عزت القمحاوي
من عنوانه يبدو كتاب الأرجنتيني ريكاردو بيجيليا «القارئ الأخير» نصاً آخر حول القراءة التي باتت باباً جذاباً من التأليف، لكنه أوسع من ذلك. هو في الحقيقة عن الكتابة، عن ماهية الأدب، يتوقف فيه مطولاً أمام نصوص تولستوي، وجيمس جويس، وكافكا، وإدغار آلان بو، وسرفانتيس بالطبع. وضمن هذه الوقفات المطولة، يستشهد بكثير من النصوص الأخرى.
بخلاف الكثير من الدراسات التي تناولت أعمال نجيب محفوظ ينطلق سيد الوكيل في كتابه «مقامات في حضرة المحترم» من رغبة في فهم ذاته بوصفه كاتباً. متى وجد صوته الخاص، متى بدأ إحساسه بهم وجودي يخصه ويأخذه في طرقه الخاصة ويُخلِّصه من السير في طرق كبار أحبهم في بداياته، من هذه الرغبة الأساسية تأتي أهمية هذه القراءة الجديدة في إبداع عميد الرواية العربية. يُقسِّم الكاتب دراسته الصادرة عن دار بتَّانة بالقاهرة إلى ثلاثة أبواب: مقام الأسرار، مقام الكمال، مقام الوصل.
يحلو للنقد أن يمنح بعض الروائيين لقب «الكاتب الساخر»، استناداً إلى ما يبدو في أعمالهم من ملامح سخرية أو مزاح.
قدرة نجيب محفوظ على التكتم استثنائية، حتى أنه لم يُقدم على كتابة مذكرات، وبحسه الساخر أراد أن يلاعب هواة التلصص؛ فقال مبرراً عدم حماسه لكتابة سيرة إنه كتب كل شيء في الروايات بينما كنت أقطع قرن فلفل أحمر متفاخرٍ بانسياب جسمه وورقتين تزينان عنقه كشارب أبي الفوارس عنترة، جزعت فجأة، إذ تذكرت في اللحظة ذاتها ما قالته سيدة هندية لابنها عندما كانت تُعلِّمه مهنة الطبخ وتُبصِّره بتبعاتها: لكي تطبخ، يجب أن تتحمل تبعات أن تكون قاتلاً. إنك تقبض أرواحاً لكي تصنع منها شبحاً.
لطالما كان موضوع الهوية سؤالاً لروايات الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي، قبل أن تتناوله في دراسات أكاديمية. وقد أصدرت من قبل كتابين؛ «محرمات قبلية... المقدس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائياً»، و«الأنثى المقدسة...
منذ القدم، كان الوعي بأن متلقي الأدب ليس صفحة بيضاء تستقبل النص، نجد ذلك الوعي عند العرب من عصر ما قبل الإسلام، كما نجده عند فلاسفة اليونان. وعلى الشراكة بين الكاتب والقارئ يقوم عمل مؤسس علم البلاغة عبد القاهر الجرجاني؛ حيث يعتبر المزية والفضل للكلام إذا احتمل وجهاً آخر غير الوجه الظاهر الذي جاء عليه.
«فنتاستيك!» هتف صوت نسائي مبتهج. كان الصوت عالياً، جعلني أنظر دون إرادة مني إلى الطاولة عن يساري، حيث تتذوق سيدة ملعقة من حساء باستمتاع. كانت واحدة من أربعة. تبعها الآخرون في تذوق أطباقهم دون أن يهتفوا. بعد لحظات مرَّ نادل يحمل على لوح من الخشب المزيد من أطباق الشُوربة ذاتها يوزعها بالترتيب على الموائد. خفت أن أكون دخلت بالخطأ مقصفاً تابعاً لدير يوزع هذا الطبق الوحيد إحساناً. عندما جاءني نادل ليأخذ طلباتي سألته عن الطبق الموحد على كل الموائد، قال: شُوربة بيض.
يشكو ميلان كونديرا في كتابه «الستارة» من إهمال بلاده عند الحديث عن رواد التجديد الأدبي الأوروبي، ويعتبر أن هذا الظلم الأدبي ينسجم مع الظلم السياسي الأوروبي، عندما تفاوض الأربعة الكبار بشأن «بلد صغير» أنكروا عليه حق الكلام، حيث انتظر دبلوماسيان تشيكيان النتيجة طوال الليل في غرفة منفصلة. وفي الصباح اقتيدا عبر ممرات طويلة إلى رئيسي الوزراء البريطاني تشامبرلين والفرنسي دالادييه المتعبين، اللذين أخبراهما، وهما يتثاءبان نتيجة التفاوض، وهي التضحية ببلادهما، وبلغة كونديرا: أبلغاهما حكماً بالموت، على بلد بعيد تعرف عنه أوروبا القليل.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة