«مبادرة مستقبل الاستثمار» تُطلق من الرياض اقتصاد العقود القادمة

مشاركون لـ«الشرق الأوسط»: ليس مُجرّد مُؤتمر بل مكان يُصنع فيه المستقبل

مشاركان في النسخة الثامنة الماضية من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (أ.ف.ب)
مشاركان في النسخة الثامنة الماضية من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (أ.ف.ب)
TT

«مبادرة مستقبل الاستثمار» تُطلق من الرياض اقتصاد العقود القادمة

مشاركان في النسخة الثامنة الماضية من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (أ.ف.ب)
مشاركان في النسخة الثامنة الماضية من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (أ.ف.ب)

مع توقع إبرام صفقات بالمليارات خلال النسخة التاسعة من مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض التي تنطلق صباح اليوم الاثنين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، شدد مختصون على أن المؤتمر جعل من الرياض ملتقى عالمياً عالي المستوى يجمع مختلف الخبرات في مختلف المجالات، ومن شأنه تحديد ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة، والدفع بتوصيات تعزز شراكات تحرك الأسواق، ويوفر فرصاً عبر المناطق.

ومن المتوقع أن تشهد النسخة التاسعة من المبادرة حضوراً غير مسبوق لأكثر من 20 رئيس دولة ونائب رئيس، في دلالة على تزايد الأهمية العالمية للرياض، باعتبار أنها مركز للحوار الاقتصادي، مع توقعات أن يتجاوز حجم الصفقات الاستثمارية رقم 60 مليار دولار، والذي تم التوصل إليه في النسخة الثامنة.

وينظر إلى المؤتمر باعتباره أكبر تجمع اقتصادي دولي في المنطقة، إذ يجمع نخبة من قادة الحكومات وصُنّاع السياسات والرؤساء التنفيذيين والمستثمرين العالميين، إلى جانب المبتكرين ورواد الأعمال، في منصة تحولت منذ انطلاقها عام 2017 إلى بوصلة ترسم أجندة الاستثمار العالمي.

رئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ياسر الرميان يتحدث في النسخة الثامنة من المؤتمر (واس)

وقال إدوارد ميرميلشتاين، مبعوث عمدة نيويورك للشؤون الدولية السابق، لـ«الشرق الأوسط» إن مبادرة مستقبل الاستثمار أكبر بكثير من مجرد مؤتمر تقليدي. إنها ملتقى رأس المال العالمي والابتكار والسياسات.

وتابع: «مبادرة مستقبل الاستثمار ليست فقط مجموعة من الخطب البليغة، لكنها تجمع صناديق سيادية، ورؤساء تنفيذيين عالميين، وصانعي سياسات يركزون على التنفيذ، وبناء شراكات تُحرك الأسواق وتُوفر فرصاً عبر المناطق».

وأوضح أن «ما يميز هذه المبادرة حقاً، هو دور السعودية كجهة حاضنة. ففي ظل (رؤية 2030)، رسَّخت المملكة مكانة الرياض كمركزٍ لتواصل الاقتصادات المتقدمة والناشئة».

وتعكس «مبادرة مستقبل الاستثمار»، وفق ميرميلشتاين، هذا الطموح، إذ برأيه تُعزز النقاشات حول التنمية المستدامة، وتكامل الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في الأسواق الناشئة التي ستُحدد ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.

وقال: «تابعت التطور الملحوظ للمبادرة، ويشرفني المساهمة في الدورات القادمة. ويظل عملي منسجماً بشكل وثيق مع رسالتها المتمثلة في حشد الاستثمارات العالمية نحو الأسواق الناشئة وجهود إعادة الإعمار».

أضاف: «بصفتي مفوضاً للشؤون الدولية في مدينة نيويورك بين عامي 2022 و2025، كان لي شرف تعزيز علاقات المدينة العالمية ودفع عجلة الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا ومبادرات الاستدامة».

بهذه الصفة، زار ميرميلشتاين المملكة عدة مرات، حيث أكد: «شهدت بنفسي تحولها الملحوظ وانفتاحها على الشراكة. واليوم، ومن خلال شركة (أتلانتيك بريدج كابيتال)، أركز على حشد الاستثمارات المؤسسية في الأسواق الناشئة والواعدة، مع التركيز بشكل خاص على إعادة الإعمار، والمرونة، والنمو القائم على التكنولوجيا».

وزير المالية السعودي محمد الجدعان متحدثاً في خلال نسخة العام الماضي من المؤتمر (رويترز)

وحول تجاربه في المجال، قال ميرميلشتاين: «ركزتُ مؤخراً في منتدى كييف الاقتصادي الدولي، على كيفية مساهمة الشراكات الدولية ورأس المال الخاص في إعادة بناء اقتصادات ما بعد الصراع. وأعتقد أن أطر عمل مماثلة يمكن أن تمتد إلى مناطق في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، حيث تلعب القيادة ورأس المال السعودي دوراً حاسماً في تشكيل النمو المستدام».

وحول بيئة الاستثمار السعودية ومزاياها، قال ميرميلشتاين: «رسَّخت المملكة مكانتها كقائدة رائدة في مجال تحوّل الأسواق الناشئة، حيث أثمرت (رؤية 2030) عن بيئة مستقرة وجاذبة للمستثمرين، مدعومة بحوكمة قوية، ولوائح تنظيمية حديثة، واستراتيجية واضحة طويلة الأجل. إن قدرة المملكة على حشد رأس المال من خلال صندوق الاستثمارات العامة وقطاعها الخاص المتنامي تجعلها نقطة جذب عالمية للابتكار والاستثمار».

وتابع: «من خلال تواصلي الشخصي مع القادة والمؤسسات السعودية، لمست بنفسي عمق الطموح والاحترافية اللذين يقودان هذا التحوّل. فإلى جانب تنويع اقتصادها، تصدر المملكة نموذجاً للنجاح يجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتقدم التكنولوجي والتنمية الشاملة، حيث تجسد المملكة اليوم مثالاً ساطعاً على كيف يُمكن للقيادة الثاقبة والتنفيذ المنضبط أن يُعيدا تعريف ما هو ممكن للأسواق الناشئة حول العالم».

رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «بلاكستون ستيفن» شوارزمان يتحدث في خلال نسخة العام الماضي من المؤتمر (رويترز)

3 مميزات لمبادرة مستقبل الاستثمار

من جهته، قال سيم م. كوكسال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة GSL Holding GmbH العالمية الألمانية، لـ«الشرق الأوسط» إن «مبادرة مستقبل الاستثمار، جعلتنا في حالة شغف مستمر لمعرفة الجديد في السعودية وفي طيات المؤتمر نفسه».

وأضاف كوكسال: «أعتقد أن هناك ثلاثة أمور تجعل من هذه المبادرة مميزة عن غيرها، أولاً السرعة في بحث المستجدات والبحث عن الحلول، على عكس ما هو في أماكن أخرى».

الميزة الثانية للمبادرة، وفق كوكسال، أن المبادرة تصحبها شراكات حقيقية، «ومن ثمرات ذلك، الشراكات التي أطلقناها مع رجل الأعمال السعودي، عبد الله المليحي، رئيس مجلس إدارة مجموعة الرامز الدولية وشركة التميز السعودي القابضة، حيث عززت شراكتنا العمل في مجال مستقبل التكنولوجيا، ومن ثم فتح الأبواب لخلق حالة تواصل بين التكنولوجيا والشبكات الأوروبية والسوق السعودية».

أما الميزة الثالثة لمبادرة مستقبل الاستثمار، فهي القدرة على الوصول إلى صُنّاع القرار، من خلال جمع الخبراء والوزراء والجهات المعنية باتخاذ القرارات في وقت واحد في مكان واحد، في ظل وجود وتفاعل وزارة الاستثمار السعودية، التي تتولى صنع الشراكات وإطلاق المبادرات.

وأضاف كوكسال: «إن الجمع الذي تصنعه المبادرة، تشخص المشكلات والتحديات وتبحث الحلول الممكنة، ولذلك فإن مبادرة مستقبل الاستثمار ليست مُجرّد مُؤتمرٍ عاديّ، بل هي المكان الذي يُصنع فيه المُستقبل».

بعض الحضور المشارك في نسخة العام الماضي (الشرق الأوسط)

وحول مشاركته في المبادرة، قال كوكسال: «أستعرض في المناسبة، مستجدات الهندسة والاتصالات والتكنولوجيا الألمانية، وطرح حلول في مجال البنى التحتيّة الحيويّة. سواءً كان الأمر يتعلق بشركة (أساكي تاورز) في مجال تكنولوجيا الهيدروجين، حيث سبق اجتمعنا في نيوم، واجتمعنا مع وزارة الاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة - أو شركة (ليتن) الأميركية في مجال أنظمة البطاريات المتقدمة، أو العمل مع أحد أكبر صناديق البنية التحتية الأميركية في مجال مراكز البيانات».

وأضاف كوكسال: «تغطي مشاركاتنا نطاق تركيزي كامل الطيف، من حيث مراكز البيانات، وحلول الأمن المتكاملة - ليس فقط الأمن السيبراني، بل أيضاً أجهزة الدفاع الحقيقية والأنظمة المتكاملة - وتكنولوجيا الطاقة من الجيل التالي. أعمل حصرياً مع رواد عالميين في مجالاتهم».

