رشاد حسين.. المحارب الأميركي ضد الإرهاب

التطرف في معركة الدفاع عن الإسلام

رشاد حسين.. المحارب الأميركي ضد الإرهاب
TT

رشاد حسين.. المحارب الأميركي ضد الإرهاب

رشاد حسين.. المحارب الأميركي ضد الإرهاب

تسلطت الأضواء على رشاد حسين، المسلم الهندي الأصل (37 عاما)، بعد أن أعلنت الإدارة الأميركية في فبراير (شباط) 2015 تعيينه مبعوثا خاصا ومنسقا للاتصالات الاستراتيجية لمكافحة التطرف والإرهاب خلال قمة مكافحة التطرف العنيف التي استضافها البيت الأبيض والخارجية الأميركية، وشارك فيها وفود أكثر من 70 دولة ومنظمة أجنبية.

يتسلم رشاد حسين مهام منصبه الجديد في شهر أبريل (نيسان) المقبل، حيث يحتل مكتبا صغيرا داخل وزارة الخارجية الأميركية. ومن مهام المنصب الجديد تنسيق معلومات ما بين مركز الدراسات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب وبين عدة مراكز أخرى، وسيرأس خلية من محللي الاستخبارات تتكون من 80 شخصا تتولى التنسيق مع وكالات حكومية أخرى لتطوير الاتصالات الاستراتيجية ضد الإرهاب والتطرف.
وأوضحت الخارجية الأميركية، أن رشاد سيرأس مركز الاتصالات لمكافحة الإرهاب الذي أنشئ في عهد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عام 2010، وسيضاف له مهام أخرى تتعلق بالتواصل مع المؤسسات الحكومية المعنية بمكافحة التطرف.
ويبدو أن شهر فبراير هو شهر الحظ للأميركي الهندي الأصل رشاد حسين، ففي نفس الشهر من عام 2010 أعلن الرئيس أوباما تعيينه مبعوثا للولايات المتحدة إلى منظمة التعاون الإسلامي. وقبلها في فبراير 2009 انضم رشاد حسين إلى مكتب المستشار القانوني للبيت الأبيض بعد أن عمل كمستشار في فريق أوباما الانتقالي (ما بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 إلى يناير/ كانون الثاني 2009).
ورشاد محمد حسين هو محامٍ أميركي بارع، امتلك خبرة خلال عمله بالدوائر السياسية الحكومية في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي وفي وزارة العدل كمحامٍ للمحكمة وفي مكتب المدعي العام. وخلال عمله كمبعوث الولايات المتحدة إلى منظمة التعاون الإسلامي سافر إلى الكثير من الدول وشارك في مئات المؤتمرات الدولية، واجتمع بزعماء وقادة دول إسلامية.
ويملك السيد حسين علاقة وثيقة بالرئيس أوباما، وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أنه بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2008 وفوز الرئيس أوباما قامت كاسندرا بتس (زميلة أوباما بكلية الحقوق بجامعة هارفارد وزميلة رشاد حسين في جامعة نورث كارولينا) بترشيح رشاد لتعيينه بمكتب مستشار البيت الأبيض. وعمل رشاد في البيت الأبيض على أمور الأمن القومي ووسائل الإعلام الجديدة وقضايا العلم والتكنولوجيا.
وأشار بن رودس، نائب مستشارة الأمن القومي للاتصالات، إلى أن رشاد بدأ في تقديم المشورة للرئيس أوباما بشأن القضايا المتعلقة بالإسلام ورفع التوعية لدى الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالمسلمين وجهود التوصل معهم وبعد انضمامه إلى مكتب المستشار القانوني للبيت الأبيض. وأوضح رودس أن رشاد ساهم في صياغة جزء من خطاب أوباما بجامعة القاهرة وكان من بين الفريق المرافق للرئيس أوباما خلال زيارته للقاهرة وإلقاء الخطاب في عام 2009.
وتقول بعض المصادر، إن الرئيس أوباما كان معجبا بقدرات رشاد وجديته في العمل وعلاقاته بمختلف المؤسسات الإسلامية، ولذا قام في 12 فبراير عام 2010 باختيار رشاد حسين ليتولى منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى منظمة التعاون الإسلامي (OIC) وهو لم يتجاوز 31 عاما، وتعد منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر هيئة حكومية دولية يعد الأمم المتحدة وتضم 57 عضوا، وهو منصب يقتضي العمل بشكل وثيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية والمنظمات الإسلامية بهدف بناء شراكات في جميع أنحاء العالم وتوسيع مشاركة المسلكين داخل الولايات المتحدة.
