كشفت دراسة حديثة، نُشرت في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في «المجلة الدولية للبدانة» (International Journal of Obesity) عن احتمالية أن تؤدي زيادة مؤشر كتلة الجسم (BMI) لدى الأم قبل الحمل إلى ارتفاع نسبة مخاطر إصابة الأطفال بالمشكلات العصبية، مثل الصرع والإعاقة الذهنية لاحقاً، ما يؤكد على أهمية التزام الأمهات بنظام غذائي صحي قبل الحمل بوقت طويل.
وأكد الباحثون من كلية الطب بجامعة «كونكوك» في سيول (Konkuk University School of Medicine, Seoul) في كوريا الجنوبية، أن معدلات البدانة بين النساء في سن الإنجاب تشهد ارتفاعاً عالمياً، بما في ذلك الأمهات في قارة آسيا، ما يُعد مصدر قلق كبير على الصحة العامة للمجتمعات.
وعلى الرغم من أن البدانة كانت أكثر انتشاراً في الدول الغربية، فإن البيانات الحديثة من كوريا والمناطق المجاورة لها تُظهر معدلات متزايدة من زيادة الوزن بين الأمهات الشابات ومتوسطات العمر.
السمنة واضطرابات النمو العصبي
أجرى الباحثون الدراسة لمعرفة وجود ارتباط بين زيادة مؤشر كتلة الجسم في الأم قبل الحمل، وحدوث اضطرابات في النمو العصبي لأطفالها لاحقاً، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، واضطراب طيف التوحد، والإعاقة الذهنية، والشلل الدماغي، والصرع. وقد استخدمت تقييمات المخاطر تصنيفات معدلة لمؤشر كتلة الجسم، خاصة بالسكان الآسيويين، نظراً لاختلاف طبيعة أجسامهم.
وقام الفريق البحثي بتحليل قاعدة بيانات من الهيئات الصحية الوطنية في كوريا، تضمنت معلومات تفصيلية عن كل ما يخص الحالة الصحية للأمهات وحديثي الولادة والأطفال، والتاريخ المَرَضي للعائلة بشكل عام والنساء بشكل خاص، وكذلك تم احتساب مؤشر كتلة الجسم للأمهات خلال 3 سنوات قبل مرحلة الحمل.
واستخدم الباحثون مقاييس خاصة بسكان قارة آسيا، لحساب مؤشر كتلة الجسم، وكذلك شملت كل التصنيفات المتعلقة بالوزن، مثل نقص الوزن، والوزن الطبيعي، وزيادة الوزن، والسمنة من الدرجة الأولى، والسمنة من الدرجة الثانية.
وشملت الدراسة التي أجريت في الفترة من بداية يناير (كانون الثاني) 2014 إلى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021، ما يزيد على 700 ألف رضيع، كانت سجلات أمهاتهم الطبية متاحة لمدة 3 سنوات على الأقل قبل الولادة، بما في ذلك فترة الحمل وخلال سنتين قبل الحمل. وشملت السجلات الطبية للأمهات مؤشر كتلة الجسم، والفحوصات الصحية اللازمة، وبعد ذلك تم تصنيف الأمهات ضمن 5 فئات لمؤشر كتلة الجسم، بداية من الأوزان الطبيعية مروراً بزيادة الوزن ونهاية بالبدانة.
وتم رصد الحالات المَرَضية للأمهات، سواء المتعلقة بالصحة العامة، مثل ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وحتى الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، وأيضاً تم رصد المشكلات المتعلقة بالصحة الإنجابية، مثل حدوث تسمم حمل سابق أو الإصابة بسكر الحمل؛ إذ يمكن في بعض الأحيان أن تصاب سيدة بارتفاع في سكر الدم خلال الحمل فقط، من دون أن تكون مصابة بالمرض، وبعد الولادة تعود مستويات الغلوكوز إلى مستوياتها الطبيعية.
رصد حالات الأطفال المَرَضية
تم رصد الحالات المرضية المتعلقة بالأطفال وحديثي الولادة، مثل الولادة في الميعاد المحدد، وحالات الولادة المبكرة، ووزن الرضيع عند الولادة، وصغر حجم الجنين بالنسبة لتصنيف عمر الحمل، والتشوهات الخلقية، ودخول وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، وطريقة الولادة، وإجراءات الإنعاش.
وقام الباحثون أيضاً بعمل حصر للتشخيصات المختلفة المتعلقة بالنمو العصبي للأطفال، بداية من الولادة وحتى سن الخامسة، مثل التأخر العقلي، والشلل الدماغي، وزيادة كهرباء المخ، وتم حساب معدلات الإصابة لكل ألف طفل/ سنة.
بالنسبة للأمهات، ارتبط ارتفاع مؤشر كتلة الجسم في الأم ارتباطاً وثيقاً بتقدم السن (أكثر من 35 عاماً)، وإصابتها بحالة مرضية سواء على المستوى النفسي مثل الاكتئاب، أو على المستوى العضوي مثل السكري من النوع الثاني وسكر الحمل، وارتفاع ضغط الدم المزمن، وأيضاً المرتبط بالحمل.
أما بالنسبة لحديثي الولادة، فقد ارتبط ارتفاع مؤشر كتلة الجسم في الأم قبل الحمل بانخفاض مدة الحمل عند الولادة، وارتفاع معدلات الولادة المبكرة، وزيادة معدلات الولادة القيصرية، وارتفاع معدل التشوهات الخلقية في الرضع، وزيادة حالات دخول وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، كما كان معظم الرضع أكثر عرضة لحدوث مضاعفات تستلزم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي، وفي المجمل كان وزن هؤلاء الرضع أكبر من أقرانهم الطبيعيين.
ارتبطت السمنة المفرطة في الأم بارتفاع مخاطر الإصابة بالتوحد، والإعاقة الذهنية، والشلل الدماغي، والصرع، وحتى بعد تثبيت عوامل الاختلاف بين حديثي الولادة، ظل الوزن الزائد والسمنة من الدرجة الأولى مرتبطين بشكل ملحوظ بزيادة مخاطر الإصابة بالصرع والإعاقة الذهنية، بينما ارتبطت السمنة من الدرجة الثانية بارتفاع مخاطر الإصابة بالتوحد واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.
والبدانة من الدرجة الأولى هي التي يتراوح فيها مؤشر كتلة الجسم بين (30 و34.9) ويستخدم هذا التصنيف لتصنيف مستويات الوزن، وهو يختلف عن البدانة من الدرجة الثانية (35- 39.9) والبدانة من الدرجة الثالثة (40 أو أعلى)، وتسببت بدانة الأمهات أيضاً في حدوث تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء؛ سواء أكان في الأم أم الجنين.
وفي حالة بدانة الأم، فإن من الممكن أن يتعرض الجنين خلال فترات حرجة من نمو المخ إلى مستويات متغيرة من الأحماض الدهنية والغلوكوز وهرمونات معينة مثل الإنسولين، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بالالتهابات المختلفة. ولا تؤثر هذه العوامل فقط على نمو المخ، ولكن تؤثر أيضاً على نضج وتكوين المسارات العصبية الرئيسية، ما يساهم في زيادة خطر الإصابة باضطرابات النمو العصبي في الأبناء.
* استشاري طب الأطفال



