فقدَ تنظيم داعش منصات إعلامية كان يجري الاعتماد عليها على الإنترنت. واختفتْ معظم قنوات التنظيم المتطرف على «يوتيوب» و«تيليغرام»، وغيرها من صفحات التواصل الاجتماعي، وأصبحت خارج الخدمة. ويقول سعيد عبد الحافظ، الذي أعدَّ لسنوات دراسات عن الإعلام والعنف، ويرأس في الوقت الراهن مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، إن ازدياد التعاون الدولي في ملاحقة المواقع التي تدعو للعنف يعد سببًا رئيسيًا في حجب كثير من مواقع المتطرفين.
ومن جَانبه يوضح مصدر أمني يعمل في منطقة الشرق الأوسط أن مقتل أهم كوادر «داعش» الإعلامية في مدن الموصل في العراق، والرقة في سوريا، وبنغازي وسرت في ليبيا، أدى إلى تَوجيه ضربة أخرى للفضاء الإلكتروني الذي ظل يعتمد عليه المتطرفون عبر الحدود خصوصًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مشيرًا أيضًا إلى هروب تقنيين أجانب كان يستأجرهم التَّنظيم في سوريا وليبيا، ونقل آخرين لمواقع يعتقد أنها آمنة، من بينهم خبير اتصالات فرنسي الجنسية جرى تهريبه بواسطة التنظيم، من العراق إلى العاصمة الليبية أخيرًا.
وتابع قائلاً إن قوات التحالف الدولي والقُوات المحلية التي تحارب التنظيم المتطرف في المنطقة عثرت على كاميرات حديثة وحواسب آلية متقدمة في مقار «داعش» المدمرة. ومن أكثر الكلمات التي أصبحت شائعة على ما تبقى من المواقع المحسوبة على «داعش» والتنظيمات المتطرفة التي تعمل معه، مثل تنظيم «أنصار الشريعة» الذي ينتشر في تونس وليبيا مقولة متحدية: «أغلقوا حساباتنا. سنأتي لكم من حسابات أخرى. ولن يصدنا أذاكم عما نطلب».
ويقول الدكتور أحمد كامل، الخبير في الإعلام السياسي، إن الحرب على الأرض ضد «داعش» أصبح يوجد مثلها حرب على الإنترنت لمواجهة هذا التنظيم وما يبثه من كراهية وعنف وإرهاب. وهذا، حسب رأيه، يفسر تراجع الضخ الإعلامي لـ«داعش» في الفترة الأخيرة. ويضيف أن «الفضاءَ الإلكتروني كان متاحًا لـ(داعش) لبعض الوقت ليفعل ما يشاء، حتى تم إدراك خطورة هذا الأمر»، خصوصًا بعد أن وصل نشاط هذا التنظيم إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وفي محاولات يائسة للحفاظ على وُجُوده الإعلامي، قام «داعش»، وهو تحت الحصار في الموصل، بتوزيع أقراص مدمجة على المواطنين تتضمن خطبًا دعائية وتحذيرات من التعامل مع القوات الدولية والقوات العراقية التي تحاول تحرير المدينة من التنظيم. وفي ليبيا أخذ التنظيم يعتمد على مطبوعات ورقية توزع بالسيارات في أطراف المدن مثل الخُمس وصبراتة، والتي أخذ ينشط فيها من جديد، بعد هزيمته في سرت.
وحتى أواخر العام الماضي، كانَ عدد المواقع الإلكترونية التي يمتلكها «داعش» يزيد عن أربعين موقعًا باللغتين العربية والإنجليزية، أشهرها وكالة أعماق، ووكالة الخلافة، ومنبر الأنصار، ودابق، والبيان، والكنانة، إلى جانب عِدة مئات من المدونات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر»، ناهيك بوسائل التواصل الهاتفي الإنترنتي عبر «فايبر» ورسائل «واتساب» و«تيليغرام». واختفت معظم هذه المواقع والحسابات، كما فشلت آخر محاولة داعشية لإطلاق منصة تلفزيونية على «يوتيوب» تحت اسم «الخلافة».
