يواجه بعض الناس مشكلات صحية تتكرر في كل عام مع حلول عيد الفطر المبارك. وهذه المشكلات الصحية تكون في الغالب إما مرتبطة بالسلوكيات الغذائية الخاطئة، أو بالممارسات الرياضية الترفيهية العشوائية وغير المقننة. فبعد الانتظام على تناول الطعام في أوقات محددة خلال شهر رمضان وتقنين أصنافه ونوعياته، يأتي العيد محملاً بكل ما لذ وطاب، كاسرا كل القواعد والحميات الغذائية، متسببا في الإصابة بالمشكلات الصحية التي قد تنتهي بزيارة المستشفيات. ومثلا يعاني كثير من الناس في فترة العيد من ارتباك في وظائف الجهاز الهضمي أو تدهور في مستوى تحكمهم في الأمراض المزمنة التي يعانون منها سابقا كمرضى السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم وأمراض الحساسية الصدرية.
اضطرابات الهضم
يؤكد الدكتور أحمد غرم الله الخماش الزهراني أخصائي الأمراض الباطنية ومدير العيادات الخارجية سابقا في مستشفى الملك فهد بجدة - على حدوث كثير من المشكلات الصحية في مواسم الأعياد والإجازات وذلك من خلال خبرته السابقة ومشاهداته الإكلينيكية مع المرضى. وقد أعزى حدوث تلك المشكلات إلى التهاون الواضح من الناس سواء الأصحاء منهم أو المرضى المزمنين، فمثلا تحدث اضطرابات الجهاز الهضمي نتيجة الإسراف وعدم التدرج في تناول الأطعمة لا سيما المحتوية منها على كثير من السكريات والدهون، ويحدث هذا كون الجهاز الهضمي كان قد اعتاد على الصيام لساعات طويلة خلال شهر رمضان وعلى مواعيد ثابتة لتناول الطعام كالإفطار والسحور، ومن ثم يفاجأ البعض بأعراض طارئة تنغص عليهم بهجتهم بفرحة العيد والانخراط في فعاليات المناسبة السعيدة المختلفة مع الأهل والأصدقاء، فضلا عن من يعاني أصلا من أمراض مزمنة كداء السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والكلى وغيرها من العلل الجسدية الأخرى والتي تحتاج إلى نظام حمية غذائية معينة.
وجبات شائعة
أوضح د. الزهراني أن الكثير من الدراسات المختلفة تبين أن أقسام الطوارئ بالمستشفيات تكتظ بالمراجعين من المرضى في فترة العيد وخصوصا من الأطفال وتكون الشكوى عادة إما نزلات معوية حادة، وهي تمثل في بعض الدراسات ما يقارب 60 في المائة من الحالات أو نزلات الشعب الهوائية والتهابات الجهاز التنفسي العلوي وهي تمثل نسبة 30 في المائة نتيجة تناول المثلجات المختلفة.
وتحت ضغوط العادات والتقاليد الاجتماعية يضطر البعض إلى المجاملة بتناول أنواع الطعام التي قد لا تناسب وضعهم الصحي وكذلك بالخلط بين أنواع الأطعمة الكثيرة (لكثرة الزيارات) ناهيك بجلب هذه الأغذية والحلويات إلى المنزل مما يسبب للكثيرين من أفراد الأسرة تلبكًا معويًا بسبب تغيير النظام الغذائي بشكل عشوائي، كما يتسبب في زيادة مفاجئة للوزن، وفي بعض الأحيان تصل المشكلة إلى حالات تسمم غذائي بسبب تناول أطعمة ملوثة من الخارج، خصوصا مع الأطفال.
اشتداد الأمراض المزمنة
ويضيف د. الزهراني أن حالات ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم لدى مرضى داء السكري وغيرها من الأمراض المزمنة هي على قائمة الأمراض التي تزداد في فترة العيد نتيجة تناول كميات كبيرة من الوجبات الغنية بالملح والمخللات والمحليات السكرية. لذلك ينصح الأطباء عامة الناس تقسيم وجباتهم في أول أيام العيد إلى 4 أو 5 وجبات خفيفة وتجنب الملح والسكريات والدهون لتفادي حدوث ذلك الخلل وللوقاية من التخمة وعسر الهضم في أيام العيد الأولى، مع الحرص على تناول 8 أكواب من الماء تقريبا كل يوم بالإضافة إلى الحرص على زيادة تناول الفواكه الطازجة والخضراوات الورقية لما لذلك من فوائد كبيرة في الحفاظ على توازن السوائل في الجسم والمحافظة على كفاءة أداء أجهزة الجسم كالكلى والمسالك البولية والجهاز الهضمي.
وهنا ننصح بالتقليل أو الاعتدال في تناول بعض النوعيات التي لا تعتبر ضمن العناصر الغذائية الرئيسية مثل العصائر غير الطبيعية، والشوكولاته، والحلويات، والأطعمة الدسمة. كما يجب التأكد من سلامة مصادر الطعام وتجنب الشراء من المطاعم التي لا تلتزم بمعايير الصحة والنظافة، وتلك التي تقدم الأطعمة مكشوفة، وبعض الأنواع سريعة العطب والفساد كالتي تحتوي على الميونيز مثل ساندويتشات البيض، والشاورما، والكبدة.. إلخ.
سلوكيات خاطئة
ويشير د. أحمد الزهراني إلى ما يلاحظ أيضا من بعض السلوكيات الترفيهية الخاطئة في العيد، خصوصا لدى الأطفال كالإفراط في استخدام الألعاب النارية والمفرقعات من دون رقابة كافية من الوالدين، وأغلب الألعاب النارية تحتوي على مركبات كيميائية وفلزات ومواد متطايرة قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بهم، فالبارود المستخدم في الألعاب النارية مثلا يحتوي على الفحم والكبريت، كما تحتوي المفرقعات على نترات البوتاسيوم والألمنيوم وهي التي تساعد على إطلاق الشرر في كل الاتجاهات مما قد يتسبب في حرق الوجه واليدين والعينين، وقد تصل إلى حروق من الدرجة الثالثة، وهو ما نشاهده بأعيننا نحن الأطباء في أقسام الطوارئ في أيام العيد، فضلا عن حالات الاختناق وصعوبة التنفس وهيجان حالات الربو نتيجة استنشاق أول أكسيد الكربون المنبعث من احتراق هذه الألعاب النارية، وما يحدث لهؤلاء الأطفال هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق كل من الأسرة، والمؤسسات المجتمعية المختلفة والإعلام وذلك من خلال بث الوعي بين الأطفال بأخطار هذه الممارسات غير المسؤولة ومحاسبتهم على النقود التي تصرف دون رقيب أو حسيب..
ومن الأخطاء الشائعة أيضا الرياضات التي تمارس خلال أيام عيد الفطر على طريق الكورنيش أو في البر مثل ركوب الدراجات النارية وامتطاء الخيول، ولا يخفى ما لهاتين الرياضتين من تأثير على الأطفال الذين يمارسونها لأول مرة دون سابق خبرة وأيضا على من يعانون من آلام مزمنة في العمود الفقري نتيجة انزلاقات غضروفية مثلا، أو الآم الحوض أو خشونة المفاصل مما قد يتسبب في مضاعفة الألم في مثل هذه الحالات وعدم الاستمتاع ببقية أيام العيد.
ولا ننسى مشكلات رياضة السباحة وحالات الغرق التي تنجم عنها مثلا سواء ممارستها في البحر أوفي المسابح غير المجهزة بأدوات السلامة، خصوصا على الأطفال غير المدربين تدريبا كافيًا وغير مراقبين من ذويهم مما قد يؤدي إلى الوفاة لا قدر الله.
نصائح عامة
* نظرًا لأن العيد في هذا العام يأتي في فصل الصيف، فمن المستحسن الخروج إلى الأماكن المفتوحة والحدائق في أوقات مناسبة، بعد العصر أو المغرب مثلا حتى نبتعد عن مشكلات الحر.
* الاعتدال في تناول الطعام وخصوصا أطباق الحلوى والمكسرات، وتجنب قدر الإمكان مغريات حلويات العيد اللذيذة والعصائر والضيافات الشهية أثناء زيارات الأهل والأصدقاء وعدم التهاون بتناول الحلوى هنا وكوب العصير هناك فهذا سيساهم في زيادة الوزن بنسبة كبيرة.
* يمكن استبدال تناول الحلويات بتناول الفاكهة الغنية بالفيتامينات والمعادن والتي تحتوي على كمية أقل بكثير من السعرات الحرارية.
* تجنب المشروبات الغازية التي تزيد من امتلاء البطن وتكوين الغازات كما أنها تساعد في زيادة تكلسات الجهاز البولي.
* عند تناول الغذاء خارج البيت، يجب الحذر من مصادر التلوث والتسمم الغذائي كالأطعمة المكشوفة، مع الاهتمام بغسل اليدين قبل الأكل.
* عدم إهمال العناية بالأطفال ومنحهم مزيدا من الانتباه لتلافي وقوعهم في الحوادث، فهم لا يميزون الصحيح من الخطأ كتناول أطعمة ملوثة، واللعب في أماكن قد تسبب لهم الأذى كركوب بعض الألعاب التي فيها دوران سريع تؤثر على أدمغة الأطفال، أو حتى استخدام الألعاب النارية التي قد تحيل فرحة العيد إلى أحزان لا سمح الله.
* تنظيم مواعيد النوم وعدم الإفراط في السهر ليلا، تمهيدا للعودة إلى مواعيد العمل والدراسة لاحقا.
* الحرص دائمًا على ممارسة النشاطات الرياضية والمشي فهي أفضل طريقة للمحافظة على اللياقة الصحية.