هل تدفع جولات بن زايد مفاوضات «سد النهضة» إلى الأمام؟

مصادر مصرية وإثيوبية تحدثت عن «دور مُؤثر» للإمارات

محمد بن زايد خلال لقائه آبي أحمد (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
محمد بن زايد خلال لقائه آبي أحمد (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
TT

هل تدفع جولات بن زايد مفاوضات «سد النهضة» إلى الأمام؟

محمد بن زايد خلال لقائه آبي أحمد (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
محمد بن زايد خلال لقائه آبي أحمد (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

أنعشت الجولات المتتابعة للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ما بين مصر وإثيوبيا، الحديث عن دور إماراتي قد يسهم في دفع مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي، المجمدة منذ أكثر من عامين. فيما توافقت مصادر مصرية وإثيوبية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، على «أهمية الإمارات، ودورها المؤثر» نحو إيجاد حل للنزاع الدائر منذ نحو 12 عاماً، اعتماداً على التقارب السياسي لأبوظبي مع جميع أطراف القضية (القاهرة وأديس أبابا والخرطوم).

وزار محمد بن زايد، أديس أبابا، الجمعة، والتقى رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، بعد أسبوعين فقط من لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مدينة العلمين بالساحل الشمالي. وتأتي هذه الزيارات في أعقاب إعلان السيسي وآبي أحمد، منتصف يوليو (تموز) الماضي، عزم البلدين «الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق على ملء، وتشغيل سد النهضة خلال أربعة أشهر».

استقبال حافل لرئيس الإمارات في أديس أبابا (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

ووفق بيان إماراتي أعقب قمة أديس أبابا، فإن بن زايد رحب بالاتفاق المصري - الإثيوبي على استئناف مفاوضات «سد النهضة»، واصفاً الإعلان بـ«الخطوة الإيجابية»، كما أعرب عن تمنياته بأن تصل المفاوضات إلى «حل مرضي لجميع الأطراف، بما يعزز التعاون فيما بينها، ويدعم الاستقرار في المنطقة».

وتطالب مصر والسودان بتوقيع اتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد، الذي تقيمه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويهدد بتقليص إمدادات المياه إلى البلدين، فضلاً عن أضرار بيئية واقتصادية أخرى. فيما تدفع إثيوبيا بـ«حقها في التنمية، وتوليد الكهرباء التي يحتاجها شعبها»، عبر المشروع العملاق.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال آبي أحمد في القاهرة يوليو الماضي (الرئاسة المصرية)

ودخلت الإمارات بقوة على خط النزاع قبل نحو عام، عندما كُشف عن «مفاوضات غير مباشرة» قادتها الإمارات على أمل حلحلة القضية المتعثرة، والوصول إلى نقطة متقدمة تسمح بتوقيع اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث، لكن من دون الإعلان عن «نتيجة إيجابية». وفي هذا الصدد يقول ياسين أحمد، رئيس «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية» في العاصمة السويدية استوكهولم، لـ«الشرق الأوسط»، إن أي دور للإمارات «سيلقى ترحيباً من الجانب الإثيوبي، اعتماداً على المصالح المشتركة بين البلدين، والتفاهم الحاصل حالياً، الذي هو في أعلى مستوياته».

وتمتلك الإمارات استثمارات واسعة في إثيوبيا. ووفق ياسين أحمد، فإن «استقرار منطقة القرن الأفريقي، وحل نزاع سد النهضة، يخدمان بطبيعة الحال المصالح الإماراتية في المنطقة، وبالتالي قد تسعى إلى إيجاد تفاهم»، لكنه أكد في المقابل أن الوصول إلى اتفاق نهائي «يتطلب تنازلات من كل أطراف القضية»، ولا يمكن «الاتكال فقط على الدور الإماراتي»، الذي وصفه بـ«المسهل».

السيسي خلال لقائه الشيخ محمد بن زايد في مدينة العلمين مطلع أغسطس الحالي (الرئاسة المصرية)

وتحظى إثيوبيا بـ«أهمية خاصة لدى الإمارات»، حسب الرئيس الإماراتي في إطار «توجهها الاستراتيجي لتعزيز العلاقات مع أفريقيا في المجالات التنموية»، وبسبب «دور إثيوبيا المهم في معادلة الأمن الإقليمي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي»، حسب «وام».

من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن زيارة محمد بن زايد «تعطي دفعاً قوياً لمسار تطور العلاقات بين البلدين»، وأعرب عن «اعتزازه بمستوى العلاقات المتميزة، التي تجمع البلدين وشعبيهما»، طبقاً لما ذكره البيان. وعقب اجتماع ثنائي، ترأس بن زايد وآبي أحمد مراسم توقيع 17 اتفاقية في مختلف المجالات، بما في ذلك الصناعة والزراعة والاستثمار والتمويل.

وتعكف لجان فنية مصرية وإثيوبية وسودانية على تحديد موعد استئناف مفاوضات «سد النهضة». وحسب تصريحات سابقة لمسؤولين مصريين وإثيوبيين، فإن «هناك مشاورات لتحديد موعد وأطر واضحة للمفاوضات، بما يمكن من إنجاز اتفاق نهائي خلال 4 أشهر».

وبينما رفضت مصادر رسمية مصرية الكشف عن «دور الإمارات» في إطلاق المفاوضات، أو «عزمها تسهيل عملية التفاوض لاحقاً، والضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاق»، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المتتبع للأحدث سوف يجد دائماً مساراً إماراتياً أياً كان نوعه وطبيعته، هو مفيد بطبيعة الحال لمصر ومرحب به»، فمصر «تشجع أي تحرك عربي لحل القضية». وربط فهمي الزيارة المتزامنة لبن زايد إلى كل من مصر وإثيوبيا، بالإعلان عن عزمهما استئناف المفاوضات.

وأضاف الخبير السياسي المصري موضحاً أن أبو ظبي «لديها امتيازات نوعية، أبرزها علاقاتها الوطيدة والثقة التي تحظى بها لدى أطراف النزاع، فضلاً عن خبراتها المتراكمة في القضية، اعتماداً على قياداتها مفاوضات غير مباشرة خلال الأشهر الماضية، يمكن البناء عليها»، لافتاً إلى أن الإمارات يمكنها أن «تستخدم نفوذها لدى أديس أبابا واستثماراتها هناك في الضغط عليها لقبول أي مقترح».

سد النهضة (رويترز)

كانت آخر جلسة للمفاوضات ثلاثية معلنة بين مصر وإثيوبيا والسودان قد عُقدت في العاصمة الكونغولية كينشاسا، في أبريل (نيسان) 2021، برعاية الاتحاد الأفريقي، وأعلنت عقبها الدول الثلاث فشلها في التوصل إلى اتفاق.

وتبني إثيوبيا «سد النهضة»، منذ عام 2011، ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتملت 90 في المائة من عمليات البناء. وكشفت صور فضائية بدء إثيوبيا الملء الرابع لخزان السد في 14 يوليو (تموز) الماضي، فيما يتوقع أن تستمر العملية حتى منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، وسط تعهد إثيوبي بعدم الإضرار بـدولتي المصب (مصر والسودان).


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

خاص وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، بمكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع بها القاهرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية.

أحمد جمال (القاهرة)
العالم العربي سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

«سد النهضة»: التصعيد المصري - الإثيوبي يتواصل ويفاقم التوترات

تصعيد متواصل بين مصر وإثيوبيا بشأن نزاع «سد النهضة»، وسط تحذيرات من تفاقم التوترات.

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».


تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

نموذج للدعوات للتظاهر والاحتجاج لإحياء ذكرى 19 ديسمبر

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».

معارك كردفان

قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان، بعد معارك شرسة. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.