ويقول عبد الحافظ، الذي عمل أيضًا، لبعض الوقت، مديرًا لشبكة إنترنيوز العربية، إن المتغير الدولي الجديد الذي أسهم في تقليص المساحة الإعلامية الداعشية على الإنترنت، هو زيادة التعاون الجدي بين عدة دول على خلاف ما كان عليه الحال في السابق. ويوضح: «من قبل كانت المواجهة مع إعلام الجماعات الإرهابية، من قبل الدول، تأخذ شكل المواجهة الفردية لكل دولة حسب مصالحها، لكن الملاحظ، في الفترة الأخيرة، ظهور نوع من التعاون الحقيقي لصد هذا التيار الداعي إلى العُنف، خصوصًا بعد تكرار الاعتداءات الإرهابية لـ(داعش) في فرنسا وألمانيا وبريطانيا».
ويتابع قائلاً إن بعض الدول كانت تسمح بانطلاق منابر إعلامية لكثير من الجماعات المتطرفة، وهذا لم يعد موجودًا، وهو أمر ساهم في أن يكون هناك حصار سريع للمئات من المواقع والصفحات التي يشتبه في أن لها علاقة مع التَّنظيمات المُتطرفة أيًا كان نوعها. ويضيف أن الذي عزز من هذا الحصار للمواقع المشتبه بها، وجود مخاوف في الدول الغربية من المنظمات الإرهابية وخطر التواصل مع عناصرها التي يمكن أن تكون قد انتقلت في فوضى لجوء آلاف العراقيين والسوريين إلى أوروبا.
وفي الوقت الراهن لم تعد الكثير من صفحات «داعش» على الإنترنت تفتح، ولا يمكن الوصول إلى محتواها. وتبادرك رسالة على صفحة فارغة تقول إن هذا الموقع لم يعد موجودًا، أو جرى حجبه. كما أن مواد فيلمية دعائية لـ«داعش» كانت متاحة على «يوتيوب»، جرى حذفها مع رسالة من «يوتيوب» تقول إن هذه المادة لم تعد متاحة لأنها ضد سياسة البث على الموقع. وتفعل كثير من المواقع، مثل «تيليغرام»، الأمر نفسه.
ويُوضح الدكتور كامل أن الدول المعنية في المنطقة، خصوصًا بعد 2011، التفتت لأهمية متابعة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية ووسائل الاتصالات، بِطريقة أكثر عملية ودِقة. كما أنشأت بعض الدول إدارات متخصصة في هذا الشأن. بالإضافة إلى أن الدول التي كان لديها إدارات، قامت بتوسيعها وجعلها أكثر احترافية في مجال الأمن الإلكتروني بطريقة متقدمة إلى درجة كبيرة. وفي الفترة الخيرة اتبعت طُرقًا حديثة لإجراء «فحص عميق على الحزم الإلكترونية التي تمر عبر الشبكة».
ويضيف أن هناك دولاً أصبح لديها لجان تراقب ما ينشر من كراهية وعنف وترسل تقارير (ريبورتات) وشكاوى إلى «فيسبوك» و«تويتر» و«تيليغرام». وتتواصل أيضًا مع الأجهزة الأمنية في البلاد الأخرى المعنية، للتحذير من المواقع التي تبث الكراهية والعنف من أجل التدخل لدى الجهة التي تستضيف تلك المواقع (الهوستنج). ويقول إنه في السابق كانت هناك دولاً لا تتجاوب في مسألة التدخل لدى (الهوستنج)، لكن اليوم أصبح على الكل أن يتجاوب، حيث تم الاتفاق في الفترة الأخيرة في مؤتمرات أمنية دولية على أن من لا يتجاوب في ملاحقة مستضيفي المواقع التي تحض على العنف والكراهية، يعد شريكًا في دعم الإرهاب، خصوصًا بعد أن تم اكتشاف مواقع عبارة عن حلقات لتمرير تعليمات لتنفيذ عمليات إرهابية في دول، وتحويل أموال لأعمال متطرفة.
وبعد أن قضت قوات البنيان المرصوص التابعة للمجلس الرئاسي الليبي على وجود «داعش» في سرت، لجأ التنظيم إلى صفحات إنترنتية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة في بنغازي، لتعويض النقص في النشاط الإعلامي، إلا أن طرد الجيش الليبي للمتطرفين من بنغازي أدى إلى ضربة أخرى لمحاولات التنظيم تنشيط وسائله الإعلامية عبر أتباعه في شرق ليبيا.
أمَّا في غرب ليبيا فقد رصدت الأجهزة الأمنية نشاطًا متقدمًا على وسائل الاتصالات المختلفة بما فيها الإنترنت يقوم به مهندس فرنسي الجنسية انتقل في الفترة الأخيرة من العراق إلى بلدة الخُمس قرب طرابلس. ويضيف مصدر مطلع على تحقيقات بهذا الشَّأن إنه تبين أن الفرنسي ليس داعشيًا، ولكنه يقدم خدماته للتنظيم المتطرف منذ مدة، بمقابل مادي كبير، وهو ليس مختصًا بدهاليز عالم الإنترنت فقط، ولكن لديه القدرة على العمل على أجهزة مراقبة الاتصالات المتقدمة.
ويقول عبد الحافظ إنَّ هناك مشكلة أخرى كان المروجون الإعلاميون لـ«داعش» يتجنبون الاعتراف بها، وتتعلق بكراهية الغالبية العظمي من المستهدفين على الإنترنت، للتنظيم بسبب الفظائع التي يقوم بها. ويوضح أن «أعمال القتل البشعة التي قام بها «داعش»، أدَّت لكراهية وسائله الإعلامية من جانب الرأي العام المُسلم وغير المسلم... أضف إلى ذلك مقتل كثير من المسؤولين الإعلاميين في «داعش» في العراق وسوريا وليبيا. إلى جانب تشدد الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترمب في مسألة الإرهاب. هذا كله يجعلُنا نقول إن النشاط المتطرف على الإنترنت في أيامه الأخيرة».
وعقب محاولة الهجوم على متحف اللوفر، قبل أسبوع، سارعت السلطات الفرنسية إلى فحص صفحات التواصل الاجتماعي على «فيسبوك» و«تويتر» الخاصة بالمهاجم المصري الجنسية. ويقول الدكتور كامل: «رغم أن هذا المهاجم كان ما زال في غيبوية جراء إصابته من حراس اللوفر، فإن صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي مكنت السلطات من تحليل أفكاره، وبمن تأثر، والكُتُب التي يقرأها. وغيرها»، مشيرًا إلى أن هذا يعكس إلى أي حد أصبحت السلطات الأمنية عبر العالم تدرك أهمية الفضاء الإلكتروني، بعد أن كانت تركز على مراقبة الهواتف والوسائل التقليدية فقط. ويؤكد الدكتور كامل أن خدمة الإنترنت يمكن التحكم فيها وحجب المواقع المشبُوهة.
وكان ترمب قال أثناء حملته الانتخابية إنه ينبغي قطع خدمة الإنترنت عن الأماكن التي فيها إرهابيون، وحين تعرض لحملة باعتبار أن ذلك تدخل في حرية الإنترنت، أوضح أنه توجد وسائل لمنع الخدمة عن مناطق محددة، وليس عن كل الإنترنت. ويقول الدكتور كامل إن هذا ممكن، «بل يمكن أن تمنع الإنترنت عن شقة وعن عمارة وعن دولة وعن قارة لو كنت تريد ذلك».
{داعش} يفقد منصاته الإعلامية على الإنترنت
اختفاء معظم قنوات التنظيم على «يوتيوب» و«تيليغرام»... وصفحاته للتواصل خارج الخدمة
{داعش} يفقد منصاته الإعلامية على الإنترنت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة