جميل مطر

جميل مطر
كاتب ومفكر مصري مهتم بقضايا الإصلاح والتحول الديمقراطي.

روسيا... دولة جوار أيضاً

كانت دولة عظمى. بنات وأبناء جيلي يذكرون كيف لعبت هذا الدور ومتى وتحت أي ظروف انتهى. أنا كواحد من أبناء هذا الجيل أذكر قرارها إخراج مصر من عباءة التسليح الغربي وإعلانها استعدادها تحمل هذه المسؤولية مع تبعاتها الخطيرة كاملة. أذكر رد فعل الشارع المصري عندما صدر تصريح القيادة السوفياتية الذي حمل التلميح بالتهديد باستعمال أخطر وأهم أسلحة تمتلكها هذه الدولة العظمى إذا لم يتوقف فوراً زحف قوات العدوان الثلاثي في الأراضي المصرية.

لوحة الشرق الأوسط: تجديد أم ابتكار؟

تعدد الرسامون، وفي ظني أن اللوحة في النهاية، أقصد قرب النهاية، سوف تأخذ ثلاث سمات؛ أولاها الجمع بين التجديد والابتكار، بمعنى أن الرسامين لم يكونوا غافلين وهم يرسمون عن ماضٍ متشبث يرفض أن يغادر، رغم التحسينات التي أدخلت عليه والتشوهات التي أصابته. ثاني سمات اللوحة التي طال انتظارنا لها، الصدق في رسم الواقع والاهتمام بالنيات بعد أن تكشف لنا أو انكشف أغلبها.

نحو فكر قديم جديد للتحرر من الغرب

كنا أربعة في غرفة واحدة بسفارة مصر في روما، في أوائل عقد الستينات. الأربعة بأعمار متقاربة، كلهم تحت الثلاثين. كنت الأصغر فيهم. اشتهرت الغرفة. ذاع صيتها حتى وصل إلى غرف قادة كبار في القاهرة. تقاربت أعمارنا، وكذلك أفكارنا، ولكن تنوعت أصولنا وخلفياتنا وشخصياتنا. طرحنا للنقاش قضايا لم يكن محبباً لدى المسؤولين الولوج فيها. خصصنا لكل قضية ساعة، وللقضايا الأكبر عطلة نهاية أسبوع على الساحل في أوستيا أو على الجبل حول المقر الصيفي لبابا الفاتيكان في كاستيل جاندوفلو.

تأملات في المرحلة القادمة من العلاقات الأميركية ـ الصينية

كبار السن من بيننا والمطلعون على تفاصيل مرحلة النشأة في تاريخ الحرب الباردة يذكرون فضل السفير جورج كينان. يتذكرون ولا شك مذكرته الدبلوماسية الشهيرة التي بعث بها من السفارة في موسكو إلى رؤسائه في واشنطن. أقول ولا شك لأنني لا أعرف مستنداً آخر في وثائق الدبلوماسية الأميركية حظي بمثل هذا الاهتمام، وربما التقديس، اللذين حظيت بهما هذه المذكرة على امتداد فترة الحرب الباردة. انتهت الحرب الباردة حين حققت المذكرة أهدافها وخرجت الولايات المتحدة منتصرة في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

مع «كورونا» وبعده!

أسئلة وأسئلة أخرى وأخرى ولا إجابة واحدة شافية. ننام على أسئلة ونستيقظ على اجتهادات. يهبط الليل بعباءته الكحلا فننام على الأسئلة نفسها وأسئلة استجدت. تتزاحم الأفكار وتختلط عند البعض بالكوابيس، ننهض في الصباح بطاقة أقل من طاقة نهضنا بها بالأمس، ولكن بأسئلة جديدة وشكوك أكثر في كل ما وصل إلينا خلال مرحلة «كورونا» من اجتهادات وإجابات. معذورون ولا شك. كنا جماعة بشرية تلقت حكماً باقتراب نهاية أعداد متزايدة من أفرادها.

