لم يكن هناك إجماع كامل في «الاحتياطي الفيدرالي» عندما صوت الأسبوع الماضي لتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، حيث اعترض صانع سياسة واحد، وأظهرت التوقعات الاقتصادية أن البعض كان متردداً في بدء دورة التيسير النقدي بتحرك كبير.
وقد تساعد بيانات التضخم الجديدة المقررة يوم الجمعة في توضيح ما إذا كان المصرف المركزي الأميركي يتجه نحو تخفيض كبير آخر، كما يتوقع كثير من المستثمرين، أو تخفيض أصغر. لكن كما أظهر اجتماع السياسة في 17-18 سبتمبر (أيلول)، يمكن لمسؤولي «الفيدرالي» أن يستنتجوا نفس البيانات بطرق مختلفة اعتماداً على ما يعتبرونه أكثر أهمية، وأي جدول زمني يؤكدونه، والمخاطر التي يهتمون بها أكثر، وفق «رويترز».
سوق العمل هي «الأولوية»
ستكون بيانات الوظائف حاسمة في هذا السياق. لقد جعل رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، الدفاع عن انخفاض معدل البطالة هدفاً رئيسياً لفترته، حيث يشعر بالقلق من أن المخاطر على سوق العمل تتزايد. تشير الأدلة في تقارير سوق العمل القادمة، بما في ذلك تقرير الوظائف لشهر سبتمبر المقرر في 4 أكتوبر (تشرين الأول)، إلى ضرورة اتخاذ تخفيضات أكبر أو أسرع في أسعار الفائدة.
قال باول في المؤتمر الصحافي بعد الاجتماع في 18 سبتمبر: «هناك كثير من مؤشرات التوظيف، وماذا تقول؟ تقول إن سوق العمل لا يزال قوياً». وأشار إلى أن معدل البطالة الحالي، البالغ 4.2 في المائة، هو أقل من المتوسط التاريخي للولايات المتحدة. لكنه أضاف أن مسار عدة جوانب من سوق العمل «يحتاج إلى مراقبة دقيقة».
وتشير مجموعة واسعة من المؤشرات إلى أن ظروف سوق العمل أصبحت أقل تشدداً مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد-19، وهي فترة يعتبرها باول منطقة حلوة مع بطالة منخفضة مستدامة وأجور ترتفع بمعدل ثابت وغير تضخمي.
التضخم قد يكون منخفضاً جداً
كان «الفيدرالي» يعاني لمدة تقارب العقد بعد الأزمة المالية 2007-2009 من تضخم ظل دون هدفه البالغ 2 في المائة على الرغم من سنوات من السياسة النقدية الميسرة.
لماذا القلق بشأن ذلك؟ بينما قد يجادل البعض بأن التضخم بنسبة صفر في المائة سيكون أفضل لتحقيق تفويض «الاحتياطي الفيدرالي» لاستقرار الأسعار، يعتقد المصرفيون المركزيون في جميع أنحاء العالم أن بعض التضخم المعتدل يحافظ على الشركات والمستهلكين في حالة تفاؤل، مما يمنح حافزاً مدمجاً للإنفاق والاستثمار والتوظيف بدلاً من التردد في انتظار انخفاض الأسعار أو الأجور، وهي وصفة لدورة مدمرة من الانكماش.
وفي تحول مفاجئ في التركيز، أشار محافظ الاحتياطي «الفيدرالي» كريستوفر والر، وهو صوت رئيسي في معركة المركزي ضد التضخم لمدة عامين، الأسبوع الماضي إلى أنه على مدى فترة ثلاثة أو أربعة أشهر، كان التضخم يعمل الآن دون الهدف وقد ينخفض أكثر إذا تباطأت زيادات تكاليف السكن كما هو متوقع.
وقال والر في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي»: «هذا هو ما جعلني أشعر بالتردد قليلاً... التضخم يتراجع بشكل أسرع مما كنت أعتقد أنه سيحدث»، مضيفاً أن هذا الإدراك جعله «يدعم» التخفيض بمقدار نصف نقطة مئوية الأسبوع الماضي.
تضخم ضيق
غالباً ما أشار رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في أتلانتا، رافائيل بوستيك، إلى اتساع التضخم في جميع أنحاء الاقتصاد كحجة رئيسية للتحفظ بشأن تخفيض الأسعار بسرعة كبيرة. لكن تلك المخاوف تلاشت إلى حد كبير. أصبح التضخم الشهري متركزاً بشكل متزايد في قطاع الإسكان، ما دفع بوستيك لدعم تخفيض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، وهو ما لم يتوقع أن يكون مبرراً حتى وقت لاحق من العام.
قال بوستيك بعد اجتماع 17-18 سبتمبر: «تقلص نطاق الزيادات السعرية بما يتماشى مع استقرار الأسعار». وكانت حصة العناصر التي ترتفع بنسبة 5 في المائة أو أكثر في يوليو (تموز) فقط 18 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ 2020 ومقارنة بالمعدل التاريخي الطويل البالغ 17 في المائة.
وجهة نظر «صقور» الاحتياطي الفيدرالي
كفئة بشكل عام حذرة من المخاطر، لا أحد في «الفيدرالي» متحمس لإعلان النصر على التضخم، والذي يعتبر، بالنظر إلى أحداث السنوات الأخيرة، طريقة مؤكدة لاستفزاز القدر. والأهم من ذلك، أن عضوة الاحتياطي الفيدرالي، ميشيل بومان، التي اعترضت على التخفيض بمقدار نصف نقطة مئوية لصالح تخفيض بمقدار ربع نقطة، أبقت منطقها بسيطاً: التضخم لا يزال مرتفعاً جداً، وقد يؤدي تخفيض الأسعار الآن إلى إعادة إشعال الطلب والإنفاق قبل أن يتم قمع ضغوط الأسعار حقاً.
وباستخدام نفس البيانات مثل والر وآخرين، قامت بومان بتفسيرها من خلال عدسة مختلفة حيث لا تزال مخاطر التضخم موجودة، وأبقت تركيزها على المعدل السنوي المستخدم لتحديد هدف «الفيدرالي»، وليس التقديرات قصيرة الأجل التي أكد عليها والر.
وقالت بومان: «لا يزال الاقتصاد الأميركي قوياً، والتضخم الأساسي يبقى فوق هدفنا البالغ 2 في المائة بشكل غير مريح»، مضيفة: «إن خفض سعر السياسة بسرعة كبيرة يحمل خطر إطلاق الطلب المكبوت. سيساعد نهج أكثر توازناً أيضاً في تجنب تحفيز الطلب بشكل غير ضروري وإعادة إشعال ضغوط التضخم».
نظرة باركين
من جانبه، أشار رئيس «الفيدرالي» في ريتشموند، توم باركين، إلى دعمه لتخفيض معدل الفائدة الرئيسي «إلى حد ما» من المستوى الحالي، لكنه ليس مستعداً بعد للتخلي تماماً عن أدوات التحكم في الاقتصاد. وفي مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» يوم الخميس، أكد أن الاقتصاد يظهر «قوة مثيرة للإعجاب»، مشيراً إلى التقارير القوية الأخيرة حول مبيعات التجزئة، ومطالبات البطالة، والنمو خلال الربع الذي يمتد من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، الذي سجل نسبة نمو صحية تصل إلى 3 في المائة.
وقال باركين إنه مع اقتراب التضخم والبطالة من المستويات الطبيعية، من المقبول تقليل مستوى القيود إلى حد ما (في إشارة إلى تخفيض أسعار الفائدة). ولكنه أضاف: «لست مستعداً بعد لإعلان النصر على التضخم، ولذلك لن أعود إلى الوراء تماماً إلى المستوى الذي لم يعد يقيّد الاقتصاد»، والذي يشير إليه الاقتصاديون بالمستوى «المحايد». وتقدر تقديرات المستوى المحايد حالياً بنحو 3 في المائة إلى 3.5 في المائة، وهو أقل بكثير من المستوى الحالي الذي يبلغ 4.8 في المائة.
وأوضح أن أحد العوامل الرئيسية التي دعمت موقفه هو المسار المعتدل نسبياً لتخفيضات الفائدة المتوقع من قبل «الفيدرالي» لبقية هذا العام وعبر عام 2025، كما ورد في مجموعة التوقعات التي أصدرها في 18 سبتمبر. حيث أظهرت هذه التوقعات تخفيضين فقط بمقدار ربع نقطة في وقت لاحق من هذا العام وأربعة في العام المقبل، وهو أقل مما كان يتوقعه كثير من المستثمرين والاقتصاديين.
ووصف باركين هذه التوقعات بأنها سلسلة «محسوبة للغاية» من تخفيضات الفائدة، بالإضافة إلى «وجهة نظر إيجابية إلى حد ما» بشأن الاقتصاد، ما ساعد في تفنيد أي تصور بأن التخفيض الحاد الذي قام به «الفيدرالي» هذا الشهر يعكس «ذعراً» بشأن الاقتصاد.
وقال إن التضخم من المحتمل أن يستمر في التراجع على المدى القريب، لكنه يشعر ببعض المخاطر من أن يكون عنيداً في العام المقبل. وأوضح أن النزاع في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما سيرفع التضخم، وأن الفائدة المنخفضة قد تسرع من مشتريات المنازل والسيارات، ما سيرفع الأسعار إذا لم يواكب العرض.
وأضاف: «التضخم لا يزال أعلى من المستهدف، ونحتاج إلى البقاء يقظين تجاه ذلك».