«الفيدرالي» الأميركي يواجه لحظة حاسمة: هل نرى أول خفض في الفائدة منذ 2019؟

مبنى «بنك الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «بنك الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» الأميركي يواجه لحظة حاسمة: هل نرى أول خفض في الفائدة منذ 2019؟

مبنى «بنك الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «بنك الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

مع اقتراب نهاية معركتهم التي استمرت عامين ضد التضخم، فمن المرجح أن يمهد مسؤولو «بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)»، يوم الأربعاء، الطريق لأول خفض في سعر الفائدة الرئيسي منذ 4 سنوات، وهو تحول كبير في السياسة يمكن أن يؤدي في النهاية إلى خفض تكاليف الاقتراض للمستهلكين والشركات الأميركية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهد التضخم انخفاضاً تدريجياً ليقترب من هدف «الفيدرالي» البالغ اثنين في المائة. كما تباطأت سوق العمل، حيث ارتفع معدل البطالة بنحو نصف نقطة هذا العام ليصل إلى 4.1 في المائة. وقال مسؤولون في «الفيدرالي» إنهم يهدفون إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الأسعار مرتفعة بما يكفي لمكافحة التضخم دون التسبب في ركود اقتصادي طويل الأمد، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

ويمكن أن تساعد تخفيضات أسعار الفائدة في وقت مبكر من سبتمبر (أيلول) المقبل «الفيدرالي» في تحقيق «هبوط سلس»، حيث يُهزم التضخم المرتفع دون حدوث انكماش اقتصادي. وقد تؤثر مثل هذه النتيجة أيضاً على السباق الرئاسي هذا العام، حيث سعى الجمهوريون إلى ربط نائبة الرئيس كامالا هاريس بارتفاع التضخم في السنوات الثلاث الماضية. وقال الرئيس السابق دونالد ترمب إن «الفيدرالي» يجب ألا يخفض الأسعار قبل الانتخابات.

وقال عضو مجلس إدارة «الفيدرالي»، كريستوفر والر، في وقت سابق من هذا الشهر: «بينما لا أعتقد أننا وصلنا إلى وجهتنا النهائية، فإنني أعتقد أننا نقترب من الوقت الذي يبرر فيه خفض (سعر السياسة)».

وقدر متداولو الأسواق المالية احتمالات بنسبة 100 في المائة بأن يقلص «المركزي» سعر الفائدة المرجعي خلال اجتماعه المقرر في 17 و18 سبتمبر المقبل، وفقاً لسوق العقود الآجلة، لذلك لا يحتاج رئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، إلى تقديم مزيد من التوجيه للأسواق يوم الأربعاء بشأن توقيت الخفض، كما يقول الاقتصاديون.

وبدلاً من ذلك، سيكون لدى باول مزيد من الفرص في الأشهر المقبلة لتوضيح كيفية تفكير «الفيدرالي» بشأن التضخم وأسعار الفائدة، خصوصاً في خطابه في أواخر أغسطس (آب) في المؤتمر السنوي لـ«الفيدرالي» في جاكسون هول بولاية وايومينغ. لذلك، قد لا يقدم باول كثيراً من التلميحات يوم الأربعاء بشأن مدى سرعة خفض «الفيدرالي» الأسعار بعد بدء هذا التوجه. ويتوقع الاقتصاديون تخفيضات تدريجية؛ ما لم تظهر دلائل على تراجع سوق العمل، مما قد يدفع بـ«الفيدرالي» إلى التحرك بسرعة أكبر.

مع ذلك، فمن المحتمل أن يعدل «الفيدرالي» بعض أجزاء من البيان الذي يصدره بعد كل اجتماع تمهيداً لخفض في سبتمبر. على سبيل المثال؛ في البيان الصادر بعد اجتماع يونيو (حزيران) الماضي، أشار المسؤولون إلى «تقدم طفيف إضافي نحو هدف التضخم البالغ اثنين في المائة». ومن المتوقع أن يشهد بيان «الاحتياطي الفيدرالي» يوم الأربعاء تعديلاً لغوياً يعزز التقدم المحرز في مكافحة التضخم، عبر تقديم لغة أكثر حزماً وتأكيداً على التقدم المحقق.

وفي أحدث الأخبار الجيدة بشأن ارتفاع الأسعار، قالت الحكومة يوم الجمعة إن التضخم السنوي انخفض إلى 2.5 في المائة خلال يوليو (تموز)، وفقاً لقياس التضخم المفضل لدى «الفيدرالي». وهذا انخفاض من 2.6 في المائة في الشهر السابق، وهو أدنى مستوى منذ فبراير (شباط) 2021، عندما بدأ التضخم في التسارع فقط.

وإحدى العلامات المشجعة بالنسبة إلى «الفيدرالي» هي أن أسعار الإيجار؛ المحرك الرئيسي للتضخم الأوسع، بدأت في التراجع بشكل ملحوظ، حيث انتُهي من بناء أبراج شقق جديدة في كثير من المدن الكبرى.

وكان تضخم الإيجار مثالاً رئيسياً على ما يسميه الاقتصاديون «التضخم التعويضي»، حيث كانت الأسعار لا تزال ترتفع هذا العام بسبب تشوهات «اقتصاد الوباء». وسعى كثير من الأميركيين إلى الحصول على مساحة معيشة أكبر أو انتقلوا للعيش بمفردهم خلال «كوفيد19»، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الإيجارات والمنازل.

وحتى هذا العام، كانت مقاييس تضخم الإيجار ترتفع بشكل أسرع من المعتاد لتعكس تلك الزيادات، على الرغم من تباطؤ بناء الشقق السريع الذي ساهم في تقليل تكاليف الإيجارات الجديدة. ومن بين الأمثلة الأخرى على «التضخم التعويضي» تأمين السيارات، الذي ارتفع بأكثر من 20 في المائة في وقت سابق من هذا العام مقارنة بالعام السابق، حيث فرضت شركات التأمين رسوماً أكثر لتعكس ارتفاع أسعار السيارات الجديدة في عصر الوباء. ومع ذلك، حتى تكاليف تأمين السيارات بدأت في الارتفاع بوتيرة أبطأ.

وقال باول منذ مدة طويلة إن «الفيدرالي» يسعى إلى «ثقة أكبر» بأن التضخم يعود إلى هدف «الفيدرالي» البالغ اثنين في المائة. وفي وقت سابق من هذا الشهر - حتى قبل قراءات التضخم الأخيرة - قال إن بيانات التضخم الأخيرة «تضيف بعض الشيء إلى الثقة» بأنها تبرد.

كما أعرب باول ومسؤولون آخرون في «الفيدرالي» عن قلقهم من أن يؤدي نمو الوظائف القوي وارتفاع الأجور بسرعة إلى تأجيج التضخم، حيث من المحتمل أن ترفع بعض الشركات الأسعار لتعويض تكاليف العمالة الأعلى.

لكن التوظيف ونمو الأجور تباطآ في الأشهر الأخيرة، واعترف باول هذا الشهر بأن سوق العمل «ليست مصدراً لضغوط تضخمية واسعة على الاقتصاد».

ويوم الجمعة، ستصدر الحكومة مقياساً ربع سنوي لنمو الأجور، من المرجح أن يظهر أن الأجور، على الرغم من أنها لا تزال تنمو بوتيرة صحية، لا تنمو بالسرعة نفسها التي كانت عليها قبل عام، مما يضيف إلى أدلة تخفيف الضغوط التضخمية.


مقالات ذات صلة

ارتفاع التضخم في أوروبا يعقد الخطوة التالية لـ«المركزي»

الاقتصاد قطار يمر من أمام مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (أ.ب)

ارتفاع التضخم في أوروبا يعقد الخطوة التالية لـ«المركزي»

ارتفع التضخم في الدول العشرين التي تستخدم اليورو إلى 2.6 في المائة في يوليو (تموز)، وهو ما يزيد بعناد عن هدف البنك المركزي الأوروبي ويعقد قرار البنك المركزي.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض ​​التضخم إلى أقل من 15 % في السنة المالية التي تنتهي في 30 يونيو (الشرق الأوسط)

صندوق النقد يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر 4 % في 2024 - 2025

قالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إيفانا فلادكوفا هولار إنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر 4 % في السنة المالية 2024 - 2025.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد الحلقات الأولمبية على برج إيفل (رويترز)

الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي عند 1 % في الربع الثاني... أقوى قليلاً من المتوقع

نما اقتصاد فرنسا بشكل أسرع قليلاً من المتوقع في الربع الثاني، حيث عزز تسليم سفينة سياحية الصادرات؛ مما عوض الإنفاق الاستهلاكي الثابت.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد عملات معدنية وورقية من اليورو  (د.ب.أ)

اقتصاد منطقة اليورو ينمو... لكن التوقعات بعيدة عن الوردية

نما اقتصاد منطقة اليورو أكثر قليلاً من المتوقع في الأشهر الثلاثة حتى يونيو (حزيران)، لكنّ سلسلة من المسوحات المتشائمة تخيم على التوقعات.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في مؤتمر صحافي (موقع المصرف)

أسبوع المصارف المركزية... هل يحصل المستثمرون على إجابات عن موعد خفض الفائدة؟

بدأ المستثمرون الأسبوع في محاولة يائسة للحصول على إجابات عن أسئلة حول المسار القريب للسياسة النقدية العالمية بعد إشارات متضاربة من الاقتصادات الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (عواصم)

الأنشطة السعودية غير النفطية تتسارع في النمو عند 4.4%... الأعلى ربعياً منذ عام

تقدم الحكومة السعودية محفزات لتسهيل ووصول المنتجات الوطنية إلى الأسواق العالمية (الشرق الأوسط)
تقدم الحكومة السعودية محفزات لتسهيل ووصول المنتجات الوطنية إلى الأسواق العالمية (الشرق الأوسط)
TT

الأنشطة السعودية غير النفطية تتسارع في النمو عند 4.4%... الأعلى ربعياً منذ عام

تقدم الحكومة السعودية محفزات لتسهيل ووصول المنتجات الوطنية إلى الأسواق العالمية (الشرق الأوسط)
تقدم الحكومة السعودية محفزات لتسهيل ووصول المنتجات الوطنية إلى الأسواق العالمية (الشرق الأوسط)

رغم انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية بنسبة 0.4 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، على أساس سنوي، متأثراً بتراجع الأنشطة النفطية 8.5 في المائة، فإن الأنشطة غير النفطية ما زالت مستمرة في الارتفاع لتسجل 4.4 في المائة خلال الفصل الثاني، وهو الأعلى لها منذ يونيو (حزيران) 2023، ما يعكس قوة مضي البلاد نحو المسار المحدد في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن القطاع النفطي.

وأصدرت الهيئة العامة للإحصاء، الأربعاء، نشرة التقديرات السريعة لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الثاني من 2024، التي أظهرت تحقيق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدل موسمياً ارتفاعاً بلغت نسبته 1.4 في المائة، مقارنة بما كان عليه في الربع الأول من العام الحالي، إلى جانب نمو الأنشطة الحكومية 3.6 في المائة، على أساس سنوي.

ويتوقع مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن تواصل الأنشطة غير النفطية ارتفاعها في الفترة القادمة، نظراً للمحفزات الحكومية المقدمة إلى القطاع الخاص، ودعم المنظومة الصناعية بكافة الممكنات لزيادة حجم الإنتاج والتصدير، إلى جانب التسهيلات الجاذبة لدخول الشركات الأجنبية في السوق المحلية، وغيرها من الإجراءات التي ساهمت في تنويع مصادر الدخل.

تنويع مصادر الدخل

يؤكد المختصون أن الاستراتيجيات الوطنية التي أطلقتها الحكومة ساهمت في مواصلة ارتفاع الأنشطة غير النفطية، وتسجيلها نمواً 4.4 في المائة خلال الربع الثاني من العام 2024.

وقال عضو مجلس الشورى السابق، الخبير الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعة، إن الحكومة وضعت خطة أساسية مع إطلاق «رؤية 2030» لتدفع بالأنشطة غير النفطية، وعدم الاعتماد على القطاع النفطي، مبيناً أن تسجيل هذا النمو عند 4.4 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي يؤكد أن البلاد تمضي في الاتجاه الصحيح، وتبني اقتصاداً حقيقياً يتميز بتنوع مصادر الدخل والقدرة على استحداث مجالات اقتصادية تدر دخلاً على المملكة، وهذا سيعزز نمو إجمالي الناتج المحلي في الربعين المتبقيين من هذا العام والخروج من حالة الانكماش.

وبيَّن فهد بن جمعة خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن نمو الأنشطة غير النفطية يعد مؤشراً إيجابياً على تحسن الاقتصاد الوطني وزيادة النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، وأن هذا الارتفاع يعكس الاستثمارات الإيجابية والتطورات الاقتصادية التي تحدث في السعودية.

القطاعات الواعدة

من ناحيته، أوضح المختص في الاقتصاد، أحمد الجبير، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة أطلقت عدة استراتيجيات وطنية، في الصناعة، والاستثمار، والنقل والخدمات اللوجستية، وغيرها، ساهمت كثيراً في ارتفاع الأنشطة غير النفطية التي تواصل نموها في الآونة الأخيرة.

وأضاف الجبير أن المملكة بدأت منذ عام 2016 في تقليل الاعتماد التام على النفط من خلال تنويع مصادر الدخل في تنمية الاقتصاد الوطني، بعد أن وضعت خططاً من شأنها تحقيق هذا المستهدف ورفع نشاط القطاع غير النفطي، و«شاهدنا ذلك من خلال تطوير مجالات اقتصادية جديدة وواعدة، أصبحت تدر دخلاً على الناتج المحلي الإجمالي».

ويعتقد أحمد الجبير، أن الفترة المقبلة ستشهد الأنشطة غير النفطية استمراراً في النمو بسبب المحفزات الحكومية والتسهيلات المقدمة لزيادة الإنتاج، وأيضاً تطوير القطاعات الواعدة، ودخول الشركات الأجنبية إلى السوق السعودية.