الفيروس كسّار الغرور

كانت الأسابيع القليلة الماضية فرصة بديعة لمن كان في مثل حالي، حال من يريد أن يتأمل في هدوء ووقت كافٍ عالماً يتغير. عشت، كما عاش غيري، في تفاصيل عالم أشعر بأنني أفقده شيئاً فشيئاً. لا يعذبني احتمال فراقه، وإن باتت تقلقني الفوضى المصاحبة لرحيله. جربناه وكان سخياً في التجارب. أتحدث عن نفسي وعن علاقة بدأت مبكرة. أعرف كثيرين بدأوا علاقتهم به في الوقت ذاته، بعضهم قضاها على هامشها. لم يطّلعوا، ولو من بعيد على تفاصيل العالم الذي وُلدوا فيه ونشأوا. اكتفوا بالسعي لجني أرباح علاقتهم به.

لاحقهم الفشل وهزمهم الفيروس

يبدو أنني تأثرت أكثر مما يجب بما قرأت خلال الأيام القليلة الماضية. كنت قد نحيت جانباً ما كتبت وكتب أصدقاء وبينهم علماء سياسة وإعلاميون ومتخصصون، وكلنا أبناء أجيال أقدمها تمتد جذوره الفكرية إلى أعماق الفكر المناهض للاستعمار الغربي. عشنا نكتب متأثرين بما نشأنا عليه، وكذلك مدفوعين بالحرص على تبرئة ما نكتب من تهمة الانحياز ضد الغرب ومن تهمة أشد قسوة ألا وهي الانحياز للغرب. بالغنا أحياناً. بالغنا في تحميل الغرب مسؤولية كل ما جرى لنا منذ أن اشتبكنا معه وخرجنا منهزمين. وفي الوقت نفسه بالغ الغرب في رسم صور مستوحاة من رغباته وأطماعه عن شعوبنا وطرائق تفكيرنا وأساليب الحكم.

أيُّ مستقبل لنظام دولي منهزم؟

تكاد تُجمع التقارير الجادة وغير الجادة على أن الفيروس الفتاك سوف ينهار قريباً منهكاً ويرحل. هذه التقارير ذاتها أو ما شابهها يكاد يُجمع في الوقت ذاته على أن العالم سوف يخرج من معاركه مع الفيروس مثخن الجراح، والأهم أنه سوف يخرج منحني الرأس منكسر النفس ومنهزماً. سمعت تقديرات متنوعة للفترة اللازمة ليستعيد العالم معظم ثقته بنفسه ويشرع في تنفيذ خطته لبناء مستقبل، خطة تراعي تفادي الوقوع في أخطاء الفترة السابقة وفي نفس الوقت تقفز بالبشرية قفزتها العظمى نحو مرحلة استخدامات الذكاء الصناعي.

ترمب ورهان على الفيروس

أتابع الرئيس الأميركي منذ كان رئيساً لإحدى أهم شركات المقاولات ومهيمناً على حيوات ومستقبل عشرات، وربما مئات أو ألوف النساء والرجال الطامحين إلى التعرف على شخص يساعدهم على ولوج عوالم الفن والإعلام. هو نفسه تلقى دروساً في التمثيل وأدّاه فعلاً على شاشة تلفزيون الواقع. انتوى أن يكون رئيساً للبلاد. تعمقت النية عندما لاحظ كما لاحظنا أن أميركا تنحدر. ظهر انحدارها صريحاً في آسيا خاصة ثم في أوروبا والشرق الأوسط. انتبه إلى تهديد أشد. رأى الرأسمالية كما رأيناها وإنْ من بُعد أحياناً وبفجاجة معظم الوقت. رآها ورأيناها تعاني من عنف وقسوة ما أصابها. رأى ونرى ما أصاب الغرب كله منذ أواخر سنوات العولمة.

فوضى تُخرِّب... وفيروس يفتك... وعالم مرتبك

دقائق معدودة قضيتها مُنصتاً إلى الرئيس دونالد ترمب، عززت مخاوفي من مستقبل آتٍ في أجواء غير مناسبة. مستقبل يأتي مسبوقاً بجحافل من كائنات غير بشرية اخترقت الحدود الفاصلة بين عوالمها وعالمنا، وتمكنت في سرعة رهيبة من احتلال مواقع حيوية في دول عديدة، وتقف الآن ساخرة من مجتمعات بشرية تقتصد في غذائها لتغذي موازنات تسلح ولتمول حروباً. تسخر من قادة دول بعينها بسباقات لا جدوى من ورائها سوى الهيمنة. تسخر من انشغالهم بخلافات حول من يجوز له أن يمتلك أسلحة نووية ومن لا يجوز.