البازلاء ساعدت الشعوب على الاستقرار... والفلاحين على البقاء

الحبة الخضراء التي حيرت الخبراء بمصدرها

البازلاء ساعدت الشعوب على الاستقرار... والفلاحين على البقاء
TT

البازلاء ساعدت الشعوب على الاستقرار... والفلاحين على البقاء

البازلاء ساعدت الشعوب على الاستقرار... والفلاحين على البقاء

يقال إن البازلاء كانت أول الحبوب أو المحاصيل التي أنتجها وزرعها الإنسان منذ قديم الزمان، ولأسباب كثيرة، أهمها دعم الاستقرار للقبائل الرحَّل.
ويعتقد الخبراء أن البازلاء جاءت من الشرق، خصوصًا من تركيا وسوريا والأردن وفلسطين، وانتشرت من تلك المناطق حول العالم. ويزيد البعض على تلك المناطق شمال غربي الهند وأفغانستان وجبال إثيوبيا، إذ لا يزال بالإمكان العثور على البازلاء البرية في أفغانستان وإيران وإثيوبيا.
وباختصار يعتقد الخبراء إن البازلاء تطورت في ثلاث مناطق حول العالم؛ الأولى في وسط آسيا وشمال الهند وأفغانستان والثانية في تركيا وإيران وبعض البلدان العربية والثالثة في إثيوبيا الأفريقية.
وقد عثر علماء الآثار على بقايا حبوب البازلاء البرية في أحد الكهوف الواقعة بين بورما وتايلاند يعود تاريخها إلى عام 9750 قبل الميلاد.
كما عثر العلماء على هذه الحبوب في شمال غربي العراق ويعود تاريخها إلى عام 7000 قبل الميلاد.
ومع هذا يعتقد البعض أن مصر الفرعونية هي أرض البازلاء الأصلية، إذ اعتمد المصريون عليها كثيرًا، ومنذ قديم الزمان، ويعود تاريخ أول حبة بازلاء في أرض الفراعنة إلى 4800 سنة قبل الميلاد وإلى منطقة حوض النيل، وقد عثر على بعض البازلاء في مصر العليا يعود تاريخها إلى عام 3600 قبل الميلاد، وتم العثور على كثير من حبوب البازلاء في قبور الفراعنة القديمة.
وتم العثور على حبوب مماثلة في المجر وفي سويسرا يعود تاريخها إلى عام 300 قبل الميلاد.
وكما هو معروف فإن الإغريق والرومان قديمًا كانوا يزرعون وينتجون البازلاء بكثرة بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، وكانوا يجففون الحبوب ويبيعون البازلاء في الأسواق الشعبية مطبوخة وساخنة وشوربة، ويعتقد بعض الخبراء أن البازلاء وصلت إلى أثينا من المناطق القريبة من سويسرا أو من الهند إلى الشرق ثم أثينا.
وقد نشر ابيشيوس (الذي يعني اسمه حب الطعام) في القرن الأول للميلاد أيام الإمبراطور طيباريوس، تسع وصفات لطبخ البازلاء الجافة في كتاب «مكان المطبخ»، وكان بعضها يخلط بين البازلاء والخضار، والبعض الآخر بينها وبين البهارات. أما بعض الوصفات الأخرى، فشملت اللحوم، ومنها لحوم الطيور.
لا يعرف العلماء متى وصلت البازلاء إلى الصين، لكنهم يعرفون أنها كانت تُزرَع في القرن السابع للميلاد هناك، وكان يُطلق عليها اسم «HU TOU» الذي يعني «بقولات أجنبية»، ولا يزال الصينيون يعتبرون أوراق البازلاء من المواد المهمة والفاخرة في الطعام. والأهم من ذلك أن الصينيين كانوا أول من استخدم قرن البازلاء كاملاً في الطبخ، وتعاطي مع البازلاء واستخدمها خضراء لا جافة، كما كان يحصل في كثير من مناطق العالم.
وحسبما يؤكد الموقع الكندي المعروف على شبكة الإنترنت «بست كوكينغ بلسيز»، وصلت البازلاء إلى فرنسا في عام 800م، وبدأت تصبح طعامًا للفقراء والفلاحين، خصوصًا البازلاء الجافة، بسبب القدرة على خزنها واستخدامها خلال فصل الشتاء ورخص أسعارها، ولحقت لندن وبريطانيا بفرنسا وأوروبا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبدأ الإيطاليون يستخدمون حبوب البازلاء الخضراء في القرن الرابع عشر. وبعدها جلبت كاثرين ماديتشي معها من إيطاليا إلى فرنسا أيام الملك هنري الثاني حبوب البازلاء الإيطالية الصغيرة المعروفة بـ– piselli novella التي يُطلَق عليها في فرنسا هذه الأيام petit pois.
وفي إطار انتشار ظاهرة استخدام البازلاء الخضراء وغرام الناس بها في فرنسا وإنجلترا في نهاية القرن السابع عشر، تقول زوجة الملك لويس الرابع عشر مدام دو مانتينون عام 1696: «بعض السيدات، وحتى بعد تناول العشاء على الطاولة الملكية... والعودة إلى منازلهن، وتحت خطر المعاناة من سوء الهضم، يتناولن البازلاء مرة أخرى قبل الذهاب إلى السرير. إنها موضة وجنون».
وانتشرت زراعة البازلاء في أوساط الفلاحين في بريطانيا أيام الملك جورج الثالث في القرن الثامن عشر، لأنها كانت رخيصة، وكانت مساحات الأراضي التي يستصلحونها صغيرة بسبب القوانين المحلية. وتبع ذلك ظهور أول لائحة فرنسية تضم 50 نوعًا من البازلاء، في بدايات القرن التاسع عشر. وقد وصلت لائحة أنواع البازلاء التي تزرع حول العالم إلى ألف نوع هذه الأيام. وفي ذلك دلالة على الشوط الكبير الذي قطعته هذه النبتة نحو الشهرة في جميع أنحاء العالم.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، كان العالم والراهب النمساوي غريغور مندل أبو علم الوراثة يراقب شتلات البازلاء عندما وضع قانون مندل الوراثي.
وبعد انتشار ظاهرة الخضراوات المعلبة، كانت البازلاء على رأس الخضار المعلبة، وأصبحت منذ ذلك الوقت جزءًا لا يتجزأ من الأطباق التقليدية في الولايات المتحدة وبريطانيا. ولا بد من الذكر هنا أن 5 في المائة فقط من البازلاء في العالم تُباع طازجة، أما البقية يتم تعليبها وتثليجها. وفيما يصر البعض على أن أصل اسم البازلاء الإنجليزي بـpea، يرجح أن يكون أصل الاسم من اللغة اللاتينية pisum الذي جاء من اليونانية pison، وبعد احتضان اللغة الإنجليزية له صار يُطلَق على النبتة اسم pise أو pisu الذي تحول لاحقًا إلى pease. وأخيرًا، وفي القرن التاسع عشر كما يقول قاموس «أكسفورد»، تم حذف الحرف الأخير لضرورات في تسهيل القواعد.
الفوائد الصحية للبازلاء
يحتوي ثلاثة أرباع كوب من البازلاء على كمية أكبر من البروتين مما تحتوي عليه البيضة الواحدة. وفي هذا دلالة بسيطة على عظمة البازلاء وما لا يعرفه الناس عن فوائدها الصحية الجمة.
ويبدو أن هذه الحبة الخضراء الصغيرة والطيبة من أهم الخضراوات من هذه الناحية لاحتوائها على كثير من المركبات الغذائية المهمة مثل الكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن والألياف والبروتين كما سبق وذكرنا:
- تساعد البازلاء على علاج تقرحات المعدة بامتصاصها للأسيد في المعدة. ويقال أيضًا إنها تقي من سرطان المعدة، لاحتوائها على مركبات البوليفينولية (كوميسترول) كما كشفت الدراسات الأخيرة في المكسيك. أضف إلى ذلك الوقاية من الإمساك ومشكلات الهضم.
أضف إلى ذلك أن بإمكان البازلاء تنبيه الأمعاء.
- الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية والمحافظة على صحة الشرايين، لاحتوائها على المواد المضادة للأكسدة.
- خفض الكولسترول في الدم بسبب احتوائها على فيتامين النياسين، كما تساعد البازلاء على تنظيم كمية السكر في الدم أيضًا بسبب الألياف والبروتينات التي تبطئ امتصاص السكر.
- تعزيز العظام لما فيها ما يكفي من فيتامين «ك» وفيتامين «ب» الذي يحمي من هشاشة العظام.
- مفيدة جدًا للبصر والعين لما تحتويه على مواد مهمة مثل اللوتين والكاروتين والزاكسين. وباختصار تحمي من العمى.
- تحسن البازلاء البشرة لما فيها من فيتامين «ج»، ولهذا السبب ولاحتوائها على فيتامين «ب» تقوي الشعر أيضًا.
- ويقول موقع «فوائد نت» في هذا المضمار إن المواد المضادة للأكسدة والمعادن في البازلاء تعزز مناعة الجسم، وخصوصًا الفلافونويدات كالكاتشين والايبيكاتشين. والكروتينات ألفا وبيتا والأحماض الفينولية كحمضي الكافييك والفيروليك بالإضافة إلى البوليفينولات، خصوصًا الكوميسترول والحديد والنحاس والزنك والكالسيوم والماغنيسيوم.
- ولأن البازلاء تساعد على زيادة الشعور بالشبع، فإنها تساعد على تخفيض الوزن.
- والأهم من كل ذلك قدرة البازلاء على الوقاية من الالتهابات، مثل التهاب المفاصل.
- تساعد البازلاء على عدم التعرض للتشوهات في الأجنّة أثناء الحمل.
- ومن الفوائد المهمة للبازلاء الوقاية من السكتة الدماغية، وحماية أغشية الخلايا من التلف وتقوية الذاكرة وتنشيط عمليات الإدراك في الدماغ وتغذية الدماغ بشكل عام.
- تساعد البازلاء على علاج التهابات الشعب الهوائية وتفتيت الحصى وزيادة طاقة الجسم وإدرار البول وتفتيت الحصى وعلاج أمراض الكلى والكبد بشكل عام.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».