وقال الرئيس أوباما عند تعيين رشاد حسين مبعوثا إلى منظمة التعاون الإسلامي، إنه «محامٍ بارع وعضو موثوق بين فريقي من موظفي البيت الأبيض». وأضاف: «لقد لعب رشاد دورا رئيسيا في تطوير علاقات الشراكة التي دعوت إليها في القاهرة ولأنه حافظ للقرآن فهو عضو له مكانة رفيعة في المجتمع المسلم الأميركي وأنا أشكره على تحمل هذا العمل الهام».
وخلال عمله مبعوثا لمنظمة التعاون الإسلامي عقد رشاد اجتماعات ثنائية مع عدد من القادة منهم الرئيس حميد كرزاي في أفغانستان والرئيس السابق عبد الله غل في تركيا، والملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية الراحل، والرئيس محمد نجيب رئيس وزراء ماليزيا، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلو.
وكان رشاد صريحا وقويا في دعوته لمكافحة الإرهاب وفي السفر في رحلات مكوكية إلى بلدان مثل أفغانستان وباكستان واليمن لحضور مناقشات حول مكافحة التطرف الإسلامي والإرهاب. وقال في كلمة أمام اجتماع وزراء خارجية 56 دولة ذات أغلبية مسلمة: «من واجبنا القضاء على هذا الفكر تماما وإلقاء اللوم على السياسة الخارجية لأي بلد ليس هو الحل ولا توجد أي سياسات تبرر ذبح الأبرياء».
ويقول أحد زملاء رشاد ممن عمل معه أثناء عمله مبعوثا لمنظمة التعاون الإسلامي: «كان من أفكار رشاد لمكافحة التطرف هو ضرورة تحسين التعليم العلماني والديني وزيادة فرض الحصول على تعليم جيد لتعزيز فرص الحصول على وظائف وضرورة معالجة الشعور بالحرمان من الحقوق السياسية في المجتمعات الإسلامية».
وتقول المصادر، إنه خلال تلك الفترة نجح رشاد حسين في تفعيل تعاون الولايات المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي في مجال الصحة والتنمية وتوسعت الشراكات في ريادة الأعمال والتكنولوجيا، وكانت منظمة التعاون الإسلامي نشطة في إدانة التطرف العنيف والهجوم على الأقليات الدينية. وعملت الولايات المتحدة مع منظمة التعاون الإسلامي في ما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة لمواجهة التعصب وازدراء الأديان وكان للمنظمة دور أكبر في الشؤون الدولية فكانت أول من دعا لإقامة حظر جوي في ليبيا ووجهت انتقادات شديدة لنظام الرئيس بشار الأسد.
وقد جذب رشاد حسين الأضواء ليس فقط لمهام المنصب الجديد الذي يتولاه، بل أثار الجدل مع اتهامات بعض الشبكات الإعلامية بمساندته لجماعة الإخوان المسلمين وتشككت في علاقاته مع بعض المتطرفين ودعمه لمنظمات عرف عنها تبنيها للفكر المتشدد.
فقد اعتبرت تيارات سياسية ودوائر إعلامية تولي رشاد منصب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاتصالات لمكافحة الإرهاب هو نوع من المهادنة مع قوى التطرف والإرهاب، واعتبرت رشاد نفسه متطرفا إسلاميا، حيث أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى علاقات رشاد بجماعة الإخوان المسلمين وجماعات جهادية فلسطينية، وكانت علاقته ودفاعه عن البروفسور سامي العريان منذ عام 2004 هي أحد الأدلة التي استندت إليها الصحيفة. وقد أدين البروفسور سامي العريان، أستاذ علوم الكومبيوتر بجامعة جنوب فلوريدا أمام المحاكم الأميركية بتهمة مساعدته لمنظمات إرهابية فلسطينية، وتمت إقالته من الجامعة وترحيله من الولايات المتحدة مؤخرا.
وقد تم اعتقال العريان في عام 2004 بتهمة دعم وتوفير مساعدات مالية لمنظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية وتصفها بأنها الأكثر عنفا في العالم. وفي عام 2006 اعترف العريان بتهمة التآمر لتقديم خدمات للمنظمة وتأييده للتفجيرات الانتحارية التي تقوم بها المنظمة. وفي تلك الفترة دافع رشاد حسين (الذي كان طالبا يدرس القانون بجامعة ييل في ذلك الوقت) عن البروفسور العريان. وأكد أنه تم اضطهاده لدوافع سياسية ونشر مقالات في عام 2004 يدافع عن العريان. وقد نفي كل من رشاد حسين والبيت الأبيض دفاع رشاد عن العريان وأشارا إلى أنه تم تحريف تصريحات نسبت لرشاد حسين.
وقالت الصحيفة، إن الرئيس أوباما يتعاطف مع المتطرفين، وإنه اختار الرجل المناسب لتنفيذ سياساته، وإنه خلال عمل رشاد حسين في منظمة التعاون الإسلامي عمل على تخويف الحكومات الغربية من توجيه انتقادات للإسلام بما في ذلك توجيه انتقادات للجماعات المتطرفة وقالت الصحيفة إن رشاد روج لفكرة الإسلاموفوبيا.
وقبل عمله مع الرئيس أوباما شارك رشاد في أغسطس (آب) عام 2008 في كتابة ورقة بحثية بمعهد بروكينغز تحت عنوان «إعادة صياغة معركة الأفكار: فهم دور الإسلام في سياسات مكافحة الإرهاب» شدد فيها رشاد على رفضه لأولئك الدين يرتكبون أعمالا إرهابية باسم الدين ومن يستخدمون المبررات الإسلامية للقيام بأعمال القتل والإرهاب. وطالب فيها صناع القرار السياسي برفض استخدام اللغة التي توفر الشرعية الدينية للإرهاب مثل الإرهاب الإسلامي أو التطرف الإسلامي وطالب بأن تحل محل هذه المصطلحات عبارات أكثر تحديدا وتوصيفا مثل إرهاب تنظيم القاعدة.
وطالب رشاد في ورقته البحثية الولايات المتحدة بأن تشجع انخراط مزيد من المنظمات الإسلامية والمؤسسات المعتدلة في الحياة الأميركية وحدد في ذلك الوقت مجلس الفقه الإسلامي في شمال الولايات المتحدة. وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن هذا المجلس له ارتباطات وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين.
ويبدو أن هذا النهج في التفكير هو ما شد انتباه الرئيس أوباما الذي طالما شدد منذ قدومه للسلطة على أن الولايات المتحدة في صراع مع مجموعات إرهابية وليست مع العالم الإسلامي.
فمند تولي الرئيس أوباما مهام منصبة في يناير 2009 بدأ رشاد حسين عمله مع مجلس الأمن القومي في تطوير ومتابعة تنفيذ الخطوط العريضة التي أوضحها الرئيس أوباما في خطابه بجامعة القاهرة، وقبل عمله في البيت الأبيض كان حسين ضمن الفريق القانوني الاستشاري لأوباما.
ويشير بعض المدافعين عن رشاد حسين إلى أنه عمل أيضا على حماية الأقليات الدينية وتحسين حياة المسيحيين واليهود والأقليات الدينية الأخرى التي تعيش في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وسعى لمكافحة معاداة السامية ومحاولات إنكار الهولوكوست ونشر مواد معادية للسامية في العالم الإسلامي، داعيا إلى يذل الجهود في العالم الإسلامية لإنهاء الصور المهينة للكرامة البشرية التي تولد التعصب والكراهية.
وولد رشاد في ولاية وايومنغ الأميركية لأبوين هنديين هاجرا إلى الولايات المتحدة وانتقلا بين عدة ولايات إلى أن استقرا في ولاية تكساس، حيث وعمل والده محمد حسين مهندسا في مجال التعدين، أما والدته رقية وأخته لبنى فكانتا تعملان في مجال الرعاية الصحية وهو نفس المجال الذي سلكه أخوه الأصغر سعد.
وخلال دراسته الثانوية بمدرسة غرين هيل بتكساس كان رشاد عضوا في فريق مناقشة السياسات العامة للمدرسة وفاز في بطولة نقاش ولاية تكساس وعدد من المسابقات الوطنية. وكان رشاد من الطلبة المتفوقين الذين عرفوا بالذكاء والجد في التحصيل الدراسي. وقد استطاع رشاد الحصول على درجة البكالوريوس في غضون عامين، متخصصا في الفلسفة والعلوم السياسية من جامعة كارولينا الشمالية بمدينة تشابل هيل. وحصل على درجة الماجستير في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة هارفارد كما حصل على درجة JD في القانون والتي تعادل الدكتوراه من جامعة ييل وهي برامج متخصصة لمن يرغب في اكتساب مهارات خاصة في أحد أفرع القانون. وخلال دراسته بجامعة ييل شغل رشاد منصب رئيس تحرير مجلة القانون. وبعد تخرجه عمل رشاد كموظف قانوني في محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الخامسة، كما عمل مدير لمكتب التواصل العالمي بمجلس الأمن القومي وقبلها عمل مساعد خاص للنائب العام الأميركي في واشنطن، حيث كان يتولى بعض القضايا الجنائية.
وحصل رشاد على درجتي الماجستير في الإدارة العامة والدراسات العربية والإسلامية من جامعة هارفارد وقام بكتابة بعض المقالات والمؤلفات حول الأمن القومي والقانون الدستوري والحريات المدنية. وفي عام 2013 حصل رشاد حسين على جائزة الشرف المرموقة التي تمنح للأشخاص الذين يقدمون خدمات استثنائية جليلة للوكالات الحكومية الأميركية التي تقوم بإنجازات ذات أهمية قومية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».