«عاصفة الحزم».. تعيد التوازن الإقليمي

شكلت حلفًا بدأ يتشكل لملء الفراغ الذي أحدثته الصراعات في المنطقة

«عاصفة الحزم».. تعيد التوازن الإقليمي
TT

«عاصفة الحزم».. تعيد التوازن الإقليمي

«عاصفة الحزم».. تعيد التوازن الإقليمي

حينما أطلق المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن مقولته الشهيرة «الحزم أبو اللزم أبو الظفرات.. والترك أبو الفرك أبو الحسرات».. كان يدرك جيدا معنى اتخاذ القرار السياسي والعسكري بحزم وسرعة، إلى أن أتم خريطة الدولة السعودية الثالثة عام 1933 خاض خلالها 18 معركة حربية بتوازن عجيب بين المكون الداخلي والخارجي، مرتكزا خلالها على الحزم في القرار وسرعة تنفيذه.
اليوم الملك سلمان بن عبد العزيز يرتكز على ذات الأسس المنطلقة من الحزم في القرار السياسي والعسكري ليوجد اثنين للعمل السياسي هما الحفاظ على تراب الوطن ووحدته، وخلق توازنات سياسية وتحالفات إقليمية ودولية موزونة. وقبل بدء عمليات «عاصفة الحزم» منتصف ليل 25 مارس (آذار) 2015. مهد الملك سلمان للعملية بتماه فائق الدقة، مع جيرانه وحلفائه في المنطقة، وشهد قصر «العوجاء» في مدينة الدرعية التاريخية التي شكلت منطلق الحكم السعودي، قبل بدء العملية مراحل سرية وواضحة الاتجاه معلنة انطلاق مرحلة سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

