الحازميون... غلاة ما بعد «داعش»

النشأة والخطاب وأهم شيوخهم

«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
TT

الحازميون... غلاة ما بعد «داعش»

«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)

لا يقف سرطان التطرف العنيف عند حد، بل هو نار تأكل نفسها بنفسها، وتأويلات تزداد كل يوما انحرافا عن الوسط والاعتدال، غارقة في آبار سحيقة من التكفير والغلو، وليس التيار الحازمي، الذي نحاول التعريف به ورموزه هنا إلا دلالة قوية على ذلك، كما سنوضح.
كانت تهم الإرجاء والتجهم موجهة دائما من «القاعدة» و«داعش»، وقبلهما التيار الصحوي، والسروري، والقطبية، لصدور وإيمان المعتدلين من يتورعون عن التكفير، خصوصا تكفير المعين عذرا بالتأويل أو الجهل وغيرهما، إلا أنها صارت الآن سيفا مصلتاً من وجوه غلاة الغلاة التي تتهم دولة «داعش» - أعتى صور التطرف العنيف المعاصر - بالجهمية! ويكتب أحد أنصار التيار الحازمي في سبتمبر (أيلول) سنة 2015 واصفا إياها بـ«دولة التجهم والإرجاء».
ونشرت «النبأ» صحيفة «داعش» الخبرية في عددها رقم «85» الصادر في 14 يونيو (حزيران) من العام الحالي 2017 الموافق 20 رمضان سنة 1438 هجرية (الصفحة 12) عنوان «رموز لا أوثان» أشارت إليه في غلافها بصورتين للراحلين حسن البنا وعطية الله الليبي، ووصفهما كاتبه بقوله: «ولا يمكن حرص الأمثلة على (الرموز) التي امتدحها البعض، على ما علموا عنهم من خير وجهلوا عنهم من باطل وضلال، كحال رموز (الإخوان) المرتدين، مثل حسن البنا ورموز (القاعدة) كعطية الله الليبي وأبي مصعب السوري وغيرهم كثير من أئمة الضلال ورؤوس الفتنة» هكذا صار أئمة ومؤسسو وشيوخ الجماعات أئمة ضلال ورؤوس فتنة عند من خرجوا من عباءتهم، ويبدو أن الكاتب يميل ميلا «حازميا» إذ إن «داعش» لم تكفر عطية الله الليبي، بل رثاه البغدادي نفسه في بيان صوتي بعد مقتله في 22 أغسطس (آب) سنة 2011 بمنطقة وزيرستان الباكستانية، ووصفه بـ«العالم العامل المجاهد، صاحب العلم والوقار»، وقد حذر كاتبه في تلميح يكاد يكون صريحا إلى تقديس البغدادي والقيادات - دون ذكر - مؤكدا على ضرورة التخلص من قدسية الرجال قائلا: «فنحذر من ربط جماعة المسلمين بعقيدة شخص من الأشخاص أو سنته، مهما ظهر من صلاحه وتقواه، واتباعه للسنة، وبراءته من الشرك وأهله، ومهما كان له من فضل وجهاد وإمامة في الدين»، مما يشي ويدل مع علامات أخرى على أن التيار الحازمي يخترق إعلام «داعش» وخطابه، وليس مهمشا فيه، وأنه قد يرثه في فترة ما، لندخل مرحلة ما بعدها.
يعتبر «عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامي وتكفير من لم يكفره» أهم أصول وأفكار التيار الحازمي، وقد أسس لهذه الأفكار أحمد بن عمر الحازمي المعتقل حاليا، الذي تأثرت به مجموعة من التونسيين والمغاربة كان من أبرزهم أبو جعفر الحطاب عضو اللجنة الشرعية لجماعة أنصار الشريعة في تونس وأبو مصعب التونسي أحد قيادييه، وكذلك أبو عبد الله المغربي وغيرهم ممن انضموا لـ«داعش» بعد إعلان خلافته، وتولوا مناصب مهمة في لجانه الشرعية والإعلامية حينها، ولا يزال البعض على ما يبدو موجودا فيه.
نجح الحازميون في إقصاء كبير شرعيي «داعش» تركي البنعلي (المقتول هذا العام) عن صدارة مشهده النظري، واضطروه كما اضطروا غيره من شيوخ داعش وغيره قبل وفاته لكتابة ردود على أفكارهم وخطابهم في عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامي، كما كتبوا الردود كذلك عليه.
لقد بدأ بزوغ «التيار الحازمي» منذ أواسط عام 2014 بعد تكفير عدد من خطبائه لمخالفيهم، ومن لم يكفر الكافر من قيادات «داعش»، الذين دعوهم لتكفير شيوخهم السابقين في «القاعدة» وغيرهم من الجماعات المتطرفة، وتكفير من لم يكفر من يقبل بالقوانين الوضعية، مثل أيمن الظواهري وعطية الله الليبي وغيرهما من شيوخ «القاعدة». وكانت البداية إعلاميا باعتقال أبو عمر الكويتي (واسمه بالكامل حسين رضا لاري) في أغسطس (آب) 2014 ثم إعدامه في سبتمبر من العام نفسه، وأعقبه إعدام التونسي أبو جعفر الحطاب في 7 مارس (آذار) سنة 2015 وتم اعتقاله مع مجموعة أخرى من الحازميين في سبتمبر سنة 2014، كان أبرز المعتقلين حينها حسب بيان للحازميين في هذا التاريخ منشور على الشبكة العنكبوتية:
«أبو جعفر الحطاب»، «أبو مصعب التونسي»، «أبو أسيد المغربي»، «أبو الحوراء الجزائري»، «أبو خالد الشرقي»، «أبو عبد الله المغربي».
وقد كتب أحد أنصار التيار الحازمي بياناً في سبتمبر 2014، وقعه باسم «مصلحة التوحيد» وعنونه: «مناصرة الإخوة المأسورين في دولة الجهمية الكافرين»، في إشارة لـ«داعش» بعد أسر شيوخ هذا الفكر المذكورين واصفا دولة «داعش» بدولة الكفار الملاعين والتجهم قائلاً: «تجاوزت دولة البغي والتجهم مرحلة البيانات الكاذبة، إلى التحرك الميداني باختطاف المؤمنين من منازلهم، والزج بهم في غياهب السجون، لأجل تكفير المشركين، وصاحب ذلك ترويع نسائهم، وانعدام الأمن والأمان الذي كان يَحلم به كلُ موحد في ظل دولة البغدادي، وفعلوا كما يفعل الطواغيت المعاصرون تماماً»، هكذا كانت التجربة الفاشلة بجوار مزايدات التكفير ومتتابعة الغلو والخروج ملمحا واضحا في هذا البيان التراشقي بين الحازميين و«داعش».
رغم تعدد أسماء شيوخ ومنظري التيار الأكثر غلوا في «داعش» والجماعات المتطرفة العنيفة، فإنه اشتهر بنسبته لأحمد بن عمر الحازمي المعتقل حاليا، الذي اتسع تأثيره بالخصوص إلى تونس وبلدان المغرب العربي، ورغم اعتزاز الحازمي واهتمامه بالنحو واللغة، وتأثره بالفكر المدخلي في التصفية والتكفير، خصوصاً أن من شيوخه محمد الخضر الشنقيطي وأحد رموز المدخلية محمد علي آدم الإثيوبي، حسبما يرى الباحث المغربي عبد الغني مزوز في ورقة له عن «الصراع بين البنعلية والحازمية»، فإن القضية الرئيسية الواضحة في خطب وتسجيلات وموقع الحازمي على الشبكة العنكبوتية هي إلحاحه على «عدم العذر بالجهل»، وإيمانه بتكفير المعين والمخالف دون إعذار، وأيضاً تكفير من لم يكفره، ويهتم اهتماما خاصا بالتمييز في التوحيد وشرح كتبه، ويصرح في أحاديثه بمخالفته لأئمة كبار كالإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب في قولهم بالعذر بالجهل، كما يخالف غيرهما.
ونلاحظ أن الحازمي المهتم والمكرس تعلمه للغة أراد أن يتكلم في الفقه دون ضابط من تراثه ورغبة في تصفية التوحيد والموحدين كما يراهم وأتباعه، لا يدور خارج كلمة واحدة هو أن «الأصل في الناس الكفر»، كما نقل عنه بعض عارفيه، وأعلن أمام صحب له أنه «لا يصلى خلف أئمة المساجد»، ويؤكد أن كل من أتى كفرا فهو كافر، ولا عذر بجهل ولا تأويل! في ظاهرية حشوية تتجاهل كل تراث أصول الفقه والاعتقاد ومدوناتهما.
أما الثاني من أبرز ممثلي الحازميين فكان «أبو جعفر الحطاب»، وهو عضو اللجنة الشرعية السابق في جماعة «أنصار الشريعة» بتونس حتى 7 يونيو سنة 2013، حيث نشر في هذا التاريخ ردا على الأردني إياد قنيبي بخصوص فتوى «لأنصار الشريعة» في تونس بعدم جواز التعامل مع المحاكم، وأقسام الشرطة، وعلى تكفير عناصرها وعدم قبول العذر بالجهل في هذه المسائل، ثم انضم لدولة «داعش» وهاجر إليها، وصار من كبار شرعييها، حتى إعدامه في 7 مارس سنة 2016.
وقد نشر الحطاب رسالة صوتية بعنوان «الكواشف الجلية على أن العذر بالجهل عقيدة الأشاعرة والجهمية» وله كثير من الفيديوهات والدروس في التأكيد على تكفير المعين، وعدم العذر بالجهل، والرد على من انتقد ذلك خصوصاً من شيوخ «القاعدة» و«داعش»، وإن كان على العكس من أحمد الحازمي يحاول ربط ذلك بأئمة السلف اقتطافا من أقوالهم، بتأويل منحرف لكلياتهم وجزئياتهم، وله في ذلك محاضرة يصور فيها عدم عذر ابن تيمية في التكفير بالجهل، أو رفضه التأويل عذرا، أو قوله بتكفير المعين، وهو ما تنفيه نصوص ابن تيمية بالكلية، حيث ألح على ذلك في أكثر من موضع.
ومن أبرز منظري الحازميين أبو مصعب التونسي أيضاً الذي أعدم مع أبو جعفر الحطاب في مارس سنة 2016، وكان عضوا في أنصار الشريعة في تونس، ثم صار أحد قضاة «داعش» في منطقة الشرقية بسوريا، والذي صرح بتكفير الظواهري، لعدم تكفيره عوام الشيعة، فإما أن تكفر معهم أو تكون كافرا مرة واحدة!
كذلك، دخل الحازمية في صراع مع قادة «داعش» لإصرار الأول على تكفير كل مخالفيهم، ومن لم يكفر مخالفيهم، وتصدى لهم تركي البنعلي قبل رحيله، لكنه تم إقصاؤه مما يعني قوة الحازميين وتأثيرهم داخل «داعش»، وأتى بيان للجنة المفوضة في مايو (أيار) سنة 2017 أعلى لجنة قيادية في «داعش» يتصالح مع خطاب الحازميين؛ أن الأصل في الناس الكفر وأنهم يقولون بتكفير المعين، وهو ما رفضه البنعلي قبل رحيله بعد ذلك بأسابيع، مما يعني إمكانية ابتلاع الحازميين لـ«داعش» أيضاً. ختاماً يبدو أن التيار الحازمي الذي وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج، في تكفير كل من يخالفهم، سيبتلع «داعش» فكرا وخطابا ويؤكد نهايتها الآيدولوجية كما تحتضر ميدانيا، وليس ما تحمله نشرة «النبأ» من دعوات التوحد ودرء الفتنة والانشقاق كما في عددها 85 إلا دلالة أخرى على ذلك، وإقصاء كل شرعيي «داعش» الأولين واختفاء بعضهم تماما أو مقتله، يعطي فرصة أكبر لهذا التيار الأكثر تطرفا ولكنه على ما يبدو أقل خطرا وجاذبية من مجموعات وعناصر التطرف العنيف كما كان داعش في بداياته.
* مراجع إضافية:
1- انظر عبد الغني مزوز عن الصراع بين البنعلية والحازمية» منشور في «نون بوست» بتاريخ 27 يوليو (تموز) سنة 2017.
2- انظر حول موقف ابن تيمية من تكفير المعين كتابنا: «متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية»، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2015.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.