حبّ من النظرة الأولى، هو الشعور الذي سيعتريك عند تجوالك في أسواق جبيل القديمة، ولعلّ ارتيادك مطعم «فينيقيا»، الواقع في أحضانها، سيعزّز لديك هذا الشعور دون أدنى شك.
كلّ شيء في هذا المكان الذي ينتمي إلى خانة أجواء المطاعم الـ«casual» (غير الرسمية)، سيلفتك منذ اللحظة الأولى لدخولك إليه: كراسيه الخشبية المطلّة على شرفات صغيرة مزروعة بالورود الملوّنة يضفي طابع الجلسة الحميمة، كذلك ديكوراته التراثية الموزّعة على كل أنحائه، إضافة إلى أطباقه اللبنانية التي رغم مرور عصا الحداثة عليها، أبقت على هويتها الأصيلة، لتنقلك قلباً وقالباً إلى أجواء حلوة مسلية لن تستطيع الإفلات من تأثيرها عليك منذ دخولك إليه حتى مغادرتك له.
فهنا، لن تتعرف إلى المطبخ الإسباني أو الإيطالي أو الأميركي، كون الفينيقيين هم مَن في انتظارك بالداخل، وستشعر بوجودهم وهم يلوحون إليك من بعيد انطلاقاً من طبق سلطة يحمل اسم أحد ملوكهم «أحيرام»، والمؤلّف من الجرجير والبندورة الكرزية وجبنة الحلّوم والعنب المجفّف مع الجوز، وصولاً إلى طبق بيتزا «عشتروت»، المصنوع من الدجاج وصلصة الشواء اللذيذة.
ولا يقتصر الطابع الفينيقي هذا على المذاقات فقط، إذ إنه يشمل ديكورات المكان التراثية، المؤلّفة من جرار فخارية كبيرة، وأوان نحاسية، وغيرها، حتى أن الطابع هذا يطال أكواب الشراب، فهي مصنوعة أيضاً من الفخّار، وستتلذّذ بارتشاف المياه أو أي عصائر أخرى فيها، وتكمن ميزتها في أنها تبقي على حرارتها لمدة طويلة.
ولعلّ أكثر ما سيلفتك في هذا المطعم هو أسلوب تقديمه الأطباق، الواحد تلو الآخر، وكأنك في حديقة غنّاء، ليس بالزهور فحسب، بل بمقبّلات مستوحاة من القرية اللبنانية. فالأهلا والسهلا هنا لا تقتصر على الوجوه المبتسمة للندل العاملين فيه فقط، كون أصحاب المطعم اعتمدوا طريقة أخرى يعبّرون بها لك عن تأهيلهم بك، من خلال 3 صحون صغيرة من البورسلين تصطّف أمام ناظرك، ما إن تستقرّ على الطاولة التي اخترتها. فتقدّم إليك على قاعدة خشبية، يحتوي كلّ واحد منها على نكهة مختلفة، وتتألّف من الزعتر المجبول بالسمسم وزيت الزيتون واللبنة والزيتون، والمرفقة مع «ميني صاج» صغير الحجم، تستخدمه لتسخين أو تحميص خبز الطابونة (فرن قروي لبناني قديم) عليها، التي ستكون بمثابة أول إشارة إلى أنك ستخوض تجربة طعام لا تشبه غيرها.
تطول أنواع الطعام التي يدرجها مطعم «فينيقيا» على لائحته، التي يأتيك بعضها تحت عنوان «المنزول»، كونها تصلك من فوق متدلّية بواسطة سلاسل حديدية، فيخيل إليك أنها تسقط عليك من السماء.
يبدأ مشوارك الغذائي مع السلطات «الفتّوش» و«التبولة»، التي تتلوّن بواحدة تحمل اسم المطعم، غنيّة بالخضراوات والفواكه في آن (تفاح وعنب وجوز وجبن البارميزان والفطر الطازج والبندورة والجرجير)، ومن ثم تأتيك المازات الباردة المؤلّفة من ورق العنب والحمص بالطحينة والباذنجان المتبّل (بابا غنوج) وغيرها، ولتنتقل بعدها إلى الساخنة منها، كطبق حمّص بالطحينة مع الصنوبر ولحم البقر المقطّع (رأس عصفور) أو المغمور بلحم الشاورما. ودائماً مع هذا القسم من الطعام، في استطاعتك أن تتذوّق «بليلة الحمّص» و«فتّة الحمّص» مع اللبن، وكذلك جبن الحلوم المشوي والفول المدمّس ذات المتبلات اللبنانية.
ويخصص المطعم مأكولات تحت عنوان «بالمقلة»، التي تحضر أمامك في حالة غليان شديدة ضمن مقلاة حديدية. ومن بين الأطباق التي تقدّم إليك في هذا القسم من الأكلات البيض مع القاورما وأصابع الدجاج مع دبس الرمان وغيرها. أما النقانق والسجق وقطع اللحم الصغيرة المتبّلة مع صلصة الليمون، فتقدّم إليك من فوق الطاولة على طريقة «المنزول»، وهي محمولة على الصاج لتبقى ساخنة أطول مدة ممكنة.
وعندما يصل وقت تناول الأطباق الرئيسية الساخنة، المنوّعة ما بين شاورما الدجاج أو لحم البقر أو المشاوي على أنواعها، فإن واحداً منها «طبق فينيقيا»، الذي يحتوي على قطع من لحم الكستلاتة (الضان) المشوية، وقد اتّبع في تقديمه أسلوباً خارجاً عن المألوف أيضاً، بعد أن يتدلّى من الأعلى متّخذاً من وسط الطاولة نقطة انطلاق له، فيدور حول الجالسين عليها ليختاروا منه قطع اللحم المشوية التي يرغبون في تناولها.
وبذلك، فإن حواسك الخمس تعمل معاً وأنت تراقب هذه المشهدية الخارجة عن المألوف، المرفقة مع قرقعة الصحون وأصوات السلاسل الحديدية، فتشتمّ رائحتها الشهية التي يسيل لها اللعاب بعد أن تمدّ يدك نحوها بحماس للاستيلاء على قطعة منها، ولتشعر بطعمها اللذيذ ما إن تستقر في فمك كون شواءها تمّ على الفحم.
أما محبّو الوجبات السريعة، فلديهم الفرصة لتذوق طبقي الهمبرغر والبيتزا المحضّران بفرن «الطابونة» القروي اللبناني القديم، فيغلب على طعمهما مذاق جديد لم يسبق أن تذوّقته في أي مطعم آخر، متأثّراً بطريقة خبزه على الطريقة القديمة التي كانت رائجة لدى أجدادنا.
وحين يصل وقت الحلويات، عليك ألا تفوّت فرصة تناول تلك التي في استطاعتك تحضيرها أنت شخصياً على الصاج المرفق معها، كـ«الحلاوي» و«مربى التين» و«التين بالدبس»، فتمدّها على خبز الطابونة وتتناولها ساخنة، إضافة إلى تلك العجينة المغمورة بالشوكولاته، المزيّنة بقطع الموز والأناناس مع مكسّرات البندق ومثلّجات الفانيلا.
ومع تناول كوب من القهوة العربية وأنت تنفخ دخان النرجيلة، إذا كنت من هواة تدخينها، ينتهي مشوارك في مطعم «فينيقيا» الذي يطبّق القول المأثور: «المكتوب يقرأ من عنوانه».
7:57 دقيقة
«فينيقيا» حيث أحيرام وعشتروت بانتظارك لتتذوق أطباقهما
https://aawsat.com/home/article/908396/%C2%AB%D9%81%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7%C2%BB-%D8%AD%D9%8A%D8%AB-%D8%A3%D8%AD%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%B9%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%88%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%84%D8%AA%D8%AA%D8%B0%D9%88%D9%82-%D8%A3%D8%B7%D8%A8%D8%A7%D9%82%D9%87%D9%85%D8%A7
«فينيقيا» حيث أحيرام وعشتروت بانتظارك لتتذوق أطباقهما
تحتضنه أسواق جبيل القديمة في جلسة حنين إلى «الطابونة» و«الصاج»
«فينيقيا» حيث أحيرام وعشتروت بانتظارك لتتذوق أطباقهما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة