من آن لآخر تتصاعد ظاهرة حضور النساء في «داعش» أو غيرها من جماعات التطرف العنيف، ليس آخرها ما أثير حول حسناء «داعش» الألمانية بنت الـ16 سنة عاماً التي دَعَتْها عبر الإنترنت داعشية أخرى، ثم سلمتها لزوجها المنتظر «أبو محمد» لتنتقل إلى تركيا، دون أن تقابله، ويتسلمها آخرون ليسلموها له داخل الحدود السورية، وبعد قليل يتركها ليُقتل في إحدى المعارك، وينتهي بها الحال حيث تُحاكَم الآن في العراق، في حين أن الأرملة البيضاء مغنية الراب البريطانية سالي جونز التي انضمت لـ«داعش»، قُتِلَت في يونيو (حزيران) الماضي بضربة «درون» أميركية على الحدود السورية - العراقية.
نماذج وأمثلة طالعناها لنساء فاعلات من الإخوان المسلمين وتنظيمات الجهاد القطرية إلى الجهادية المعولمة مع «القاعدة» وجماعات أنصار الشريعة إلى «داعش»، وثارت معها مع الأخيرة قصص كثيرة وملفات مثيرة مثل «جهاد النكاح»، وقد صدرت فتاوى من بعض منظري التطرف في ذلك، ولكن لا توجد وثائق تثبته حسب الكتاب الذي نعرض له.
من هذه النماذج نذكر «أم الرباب» أو هيلة القصير التي عُرِفَت بـ«سيدة القاعدة» وجمعت لتمويل الشبكة المتطرفة الملايين، ثم تراجعت عن أفكارها وانتمائها للتنظيم، حسب وسائل الإعلام بعد القبض عليها، إلى «أم هاجر»، وفاء الشهري، شاعرة «داعش» التي عُرِفت باسم «أحلام النصر» والتي ارتبطت عام 2014 بقيادي داعشي آخر هو أبو أسامة الغريب، وغيرهن كثيرات يطرحن أهمية دراسة علاقة النساء بالإرهاب، إلى الانتحارية ساجدة الريشاوي التي تم إعدامها في الأردن عام 2014 بعد القبض عليها وغيرهن كثيرات.
هذه النماذج التي تمثل الإرهاب النسائي هي ما دفعت لتأليف هذا الكتاب المهم - الذي نعرض له - الصادر أخيراً عن دار «مسكيليان» في تونس، لمؤلفتيه بالاشتراك؛ الدكتورة آمال قرامي ومنى العرفاوي، بعنوان «النساء والإرهاب: دراسة جندرية» في سبعة فصول، تناولت على الترتيب:
1- دراسات الإرهاب والجندرة.
2- جندرة القتال الجهاد / الإرهاب.
3- فتنة التنظيم أو في دواعي الانتماء.
4- أدوار الفتيات والنساء.
5- إرهابيات مغاربيات بورتريهات.. كتبته منية العرفاوي.
6- في علاقة الأسر بالإرهاب.
7- الإرهاب وتشكيل الهويات.
ونجح الكتاب في النبش عن مناطق مهملة ومسكوت عنها في مسار كثير من الإرهابيات التونسيات، لم يسبق التطرق لها كما تقول منية العرفاوي، وكذلك الكشف عن الخلفيات الشخصية والنفسية لإرهابيات مغاربيات كثيرات، وكذلك عن علاقة الأسرة بالإرهاب، حال انتماء عنصر فيها لجماعاته، وكذلك كشفت عن أدوار كثير من الفتيات والنساء في التنظيمات الإرهابية، حيث كانت بعضهن قائدة تحمل السلاح ولا تبالي بمولودها بين يديها مثل التونسية.
الإرهاب ومفهوم النوع
تسرد قرامي دوافعها للتأليف حول «النساء والإرهاب» بقولها إنه نادراً ما كان الحديث والدراسة لـ«أشكال حضور النساء في التنظيمات الإرهابية، والجماعات المتطرّفة، والحال أنّ مشاركة النساء والفتيات في الحروب والأنشطة الإرهابيّة باتت حقيقة لا مرية فيها. فهل للأمر صلة بثقافة الإنكار، والستر، والكتم؟ وهل يعود السبب إلى البنى الذهنية الصلبة؟»، وتضيف: «لقد حفَّزَنا هذا التمركز الذكوريّ، والعمى الجندري على تخصيص هذا المؤلف لدراسة علاقة الفتيات والنساء بالإرهاب، من منظور جندري لا سيما بعد انتباهنا إلى ارتفاع أعداد المنتسبات إلى الجماعات الإرهابيّة، والمتعاطفات مع الجماعات المتطرّفة، وإقدام عدد من المغاربيات على المشاركة في الأعمال الإرهابية تخطيطاً، وتنفيذاً يضاف إلى ذلك شدّ عدد من التونسيات الرحال إلى (بلاد الشامّ)».
ولأن المؤلفتين تونسيتان، وكانت الهجرة التونسية، ذكورية ونسائية، هي الأكبر لحلم الخلافة الداعشي الذي اندثر، فقد اهتمّا اهتماماً خاصّاً بواقع النساء في تنظيم أنصار الشريعة في تونس، خصوصاً أن المرأة فيه، كما تذكر منية العرفاوي، تبَوَّأَتْ مكانة خاصة خارج الإطار التقليدي أو النمط المعتاد في تنظيمات مشابهة.
من جانبها، ترى آمال قرامي أن المسألة لم تمثل ظاهرة بعد، رغم ارتفاع أعداد مشاركة النساء في الأعمال والتنظيمات الإرهابية، لكنها مرشّحة للارتفاع لأسباب متعدّدة. وبناء على هذا المعطى، بات إخضاع موضوع إقبال الفتيات والنساء على تبنّي التطرّف، والانتماء إلى الجماعات المتشدّدة للتمحيص مبرَّراً وضروريّاً، خصوصاً مع سهولة الدعوة والتجنيد عبر الإنترنت والمواقع التفاعلية.
تساءلت المؤلفتان، آمال قرامي ومنية العرفاوي، عن الأسباب التي تدفع فئات من الشابات والنساء من جميع بلدان العالم إلى الانتماء إلى الجماعات المتشدّدة، وعلى رأسها تنظيم داعش، والقبول بالتضحية بكلّ شيء في سبيل الالتحاق بـ«بلاد الشّام» وهذه الجماعات، لا سيما أن هذه الهجرة «الجهادية» النسائية تتناقض حسب مفاهيم الحداثة، مع حقوق المرأة حيث تؤسس تنظيمات كـ«داعش» لـ« لمجتمع بطريكي لا مكان فيه للمساواة والحريات، والمواطنة الكاملة... أفيكون سبب الافتتان الانبهار بقدرة هذا (التنظيم) على تحقيق ما وعد به، ونعني بذلك تحويل فكرة (الخلافة الإسلاميّة) إلى واقع مادي ومعيش، وإرساء مؤسسات تعبّر عن وجود (دولة)»؟
يطرح الكتاب التساؤلات حول انخراط نساء في أنشطة وتنظيمات إرهابية، غلب عليها تاريخيّاً الطابع الذكوري بالأساس، من قبيل هويّة الفتيات والنساء المنخرطات في العمل الإرهابي؟ وما مقوّمات الخطاب الذي تتوجّه به الجماعات المتشدّدة إلى الفتيات والنساء؟ وما الأدوار التي تضطلع بها الشابات والنساء داخل الجماعات الإرهابيّة؟ وكيف استطاعت هذه الجماعات أن تقنع الشابات والنساء من مختلف البيئات بضرورة الاضطلاع بأدوار مختلفة عن السائد في مجتمعاتهن؟
النساء وحلم «مجتمع الذكور»
ومن الإشكاليات التي يطرحها الكتاب التساؤل حول تصدّر التونسيات قائمة المتورّطات في قضايا الإرهاب في سوريا، رغم أنهن الأفضل حالاً عربياً، ومحميات بترسانة من الحقوق، فينجذبن إلى التطرّف، ويسهمن في دعم الجماعات المتشدّدة بل واحتلال منزلة الصدارة في قائمة أشهر الإرهابيات. ومما لا شك فيه أنّ هذا «اللغز» يُثير استياء، وغضب، واستغراب، واستنكار... البعض وفضول البعض الآخر.
وتؤكد قرامي في كتابها أن الكتاب يمثل الإرهابيات فقط!
بل قصد لإبراز علاقة الأمهات: أمهات الإرهابيين، وأمهات ضحايا الإرهاب، والزوجات، والشقيقات، والبنات كسبيل لكسر جدار الصمت، وتغيير عدسة البحث ذلك أنّ كلّ الندوات التي عقدت في تونس، ومصر، والمغرب، وغيرها من البلدان آثرت الاهتمام بمن تورّطن في قضايا الإرهاب وفي المقابل غضّت الطرف عن المشكلات التي تعانيها النساء اللواتي وجدن أنفسهن يتحمّلن تبعات تجارب عاشها الأبناء أو الأزواج.
3 فئات للنساء في التنظيم الإرهابي
تذكر منية العرفاوي أن النساء في تنظيم أنصار الشريعة ينقسمن إلى ثلاث فئات:
الأولى: زوجات أُرغِمْنَ دون اختيار على الخضوع والتسليم لأزواجهن القيادات في التنظيم.
الثانية: المقتنعات بالفكر المتطرف ممن سعين اختيارا للانتماء للتنظيم، ونشر أفكاره، مثل أسماء البخاري زعيمة مجموعة «شباو» الإرهابية التي نسيت مشاعر الأمومة، وجازفت بحياة طفليها، ورفضت الاستسلام وتبادلت إطلاق النار مع قوات الأمن، ولم تكتفِ بذلك (حسب العرفاوي)، بل كفرت زوجها وقائد المجموعة، وأصرت على القتال إلى آخر رصاصة.
الثالثة: المتعاطفات والمتحمسات للتنظيم وأفكاره.
وحسب العينة التي بحثتها الدراسة تتراوح أعمار المنتميات من النساء لتنظيم أنصار الشريعة بين 16 و35 سنة، ولاحظت الدراسة أن 90 في المائة ممن شملتهم العينة من النساء المهاجرات لتنظيم داعش وغيره كانت العاطفة وابتزاز المشاعر حافزاً رئيساً لهم، ولم يركزن أو يسألن أو يتساءلن عن تأصيل شرعي أو ما شابه، وهنا نذكر بحالة شبيهة ظهرت بعد ظهور الكتاب وهو حالة الفتاة الألمانية ذات الستة عشر ربيعاً، التي عُرِفَت بـ«حسناء داعش»، وتم القبض عليها بعد تحرير الموصل في العراق.
ولكن تستدرك العرفاوي أن بعض المنتميات لهذه التنظيمات كنَّ ضحية موجة التدين التي اكتسحت المجتمع التونسي خلال عامي 2011 و2012 وجذبت الكثيرات ممن كن يعانين أزمة هوية واغتراب من غير المتدينات أحياناً.
وتشير العرفاوي إلى أن الفقيرات أو الأميات لسن فقط هن الإرهابيات، بل من مستويات تعليمية واقتصادية مختلفة، وكانت النسبة الأكبر من العمليات الإرهابية خصوصاً بالمتعلمات، كما تشير العرفاوي إلى أنه لا توجد أي أدلة موثوقة على انتشار ما عُرِف بظاهرة «جهاد النكاح» الذي ذاع عن بعض التونسيات.
النساء في «داعش» غير «القاعدة»
وحسب منية العرفاوي، فإن وضعية النساء في «داعش» غيرها في «القاعدة» السابقة، فقد أجازت «داعش» جهاد النساء بالمال والجسد، فهاجرت مئات النساء إليها، وشكلن كتيبة للحسبة النسائية، وبلغن حسب تقارير دولية 1000 امرأة أغلبهن من الأجنبيات توزعن على عدد من الكتائب، مثل كتيبة «الخنساء» التي كانت من أشهر كتائب «داعش» وأشرسها حسب الكاتبة، وكذلك عدد من السرايا، مثل سرية «أم محمد» التي كانت تقودها باكستانية تسمى أقصى محمد، إلى جانب سرية «أم مقداد» التي تقودها سعودية، وسرية «أم الريان» التي كانت تقودها تونسية، وأغلب القيادات النسائية تزوجن من قادة عسكريين في «داعش».
ومما يقرأه الكتاب تفسير دور النساء في القتال في التراث والتاريخ الإسلامي، وقد حفرت آمال قرامي في تحقيق ذلك الكثير من الجهد، كما أشار الكتاب إلى أن نسبة الفرنسيات كانت الأكثر بين الداعشيات، كما يترجم لعدد كبير من النساء الإرهابيات، في التنظيمات المختلفة على السواء، وفي تحليل معمق لا يكتفي بالسرد التاريخي، بل يؤمن بتداخل المجالات والتخصصات ويستخدم منهجاً تكاملياً في التحليل يثري القارئ، ويضيف للباحث الكثير في هذا المبحث المهمل أو النادر.
ختاماً، نرى أن هذا الكتاب، لآمال قرامي ومنية العرفاوي، وبلغت صفحاته أكثر من خمسمائة صفحة، قد أضاف الكثير وسد فجوة واسعة بين الإرهاب والجندرة، وفي توجهات الإرهاب النسائي واحتمالات توسعه، والقدرة على فهمه وتحليله، وإن كنا نرى أن الظاهرة قديمة وكانت سمة واضحة منذ عهد الخوراج التي برزت فيها أسماء نساء كثيرات وتولى بعضهن قيادة الطائفة أحياناً.
كما نرى أن الفارق بين جاذبية «داعش» للنساء والمقاتلات عن «القاعدة»، كونها حقيقة كما كتبت قرامي أغرتهم بالدولة والمدينة الفاضلة والاستقرار على عكس «القاعدة»، التي لم تركز على فكرة «الدولة» وظلت في مرحلة الاستنزاف والإنهاك، ولم يكن فرقاً في جواز جهاد النساء من عدمه.