صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

الغريب أن يلتقي التنظيم ذو الأصل «الزرقاوي» مع عدوه التاريخي الذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)

تأتي الوقائع على عكس مضامين وأهداف الأضداد الأصولية وجماعات التطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، ففي النهاية المصلحة مقدمة على سواها. ورغم تكدس مفردات التوحد والتوحيد بين الفصائل المسلحة، كانت الحرب فيما بينها أبرز وقائعها، وكانت الزعامة والتغلب أعلى أهدافها، بل إن غريزة بقاء التنظيم وانتصار الكيان الميكافيلية أعمق عندها من الانتصار الآيديولوجي أو العقدي الذي ينتحر في سبيله العوام فقط.

بينما يحضر الآخر الطائفي مدنسّاً عند عوام وعناصر التطرف في الجهتين، لم يمنع الواقع وأكدت الوقائع إمكانية تقاربهما في تحقيق مصلحة مشتركة، هكذا التقت عناصر «القاعدة» المتورطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001 مع عناصر الحرس الثوري، وكانت إيران ملاذاً آمناً لعناصرها، وتم تدريب بعض طلائعها المقاتلة على يد عناصر «حزب الله» وقائدها الراحل عماد مغنية، كما أثبتت وثائق وتقرير سبتمبر فيما بعد.
لكن الغريب أن تلتقي «داعش»، ذات الأصل الزرقاوي وتتفق مع حزب الله، عدوها التاريخي، والذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه الإيراني والداعم الأهم لبقاء النظام السوري، وبرعاية الأخير، كما شهدنا في اتفاقية - أو صفقة - «حزب الله» الأخيرة - مع عناصر «داعش»، أواخر أغسطس (آب) الماضي.
ولكن إذا استحضرنا أن الزرقاوي نفسه بعد حرب أفغانستان وفراره من هيرات أقام عامين في إيران، كما ذكر سيف العدل القائد العسكري لـ«القاعدة» في سيرته وترجمته فيما بعد، وأن كثيرين غيره كذلك كان ملاذهم فيها، كما كانت وصايا بن لادن تتوالى توصي بإيران خيراً، وبعدم استهدافها لأسباب مختلفة، وليس فقط بسبب لواذ ولجوء عشرات الأسر لعناصر «القاعدة» بها، كما أثبتت وثائق أبوت آباد التي وُجدت في بيته، لبدا الأمر ممكناً ومحتملاً باستمرار.
ونرى احتمالية التلاقي بين «داعش» و«الجهاديات الإيرانية» قائمة دائماً، - كون الأخيرة تابعة نظام ودولة الولي الفقيه تستهدف مصالحها وحماية حلفائها وأوليائها، هكذا فعل «حزب الله» في الاتفاق الأخير، وقبل الأسد ويسمح دائماً باتفاق منفرد لـ«حزب الله» مع «داعش» طالما أوجبت المصلحة ذلك، خصوصاً أن داعش في موقف ضعف بعد انهيار دولتها وسطوتها، ولكن في السابق - ووفق ما توجبه المصلحة أيضاً - ترك الأسد لها معسكر الطبقة حراً، كما ترك لها كثيراً من المدن ومخازن السلاح دون أن يلقي بالاً لغير نظامه وبقائه في سوريا، أو مخاطر قوتها على دول الجوار له، وفي السابق وبعد تحرير العراق من نظام صدام حسين سنة 2003 كانت الحدود السورية دائماً موئلاً ومورداً رئيسياً للمتطرفين من مختلف أنحاء العالم للدخول للعراق، وقد ثارت ثائرة المدن الشيعية مرات كثيرة تهتف بسقوط الإرهاب والنظام السوري الذي يدعمه وييسر له الطريق، كما كان في أحداث الحلة سنة 2008.

صفقة خطيرة وردود فعل غاضبة
أثار اتفاق «حزب الله» و«داعش» يوم السبت 26 أغسطس الماضي كثيراً من الأسئلة والهواجس، حيث التقى الشتيتان الأصوليان بعد الظن «كل الظن ألا تلاقيا»، واستثار هذا الاتفاق الكثير من الرفقاء والحلفاء لكل طرف، خصوصاً «حزب الله»، الطرف الأقوى في معادلته بعد تراجع «داعش»، ولكن كونه تم تحت رعاية نظام بشار الأسد، الذي ذكر أنه يوافق على مثل هذا من «حزب الله»، وأنه لا مانع لديه متى أراد الحزب - الذراع اللبنانية لنظام الولي الفقيه - لكنه لا يقبله من الجيش اللبناني إلا بعد الاستئذان وطلب ذلك، كما جاء في تصريحات للسيد حسن نصر الأمين العام لـ«حزب الله» يوم 1 سبتمبر (أيلول) الحالي، نشرتها وكالة «إرنا» الإيرانية وإعلام الحزب.
وقد كشف «حزب الله» وذراعه الإعلامية يوم الأحد 27 أغسطس الماضي أنه سيتم نقل قافلة مسلحي «داعش» ستنسحب من الحدود اللبنانية - السورية إلى مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، عبر اتفاق بين الطرفين السبت 26 أغسطس، وافقت عليه دمشق. وقال الإعلام المركزي الحربي في بيان أمس، إن المنطقة التي ستتوجه إليها قافلة مسلحي «داعش» وعائلاتهم هي مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، بحسب ما تم الاتفاق عليه.
تساءل البعض عن صمت مرجعية النجف وعدم إدانة اتفاق «حزب الله» و«داعش» على نقل عناصر «داعش» من الجرود اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، التي تمتد لأكثر من ستمائة كيلومتر، وتهدد عودة عناصر «داعش» إليها عودة خطرها من جديد رغم الانتصارات الأخيرة التي حققها التحالف والجيش العراقي في نينوى وتلعفر وغيرها، ولكن يبدو أن المرجعية واعية بالهدف الإيراني الذي يعمل لمصلحة الأسد، ولم يشغله صالح العراق طويلاً. تصاعد الرفض العراقي الرسمي ممثلاً في تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء 29 أغسطس الماضي، وكذلك الكتل السياسية العراقية المختلفة لرفض اتفاق «حزب الله» و«داعش» برعاية النظام السوري، الذي يقضي بنقل عناصر التنظيم من الحدود اللبنانية السورية إلى الحدود العراقية السورية، مهد الطريق لكثير من الانتقادات التي تصاعدت، مناشدة العبادي رفض الصفقة والمطالبة بإلغائها.
حذر سليم الجبوري رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء 30 أغسطس من العودة إلى المربع الأول والتنكر لـ«دماء الشهداء»، مؤكداً رفضه لأي اتفاق من شأنه أن يعيد تنظيم داعش إلى العراق أو يقربه من حدوده، وأضاف أن العراق لن يدفع ضريبة اتفاقات أو توافقات تمس أمنه واستقراره. ودعا الحكومة الاتحادية لاتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل مواجهة تداعيات هذه الصفقة.كما وجه لجنة الأمن والدفاع بالتحرك السريع لتقصي الحقائق وتقديم تقرير مفصل يوضح لمجلس النواب تداعيات الاتفاق المبرم بين «حزب الله» وتنظيم داعش الإرهابي، وانعكاساته على أمن واستقرار البلد. يُذكَر أن وصول المزيد من عناصر «داعش» إلى منطقة دير الزور بعد نقلهم من الجرود اللبنانية بالاتفاق مع حزب الله، سيسمح لتنظيم داعش بإعادة ترتيب صفوفه في المحافظة الاستراتيجية وقد تخول له شن هجمات انتقامية ضد العراق انطلاقاً من سوريا، خصوصاً أن المسافة من مركز دير الزور إلى الأراضي العراقية هي نحو مائة كيلومتر فقط.

تناقضات المواقف
ما فعله السيد نصر الله و«حزب الله» في صفقته مع «داعش»، أواخر أغطس الماضي، من السماح بنقل قافلة من مسلحي «داعش» لمدينة البوكمال السورية على الحدود السورية العراقية، هو ما رفضه أمين عام الحزب قبل شهور من القوات العراقية حين شرعت في حربها لتحرير الموصل خوفاً منه لانتقال مسلحي «داعش» للمنطقة الشرقية في سوريا.
فقد خطب أمين عام «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصر، بعد تقدم الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي نحو الموصل، وقبل انتهاء المعركة، حيث خطب أمين عام «حزب الله» في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي (2016) ناصحاً العراقيين برفض ما سماه «الصفقة الأميركية»، وطرد عناصر وفلول داعش إلى الداخل السوري، محذراً العراقيين جميعاً مما فعله بعد ذلك.
ففي خطبته المذكورة ذكر السيد نصر ضرورة الحذر من عودة «داعش» إلى سوريا، حال تقدم العراقيون وانتصروا في الموصل، مما يكرره دائماً، وفي مواقف متناقضة من عدم الانصياع للخداع الأميركي في ترك مقاتلي «داعش» يتكتلون في المنطقة الشرقية في سوريا، ومعتبراً ذلك ضد صالح العراقيين والسوريين على السواء.
حذر نصر الله في خطابه المذكور من ذلك قائلا: «إنه سيضيع انتصاركم في الموصل، الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب (داعش)، وأن يُعتَقَل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون ويحاكموا محاكمة عادلة، لا أن يُفتح لهم الطريق إلى سوريا، لأن وجودهم في سوريا سيشكل خطراً كبيراً على العراق قبل كل شيء»، لكن هذا الإصرار حين تعلق الأمر بمصلحته وصالحه وصالح نظام بشار الأسد كان ممكناً، كما عبَّرَت عنه صفقة «حزب الله» الأخيرة مع «داعش» في الجرود التي وقعت في أغسطس الماضي.
كانت تحفظات السيد نصر الله على إجراء مثل هذا، والتحذير الاستباقي منه، قائمة على سببين رئيسيين، هما ما يثير المتحفظين على اتفاقه الأخير، الذي يقضي باقتراب فلول «داعش» ومسلحيه من الحدود العراقية من جديد، هما كما يلي:
أولاً: أن (داعش) سيستغل وجوده العسكري والأمني في المنطقة الشرقية في سوريا (يعني على الحدود الغربية للعراق)، لتنفيذ عمليات أمنية وإرهابية وانتحارية حيث تصل أيديه في داخل العراق، وبالتالي سيضطر الجيش العراقي للدخول لهذه المنطقة.
ثانيا: في تحذيره السابق في أكتوبر سنة 2016 حذر السيد نصر الله من عودة داعش للعراق حال نقل مسلحوها للمنطقة الشرقية في سوريا، وأنها في هذه الحالة «سوف تحشد لتعود من جديد إلى العراق، أساساً قبل سنوات عندما كانت الأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى الموصل في يد الحكومة العراقية، من أين دخلتها (داعش)؟ دخلتها من الرقة، من دير الزور، من المنطقة الشرقية في سوريا».
وهذه النقطة التي ذكرها السيد نصر الله مغالطة غير صحيحة تاريخياً؛ فـ«داعش» انطلق من العراق بعد فض الاعتصام الأمني بالقوة في عهد نوري المالكي، ووجد فرصته وقوته التي انطلق بها إلى سوريا، مما خلفته قوات المالكي وراءها من أسلحة وذخائر، فالعراق كان منطلقه وقوته وصحوته، بينما ظلت الجبهة السورية مشتعلة من حوله، سواء ضد الجبهات المسلحة الأخرى، أو قوى النظام والقوات الموالية له، ولكن الرجل على ما يبدو ينسى كلامه أو يتناساه، ولكن تبقى دائماً في خطاباته ومبرراته شماعة المؤامرة و«الشيطان الأكبر» أو «الخداع الأميركي» كما يسميه.
ختاماً، تكشف صفقة «حزب الله»... «داعش» أن مصلحة النظام السوري في الأجندة الإيرانية مقدمة على سواه ولو كان النظام والشعب العراقي، الذي تكبد الكثير في معاركه ضد «داعش» خلال الشهور الأخيرة، وأن إيران الدولة التي تحتفظ بعشرات الجماعات ومجموعات التطرف العنيف - أحزاب الله الموالية لها - للدفاع عن هويتها ودورها لن ترتدع استثناء بين دول العالم والمنطقة أن تتفق مع جماعات كـ«داعش» أو «القاعدة» في السابق متى استوجبت المصلحة والضرورة ذلك.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.