جميل مطر
كاتب ومفكر مصري مهتم بقضايا الإصلاح والتحول الديمقراطي.

السياسة في أجواء شاذة

لا يكذب الرئيس دونالد ترمب وهو يؤكد مرة تلو أخرى أنه وصل إلى بيت الحكم في واشنطن بجهوده الذاتية ومعتمداً على ذكائه الخارق للعادة وقدراته الفائقة. الرئيس لا يكذب فهو الذي اختار بنفسه ما ومن شاء أن يختار ليساعده في تحقيق الفوز. لا أحد في واشنطن يستطيع أن يزعم أو ينكر بشكل مقنع أو مخلص أن الرئيس فاز فقط بفضل كتائب إلكترونية روسية التخطيط والمنشأ، اشتغلت ليل نهار خلال الحملة الانتخابية. الرئيس ترمب فاز بفضل الكتائب ولكن أيضاً بفضل ظروف وعناصر أخرى ليس أقلها شأناً كنائس الإنجيليين المتطرفين، وهؤلاء لعبوا دوراً كبيراً في دعم جورج بوش الابن.

1989 عام استثنائي

انضم إلى جلستنا ولم ألتقه من قبل. خطابه مختلف وفي عجلة من أمره. عاشق وعشقه في يده لم يفارقه لحظة، معتمداً عليه في التعبير عن رأيه. أغلبنا معلّق مثله بهاتف في ذكاء هاتفه أو أكثر أو أقل وكلنا في النهاية في حيرة من أمرنا. سألته عن تاريخ ولادته فقال 1989. طبعاً يجب أن يكون مختلفاً. هذا الرجل ابن الثلاثين عاماً لعله لم يدرك بعد أنه من مواليد العام الذي أطلق شرارة مرحلة انتقالية في التطور السياسي العالمي قد يثبت أنها الأطول في التاريخ المعاصر. هي المرحلة التي أعيش فيها الآن أنا وأبناء جيلي ولبعضهم حنين إلى مرحلة قبلها.

بحثاً عن نظرية تبرر حصار الغرب للصين

زار السيد ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الأطلسي أستراليا قبل أسابيع قليلة. هناك صرح قائلاً بما معناه أن «الصين صارت مؤخراً مصدر قلق شديد لأمانة الحلف، ومحل انشغال واهتمام، ليس بسبب أن الحلف يريد الآن أن يصل إلى الباسيفيكي، ولكن لأن الصين وصلت إلى أوروبا». أعرف، كما - لا شك - يعرف كل مهتم برحلتَي صعود الصين وانحدار حلف الأطلسي، أن شواطئ الباسيفيكي لم تكن تحتل مكاناً مهماً في خيال قادة الحلف، عندما راودته في التسعينات، وألحت رغبة - ولعلها تجاوزت حدود الرغبة إلى الشهوة - ترتيب علاقات وروابط مع شواطئ ودول في الخليج، ودول في جنوب المتوسط وأفريقيا.

العام المقبل... بحذر

خرجتُ من متابعتي لأعمال وأجواء وأصداء مؤتمر بيارتز للدول السبع الديمقراطية، بانطباعات متعددة، سجلت القليل جداً منها في مواقع إعلامية أخرى أثناء انعقاد المؤتمر. لم أخف وقتها قلقي الشديد على مستقبل الأمن والاستقرار في عالم الغد القريب. كان مؤتمراً غريباً؛ غريباً فيما توقعه منه المشاركون قبل أن يبدأ. حضرت مؤتمرات دولية وإقليمية كثيرة. قليلة جداً كانت تلك التي بدأت أعمالها بقرار عن النية في عدم إصدار بيان نهائي. كنت، أنا نفسي، شاهداً في مؤتمرات إقليمية على خشية الوفود المشاركة من احتمال انفضاض المؤتمر قبل أوان انفراطه، بسبب تصرفات زعيم من الزعماء الحاضرين.

إمبراطوريات تتجمل

بعد فترة من صخب أقل عدنا نسمع ما يذكِّرنا بالصخب الذي كانت تصدره القوى العظمى خلال عقود خلت... كثير من أبناء جيلي لا شك يذكرون أصداء الصراع الدائر وقتذاك بين الاتحاد السوفياتي من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى... كنا في عالمنا الثالث بين مستعذب أصداء صراع الكبار ومستفيد منه وبين ضحية له، وكلنا على أي حال متفهمون حقيقة أننا لسنا طرفاً. القطبان الأعظمان يزعمان في كثير من تصرفاتهما أنهما من حملة رسائل الجنس الأبيض إلى أجناس البشرية غير البيضاء...

