المخرج مروان حامد: تجربتي الإنسانية ليست ثرية مثل والدي

قال إنه يطوّر من نفسه بشكل مستمر لمواكبة تغيرات السينما

مروان حامد خلال «الماستر كلاس» (الشرق الأوسط)
مروان حامد خلال «الماستر كلاس» (الشرق الأوسط)
TT

المخرج مروان حامد: تجربتي الإنسانية ليست ثرية مثل والدي

مروان حامد خلال «الماستر كلاس» (الشرق الأوسط)
مروان حامد خلال «الماستر كلاس» (الشرق الأوسط)

تحدث المخرج المصري مروان حامد عن محاولته اكتشاف عوالم مختلفة من خلال تجاربه السينمائية، لا سيما أن تجربته الإنسانية ليست ثرية مثل والده الكاتب الراحل وحيد حامد الذي انتقل من القرية للمدينة، وهو ما يمكن رصدها بأعماله الفنية، وفق مروان.

ووصف مروان خلال «ماستر كلاس» ضمن فعاليات الدورة السادسة من «مهرجان الجونة السينمائي» الذي منح المخرج المصري جائزة «الإنجاز الإبداعي»، تجربة دراسته في معهد السينما بـ«الثرية التي أضافت كثيراً إليه»، لا سيما مع حرصه على المرجعية الأكاديمية بالقراءة والاطّلاع عند التحضير أو الانتهاء من أي مشروع فني جديد.

وقال حامد إن «السينما شيء متغير، يشهد جديداً كل يوم على المستوى التقني وطريقة السرد، لذا دراستها لا تتوقف عند مرحلة معينة، مرجعاً جزءاً من حبه الكبير للسينما لعمله على تطوير نفسه بشكل مستمر، خصوصاً أنه لا يوجد شخص يمكن أن تكون لديه معرفة بنتيجة المشروع الذي يعمل عليه».

وأشار إلى أن «المقياس الحقيقي لاختيار أعماله مرتبط بعدم فقدانه الشغف طوال فترة العمل على المشروع التي تصل لعامين»، مؤكداً أن تمسكه بالمشروع وإيمانه به يكونان المحرك الرئيسي لتحمله أي صعوبات تعرقل مشروعه على غرار فيلم «إبراهيم الأبيض» الذي استغرق 8 سنوات ليخرج إلى النور.

يسرا وعمرو منسي وأحمد داش خلال حضور ندوة تكريم حامد (الشرق الأوسط)

وأوضح أن «أكثر المشروعات التي يتحمس لها هي التي تتطرق لموضوعات لا يعلم عنها شيئاً، ويحاول من خلال تقديمها الإجابة على تساؤلات لديه، لذا لا يمكنه البدء في تصوير الفيلم فور قراءة السيناريو أو حتى تحديد مواقع التصوير، فهذه الخطوة لا تتم إلا بعد مقابلة الشخصيات التي تساعده على دخول (عالم الفيلم) ليتمكن من خلق واقع يصدقه الجمهور عندما يشاهده ويشعر كأنه حقيقي».

وروى مروان «مواقف عدة صادفته خلال تحضيرات أفلامه السينمائية، من بينها اختيار العمارة التي صور بها فيلم (عمارة يعقوبيان)، والتي اختيرت صدفة خلال سيره مع مصمم الديكور فوزي العوامري في منطقة وسط القاهرة في أعقاب عدم التوصل لاتفاق بين الشركة المنتجة ومسؤولي (عمارة يعقوبيان) الأصلية، التي كانوا يرغبون بالتصوير فيها»، عاداً أن «البدائل التي يجري التوصل لها لتجاوز العقبات قد تعطي نتائج أفضل أمام الكاميرا».

ومن بين المواقف التي ذكرها أيضاً مشهد المطاردة أعلى سور مجرى العيون الذي نفذه في فيلم «إبراهيم الأبيض»، مؤكداً أن المكان شاهده وعاينه خلال التحضير لتصوير أحد الإعلانات، لكن الإعلان لم يُصوّر به وقتها، واحتفظ بالموقع في ذاكرته حتى وظفه في الفيلم». ويرى حامد أن «الممثل أهم عنصر في العملية السينمائية، إذ لا يمكن أن يحب الجمهور الفيلم، إلا أذا أحب الممثل».

المخرج المصري مروان حامد قدم عدداً من الأفلام المميزة (حسابه على فيسبوك)

لم يخفِ مروان حامد وجود مخاوف لديه من عدة أمور، من بينها الأكشن وطريقة تقديمه وتوظيفه في الفيلم السينمائي، لأن الجمهور يشاهد مستوى وأسلوباً مختلفين في أفلام هوليوود، وهو ما يجعله حريصاً على توظيف عملية تنفيذه بما يخدم السياق الدرامي للأحداث وتقديمه بطريقة تشبه ما يحدث في الواقع، وهو ما نفذه في فيلم «إبراهيم الأبيض» عبر مشاهد أكشن تصاحبها رحلة من المشاعر الإنسانية العميقة، على حد تعبيره.

من بين الأمور التي يخشاها صاحب «كيرة والجن» استخدام عناصر «الغرافيكس» التي قد تجعل الجمهور لا يصدق الأحداث ما لم تكن موظفة بشكل جيد في العمل، مشيراً إلى «توجه بعض المخرجين الكبار للاستغناء عنها».

ويشدّد مروان حامد على أن «العلاقة بين المنتج والمخرج يجب أن تقوم على الشراكة، فالمخرج لا بدّ أن يفهم ويدرك اقتصاديات الفيلم، ويقدم تنازلات في تنفيذ بعض المطالب بما لا يخلّ بالرؤية العامة للفيلم»، عاداً أن «تجربة سينمائية جديدة ناجحة قد تمهّد للكثير من التجارب».

مروان حامد خلال «الماستر كلاس» (الشرق الأوسط)

ويُعدّ مروان حامد أحد أبرز المخرجين المصريين راهناً. تخرج من معهد السينما عام 1999، وعمل مساعد مخرج مع المخرج الكبير شريف عرفة، لينطلق بعدها بتقديم عدة أفلام نالت جوائز وحققت إيرادات كبيرة منها «إبراهيم الأبيض»، و«الفيل الأزرق» بجزأيه، و«تراب الماس»، بالإضافة إلى فيلم «عمارة يعقوبيان».


مقالات ذات صلة

كيف تمكنت 4 أفلام عربية من الوصول لقائمة الأوسكار المختصرة؟

يوميات الشرق الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)

كيف تمكنت 4 أفلام عربية من الوصول لقائمة الأوسكار المختصرة؟

لعلها المرة الأولى التي تنجح فيها 4 أفلام عربية في الوصول لـ«القائمة المختصرة» بترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم دولي، وهو ما اعتبره سينمائيون عرب إنجازاً كبيراً.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق فيونوالا هاليغان (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

فيونوالا هاليغان: نجوم عالميون معجبون بدعم «البحر الأحمر» لصناع الأفلام

بعد ختام الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، والتي مثّلت المحطة الأولى لفيونوالا هاليغان في موقعها مديرة للبرنامج الدولي، بدت أصداء التجربة واضحة.

أحمد عدلي (جدة)
يوميات الشرق مشهد من مسرحية «تكلم حتى أراك» في أول أيام المهرجان (هيئة المسرح)

«مهرجان الرياض للمسرح» ينطلق لتكريم الرواد ورعاية المبدعين

انطلق، الاثنين، مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثالثة، الذي تنظِّمه هيئة المسرح والفنون الأدائية، ويشهد على مدى 7 أيام عروضاً للمسرحيات التي تأهلت للمشارَكة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق المخرج سعيد زاغة يشير إلى زملائه من المخرجين الفلسطينيين (البحر الأحمر)

سعيد زاغة لـ«الشرق الأوسط»: استلهمت «مهدد بالانقراض» من تجربة حقيقية

عبّر المخرج الفلسطيني، سعيد زاغة، عن سعادته بفوز فيلمه «مهدد بالانقراض» (COYOTES) بجائزة اليسر الذهبية لأفضل فيلم قصير بالدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق تفاعل الجماهير في مسرح «ساوندستورم 2025» (ميدل بيست)

ختام «ساوندستورم 2025» يرسخ مفهوم المدينة الموسيقية في الرياض

أسدل مهرجان «ساوندستورم 2025» الذي تنظمه شركة «ميدل بيست» الستار على نسخة استثنائية حوَّلت أرض المهرجان في الرياض إلى مدينة موسيقية.

فاطمة القحطاني (الرياض)

إنتاج وقود مبتكر للطائرات من مخلّفات الطماطم

المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
TT

إنتاج وقود مبتكر للطائرات من مخلّفات الطماطم

المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)

أعلن تحالف بحثي أوروبي، تقوده جامعة غراتس للتكنولوجيا في النمسا، عن مسار مبتكر لإنتاج وقود طيران مستدام من مخلفات إنتاج ومعالجة الطماطم.

وأوضح الباحثون أن هذه الخطوة تُعد واعدة لتقليل انبعاثات الكربون في أحد أكثر القطاعات صعوبة في التحول إلى الطاقة النظيفة، وفق النتائج المنشورة، الخميس، على موقع جامعة غراتس للتكنولوجيا.

وتُعد الطماطم ثاني أكثر الخضراوات استهلاكاً في العالم بعد البطاطس، في حين يحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثالثة عالمياً في إنتاجها، بإجمالي حصاد يبلغ نحو 17 مليون طن سنوياً. إلا أن هذا الإنتاج يخلّف كميات ضخمة من الكتلة الحيوية المتبقية، غالباً ما يتم حرقها أو التخلص منها بتكاليف مرتفعة.

ويحمل المشروع البحثي اسم (ToFuel)، ويسعى إلى تطوير مفهوم مبتكر لمصفاة حيوية متكاملة تستغل مخلفات الطماطم، مثل الأوراق والسيقان والبذور والقشور والثمار غير الناضجة أو التالفة، لإنتاج وقود طيران مستدام، إلى جانب أسمدة وأعلاف حيوانية وزيوت غذائية. ويهدف فريق البحث لبناء عملية خالية من النفايات ومحايدة مناخياً، مع ضمان جدواها الاقتصادية.

ويعتمد المشروع على تقنيتين رئيسيتين لمعالجة الكتلة الحيوية. الأولى تركز على معالجة المخلفات بالحرارة والضغط ثم تُفكك خلاياها بشكل مفاجئ، ما يجعلها مناسبة لعمليات التخمر التي تُنتج دهوناً (ليبيدات) تُحوَّل لاحقاً إلى وقود طيران. أما التقنية الثانية فتحوّل الكتلة الحيوية تحت ضغط وحرارة مرتفعين إلى زيت حيوي وفحم حيوي.

وقبل تحويل الزيت الحيوي إلى وقود، تتم تنقيته من الشوائب؛ خصوصاً المركبات المحتوية على النيتروجين، لضمان جودة الوقود النهائي. وتشارك في تطوير هذه العمليات مؤسسات بحثية من البرتغال وكرواتيا والنمسا في تعاون وثيق. ثم تُحوَّل الدهون والزيوت الحيوية باستخدام تقنية مبتكرة ومعتمدة عالمياً لإنتاج وقود الطيران المستدام.

وأكدت مديرة المشروع، مارلين كينبرغر، أن الهدف لا يقتصر على الابتكار العلمي، بل يشمل تحقيق جدوى اقتصادية حقيقية، مشيرة إلى أن وقود الطيران المستدام «يجب أن يكون منافساً من حيث التكلفة ليتم اعتماده على نطاق واسع». كما أظهرت التحليلات البيئية أن العملية المقترحة تقترب من مفهوم «صفر نفايات»، مع إمكانية تحقيق حياد مناخي.

وينطلق المشروع رسمياً في 1 يناير (كانون الثاني) 2026، بمشاركة 11 شريكاً من 7 دول أوروبية، من بينها جامعات ومراكز بحثية مرموقة مثل جامعة زغرب، وجامعة فيينا للتكنولوجيا، وجامعة لابينرانتا الفنلندية، ومعهد فراونهوفر الألماني. كما يشارك شركاء صناعيون لتوفير مخلفات الطماطم وخبراتهم الصناعية.

ويبلغ إجمالي ميزانية المشروع 3.5 مليون يورو على مدى 4 سنوات، يحصل من بينها منسق المشروع، جامعة غراتس للتكنولوجيا، على مليون يورو. كما يشمل المشروع تدريب طلاب دكتوراه وماجستير وبكالوريوس، إلى جانب إعداد استراتيجية شاملة للتسويق والنشر العلمي.

ويعتبر الباحثون أن المشروع يمثل خطوة عملية نحو تحويل النفايات الزراعية إلى مصدر طاقة نظيف، مع خلق فرص اقتصادية جديدة لصناعة الأغذية ودعم التحول الأخضر في قطاع الطيران الأوروبي.


«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
TT

«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)

لا يقدم فيلم «فلسطيني على الطريق» عملاً وثائقياً تقليدياً عن مكان أو مسار، بل ينطلق من تجربة إنسانية تمثلت في لحظة فقدٍ قاسية، لتتحول تدريجياً إلى رحلة بصرية عن الفلسطيني المعاصر، وحركته المقيدة داخل جغرافيته، وعلاقته بالذاكرة والمكان.

يبدأ الفيلم من موقف شخصي للمخرج إسماعيل الهباش، لكنه لا يبقى حبيس الموقف، بل ينفتح على واقع جماعي يفرض نفسه مع كل خطوة على الطريق، ليوثق واقعاً صعباً يعيشه الفلسطينيون داخل أراضيهم المحتلة. الفيلم حصد جائزة «المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب» مناصفة ضمن فعاليات الدورة 16 من «مهرجان كرامة... سينما الإنسان» بالأردن، التي عقدت في الفترة من 9 إلى 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

يقول الهباش لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة الفيلم وُلدت من ظرف شخصي شديد الصعوبة، حين فقد زوجته بعد رحلة علاج شاقة، وهي تجربة تركت أثراً عميقاً عليه نفسياً وإنسانياً، ومع غياب أي إمكانية حقيقية للتعافي السريع، بدأ البحث عن وسيلة لفهم ما حدث، وعن مساحة للتفكير والمواجهة الهادئة مع الفقد، من هنا، جاءت فكرة الرحلة، لا باعتبارها هروباً، بل كفعل مواجهة وتأمل.

اختار المخرج أن تكون الرحلة داخل فلسطين، عبر مسار يمر بعدد من المدن والبلدات والقرى والمخيمات، «في محاولة لاختبار معنى الحركة داخل وطن مجزأ، تحكمه الحواجز والقيود، لم يكن الهدف توثيق الطريق بقدر ما كان اختبار ما يفرضه هذا الطريق من أسئلة عن الخسارة، والانقطاع، واستمرار الحياة رغم كل شيء»، كما يقول.

يظهر إسماعيل الهباش بنفسه في الفيلم، لا بوصفه بطلاً، بل شاهداً على التجربة. حضوره أمام الكاميرا جزء من صدق العمل، ومحاولة لكسر المسافة بين المخرج وموضوعه، فالفيلم، كما يوضح، لم يُصنع من موقع المراقبة، بل من داخل التجربة نفسها.

الهباش حاملاً الجائزة في الأردن (مهرجان كرامة)

وعن التحديات التي واجهها خلال التصوير، يشير الهباش إلى أن العمل داخل فلسطين يظل محفوفاً بالصعوبات، سواء على المستوى اللوجيستي أو الأمني، فالحواجز الإسرائيلية شكّلت عائقاً دائماً أمام حركة الفريق، وكانت هناك مناطق لا يمكن دخولها إلا بتصاريح خاصة، ولم يكن الحصول عليها أمراً سهلاً، في بعض الحالات، اضطر الفريق إلى الوصول إلى أماكن معينة من دون تصاريح، وهو ما جعل التصوير محفوفاً بالمخاطر.

ويضيف أن «المشروع كان من المفترض أن يُنفذ بمشاركة فريق أجنبي، لكن التدخلات الرسمية حالت دون استمرارهم للخوف على سلامتهم». هذه الظروف، حسب الهباش، «ليست استثناءً، بل تُعد جزءاً من واقع الفيلم الفلسطيني المصنوع في الداخل، حيث تؤثر القيود السياسية والأمنية بشكل مباشر على الميزانيات، وعلى حجم الفرق، وعلى آليات الإنتاج».

يُقارن الهباش بين الأفلام الفلسطينية التي تُنتج داخل فلسطين، وتلك التي تُنجز بتمويل خارجي أو في المنفى، مشيراً إلى أن اختلاف الظروف ينعكس بالضرورة على الإمكانيات؛ «فالفيلم المحلي يظل أكثر هشاشة من حيث الموارد، لكنه في الوقت نفسه أكثر التصاقاً بالواقع اليومي»، على حد تعبيره.

قدم المخرج توثيق معاناة يعيشها الفلسطينيون (الشركة المنتجة)

استغرق إنجاز الفيلم قرابة عامين ونصف العام، بدءاً من بلورة الفكرة وكتابتها، مروراً بالبحث عن التمويل، وصولاً إلى مرحلة التصوير، وخلال هذه الفترة، صُوّر نحو أربعين ساعة من المواد، خلال ما يقارب عشرين يوم تصوير.

ويشير الهباش إلى أن أصعب مراحل التصوير كانت داخل القدس، «حيث تكررت محاولات الحصول على تصاريح من دون جدوى، واضطر الفريق إلى تغيير خطط ومواعيد أكثر من مرة، كما أن الحركة داخل المدينة كانت مراقبة باستمرار، مما جعل التصوير مهمة معقدة، سواء من حيث السلامة أو من حيث حرية العمل، إضافة إلى ذلك، شكّلت زيارة بعض البيوت الفلسطينية التي يسكنها إسرائيليون حالياً خطراً حقيقياً؛ إذ كانت ردود الفعل في بعض الأحيان عدائية، وهو ما فرض حذراً دائماً أثناء التصوير»، كما يقول.

الفيلم الذي بدأ رحلته من مهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الماضية ووصل إلى الأردن يأمل مخرجه في مشاركته بعدد أكبر من المهرجانات السينمائية خلال الفترة المقبلة بهدف الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.


السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
TT

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

حضرت السينما وصناعتها بشكل لافت في معرض جدة للكتاب، إذ لم يعد هذا الحدث مجرّد مساحة للعرض والاقتناء، بل بلغ مرحلة نضجه الثقافي، حين تحوَّل إلى منصة تلتقي فيها الحكاية الورقية بالصورة، ويمدّ فيها الأدب يده إلى مختلف مسارات الحياة، بما فيها السينما، من دون حواجز داخل أروقة معرض هذا العام.

فيلم «نورة» حاضر في معرض جدة الثقافي (الشرق الأوسط)

ولم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة، وأيّ القصص تمتلك ما يكفي من العمق لتغادر الصفحة إلى الضوء. ويبدو أنّ المعرض أشبع شهية الباحثين عن الصناعة أو المتعة، من خلال ما يُعرض داخل صالاته من أفلام سعودية خالصة.

وضمن هذا السياق، شهد معرض جدة للكتاب 2025 توقيع اتفاقية بين المخرج والمنتج أسامة الخريجي، والروائي سالم الصقور، لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى عمل سينمائي، في خطوة تعكس اتساع اهتمام المنتجين والمخرجين بالاشتغال على السرد الأدبي السعودي، والبحث عن نصوص قادرة على العبور إلى لغة الصورة.

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

وتأتي هذه الاتفاقية ضمن توجّه أوسع يشهده المعرض هذا العام، يقوم على تعزيز التكامل بين الأدب والسينما، وتقديم السرد المحلّي عبر وسائط متعدّدة، بما يواكب التحوّلات التي يشهدها المشهد الثقافي والفنّي في المملكة، ويعكس نضج العلاقة بين الكاتب وصانع الصورة، وذلك في إطار سعي هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى دعم الأفلام السعودية بأشكال مختلفة.

ومن المُنتظر أن يخضع المشروع خلال المرحلة المقبلة لعمليات التطوير والمعالجة والكتابة السينمائية، تمهيداً للانتقال إلى مراحل الإنتاج اللاحقة.

وقال الروائي سالم الصقور لـ«الشرق الأوسط» إنّ روايته «القبيلة التي تضحك ليلاً»، الصادرة مطلع عام 2024، تُمثّل تجربته الروائية الأولى، مشيراً إلى أنّ وصولها إلى السينما جاء عبر مسار لم يكن مُخطَّطاً له مسبقاً، بل تشكَّل نتيجة تقاطع الاهتمام والقراءة الجادّة للنص.

وأوضح أنّ المخرج والمنتج أسامة الخريجي اطّلع على الرواية قبل نحو 8 أشهر، من دون معرفة شخصية سابقة بين الطرفين، وأنه تواصل معه بعد قراءة العمل، وبدأت منذ ذلك الحين سلسلة من اللقاءات والنقاشات حول إمكان تحويل الرواية إلى فيلم، انتهت بتوقيع الاتفاقية أخيراً في معرض جدة للكتاب.

ندوة حول السينما وتأثيرها (الشرق الأوسط)

وبيَّن الصقور أنّ الرواية تدور أحداثها في يوم واحد فقط، تبدأ في مستشفى، حيث ينتظر بطل العمل مولوده الأول بعد 15 عاماً من محاولات الإنجاب، ليواجه صدمة ولادة طفل يعاني مشكلات صحية حرجة تتعلَّق بعدم اكتمال نمو بعض أعضائه. وخلال 24 ساعة، يخوض الأب صراعاً إنسانياً لإنقاذ ابنه، بينما تستعيد الرواية، عبر تقنية الاسترجاع، سنوات الانتظار الطويلة وما رافقها من ضغوط اجتماعية داخل مجتمع قبلي يتدخّل في خصوصيات الأفراد وحيواتهم الشخصية.

وأشار إلى أنّ تجربته مع السينما كانت محدودة، بوصفه مشاهداً فقط، مؤكداً أنّ النقاشات مع الخريجي أسهمت في توضيح آليات التحويل السينمائي، ومنها مفهوم «التحويل الحرّ»، الذي يتيح إعادة بناء العمل بصرياً من خلال إضافة أو حذف شخصيات وأحداث، مع الحفاظ على جوهر النصّ وروحه الإنسانية.

ندوة ناقشت الموسيقى التصويرية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

وأضاف أنّ ما طمأنه للمُضي في هذه التجربة هو وعي المخرج بالنصّ، وقدرته على التعامل معه على مستويات متعدّدة، مشيراً إلى أنّ الفهم العميق للرواية شكَّل عنصر الثقة الأساس في تحويلها إلى عمل سينمائي. وأكّد أن الجدول الزمني للمشروع بدأ مع توقيع الاتفاق الذي ينصّ على معالجة الرواية سينمائياً، إيذاناً بدخولها حيّز التنفيذ خلال المرحلة المقبلة.

منطقة مخصَّصة للأطفال تضم أكثر من 40 فعالية متنوّعة تُعزّز حبّ القراءة (الشرق الأوسط)

ولا يزال البحث جارياً عن أعمال يمكن تحويلها إلى أفلام سينمائية، وقد يشهد المعرض في أيامه الأخيرة الإعلان عن مزيد من الاتفاقات المشابهة، لا سيما أنّ نسخته الحالية ركّزت بشكل كبير على هذا الجانب في دعم الكتّاب السعوديين؛ إذ شهد مناقشات متعدّدة حول السينما وآليات التعامل معها، من بينها ندوات ناقشت توليد الأفكار الإبداعية في السينما، ومنها فعالية «استلهام الأفكار الإبداعية في السينما»، التي نظّمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتحدَّث فيها الدكتور مسفر الموسى، مُتناولاً مسار الفكرة من هاجس فردي إلى مشروع سينمائي متكامل، ودور البيئة الثقافية في احتضان الاختلاف وتشجيع التفكير الخلّاق.

وأشار الموسى إلى التحوّل الذي شهدته صناعة السينما في المملكة، من الجهد الفردي إلى العمل المؤسّسي، خصوصاً بعد إنشاء هيئة الأفلام عام 2018، موضحاً أنها تستهدف إنتاج 100 فيلم سينمائي طويل بحلول عام 2030، بما يُسهم في ترسيخ حضور السينما السعودية إقليمياً وعالمياً. كما تطرَّق إلى محدودية النصوص السينمائية المُستَمدّة من المنجز الروائي المحلّي، مشيراً إلى أنّ بعض الروائيين لا يزالون مُتحفّظين إزاء تحويل أعمالهم إلى أفلام.

حظيت دور النشر المُشاركة باهتمام لافت من الزائرين (الشرق الأوسط)

وفي امتداد لهذا التداخل بين الأدب والسينما، شهد المعرض عرض الفيلم السعودي «نورة» ضمن برنامجه السينمائي، بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة وهيئة الأفلام. وهو يأتي بوصفه عملاً روائياً طويلاً يشتغل على الحكاية الإنسانية بهدوء وتأمّل، بعيداً عن المباشرة؛ من كتابة توفيق الزايدي وإخراجه، وبطولة يعقوب الفرحان، وماريا بحراوي، وعبد الله السدحان.

يواصل المعرض استقبال زوّاره وتقديم برامجه الثقافية والمعرفية المتنوّعة (الشرق الأوسط)

ومع هذه الاتفاقات والحضور اللافت، يخرج معرض جدة للكتاب هذا العام من إطار الحدث الثقافي التقليدي، ليُقدّم نفسه مساحة تفاعلية نضجت فيها العلاقة بين الأدب والسينما، وبين الكاتب والمتلقّي، وبدأت الأفكار المطروحة تتحوَّل إلى شراكات فعلية تؤكّد أنّ الحكاية السعودية باتت قادرة على أن تُقرأ... وتُشاهَد.