هاني نسيرة
من بين 470 ألف وثيقة من خزانة أسامة بن لادن، تخصه وتخص التنظيم، وتكشف الكثير من علاقاته، تبقى 19 صفحة منها لتؤكد علاقته المتينة بإيران، وتأثره الشديد في هذه العلاقة وغيرها بأفكار جماعة «الإخوان المسلمين» في تقديم الغاية على الوسيلة، وتجاوز الخلافات العقدية لصالح المصلحة السياسية، والتقدير الشديد المتبادل بينها وبين قادة إيران التي يشاركونها الهدف في الحرب على العدو القريب ممثلاً في الدول والحكومات العربية أو العدو البعيد ممثلاً في الولايات المتحدة والغرب. يتضح هذا التأثير الإخواني المنهجي الأكبر من سواه في عدم اعتناء بن لادن بالخلافات المذهبية والفقهية سواء في علاقته بإيران أو بحركة طالبان ذات
فقدت «داعش» بريقها وجاذبيتها بعد هزائمها المتتالية، في سوريا والعراق، وغدت طاردة بعد أن كانت دار هجرة، لتترك المقاتلين الأجانب فيها يبحثون عن ملاذ لهم بخيارات محدودة ومخاطر تظل محتملة، بعد أن كانت ملاذهم.
تبدو الأصوليات وآيديولوجيات التطرف العنيف تأويلات خارجة عن المستقر في وعي الأطر والمؤسسات القومية والدينية وما استقر من تراكم تاريخي وزمني في وعي الناس من حالات الصدام والتغالب في علاقتها بذاتها والعالم... لذا فهو غالباً يقطع شعورياً أو لا شعورياً مع التراث والتاريخ السالف وإن ظل جزءاً من هويته أو دعوته في الحق والعدل يرتكز عليه ويستنفر به قطع الخوارج الأُول مع مقام وتراث وفهم الصحابة والصدر الأول الذين عاصروهم، وتجرأوا على تكفير كبارهم وهم بين ظهرانيهم لم يرحلوا بعد.
من آن لآخر تتصاعد ظاهرة حضور النساء في «داعش» أو غيرها من جماعات التطرف العنيف، ليس آخرها ما أثير حول حسناء «داعش» الألمانية بنت الـ16 سنة عاماً التي دَعَتْها عبر الإنترنت داعشية أخرى، ثم سلمتها لزوجها المنتظر «أبو محمد» لتنتقل إلى تركيا، دون أن تقابله، ويتسلمها آخرون ليسلموها له داخل الحدود السورية، وبعد قليل يتركها ليُقتل في إحدى المعارك، وينتهي بها الحال حيث تُحاكَم الآن في العراق، في حين أن الأرملة البيضاء مغنية الراب البريطانية سالي جونز التي انضمت لـ«داعش»، قُتِلَت في يونيو (حزيران) الماضي بضربة «درون» أميركية على الحدود السورية - العراقية. نماذج وأمثلة طالعناها لنساء فاعلات من الإخوان
تغيرات سريعة على مشهد التطرف العنيف الراهن، مع «داعش» ثم مع أجنحته المتصارعة، ليس فقط على المستوى الميداني ولكن أيضاً على مستوى الرموز الفكرية والفقهية لتنظيمات التشدد العنيف، يختفي بعضهم تماماً، ويظهر بعض آخر، وتراجع دور شيوخه الكبار، كالمقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وأبو بصير الطرسوسي والظواهري وغيرهم. هناك سيولة في شتات الخطاب الفكري للتنظيمات المتطرفة من «القاعدة» لـ«داعش» لغيرها يمكن تحديد ملامحها فيما يلي من سمات: 1 - تراجع خطاب «القاعدة»، واتساع الشقة بين التنظيم وفكر «السلفية الجهادية» الذي انطلقت منه، فلم يعد كل منهما معبراً عن الآخر بشكل كامل. 2 - تحول «داعش» من مواجهة «القاعدة» و«السلف
لا يقف سرطان التطرف العنيف عند حد، بل هو نار تأكل نفسها بنفسها، وتأويلات تزداد كل يوما انحرافا عن الوسط والاعتدال، غارقة في آبار سحيقة من التكفير والغلو، وليس التيار الحازمي، الذي نحاول التعريف به ورموزه هنا إلا دلالة قوية على ذلك، كما سنوضح. كانت تهم الإرجاء والتجهم موجهة دائما من «القاعدة» و«داعش»، وقبلهما التيار الصحوي، والسروري، والقطبية، لصدور وإيمان المعتدلين من يتورعون عن التكفير، خصوصا تكفير المعين عذرا بالتأويل أو الجهل وغيرهما، إلا أنها صارت الآن سيفا مصلتاً من وجوه غلاة الغلاة التي تتهم دولة «داعش» - أعتى صور التطرف العنيف المعاصر - بالجهمية!
لا يظهر المتطرف تطرفه مرة واحدة، بل يحاول عبر أقنعة متعددة جذب وتجنيد مستهدفيه، وهكذا يطرح نفسه داعية رسالياً لإصلاح العالم والأمة، كما يطرح ما يؤمن به حلا خلاصيا موعودا لكل مشكلات الحياة الخاصة والعامة، ولكن بعض التأمل يكشف زيف وأزمات ما يدعو إليه.
تأتي الوقائع على عكس مضامين وأهداف الأضداد الأصولية وجماعات التطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، ففي النهاية المصلحة مقدمة على سواها.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة