هل ينقذ «المركزي الأوروبي» فرنسا إذا اهتزت الأسواق بعد التصويت؟

قصر بورنيارد المقر السابق لبورصة باريس (رويترز)
قصر بورنيارد المقر السابق لبورصة باريس (رويترز)
TT

هل ينقذ «المركزي الأوروبي» فرنسا إذا اهتزت الأسواق بعد التصويت؟

قصر بورنيارد المقر السابق لبورصة باريس (رويترز)
قصر بورنيارد المقر السابق لبورصة باريس (رويترز)

يواجه المصرف المركزي الأوروبي تساؤلات حول ما إذا كان سيدعم سوق سندات فرنسا المضطربة منذ أن دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى انتخابات برلمانية مبكرة الشهر الماضي، ما أثار احتمال وصول حكومة يمينية متطرفة إلى السلطة.

ولا يتعجل صانعو السياسات في اتخاذ أي إجراء، وذلك أيضاً في ضوء هدوء الأسواق نسبياً منذ أن أسفرت الجولة الأولى من التصويت عن فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان بمقاعد أقل مما كان متوقعاً. ولكن لا يزال خطر تشكيل حكومة يقودها «التجمع الوطني» قائماً بعد الجولة الثانية التي ستجري يوم الأحد.

وفي ما يلي تفكير «المركزي الأوروبي» خلال منتدى المصارف المركزية السنوي الذي عقد في سينترا في البرتغال، وذلك بعد محادثات مع أكثر من اثني عشر عضواً في مجلس إدارة المصرف وفق ما توصلت إليه «رويترز»:

ما الذي سيجعل «المركزي الأوروبي» يبدأ بشراء سندات فرنسا؟

تسمح أداة حماية النقل (TPI) التي يتبناها «المركزي الأوروبي» للمصرف بشراء عدد غير محدود من السندات من إحدى دول منطقة اليورو التي تعاني من تشديد غير منظم وغير مبرر في ظروف التمويل.

ووفقاً لكبير الاقتصاديين في «المركزي الأوروبي» فيليب لين، فإن ارتفاع علاوة المخاطر التي يطالب المستثمرون بها مقابل حيازة الديون الفرنسية إلى أعلى مستوى لها في 12 عاماً والتي بلغت حوالي 80 نقطة منذ بضعة أسابيع، لا يستوفي أياً من الشرطين. ووصف لين ذلك في مقابلة مع «رويترز» بأنه مجرد «إعادة تسعير» بسيط.

وقال صانع سياسة آخر في اجتماع سينترا إن علاوة المخاطر - التي تقاس بالفجوة بين سندات الخزانة الفرنسية وسندات الخزانة الألمانية المعيارية - حتى لو بلغت 100 نقطة أساس لن تبرر اتخاذ إجراء، وقال آخر إن الفروق الحالية تبدو ضيقة بالنظر إلى ارتفاع الدين العام الفرنسي.

وبشكل عام، سيحتاج صانعو السياسات إلى رؤية ارتفاع كبير في العوائد بحيث يعيق انتقال أسعار الفائدة التي يحددها «المركزي الأوروبي» إلى الاقتصاد.

وقال محافظ «المركزي الآيرلندي» غابرييل مخلوف لـ«رويترز»: «إذا خلصنا إلى أن عملية الانتقال تعمل، فهذه هي النهاية».

ماذا عن الجزء «غير المبرر»؟

هذا قابل للتأويل وهو محل خلاف إلى حد ما. تأتي أداة حماية النقل مع عدد من شروط الأهلية، بما في ذلك الامتثال لقواعد المالية العامة للاتحاد الأوروبي.

وقد يمثل ذلك مشكلة بالنسبة إلى فرنسا، التي تخضع حالياً «لإجراءات العجز المفرط» من قبل المفوضية الأوروبية، على الرغم من قول رئيسة «المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد إن هذا مجرد «شرط بديل».

ويعتقد معظم المحافظين أن على «المركزي الأوروبي» أن يستمع إلى بروكسل ولا يقدم المساعدة إلى فرنسا حتى تتوصل باريس إلى اتفاق مع المفوضية بشأن خفض عجزها.

واعترف اثنان منهم بأنه قد يتم إجبار «المركزي الأوروبي» على التدخل قبل اكتمال هذه العملية التي من المحتمل أن تستغرق شهوراً.

وينطبق ذلك بشكل خاص إذا امتد بيع السندات في فرنسا إلى دول أخرى مثقلة بالديون مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال واليونان.

وقالت لاغارد خلال نقاش في سينترا: «على المركزي الأوروبي أن يفعل ما يتعين عليه فعله. مهمتنا هي استقرار الأسعار. واستقرار الأسعار يعتمد بالطبع على الاستقرار المالي، ونحن ننتبه لذلك».

ماذا سيفعل «المركزي الأوروبي» إذن؟

لم يبدأ المصرفيون المركزيون الأوروبيون في وضع خطط لهذا السيناريو الكارثي وما زالوا يأملون في عدم استخدام أداة حماية النقل أبداً.

وتصور البعض تدخلاً مؤقتاً، على غرار تدخل بنك إنجلترا المقتضب في سوق السندات الحكومية البريطانية خلال أزمة الموازنة المصغرة لعام 2022.

ويتكهن المشاركون في السوق المالية بأن «المركزي الأوروبي» قد يشتري سندات من دول أخرى غير فرنسا، لكن صانعي السياسات النقدية وجدوا أن فكرة مكافحة الحريق دون معالجة مصدره غير مقنعة.

وكان آخرون يخشون من احتمال شراء كميات هائلة من السندات من ولايات قضائية متعددة، وهو ما قد يعيد «المركزي الأوروبي» إلى عالم طباعة النقود الذي يحاول تركه وراءه.

وفي الأساس، يريد صانعو السياسات تجنب أي التزام أو قاعدة صارمة حتى يتمكنوا من التصرف وفقاً لما يرونه مناسباً.

وقال محافظ «المركزي البلجيكي» بيير وينش لـ«رويترز»: «أعتقد أنه من المهم جداً ألا نرسل أي إشارة إلى السوق بأن لدينا نوعاً من الآلية أو الحدود أو القيود الصارمة في ما نفعله. القاعدة هي أن تكون الأوضاع غير مبررة ومضطربة. سيكون قراراً قائماً على التقدير».


مقالات ذات صلة

ارتفاع عائدات السندات الأوروبية من أدنى مستوياتها في عدة أشهر

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

ارتفاع عائدات السندات الأوروبية من أدنى مستوياتها في عدة أشهر

ارتفعت عائدات السندات الحكومية في منطقة اليورو قليلاً عن أدنى مستوياتها في عدة أشهر يوم الخميس، مع تقييم الأسواق لتوقعات تخفيض أسعار الفائدة من المصرف المركزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداول  في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)

للأسبوع الخامس... المستثمرون يواصلون تخارجهم من الأسهم الأميركية

خفض المستثمرون حيازاتهم في صناديق الأسهم الأميركية للأسبوع الخامس على التوالي حتى 25 سبتمبر مدفوعين بمخاوف مستمرة بشأن صحة الاقتصاد

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد أوراق نقدية بقيمة 20 يورو (رويترز)

عوائد سندات منطقة اليورو تتراجع... وترقب لأرقام أميركية

هبطت عوائد سندات الحكومات في منطقة اليورو، يوم الجمعة، بعد بيانات التضخم من فرنسا وإسبانيا، في الوقت الذي ينتظر فيه المستثمرون أرقاماً من الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد السعر الاسترشادي لصكوك الـ5 سنوات تَحدَّد عند نحو 120 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية (أ.ف.ب)

«أرامكو» تحدد السعر الاسترشادي لصكوك دولارية لأجليْ 5 و10 سنوات

أظهرت وثيقة اطلعت عليها «رويترز»، يوم الأربعاء، أن شركة «أرامكو السعودية» حددت السعر الاسترشادي الأولي لصكوك مُقوَّمة بالدولار لأجليْ 5 و10 سنوات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الحد الأدنى للاكتتاب هو 200 ألف دولار بحسب "ارامكو" (رويترز)

«أرامكو السعودية» تبدأ إصدار صكوك بالدولار

تعتزم شركة «أرامكو السعودية» إصدار صكوك دولية مقوّمة بالدولار، على أن يتم تحديد قيمة الطرح بحسب ظروف السوق.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
TT

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تباطئه في سبتمبر، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

وعانت تركيا على مدى العامين الماضيين تضخماً متسارعاً، بلغ ذروته عند معدل سنوي 85.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، و75.45 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

وأفادت بيانات رسمية، يوم الخميس، بانخفاض معدل التضخم إلى 49.38 في المائة في سبتمبر. إلا أن إحصاءات مجموعة «إي إن إيه جي» المؤلفة من اقتصاديين مستقلين، أشارت إلى أن معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته يبلغ 88.6 في المائة.

وسبق لوزير المال التركي محمد شيمشك أن أكد في تصريحات سابقة أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تأمل في خفض التضخم إلى 17.6 في المائة نهاية عام 2025، وما دون 10 في المائة عام 2026.

وأشاد إردوغان حديثاً بالمسار التراجعي للتضخم، مشدداً على أن «الأوقات الصعبة باتت خلفنا». إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن ارتفاع أسعار الاستهلاك في تركيا بات «مزمناً»، وتزيده سوءاً بعض السياسات الحكومية. وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة محمد شيمشان إن «الانخفاض الراهن يعود حصراً إلى تأثير القاعدة (التي يحتسب على أساسها التضخم). ارتفاع الأسعار شهرياً ما زال كبيراً، ويبلغ 2.97 في المائة في تركيا و3.9 في المائة في إسطنبول». وأضاف: «لا يمكن اعتبار ذلك قصة نجاح».

قيمة الليرة

وعلى عكس السياسة التقليدية برفع معدلات الفوائد لمكافحة التضخم، لطالما دافع إردوغان عن سياسة خفض الفوائد، مما تسبب بانخفاض متزايد في قيمة الليرة التركية، وساهم بدوره في ارتفاع التضخم.

لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً في مايو 2023، أطلق إردوغان يد المصرف المركزي لرفع معدلات الفائدة الأساسية من 8.5 إلى 50 في المائة، بين يونيو (حزيران) 2023 ومارس (آذار) 2024. وأبقى المصرف معدلاته دون تغيير في سبتمبر للشهر السادس توالياً.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس إرينتش يلدان، إن «مكافحة التضخم تتمحور حول أولويات القطاع المالي. نتيجة لذلك، تجري الأمور بطريقة غير مباشرة وتولّد حالة من عدم اليقين».

وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة كارادينيز التقنية، يعقوب كوتشوكال، على أن رفع معدلات الفوائد لا يكفي لكبح التضخم ما لم يقترن بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، مشيراً إلى أنه يبلغ مستوى قياسياً عند 129.6 مليار ليرة (3.79 مليار دولار).

وأوضح أن وزير المال شيمشك «يقول إن هذا يعود إلى الإنفاق المرتبط بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء زلزال فبراير (شباط) 2023»، في إشارة إلى الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 53 ألف شخص. وتابع: «لكن الثقب الأسود الفعلي يعود إلى عقود الشراكة المكلفة بين القطاعين العام والخاص»، في إشارة إلى عقود لتطوير البنى التحتية يقول منتقدوها إنها غالباً ما تؤول إلى شركات على صلة وثيقة بحكومة إردوغان.

وتشمل هذه العقود كلفة بناء وإدارة مختلف البنى التحتية من الطرق السريعة والجسور إلى المستشفيات والمطارات، وغالباً ما تكون مصحوبة بضمانات سخية مثل تعويضات حكومية إذا كان معدل استخدامها دون المتوقع. وشدد كوتشوكال على أنه «يجب أن نشكك بهذه العقود التي تشكّل عبئاً على الميزانية؛ لأن هذه التعويضات مرتبطة بالدولار أو باليورو».

وغالباً ما تنعكس إجراءات مكافحة التضخم سلباً على الأسر ذات الدخل المنخفض، علماً بأن الحد الأدنى للأجور لم يتم رفعه منذ يناير (كانون الثاني)، وفق كوتشوكال الذي أكد أن «القوة الشرائية لهؤلاء متدنية أساساً».

وتابع: «بغرض خفض الطلب، على هذه الإجراءات أن تستهدف المجموعات ذات الدخل الأعلى، لكن بالكاد يوجد ما يؤثر عليها».

إجراءات التقشف

من جهته، رأى يلدان أن «إجراءات التقشف» التي شملت على سبيل المثال إلغاء خدمات التنظيف في المدارس الرسمية، تضر بالفئات الأكثر حرماناً، وتعزز عدم المساواة، مشيراً إلى أنه من المحبذ فرض «ضريبة على الثروة، والتعاملات المالية وإيرادات العقار». لكنه لفت إلى صعوبة تحقيق ذلك نظراً إلى أن الحزب الحاكم يعوّل على دعم «شركات موالية للحكومة» فازت بعقود البنى التحتية.

ووفق دراسة أعدتها جامعة كوش، تتوقع الأسر أن يبلغ التضخم السنوي نسبة 94 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، أي أعلى بكثير من توقعات المصرف المركزي.

ورأى شيمشان أن «ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الطبقات المتوسطة والدنيا محزن للغاية؛ لأنه يشمل منتجات أساسية وخدمات مثل الغذاء والسكن والتعليم، حيث يبقى التضخم بالغ الارتفاع».

وأشار مراقبون إلى أن عدم اليقين بشأن المستقبل يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار يحاولون أن يأخذوا في الاعتبار التكاليف المستقبلية. وقال يلدان: «التضخم بات هيكلياً ومستمراً في تركيا. في غياب إصلاحات هيكلية، سنكون عالقين في حلقة مفرغة كما كنا عليه في التسعينات».