يحلمون بخلافة ترمب وهم لا يدركون

كنت واحداً من ملايين تابعوا الحوارات التي دارت بين عشرين مرشحاً لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة. دعت إلى الحوارات وأدارتها قناة تلفزيونية ذائعة الصيت والنفوذ. الفكرة رائعة، فالحوارات ممكن أن تكون فرصة لقطاع معتبَر من الرأي العام لم يصل إليهم، وقد لا يصل، صوت مرشح مغمور ولكن لديه ما يعلن عنه ويستحق أن يسمعه الناس. أعترف بدايةً بأنني وإنْ كنت غير مشارك في العملية الانتخابية الأميركية إلا أنني كنت دائماً شديد الحرص على متابعتها. منبع هذا الحرص الدور الذي لعبه في حياتي وحياة أمتي كل، وأؤكد على كل، مرشح أميركي فاز في الانتخابات وصار رئيساً. أذكر منهم أولهم روزفلت وخليفته ترومان وآخرهم ترمب.

ما بعد أوساكا... الاستعداد لعالم مختلف

حاولت قمم العشرين، منذ انطلاقها في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2007 أن تجيب عن 4 أسئلة؛ الأول، هل تفلح أميركا في وقف انحدار مكانتها وتراجع نفوذها الدولي، وماذا يمكن أن تفعله للتغطية على هذا الانحدار خلال مساعيها وقفه واستعادة مكانتها؟ يتعلق السؤال الثاني بصعود الصين. هل يستمر هذا الصعود متدرجاً بحيث تتاح الفرصة للغرب خاصة، والعالم بشكل عام، للتأقلم مع ثمار هذا الصعود ومشكلاته بهدوء ودون تقلبات خطيرة في عمل المؤسسات والأعراف الدولية السائدة؟

بوتين وترمب متفاهمان... ولكن إلى أي حد؟

أتفهم حال مشرعين أميركيين لم يحصلوا بعد من جهة أميركية مسؤولة على محاضر، أو حتى خلاصات وافية لمحاضر، ثلاثة لقاءات عقدها الرئيسان الأميركي والروسي على انفراد، خلال عام ونصف من ولاية الرئيس دونالد ترمب. أتفهم حال مشرعين وقادة رأي أميركيين، ولم أهتم بحال مشرعين وقادة رأي روس. فقد تعودنا كمراقبين أجانب، وتعودوا هم أنفسهم، وأقصد الروس، على أن يقول رئيس الكرملين في أي اجتماع مع رئيس لدولة أجنبية ما شاء له أن يقول، في غياب حسيب أو رقيب أو حتى ناصح أمين.

ترمب الذي لا يهدأ

أشك أن هذا الرجل يعرف ما يريد في النهاية من دولة حطّ بها. بدأ يكسر القائم فيها ثم فتّت الكسور قِطعاً صغيرة لا تتكامل أو تتجانس ثم فتتّها قبل أن يترك المكان إلى غيره. أكاد أكون واثقاً أن الرئيس دونالد ترمب، وله في البيت الأبيض أكثر من عام ونصف، لا يعرف على وجه اليقين شكل ومحتوى الاتفاق الذي يزمع التوصل إليه مع إيران بعد أن يصفّي الاتفاق النووي الذي توصل لعقده ممثل الرئيس أوباما وممثلو دول أخرى. أما بالنسبة إلى سوريا فقد أقام الشرق الأوسط وأقعده، تدخل عسكرياً وأممياً وسياسياً ثم خرج بوعد ألا تعود أميركا إلى سوريا ولا حتى بالاهتمام العادي.

السباق على القمة يحتدم

لن تكون سهلة رحلة الأيام المتبقية من مرحلة الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، قصرت هذه المرحلة أو طالت. سهل جداً أن نتهم ترمب بأنه الرئيس الأميركي الذي استطاع منذ يومه الأول في منصب الرئاسة أن يثير زوابع قلق ومشاعر شتى ومتناقضة في عديد القصور الرئاسية في مختلف أرجاء العالم. الصعب هو الثمن الذي سوف تدفعه أميركا والغرب عموماً للاستفادة من هذه الزوابع. ترمب يعرف هذا الأمر. يعرف أنه صنع تغييراً وفرضه ليس فقط داخل المجتمع الأميركي ولكن أيضاً على مستوى قمة العالم.