موسكو تتحفظ على قرار السعودية الدفع بقوات برية إلى سوريا

تستعد لمواجهة تركيا التي هي أحد أعضاء حلف الناتو

موسكو تتحفظ على قرار السعودية الدفع بقوات برية إلى سوريا
TT

موسكو تتحفظ على قرار السعودية الدفع بقوات برية إلى سوريا

موسكو تتحفظ على قرار السعودية الدفع بقوات برية إلى سوريا

كشف عدد من الصحف الروسية الصادر أمس عن الأسباب الحقيقية للمناورات المفاجئة التي أعلنت عنها موسكو فجر أول من أمس، لقوات المنطقة العسكرية الجنوبية في المناطق القريبة من تركيا والشرق الأوسط.
وقالت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» (الصحيفة المستقلة) إن المناورات المفاجئة وما قيل حول الأهداف المعلنة من وراء هذه المناورات «يعيد إلى الأذهان ما سبق وشهدته منطقة القوقاز في صيف عام 2008 قبيل اندلاع الحرب مع جورجيا في أعقاب اعتداء الأخيرة ضد أوسيتيا الجنوبية». وقالت الصحيفة إن الخبراء العسكريين يشيرون إلى أوجه الشبه بين الأحداث في أوسيتيا الجنوبية آنذاك وما يجري في سوريا اليوم مع الفارق في أن روسيا تبدو مدعوة اليوم إلى مواجهة لا جورجيا، بل تركيا التي هي أحد أعضاء حلف الناتو.
وأشارت إلى ما قاله الجنرال سيرغي شويغو حول أن الإعلان عن المناورات جاء تنفيذا لأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس فلاديمير بوتين والتي تنص على التفتيش المفاجئ للقوات الموجودة في جنوب غربي روسيا. وكان الجنرال إيغور كوناشينكوف الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع أعلن أن فيلقين من القوات التركية يحتشدان اليوم على الحدود مع سوريا ويبدوان على أهبة الاستعداد لخوض المعركة. وأعادت الصحيفة المستقلة إلى الأذهان أن قوات حفظ السلام الروسية كانت ترابط على الحدود بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية ولم يكن لديها سوى أسلحة خفيفة، بينما تحتشد القوات التركية على الحدود السورية. وهناك على مقربة توجد القاعدة الجوية الروسية والتي تتولى حمايتها بعد إسقاط الأتراك للقاذفة الروسية أحدث منظومات الدفاع الجوي وأنظمة الرادار، في الوقت الذي توجد فيه على مقربة في مياه البحر المتوسط في اللاذقية وطرطوس السفن الحربية والبوارج التي تحمل على متنها المنظومات الصاروخية ومنها الصواريخ المجنحة «كاليبر» والتي يمكن استخدامها من منصاتها على السفن الحربية الموجودة في حوض بحر قزوين.
لكن الصحيفة سرعان ما أقرت أن المقارنة بين ما كان عليه الحال في الأمس غير واردة فالرئيس التركي إردوغان ليس ميخائيل ساكاشفيللي رئيس جورجيا السابق ومحافظ ميناء أوديسا في أوكرانيا، فضلا عن أن الجيش التركي الذي يبلغ قوامه نصف مليون مقاتل يعتبر الثاني في القارة الأوروبية بعد روسيا من حيث عدد أفراده. وهنا لا ينبغي أن يفوتنا أن تركيا أيضًا عضو في حلف الناتو وتنطبق عليها المادة الخامسة من اتفاق واشنطن حول تأسيس الناتو، والتي تنص على حماية أعضاء الناتو في حال تعرض أي منها لأي عدوان خارجي، ولا بد من أخذ ذلك في الحسبان، على حد قول صحيفة «موسكوفسكس كومسوموليتس».
ورغم أن توقيت المناورات جاء مواكبا لإعلان العربية السعودية عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا في إطار التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، فلم يصدر عن موسكو أكثر مما سبق وأعلنه ديمتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين في نهاية الأسبوع الماضي حول أن «موسكو تتابع باهتمام خطة السعودية حول إجراء عملية برية في سوريا، وأنها لم تتبين بعد أي موقف بشأن إعلان الرياض استعدادها لإجراء عملية برية في سوريا، وأن الكرملين لا يملك حاليا ما يؤكد وجود مثل هذه الخطة بالفعل»، إلا أن قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، أعلن من جانبه أن «مشاركة السعودية في عملية برية محتملة في سوريا يمكن أن يعقد عملية تسوية الأزمة السورية»، وأعرب المسؤول البرلماني الروسي عن مخاوفه بشأن احتمال تعرض قوات المعارضة السورية والقوات الحكومية لضربات القوات البرية السعودية والتركية في حال تدخلها. وعاد كوساتشوف ليقول: «إن القرار بإجراء مثل هذه العملية البرية في سوريا يبدو مشكوكا فيه وخطرا من كل النواحي».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن