سماحة يعترف بخطورة تورطه بمحاولات تفجير.. ويعزوها إلى «ساعات التخلّي»

برّر للمحكمة نقله عبوات ناسفة من دمشق بسيارته لكونه لا يخضع للتفتيش على الحدود

سماحة يعترف بخطورة تورطه بمحاولات تفجير.. ويعزوها إلى «ساعات التخلّي»
TT

سماحة يعترف بخطورة تورطه بمحاولات تفجير.. ويعزوها إلى «ساعات التخلّي»

سماحة يعترف بخطورة تورطه بمحاولات تفجير.. ويعزوها إلى «ساعات التخلّي»

كانت الجلسة الثانية من استجواب الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية، الأسوأ له منذ الشروع بمحاكمته علنًا أمام القضاء العسكري قبل سنتين، والأكثر تعقيدًا لوضعه القانوني.
المتهم الذي يشغل منصب المستشار السياسي للرئيس السوري ميشال سماحة، دخل أمس للمرة الأولى من الباب الرئيسي لقاعة المحكمة لمواصلة محاكمته في قضية إدخال 24 عبوة ناسفة من دمشق إلى بيروت في شهر أغسطس (آب) 2012، والتخطيط مع المخبر ميلاد كفوري لتفجيرها في تجمعات شعبية في منطقة عكار في شمال لبنان وقتل سياسيين ورجال دين ومواطنين ومعارضين سوريين، لكنه حضر إلى المحكمة حرًّا طليقًا بعدما قررت المحكمة نفسها الإفراج عنه الأسبوع الماضي.
في البداية جلس سماحة في المقعد الأمامي داخل المحكمة، وإلى يساره وكلاء الدفاع عنه، ولدى افتتاح الجلسة وقف أمام القوس قرب المحامين، لكن رئيس المحكمة القاضي طوني لطوف أمره بالدخول إلى قفص الاتهام والمثول فيه ففعل على الفور. أما مجريات الجلسة ففاجأت الحضور، بسبب الارتباك والتلعثم والامتناع أحيانًا على الإجابة عن أسئلة محرجة طرحت عليه، خصوصًا عندما أقرّ صراحة بأن تلغيم المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، كما كان يخطط مع كفوري كانت ستؤدي إلى قتل أبرياء، معتبرًا أنه تولى هذه المهمة لـ«حماية لبنان من المسلحين الذين ينتهكون سيادته»، بينما عزا محاولة قتل الأبرياء إلى «ساعات التخلّي» التي تصيب كلّ إنسان.
في مستهلّ الجلسة حاول فريق الدفاع تقديم بعض الطلبات الشكلية التي تؤدي إلى تأجيل الجلسة، لكن رئيس المحكمة لم يأخذ بها، وقرر متابعة الاستجواب، الذي بدأ بطرح أسئلة عن بدايات العلاقة بين المتهم والمخبر ميلاد كفوري منذ عام 1990، والتي توطدت في عام 2005. وقال سماحة: «في فبراير/ شباط من عام 2012 بدأ كفوري يثير معي موضوع الفلتان الأمني على الحدود اللبنانية - السورية، ومسألة تسلل المسلحين وتهريب السلاح في الاتجاهين، وتدرج في ذلك إلى أن فاتحني خلال شهر أبريل (نيسان) 2012 بضرورة القيام بعمل أمني على الحدود يوقف تسلل المسلحين من أجل حماية لبنان».
رئيس المحكمة توجه إلى المتهم بالقول: «أنت تعرّف عن نفسك بأنك رجل سياسي ودبلوماسي ولديك علاقات دولية واسعة، كيف يمكن لشخص أن يناقشك بموضوع أمني وتلغيم الحدود وتستقبله في مكتبك عشرات المرات وتوافق معه على ذلك، ألا ترى أن ذلك يثير الاستغراب؟». فأجاب: «نعم استغربت الأمر بداية، ولكني عدت ووافقت».
وأعطى سماحة تواريخ محددة للاجتماعات التي جمعته بكفوري، فأشار إلى أنه «في أوائل يونيو (حزيران) عقدا اجتماعين متتاليين، وفي الاجتماع الثاني أبلغه كفوري بأن لديه مجموعة في الشمال قادرة على تنفيذ عمليات أمنية على الحدود تستهدف تجمعات للمسلحين وتلغيم المعابر غير الشرعية خصوصًا في بلدات المقيبلة، الهيشة، الكنيسة في وادي خالد وبلدة كفرتون». وقال: «في البداية جاريته ثم أقنعني إلى حد ما ووافقت على ذلك لوقف التسيب الأمني». وأكد أنه في الاجتماعين المشار إليهما لم يفاتحه كفوري باستهداف سياسيين ورجال دين.
المتهم أكد أنه لم تساوره الشكوك يومًا بمخاطر المخطط الذي تورط فيه، قائلاً: «في الحياة هناك ساعات تخلي تصيب الإنسان، وأنا آمنت بالثقة التي كانت بيني وبين كفوري، لكن لم أفكر بغايته الحقيقية في تلك المرحلة». وكشف أنه في «الاجتماع الذي حصل بينهما في 19 يوليو (تموز) أخبره كفوري بأن لديه مجموعة جاهزة للقيام بالعمل الأمني ولديها سيارة مسروقة ودراجة نارية لتنفيذ المهمات بواسطتهما». وقال: «صراحة لم أفكر بالمسؤولية المترتبة على هذه العملية، لكن كفوري أقنعني بقدرته على تنفيذها بنجاح، ولم أفكر بخطورة نقل المتفجرات بسيارتي من دمشق إلى بيروت».
وحول ما إذا كان توقع أن يقتل أناس أبرياء جراء عملية تلغيم الحدود، وخصوصًا أن المناطق المطلوب تلغيمها هي قرى متداخلة بين لبنان وسوريا، ولا سيما أن المعابر غير الشرعية تشهد حركة كثيفة لمهربي المازوت والطحين والمواد غذائية، أقرّ المتهم بأنه كان «يتوقع قتل أشخاص، ولكن ذلك كان بهدف وقف تسلل المسلحين الذين يخرقون السيادة اللبنانية».
ولما سأله رئيس المحكمة: «هل كنت تعتبر نفسك مسؤولاً عن حماية الحدود بدلاً من الدولة اللبنانية؟»، صمت سماحة طويلاً وقال: «لن أجيب عن السؤال». وعندما حاول المحامي الهاشم الاعتراض وإبداء ملاحظة حول السؤال، انفعل رئيس المحكمة وحذّره من التدخل عند طرح السؤال وإعطاء إيحاءات للمتهم.
وأكد سماحة أنه وافق على الأهداف التي وضعها كفوري للتفجير، مثل تجمعات الإفطار في رمضان وقتل سياسيين، زاعمًا أنه كان يسايره بذلك لأنه يعلم أنه غير قادر على تنفيذ هذه العمليات، ما استدعى سؤالاً آخر من رئيس المحكمة: «كيف تثق بقدرته على تلغيم معابر وتفجير تجمعات للمسلحين رغم خطورتها، ولا تثق بقدرته على تفجير تجمعات للمدنيين وموائد إفطارات (رمضانية).. وأيها أصعب؟. فقال سماحة: «أنا اعتقدت أن الذين يدخلون إلى الإفطارات يخضعون للتفتيش».
وردًا على سؤال عن كيفية قبوله بوضع 24 متفجرة في سيارته رغم خطورة الأمر، قال: «لم يخطر ببالي أن السوريين سيضعون المتفجرات في سيارتي، وقد تفاجأت بذلك ونقلتهم ولم أعترض على الأمر، وأنا كنت مطمئنًا إلى أنني لن أخضع للتفتيش على الحدود». وعند الساعة الواحدة قرر رئيس المحكمة رفع الجلسة إلى الرابع من فبراير المقبل لمتابعة استجواب المتهم.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن