليقين في الطلب».

متداول يرصد تراجعات سوق الأسهم يوم الجمعة بعد تسجيلها خسائر كبيرة (رويترز)

وأضاف: «كل هذه العوامل تؤدي إلى تأثير متسلسل يعزز تراجع السوق. كما أن استجابة السياسات المالية والنقدية في هذه المرحلة قد تزيد من صعوبة التعافي من أي انكماش اقتصادي، نظراً للوضع المالي الحرج للولايات المتحدة، حيث استمرت الحكومة الفيدرالية في تسجيل عجز مالي كبير حتى في فترات النمو الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة».

ولفت إلى أن «هناك عاملاً إضافياً يتمثل في تأثير النهج التصادمي لإدارة ترمب مع بقية العالم، حيث قد تؤدي هذه السياسة إلى عزوف عالمي متزايد عن الاستثمار في الأسهم الأميركية، خاصة في ظل حقيقة أن 70 في المائة من المحافظ الاستثمارية في الأسواق المتقدمة كانت موجهة نحو السوق الأميركية في أقصى مستويات هذه الدورة الاقتصادية».

وقت الضغوط

وقال أرون ليزلي جون من «سنشري فاينانشال» إن مؤشر «ستاندرد آند بوز 500» شهد منذ عام 2000، تسعة تصحيحات، بمتوسط خسارة 14 في المائة على مدى 83 يوماً. استغرق التعافي منها 86 يوماً في المتوسط، مع عوائد 9 في المائة في شهر واحد، و20 في المائة في ستة أشهر، و26 في المائة في عام واحد، و72 في المائة على مدى خمس سنوات. أضاف: «كما شهد دخول الأسواق في مرحلة الدب أربع مرات، بمتوسط خسارة 41 في المائة على مدى 440 يوماً. استغرق التعافي 435 يوماً في المتوسط، مع عوائد 18 في المائة في شهر واحد، و32 في المائة في ستة أشهر، و49 في المائة في عام واحد، و121 في المائة على مدى خمس سنوات».

وشرح أن الانزلاق إلى «مرحلة الدب» قد يحدث نتيجة مجموعة من العوامل المحلية والعالمية. إذ قد تستمر الآثار المتأخرة للتشديد النقدي السابق في التأثير على تكاليف الاقتراض والاستثمار والإنفاق الاستهلاكي. كما قد تتعرض أرباح الشركات لضغوط بسبب انخفاض الهوامش الناتج عن تضخم الأجور وضعف الطلب وارتفاع تكاليف المدخلات.

كما أشار إلى أن تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي أو ارتفاع حالات التعثر في سداد الديون بسبب المستويات المرتفعة للديون سيشير إلى ضعف متزايد، وقد يؤدي إلى تدهور سوق العمل، الذي يتجلى في ارتفاع البطالة أو انخفاض خلق فرص العمل، إلى زيادة تراجع الثقة والزخم الاقتصادي.

وأوضح جون أن أسواق الأسهم قد تخضع لتصحيحات في التقييم إذا فشلت الأرباح في تبرير مستويات الأسعار المرتفعة، خاصة في القطاعات التي تركز على النمو.

عالمياً، يشكل التباطؤ الاقتصادي في الصين خطراً على التجارة العالمية والطلب على السلع الأساسية، وفق جون الذي أشار إلى الحروب التجارية التي تتسبب بها رسوم ترمب، «وهو ما يؤدي إلى إعادة إشعال الضغوط التضخمية وربما إحداث تراجع اقتصادي... كما قد تؤدي التوترات الجيوسياسية المتصاعدة إلى تعطيل التدفقات التجارية وأسواق الطاقة وحركة رأس المال عبر الحدود، مما يزيد من مخاطر الهبوط للأسواق العالمية».


مقالات ذات صلة

«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

الاقتصاد مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

سجل مؤشر توبكس الياباني مستوى قياسياً جديداً يوم الجمعة، مدعوماً بتراجع المخاوف بشأن ديون البلاد

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

المؤشرات الصينية ترتفع مع عطلة الأعياد

واصلت أسهم البر الرئيسي الصيني مكاسبها يوم الخميس، حيث سجل مؤشر شنغهاي الرئيسي جلسة رابحة للجلسة السابعة على التوالي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد رجل يمر أمام لوحة إلكترونية تعرض مؤشرات حركة الأسهم وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

«نيكي» يغلق على ارتفاع مع التأثر بمكاسب «وول ستريت»

أنهى مؤشر نيكي الياباني تداولات يوم الخميس على ارتفاع طفيف، متأثراً بمكاسب «وول ستريت»، حيث قادت أسهم التكنولوجيا هذه المكاسب.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد مشاة بأحد شوارع العاصمة اليابانية طوكيو يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم (أ.ب)

انتعاش الين يدفع «نيكي» لأول خسارة في 4 جلسات رغم مكاسب الرقائق

تراجعت الأسهم اليابانية، يوم الأربعاء، تحت وطأة ارتفاع الين، مما أدى لتسجيل مؤشر نيكي أول خسارة له في أربع جلسات تداول

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد علم الصين فوق لوحة إلكترونية تحمل شعار «صنع في الصين» (رويترز)

الذكاء الاصطناعي الصيني يجذب المستثمرين وسط مخاوف «فقاعة وول ستريت»

يزيد المستثمرون العالميون من رهاناتهم على شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، متوقعين نجاح نماذج عدة قادمة على غرار «ديب سيك».

«الشرق الأوسط» (نيويورك-هونغ كونغ)

وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
TT

وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)

أكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية، السبت، دعم وزارته الكامل والمساندة لمصرف سوريا المركزي في إجراءاته وجهوده قبل وأثناء وبعد عملية استبدال العملة الوطنية. مؤكداً أن «السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنتهجها السلطات السورية، ستعزز بعون الله من استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً مهماً من أركان دعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا».

وقال برنية في منشور على حسابه في «لينكد إن»، إن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز السيادة الوطنية واستقرار الاقتصاد، مشيراً إلى أن «العملة الوطنية رمز مهم من رموز السيادة الوطنية التي نعتز بها، وهي عملة الدولة السورية وعملة كل مواطن سوري».

وأوضح أن الهدف من هذه العملية، ومن السياسات النقدية والمالية المصاحبة، هو تعزيز استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً أساسياً لدعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا.

وأضاف أن «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جميعاً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار»، داعياً إلى التعامل معها بالاعتزاز ذاته الذي يتعامل به مع العلم الوطني.

وحث برنية المواطنين والقطاعات الاقتصادية كافة على التقيد بالتعليمات والإجراءات التي سيعلن عنها المصرف المركزي لضمان سير عملية الاستبدال بسلاسة، وعدم الانجرار وراء الشائعات، مؤكداً أن المصرف المركزي قد وضع كل السياسات اللازمة لمواجهة التحديات وضمان نجاح العملية.

وأكد أن هذه الإجراءات تأتي ضمن رؤية شاملة لتعزيز الاقتصاد الوطني واستقراره، داعياً المواطنين إلى الافتخار والاعتزاز «بليرتنا الجديدة» والتفاؤل بمستقبل سوريا واقتصادها.

كان حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أعلن أن إطلاق العملة الوطنية الجديدة ليس مجرد طرح لنقود ورقية، بل هو احتفاء بسيادة البلاد وهويتها الوطنية، معتبراً أن الليرة تمثل رمزاً لنجاح الثورة وانتماء الشعب وثقته بقدرته على النهوض.

وأشار برنية إلى أن الجهود الكبيرة التي بذلها مصرف سوريا المركزي، «تستحق الشكر والتقدير»، في الشهور الماضية للتحضير لاستبدال الليرة السورية.

لكنه أضاف: «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جمعياً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار. كما نعتز بعلمنا، سنعتز بعملتنا الوطنية. ولنحرص جميعاً على التقيد بالتعليمات التي سيصدرها المصرف المركزي بشأن إجراءات الاستبدال وعدم الالتفاف للشائعات».

وأكد أن هناك «تحديات كبيرة رافقت التحضير وتحديات سترافق الاستبدال، مصرف سوريا المركزي وضع السياسات والإجراءات اللازمة لنجاح عملية الاستبدال، لنكن على مستوى الوعي المطلوب...».


ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
TT

ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)

حذر مسؤولون وخبراء من فشل سياسات تحول الطاقة في ألمانيا، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في أكبر اقتصاد بأوروبا.

وفي هذا الصدد، حذر رئيس حكومة ولاية براندنبورغ الألمانية، ديتمار فويدكه، من أن التحول إلى اقتصاد محايد مناخياً في ألمانيا مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء بشكل ملموس.

وقال السياسي، الذي ينتمي للحزب «الاشتراكي الديمقراطي»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إذا لم ننجح في خفض أسعار الكهرباء، فإن التحول في ألمانيا سيفشل».

وأوضح فويدكه أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الاتحادية هو ضمان أسعار كهرباء تنافسية، مؤكداً أن ذلك يمنح الأمان للاستثمارات، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل صناعة الصلب، والكيمياء، والدواء.

وأضاف: «اتخذت الحكومة قرارات صحيحة، مثل تحديد سعر الكهرباء الصناعي، وخفض رسوم الشبكة، لكن هذه الخطوات غير كافية. نحتاج إلى مزيد من الإجراءات».

ودعا فويدكه إلى استخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي، قائلاً إن سكان براندنبورغ يستحقون الاستفادة من التوسع في الطاقة الخضراء عبر أسعار كهرباء منخفضة، مشيراً إلى أن ذلك سيكون أيضاً ميزة لولايات شمالية أخرى مثل ميكلنبورج-فوربومرن، وشليزفيج-هولشتاين، وسكسونيا السفلى، لكنه أشار إلى وجود عقبات قانونية تحول دون ذلك حالياً.

ورحب فويدكه بقرار المفوضية الأوروبية السماح بمزيد من الدعم الحكومي للصناعات كثيفة الطاقة، لكنه شدد على أن الهدف يجب أن يكون تحقيق أسعار تنافسية من دون دعم دائم.

وفي الوقت نفسه، دافع فويدكه عن أداء الحكومة الاتحادية في وجه الانتقادات الموجهة إليها، قائلاً: «تعمل الحكومة أفضل بكثير مما توحي به سمعتها»، مؤكداً أن المهمة الأساسية لحزبه هي إعادة النمو الاقتصادي، وضمان الحفاظ على الوظائف في القطاع الصناعي.


الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
TT

الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)

شهد عام 2025 منعطفاً مفصلياً في مسار أسواق الأصول الرقمية؛ إذ انتقل القطاع من مرحلة «النمو العشوائي» إلى مرحلة «النضج المؤسسي والتنظيمي». وجاء هذا التحول نتيجة تفاعلٍ معقّد بين تسارع الابتكار التكنولوجي، وتوسع مشاركة المؤسسات المالية الكبرى، وصعود الأطر التنظيمية الفيدرالية التي أعادت رسم حدود العلاقة بين العملات الرقمية والنظام المالي التقليدي.

وفي المقابل، لم تخلُ هذه المرحلة الانتقالية من اضطرابات؛ إذ تعرضت الأسواق لهزات مضاربية وأحداث أمنية كشفت هشاشة بعض الشرائح، ولا سيما عملات «الميم» والعملات المستقرة مرتفعة المخاطر، ما عزّز القناعة بأن مرحلة «إعادة التوازن الهيكلي» باتت جزءاً لا يتجزأ من رحلة تحوّل القطاع نحو نموذج أكثر انضباطاً واستدامة.

جاء اسم «عملات الميم» (Meme Coins) من نكت أو ميمات الإنترنت، وهي عملات مشفرة تعتمد بشكل أساسي على الضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية لجذب المستثمرين، أشهرها «دوجكوين» (Dogecoin) و«شيبا إينو» (Shiba Inu). وتتميز بتقلبات سعرية عالية جداً لقلة قيمتها الأساسية وغياب المنفعة الملموسة أحياناً، مما يجعلها استثماراً مضارباً عالي المخاطر.

الربع الأول: الانطلاقة وأولويات السيادة الرقمية

افتُتح عام 2025 بإطلاق عملة «ترمب» في 17 يناير (كانون الثاني)، والتي مثلت أكثر من مجرد أداة مضاربية؛ فقد عكست التغلغل الثقافي والسياسي للعملات الرقمية، وأظهرت كيف يمكن للأحداث السياسية أن تخلق ديناميات سعرية مؤثرة. اعتبر البعض أن الإطلاق سحب سيولة من النظام البيئي، في حين رأى آخرون أنه يمثل علامة على تقبل العملات الرقمية على نطاق واسع. وبعد ثلاثة أيام، مع تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، بدأت الأسواق تشهد تحولاً استراتيجياً في موقف المؤسسات تجاه العملات الرقمية؛ إذ تزايد اعتمادها تدريجياً، مما ساهم في تقليل التقلبات السعريّة وتعزيز النضج السلوكي للأسواق.

وفي 23 يناير من العام، وقع ترمب أمراً تنفيذياً لإنشاء استراتيجية وطنية للأصول الرقمية واحتياطي «بتكوين» استراتيجي، مؤكداً وضع الأصول الرقمية ضمن الاستراتيجية المالية والسيادية الأميركية. تضمن الأمر تعزيز الحفظ الذاتي للأصول الرقمية، ودعم العملات المستقرة المدعومة بالدولار، ورفض العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وهو ما عزز الشفافية التنظيمية، وأرسى مفهوم «الاحتياطي الوطني الرقمي» لأول مرة على المستوى المؤسسي والدولي.

الاضطرابات الأمنية وانهيارات السوق

مع هذا الانطلاق، لم يكن الطريق مفروشاً بالاستقرار. ففي 14 فبراير (شباط)، شهدت الأسواق انهيار عملة الميم «ليبرا» المدعومة سياسياً؛ إذ فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها السوقية في ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس الأرجنتيني دعمها. أظهرت الحادثة هشاشة سوق عملات «الميم» أمام المضاربة والسيولة المرتبطة بالمبادرات السياسية المفاجئة؛ إذ تكبد 86 في المائة من المستثمرين خسائر تجاوزت 250 مليون دولار. وفي 21 فبراير، واجهت منصة «بايبت» أكبر اختراق أمني في تاريخها؛ إذ سرق قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية نحو 1.5 مليار دولار من الأصول الرقمية. على الرغم من ضخامة الرقم، ساعدت الاستجابة المؤسسية الشفافة في الحد من عدوى مالية واسعة، مؤكدة أهمية إدارة الأزمات في الأسواق اللامركزية.

النصف الأول من العام: تحديثات تقنية واكتتابات عامة

شهد مايو (أيار) 2025 ترقية «بيترا» لشبكة «إيثيريوم»، والتي حسنت من كفاءة تنفيذ المعاملات واستقرار البروتوكول، مؤكدة مكانة «إيثيريوم» كبنية تحتية مؤسسية قابلة للاعتماد. في 5 يونيو (حزيران)، أكملت شركة «سيركل» اكتتابها العام في بورصة نيويورك، محققة طلباً مؤسسياً قوياً مع ارتفاع أسعار السهم أكثر من 150 في المائة في يوم التداول الأول، وهو ما يعكس رغبة المستثمرين المؤسساتيين في الدخول إلى السوق الرقمي ضمن أطر منظمة وواضحة.

وفي 17 يونيو، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون «جينيوس»، ليصبح الإطار الفيدرالي الشامل الأول للأصول الرقمية في الولايات المتحدة. قدم القانون قواعد واضحة لإصدار العملات المستقرة والإشراف عليها، ووضع معايير للبنية السوقية للوسطاء، ما قلل بشكل كبير من عدم اليقين القانوني وعزز الثقة المؤسسية في الأسواق الرقمية.

نهاية يونيو شهدت إطلاق منصة «إكس ستوكس» للأصول المرمّزة، والتي أتاحت تداول أكثر من 60 سهماً أميركياً على «البلوكشين» بشكل مباشر، مما وفر للمستثمرين أداة جديدة للوصول إلى الأسهم التقليدية في بيئة رقمية، مع ضمان التغطية الكاملة للأصل الأساسي. وسرعان ما ارتفعت القيمة الإجمالية للأصول على الشبكة من 35 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار خلال أسبوعين، ما أبرز الاهتمام المبكر بالأسهم المرمّزة.

الربع الثالث: المنافسة والتوسع المؤسسي

في 18 يوليو (تموز)، وقع ترمب قانون «جينيوس» ليصبح نافذاً، مؤكداً تحويل الأطر التنظيمية من غموض إنفاذ القوانين إلى تنظيم واضح وقائم على القواعد، ما عزز دمج الأسواق الرقمية ضمن النظام المالي الأميركي التقليدي.

وشهد شهر سبتمبر (أيلول) إطلاق منصة «أستر» على شبكة «بي إن بي تشاين»، بدعم علني من «سي زد»، مع ارتفاع رموز «أستر» عشرة أضعاف خلال أسبوعها الأول. جذب هذا النشاط الكبير انتباه المحللين، الذين أشاروا إلى ضرورة مراجعة مصداقية البيانات المتعلقة بأحجام التداول وتركيز توزيع الرموز.

الربع الرابع: تسجيل الأرقام القياسية واختبارات السيولة

في 6 أكتوبر (تشرين الأول)، بلغت «بتكوين» أعلى مستوى تاريخي عند 126,038 دولاراً، مدفوعة بتدفقات صناديق المؤشرات المتداولة وضعف الدولار خلال فترة عدم اليقين السياسي. ومع إعلان تعريفات على الصين، عادت العملات الرقمية إلى مرحلة تصحيح؛ إذ شهدت عمليات تصفية كبيرة في الأسواق المركزية واللامركزية، مؤكدة الترابط بين الأسواق الرقمية والاقتصاد العالمي.

وفي 7 أكتوبر، جمعت منصة «بولي ماركت» تمويلاً بقيمة مليارَي دولار عند تقييم 9 مليارات دولار، ليصبح إجمالي التمويل 2.28 مليار دولار، مما يعكس الطلب المؤسسي المتزايد على أدوات التنبؤ الرقمية. وفي 11 أكتوبر، شهدت الأسواق أكبر انهيار منذ «إف تي إكس»، مع موجة بيع حادة تضمنت الأسهم والعملات الرقمية والسلع، ما أبرز أهمية إدارة المخاطر والسيولة في البيئات عالية التقلب.

في 28 أكتوبر، أُطلق أول منتجات «سول إي تي إف»، لتوفير وصول منظم للمستثمرين المؤسساتيين إلى نظام «سولانا» البيئي. وسجلت التدفقات الصافية في اليوم الأول نحو 69.5 مليون دولار، وتراكمت حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى نحو 750 مليون دولار، ما يعكس الطلب المستمر على الأصول الرقمية ضمن أطر منظمة.

تحديات العملات المستقرة

شهدت أسواق «ديفاي» في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) صدمة كبيرة عندما انفصلت العملة المستقرة «إكس يو إس دي» عن قيمتها المرجعية بنسبة تجاوزت 43 في المائة بعد الكشف عن خسارة بقيمة 93 مليون دولار مرتبطة بمدير أصول خارجية. أدى ذلك إلى تجميد السحوبات والاستردادات مؤقتاً، مع انعكاسات على أصول مرتبطة مثل «دي يو إس دي» و«إس دي دي يو إس دي»، مؤكداً أهمية الأطر التنظيمية واستقرار السيولة للحفاظ على ثقة المستثمرين.

اتجاهات 2026

مع نهاية عام 2025، بات جلياً أن أسواق الأصول الرقمية تجاوزت مرحلة المضاربة البحتة، لتتحول إلى مكوّن محوري في البنية المالية العالمية، مدعومةً بتوسع الحضور المؤسسي وتبلور الأطر التنظيمية. ومع دخول عام 2026، يُرجَّح أن يتمحور مسار النمو حول ترسيخ الصلة بين قيمة الرموز الرقمية والتدفقات النقدية الحقيقية التي تولدها البروتوكولات، إلى جانب تطوير آليات الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وترسيخ استدامة نماذج التمويل اللامركزي.

وفي هذا السياق، تتشكل ملامح مرحلة جديدة تجمع بين مرونة ابتكارات «البلوكشين» وانضباط الأسواق التقليدية، بما يعيد تعريف دور الأصول الرقمية كأدوات مالية ناضجة، لا مجرد رهانات عالية المخاطر.