صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

الغريب أن يلتقي التنظيم ذو الأصل «الزرقاوي» مع عدوه التاريخي الذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)

تأتي الوقائع على عكس مضامين وأهداف الأضداد الأصولية وجماعات التطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، ففي النهاية المصلحة مقدمة على سواها. ورغم تكدس مفردات التوحد والتوحيد بين الفصائل المسلحة، كانت الحرب فيما بينها أبرز وقائعها، وكانت الزعامة والتغلب أعلى أهدافها، بل إن غريزة بقاء التنظيم وانتصار الكيان الميكافيلية أعمق عندها من الانتصار الآيديولوجي أو العقدي الذي ينتحر في سبيله العوام فقط.

بينما يحضر الآخر الطائفي مدنسّاً عند عوام وعناصر التطرف في الجهتين، لم يمنع الواقع وأكدت الوقائع إمكانية تقاربهما في تحقيق مصلحة مشتركة، هكذا التقت عناصر «القاعدة» المتورطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001 مع عناصر الحرس الثوري، وكانت إيران ملاذاً آمناً لعناصرها، وتم تدريب بعض طلائعها المقاتلة على يد عناصر «حزب الله» وقائدها الراحل عماد مغنية، كما أثبتت وثائق وتقرير سبتمبر فيما بعد.
لكن الغريب أن تلتقي «داعش»، ذات الأصل الزرقاوي وتتفق مع حزب الله، عدوها التاريخي، والذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه الإيراني والداعم الأهم لبقاء النظام السوري، وبرعاية الأخير، كما شهدنا في اتفاقية - أو صفقة - «حزب الله» الأخيرة - مع عناصر «داعش»، أواخر أغسطس (آب) الماضي.
ولكن إذا استحضرنا أن الزرقاوي نفسه بعد حرب أفغانستان وفراره من هيرات أقام عامين في إيران، كما ذكر سيف العدل القائد العسكري لـ«القاعدة» في سيرته وترجمته فيما بعد، وأن كثيرين غيره كذلك كان ملاذهم فيها، كما كانت وصايا بن لادن تتوالى توصي بإيران خيراً، وبعدم استهدافها لأسباب مختلفة، وليس فقط بسبب لواذ ولجوء عشرات الأسر لعناصر «القاعدة» بها، كما أثبتت وثائق أبوت آباد التي وُجدت في بيته، لبدا الأمر ممكناً ومحتملاً باستمرار.
ونرى احتمالية التلاقي بين «داعش» و«الجهاديات الإيرانية» قائمة دائماً، - كون الأخيرة تابعة نظام ودولة الولي الفقيه تستهدف مصالحها وحماية حلفائها وأوليائها، هكذا فعل «حزب الله» في الاتفاق الأخير، وقبل الأسد ويسمح دائماً باتفاق منفرد لـ«حزب الله» مع «داعش» طالما أوجبت المصلحة ذلك، خصوصاً أن داعش في موقف ضعف بعد انهيار دولتها وسطوتها، ولكن في السابق - ووفق ما توجبه المصلحة أيضاً - ترك الأسد لها معسكر الطبقة حراً، كما ترك لها كثيراً من المدن ومخازن السلاح دون أن يلقي بالاً لغير نظامه وبقائه في سوريا، أو مخاطر قوتها على دول الجوار له، وفي السابق وبعد تحرير العراق من نظام صدام حسين سنة 2003 كانت الحدود السورية دائماً موئلاً ومورداً رئيسياً للمتطرفين من مختلف أنحاء العالم للدخول للعراق، وقد ثارت ثائرة المدن الشيعية مرات كثيرة تهتف بسقوط الإرهاب والنظام السوري الذي يدعمه وييسر له الطريق، كما كان في أحداث الحلة سنة 2008.

صفقة خطيرة وردود فعل غاضبة
أثار اتفاق «حزب الله» و«داعش» يوم السبت 26 أغسطس الماضي كثيراً من الأسئلة والهواجس، حيث التقى الشتيتان الأصوليان بعد الظن «كل الظن ألا تلاقيا»، واستثار هذا الاتفاق الكثير من الرفقاء والحلفاء لكل طرف، خصوصاً «حزب الله»، الطرف الأقوى في معادلته بعد تراجع «داعش»، ولكن كونه تم تحت رعاية نظام بشار الأسد، الذي ذكر أنه يوافق على مثل هذا من «حزب الله»، وأنه لا مانع لديه متى أراد الحزب - الذراع اللبنانية لنظام الولي الفقيه - لكنه لا يقبله من الجيش اللبناني إلا بعد الاستئذان وطلب ذلك، كما جاء في تصريحات للسيد حسن نصر الأمين العام لـ«حزب الله» يوم 1 سبتمبر (أيلول) الحالي، نشرتها وكالة «إرنا» الإيرانية وإعلام الحزب.
وقد كشف «حزب الله» وذراعه الإعلامية يوم الأحد 27 أغسطس الماضي أنه سيتم نقل قافلة مسلحي «داعش» ستنسحب من الحدود اللبنانية - السورية إلى مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، عبر اتفاق بين الطرفين السبت 26 أغسطس، وافقت عليه دمشق. وقال الإعلام المركزي الحربي في بيان أمس، إن المنطقة التي ستتوجه إليها قافلة مسلحي «داعش» وعائلاتهم هي مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، بحسب ما تم الاتفاق عليه.
تساءل البعض عن صمت مرجعية النجف وعدم إدانة اتفاق «حزب الله» و«داعش» على نقل عناصر «داعش» من الجرود اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، التي تمتد لأكثر من ستمائة كيلومتر، وتهدد عودة عناصر «داعش» إليها عودة خطرها من جديد رغم الانتصارات الأخيرة التي حققها التحالف والجيش العراقي في نينوى وتلعفر وغيرها، ولكن يبدو أن المرجعية واعية بالهدف الإيراني الذي يعمل لمصلحة الأسد، ولم يشغله صالح العراق طويلاً. تصاعد الرفض العراقي الرسمي ممثلاً في تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء 29 أغسطس الماضي، وكذلك الكتل السياسية العراقية المختلفة لرفض اتفاق «حزب الله» و«داعش» برعاية النظام السوري، الذي يقضي بنقل عناصر التنظيم من الحدود اللبنانية السورية إلى الحدود العراقية السورية، مهد الطريق لكثير من الانتقادات التي تصاعدت، مناشدة العبادي رفض الصفقة والمطالبة بإلغائها.
حذر سليم الجبوري رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء 30 أغسطس من العودة إلى المربع الأول والتنكر لـ«دماء الشهداء»، مؤكداً رفضه لأي اتفاق من شأنه أن يعيد تنظيم داعش إلى العراق أو يقربه من حدوده، وأضاف أن العراق لن يدفع ضريبة اتفاقات أو توافقات تمس أمنه واستقراره. ودعا الحكومة الاتحادية لاتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل مواجهة تداعيات هذه الصفقة.كما وجه لجنة الأمن والدفاع بالتحرك السريع لتقصي الحقائق وتقديم تقرير مفصل يوضح لمجلس النواب تداعيات الاتفاق المبرم بين «حزب الله» وتنظيم داعش الإرهابي، وانعكاساته على أمن واستقرار البلد. يُذكَر أن وصول المزيد من عناصر «داعش» إلى منطقة دير الزور بعد نقلهم من الجرود اللبنانية بالاتفاق مع حزب الله، سيسمح لتنظيم داعش بإعادة ترتيب صفوفه في المحافظة الاستراتيجية وقد تخول له شن هجمات انتقامية ضد العراق انطلاقاً من سوريا، خصوصاً أن المسافة من مركز دير الزور إلى الأراضي العراقية هي نحو مائة كيلومتر فقط.

تناقضات المواقف
ما فعله السيد نصر الله و«حزب الله» في صفقته مع «داعش»، أواخر أغطس الماضي، من السماح بنقل قافلة من مسلحي «داعش» لمدينة البوكمال السورية على الحدود السورية العراقية، هو ما رفضه أمين عام الحزب قبل شهور من القوات العراقية حين شرعت في حربها لتحرير الموصل خوفاً منه لانتقال مسلحي «داعش» للمنطقة الشرقية في سوريا.
فقد خطب أمين عام «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصر، بعد تقدم الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي نحو الموصل، وقبل انتهاء المعركة، حيث خطب أمين عام «حزب الله» في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي (2016) ناصحاً العراقيين برفض ما سماه «الصفقة الأميركية»، وطرد عناصر وفلول داعش إلى الداخل السوري، محذراً العراقيين جميعاً مما فعله بعد ذلك.
ففي خطبته المذكورة ذكر السيد نصر ضرورة الحذر من عودة «داعش» إلى سوريا، حال تقدم العراقيون وانتصروا في الموصل، مما يكرره دائماً، وفي مواقف متناقضة من عدم الانصياع للخداع الأميركي في ترك مقاتلي «داعش» يتكتلون في المنطقة الشرقية في سوريا، ومعتبراً ذلك ضد صالح العراقيين والسوريين على السواء.
حذر نصر الله في خطابه المذكور من ذلك قائلا: «إنه سيضيع انتصاركم في الموصل، الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب (داعش)، وأن يُعتَقَل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون ويحاكموا محاكمة عادلة، لا أن يُفتح لهم الطريق إلى سوريا، لأن وجودهم في سوريا سيشكل خطراً كبيراً على العراق قبل كل شيء»، لكن هذا الإصرار حين تعلق الأمر بمصلحته وصالحه وصالح نظام بشار الأسد كان ممكناً، كما عبَّرَت عنه صفقة «حزب الله» الأخيرة مع «داعش» في الجرود التي وقعت في أغسطس الماضي.
كانت تحفظات السيد نصر الله على إجراء مثل هذا، والتحذير الاستباقي منه، قائمة على سببين رئيسيين، هما ما يثير المتحفظين على اتفاقه الأخير، الذي يقضي باقتراب فلول «داعش» ومسلحيه من الحدود العراقية من جديد، هما كما يلي:
أولاً: أن (داعش) سيستغل وجوده العسكري والأمني في المنطقة الشرقية في سوريا (يعني على الحدود الغربية للعراق)، لتنفيذ عمليات أمنية وإرهابية وانتحارية حيث تصل أيديه في داخل العراق، وبالتالي سيضطر الجيش العراقي للدخول لهذه المنطقة.
ثانيا: في تحذيره السابق في أكتوبر سنة 2016 حذر السيد نصر الله من عودة داعش للعراق حال نقل مسلحوها للمنطقة الشرقية في سوريا، وأنها في هذه الحالة «سوف تحشد لتعود من جديد إلى العراق، أساساً قبل سنوات عندما كانت الأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى الموصل في يد الحكومة العراقية، من أين دخلتها (داعش)؟ دخلتها من الرقة، من دير الزور، من المنطقة الشرقية في سوريا».
وهذه النقطة التي ذكرها السيد نصر الله مغالطة غير صحيحة تاريخياً؛ فـ«داعش» انطلق من العراق بعد فض الاعتصام الأمني بالقوة في عهد نوري المالكي، ووجد فرصته وقوته التي انطلق بها إلى سوريا، مما خلفته قوات المالكي وراءها من أسلحة وذخائر، فالعراق كان منطلقه وقوته وصحوته، بينما ظلت الجبهة السورية مشتعلة من حوله، سواء ضد الجبهات المسلحة الأخرى، أو قوى النظام والقوات الموالية له، ولكن الرجل على ما يبدو ينسى كلامه أو يتناساه، ولكن تبقى دائماً في خطاباته ومبرراته شماعة المؤامرة و«الشيطان الأكبر» أو «الخداع الأميركي» كما يسميه.
ختاماً، تكشف صفقة «حزب الله»... «داعش» أن مصلحة النظام السوري في الأجندة الإيرانية مقدمة على سواه ولو كان النظام والشعب العراقي، الذي تكبد الكثير في معاركه ضد «داعش» خلال الشهور الأخيرة، وأن إيران الدولة التي تحتفظ بعشرات الجماعات ومجموعات التطرف العنيف - أحزاب الله الموالية لها - للدفاع عن هويتها ودورها لن ترتدع استثناء بين دول العالم والمنطقة أن تتفق مع جماعات كـ«داعش» أو «القاعدة» في السابق متى استوجبت المصلحة والضرورة ذلك.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».