شكلت عاصفة الحزم حلفا بدأ يتشكل في المنطقة العربية وهو الذي تكون في الأصل لملء الفراغ الذي أحدثته الصراعات التي تعيشها المنطقة العربية وخاصة ما يحدث من تدهور في العراق وسوريا، بجانب التمدد الإيراني والإسرائيلي، وقد وجدت الدعوة الاستجابة من الحكومات وشعوب المنطقة، بعد أن بدأت 10 دول تقودها السعودية تحالفا ليلقى فيما بعد ترحيبا دوليا واسع التأييد من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن كأميركا وفرنسا وبريطانيا، ودول إسلامية وأخرى لها تأثير دولي وأعضاء في الناتو كتركيا وألمانيا.
الحلف جاء لتعديل الميزان الجيوسياسي في المنطقة المهتز كثيرا بسبب حالة الاستقطاب الحاد في منطقة شمال الجزيرة العربية وتحديدا بعد ما يسمى بالربيع العربي، وجاءت هذه العملية لتثبيت أركان الشرعية للحكم السياسي ومنع استقواء طرف على آخر تحت تأثير التدخلات الخارجية لتقطع الطريق لتحويل اليمن إلى دولة تحت الوصاية الإيرانية.
وأوجدت العملية جدارا منيعا لتمدد إيران في منطقة الشرق الأوسط، ليكون التحالف عامل ردع للمواقف الإيرانية المبنية على نشر القلاقل في المحيط العربي، وأظهرت السعودية ومن معها وجها شديد البأس سيعطي للشعوب العربية مستقبلا أكثر أمنا واستقرار.
ويقول مراقبون وعسكريون إن ما جعل «عاصفة الحزم» ذات تأثير مختلف ونفوذ واضح هو تجاوزها لكل المواقف السياسية المترددة لبعض الدول سواء على الصعيد الخليجي الخليجي أو العربي الخليجي أو العربي الإقليمي ووقوفها إلى جانب بعضها البعض بعيدا عن تفاعلات المواقف السياسية ذات النفس الحزبي كما بين مصر وتركيا، لتأخذ الرياض كل غير المتفاهمين إلى مرحلة الصف الواحد ورمي كل الاختلافات خلف الظهور، كون المرحلة السياسية تتطلب موقفا يتجاوز كل المشاغبات السياسية ويسكت حطب اللمز والغمز.
وحظيت عاصفة الحزم بتأييد أغلب الدول العربية، في الوقت الذي دفعت فيه مصر والأردن والمغرب والسودان ودول الخليج العربي ما عدا عمان للمشاركة الفعلية لخوض غمار الحرب لإعادة الشرعية اليمنية التي سلبت من قبل ميليشيات تتبع لإيران، إضافة إلى ما أشار إليه السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير «من أن دولا أخرى عبرت عن رغبتها في المشاركة في التحالف وتجري الآن محادثات بهذا الخصوص معهم ومن أهمها السودان وتركيا، إضافة للدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية».
وأدركت دول التحالف الجديد خطورة «الثيوقراطية» التي تقودها إيران عبر ميليشيات الحوثيين في اليمن، حيث كانت إيران ولا تزال تقدم الدعم المالي والسياسي والإعلامي للحوثيين، وأن مجرد حضورها في اليمن يعتبر تطويقا للعدو التقليدي وهو السعودية، في محاولة للتمدد الإيراني بالتأثير في العمق الاستراتيجي لدول الخليج وذلك من خلال العمل على السيطرة على مضيق باب المندب، ومن ثم تهديد الملاحة البحرية التي تعتمد عليها دول الخليج لصادرتها من النفط.
عاصفة الحزم تجاوزت كل الخلافات العربية - العربية وأيضا الخلافات الإقليمية والتي كان من أهمها الخلافات التي نشبت بين دول الخليج وخاصة فيما يتعلق في الملف القطري، إذ اشتعل الخلاف بين دول الخليج والذي نتج عنه سحب السعودية والإمارات والبحرين سحب السفراء من قطر في بيان ثلاثي والذي يعد الأول من نوعه في إطار العلاقات الخليجية، إلا أنه ما لبث أن تمت المصالحة قبل نهاية العام الماضي، لتكون قطر اليوم ضمن التحالف في عملية «عاصفة الحزم»، التي تشرف عليها السعودية.
دخول السودان لهذا التحالف الجديد يعتبر أمرا مهما وإيجابيا خاصة أن العلاقات بين الرياض والخرطوم لم تكن في أفضل أحوالها خلال السنوات الماضية، بل كانت العلاقات بين السودان وإيران تفوقها بمراحل، حتى حدث تحول نوعي مفاجئ عندما طردت السودان الملحق الثقافي الإيراني، وزار الرئيس عمر البشير الرياض الأسبوع الماضي وقال في تصرح له إن المباحثات التي أجراها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تركزت على تعزيز التعاون الثنائي، والعمل على تبادل زيارات الوفود على المستوى الرسمي والشعبي، وقال في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» إن زيارته عمقت العلاقات بين البلدين إلى مستوى متقدم جدا جدا، إلى درجة أنه قال: «أقول إن العلاقات السودانية السعودية في أفضل حالاتها على مر التاريخ والحقب».
الرئيس السوداني أنهى العلاقات الإيرانية حينما صرح بقوله «ليست لدينا أي علاقات استراتيجية مع طهران، بل علاقات عادية للغاية»، بعد أن أصدر تعليماته بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية على أرضها التي تأسست منذ عام 1984. ليأتي قرار البشير بالمشاركة في العملية العسكرية التي أطلقتها السعودية، متماشيا مع الرؤية الاستراتيجية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والوضع العربي الحالي، بعد أن أصبح الخطر الإيراني يعمل على خنق كافة الدول العربية عبر الاستيلاء على مضيقي هرمز وباب المندب باستخدام الحوثيين كمخلب قِط.
ويقول المراقبون إن التحالف الجديد ضم بين أجنحته دولا لديها تباين سياسي مثل مصر وتركيا، بعد أن أعلنت القاهرة مشاركتها في عاصفة الحزم، ساندت أنقرة الضربات العسكرية التي تقودها السعودية ومعها مصر ضد الحوثيين في اليمن، وفقا للبيان الذي صدر عن وزارة الخارجية التركية، معلنة استعدادها عن تقديم الدعم اللوجستي للعمليات على الأرض، إذ صدر بعد انطلاق العملية العسكرية بساعات بيان وزارة الخارجية التركية الذي أعرب عن الدعم للعملية العسكرية التي أطلقتها قوات التحالف في مواجهة الحوثيين، والتي تمت بناء على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الرئيس المنتخب شرعيا، حيث قامت السعودية بإبلاغ تركيا مسبقا عن العملية العسكرية.
وأضاف البيان «نعرب عن ثـقتنا بأن هذه العملية ستساهم في الحد من مخاطر الاقتتال الداخلي والفوضى في البلاد، وفي إعادة سيطرة السلطات الشرعية على زمام الأمور فيها، كما ندعو الحركة الحوثية وداعميها من الخارج إلى الابتعاد عن التصرفات التي تهدد الأمن والسلام في اليمن والمنطقة»، وكانت رسالة واضحة من أنقرة لدعم التحالف الجديد والحفاظ على الشرعية، ولم تكتف الخارجية التركية بهذا البيان بل أعلن الرئيس التركي إردوغان في تصريحات صحافية أن بلاده مستعدة لتقديم الدعم اللوجستي في عملية عاصفة الحزم، وموجها رسالة إلى طهران بقوله «ينبغي على إيران والمجموعات الإرهابية الانسحاب من اليمن».
وشكلت مواقف التحالف العربي والإسلامي الجديد رؤية جديدة للعالم الغربي في ملف تفاوضها مع إيران حول الملف النووي الإيراني، وأعطت عاصفة الحزم أرضية قوية للولايات المتحدة في نفسها التفاوضي الطويل وتقضي أيضا على حالة التعنت المرتبطة بالشخصية الإيرانية. وبتمحيص الردود الغربية ومن أوروبا تحديدا، فإننا نجد اصطفافا بريطانيا ألمانيا فرنسيا خلف روح التحالف العربي الإسلامي الجديد ولم تفكر مطلقا في أي مواقف أخرى كونها تعلم مكانة وحجم السعودية وتأثيرها العربي والإسلامي، ولأن المصلحة الأوروبية تقتضي الاتساق مع القوة العربية الجديدة.
ونجحت السعودية ودول التحالف في إعادة العقيدة الإسلامية الصافية البعيدة عن الطائفية المقيتة ووجهت العالم الإسلامي نحو طريق السلام الروحي المخالف للتشنج والتقسيم، وسارعت المؤسسات الإسلامية والعلماء المعتبرون إلى مباركة عاصفة الحزم وأنها الطريق القويم للأمة الإسلامية وإعادة روحها المختطفة، لتصدر رابطة العالم الإسلامي بيانا تعلن فيه تأييد المسلمين في مختلف ديارهم لعمليات عاصفة الحزم، وجاء في البيان «تُعلن رابطة العالم الإسلامي سرورها وسرور المسلمين كافة بالتحالف العربي والإسلامي، الذي يفرضه الإسلام في نصرة المظلوم ورد البغي والعدوان، وإن الرابطة لتشكر الله ثم تشكر قادة الخليج والبلاد العربية والإسلامية المتعاونة في عملية عاصفة الحزم وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، الذي يحرص كل الحرص على ما يحقق الأمن والاستقرار في الوطن العربي والإسلامي والعالم أجمع»، مشيرا إلى أن المسلمين يأملون أن تحقق «عاصفة الحزم» أهدافها بما يُبعد اليمن عن كل فتن والتدخلات.
وأوجد التحالف الإقليمي إجماعا بين علماء المسلمين في أوروبا والقارة الأسترالية، إذ أعلن عدد من القيادات الإسلامية في أوروبا منهم الدكتور محمد البشاري أمين عام منظمة التعاون الإسلامي الأوروبي، الذي قال في تصريحات صحافية «إن إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للقتال ضد الحوثيين، بمثابة جهاد دفع الاعتداء والبلاء لهذه المظلومية الواقعة على الشعب اليمني على وجه التحديد».
وفي القمة العربية في شرم الشيخ الأسبوع الماضي، كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز واضحا عبر كلمته «الواقع المؤلم الذي تعيشه عدد من بلداننا العربية، من إرهاب وصراعات داخلية وسفك للدماء، هو نتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية، الذي تقوده قوى إقليمية أدت تدخلاتها السافرة في منطقتنا العربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بعض دولنا»، وكان الملك سلمان واضحا في نهجه بتقوية الدور العربي الإسلامي في المنطقة حينما قال: «لا بد لنا من متابعة ما أسفرت عنه الجهود القائمة لإحداث نقلة نوعية في منهج وأسلوب العمل العربي المشترك، بما في ذلك إعادة هيكلة جامعة الدول العربية وتطويرها، وذلك على النحو الذي يمكنها من مواكبة المستجدات والمتغيرات وإزالة المعوقات ومواطن الخلل التي تعترض مسيرة عملنا المشترك».
ولا بد من العودة إلى شخصية الملك سلمان لدوره الرئيسي والأساسي في ميلاد عهد عربي مختلف أخذ في حسبانه التحديات المشتركة لدول الإقليم، فالملك سلمان رجل عميق الجذور في تربة قضايا أمته الإسلامية والعربية، ودؤوب في العمل وكتوم ويعرف حجم بلاده جيدا عبر فهمه الدقيق لإرثه السياسي ولا يتخذ موقفا بناء على محركات أو دوافع شخصية بل يوسع في عقله دائرة التفكير ويتخذ القرار حين تحين لحظته المناسبة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».