اتفاقيات ومشروعات

وقال كوكسال: «نعمل على توقيع اتفاقيات تشمل ثلاثة مجالات رئيسية، منها مراكز البيانات لثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تُشيّد السعودية مشروعي نيوم وذا لاين، وهما مشروعان مذهلان يتطلبان بنية تحتية آمنة وسيادية للبيانات».

وتابع: «أعمل مع أحد أكبر صناديق البنية التحتية الأميركية في هذا المجال، وبالتعاون مع شركة (التميز السعودية)، لدينا خطط ملموسة للمملكة. لا أستطيع الخوض في التفاصيل بعد، لكن الأمر يتعلق بنقل المعرفة، والتصنيع المحلي، والسيادة التكنولوجية الحقيقية. نحن لا نبيع التكنولوجيا فحسب، بل ننقلها. هذا ما تريده المملكة وتستحقه. سيادة حقيقية، وليس مجرد شراء من الخارج».

وزاد: «سنتحدث عن البطاريات المتقدمة وتكنولوجيا الطاقة: هذا مثير للاهتمام فأنا مستشار لشركة (ليتن)، الشركة الرائدة عالمياً في تكنولوجيا بطاريات الليثيوم والكبريت من وادي السيليكون، إذ إن دان كوك، المؤسس والرئيس التنفيذي، صاحب رؤية ثاقبة... لديّ تفويض استشاري لأوروبا، لكنني أطور بالفعل مفاهيم للمملكة».

وحول أهمية تخزين الطاقة، قال كوكسال: «إن تخزين الطاقة هو النفط الجديد. يتعلق الأمر بالسيادة، وبتزويد مراكز البيانات بالطاقة، وبالبنية التحتية الحيوية، إذ تحتاج مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى طاقة هائلة ونسخ احتياطية. تحتاج البنية التحتية الحيوية إلى تخزين طاقة موثوق. هذا ليس مجرد عمل تجاري، بل هو استراتيجي».

وشدد على أن استقلال الطاقة يعد أمناً وطنياً، لطالما فهمت السعودية الطاقة بشكل أفضل من أي دولة أخرى «والآن، يتعلق الأمر بالجيل القادم من تكنولوجيا الطاقة. وتقود (ليتن) هذه الثورة عالمياً».

وقال كوكسال: «على صعيد الدفاع والبنية التحتية الحيوية: ما وراء الأمن السيبراني - نتحدث عن حلول أمنية متكاملة. أجهزة، وأنظمة دفاعية، وحماية متكاملة للبنية التحتية. نعمل مع شركاء أوروبيين ودوليين رائدين لتطوير قدرات سيادية. أمرٌ حساس، ولكنه حاسم للاستقلال»، مشيراً إلى أن السعودية هي أفضل مكان في العالم لشركات التكنولوجيا حالياً.

وزاد: «إن مبادرة الاستثمار تنطلق من الرياض، حيث الموقع مثالي. من الرياض، تصل إلى أوروبا في خمس ساعات، وآسيا في ست ساعات، وأفريقيا في أربع ساعات. المملكة تعد المركز الجديد لإطلاق مشروعات واستثمارات بمجالات بنية تحتية للمستقبل، إذ أخذنا (نيوم) قيد الإنشاء الآن. الخط أصبح حقيقة واقعة. هذه هي منصات اختبار لتكنولوجيا الغد».

امرأة تستخدم هاتفاً لتسجيل كلمة الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» إيلون ماسك خلال النسخة الثامنة من المؤتمر (رويترز)

عقود في الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة

من جهته، قال رجل الأعمال السعودي والمستثمر في مجال الذكاء الاصطناعي، عبد الله بن زيد المليحي، رئيس شركة التميز السعودية القابضة لـ«الشرق الأوسط» إن انطلاق مؤتمر مبادرة الاستثمار في نسخته التاسعة وضع المملكة من الدول العالمية التي أصحبت وجهة عالمية للمستثمرين من دول العالم كافة، ويعتبر هذا المؤتمر من أساس رؤية ولي العهد 2030 التي أصبح كل أفراد الشعب السعودي يعمل على تحقيقها.

وأضاف «إن دعم المملكة لمشاريع الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لثمرات المؤتمر والرؤية 2030، حيث أتوقع عقد صفقات كبيرة مع الحضور العالمي المهم من دول العالم كافة، إذا يعتبر قطاع التعليم والذكاء الاصطناعي جزءاً رئيسياً من حلقات النقاش في المؤتمر».

ووفق المليحي، فإنه يعتبر أن المبادرة منذ انطلاقها عام 2017 دفعت دخول المملكة كإحدى الدول العالمية الراعية لمؤتمرات الاستثمار العالمي، في وقت تحشد فيه العمل العالمي المشترك، لتوحيد الجهود والاستثمار في إيجاد حلول للتحديات العالمية التي تُسهم في ترك أثر إيجابي على البشرية.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان ووزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى) play-circle 02:29

«ملتقى الميزانية»: الإنفاق الحكومي السعودي «يتحرر» من «الدورة الاقتصادية»

شكّل «ملتقى الميزانية السعودية 2026» منصة حكومية استراتيجية لتحليل مستهدفات الميزانية التي أقرّها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزيرا «النقل» و«الإسكان» في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى)

«ملتقى الميزانية»: مبادرات تطوير البنية التحتية تدعم «النقل» و«الإسكان» وتوسع فرص الاستثمار

أكد وزيرا «النقل» و«الإسكان» أن القطاعين شهدا نهضة كبيرة، مع استثمارات ضخمة توسع الوظائف وتوفر وحدات سكنية للأسر المستفيدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الإبراهيم يتحدث وإلى جانبه وزير المالية في ملتقى «ميزانية السعودية 2026»... (الشرق الأوسط)

السعودية: لدى «هيوماين» فرصة لقيادة الاقتصاد الوطني مثل «أرامكو»

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أن المملكة تستعد لدخول مرحلة جديدة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأكبر للنمو غير النفطي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس أحمد العوهلي محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية (الملتقى)

ملتقى الميزانية: تقدم كبير في توطين الإنفاق العسكري بالسعودية

كشف المهندس أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، عن تطورات نوعية شهدها قطاع الصناعات العسكرية في السعودية خلال السنوات الست الماضية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

فرض الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، غرامة قدرها 120 مليون يورو (140 مليون دولار) على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، لخرقها قواعد المحتوى الرقمي، في أول تطبيق لعقوبة بموجب تشريع رقمي تاريخي قد يثير غضب الحكومة الأميركية.

وتجنبت شركة «تيك توك» العقوبة نفسها من خلال تقديم تنازلات لتعزيز الشفافية، وفق «رويترز».

واعتبرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن حملة أوروبا الصارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى تميّز الشركات الأميركية وتستهدف الأميركيين، بينما أكدت المفوضية الأوروبية أن قوانينها لا تميّز على أساس الجنسية، وتهدف فقط لحماية المعايير الرقمية والديمقراطية التي غالباً ما تُصبح معياراً عالمياً.

وأشار رئيس قسم التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي إلى أن الغرامة متناسبة مع المخالفات، ولا تمثل شكلاً من أشكال الرقابة، لافتاً إلى أن العقوبة جاءت بعد تحقيق استمر عامين بموجب قانون الخدمات الرقمية، الذي يُلزم المنصات بتحمل مسؤولية أكبر في معالجة المحتوى غير القانوني والضار.

وأوضح تحقيق الاتحاد الأوروبي في منصة «تيك توك»، التابعة لشركة «بايت دانس»، أن الشركة انتهكت شروط القانون من خلال مستودع الإعلانات الذي يسمح للباحثين والمستخدمين باكتشاف الإعلانات الاحتيالية. وقالت هينا فيركونين، رئيسة قسم التكنولوجيا في المفوضية الأوروبية، إن الغرامة المفروضة على «إكس» محسوبة بعناية وفق طبيعة المخالفات وعدد المستخدمين المتأثرين ومدتها، مؤكدةً أن الهدف هو إنفاذ التشريعات الرقمية وليس فرض أعلى الغرامات.

وأضافت فيركونين أن القرارات المستقبلية بشأن الشركات المتهمة بانتهاكات قانون الخدمات الرقمية ستصدر في وقت أقصر مقارنة بالعامين اللذين استغرقتهما قضية «إكس». من جهته، أكد نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يهاجم الشركات الأميركية، محذراً من أن الغرامة لا ينبغي أن تُستخدم أداةً للرقابة على المحتوى.

وحثّت «تيك توك»، التي تعهدت بإصلاح مكتبة إعلاناتها لزيادة الشفافية، الجهات التنظيمية على تطبيق القانون بشكل متساوٍ على جميع المنصات. وأوضحت الهيئات الأوروبية أن انتهاكات «إكس» شملت التصميم المُضلّل للعلامة الزرقاء للحسابات الموثقة، وانعدام الشفافية في مستودع الإعلانات، وعدم تمكين الباحثين من الوصول إلى البيانات العامة.

وأكدت المفوضية استمرار التحقيق في محتوى غير قانوني على «إكس»، والإجراءات المتخذة لمكافحة التلاعب بالمعلومات، بالإضافة إلى تحقيق منفصل في نظام «تيك توك» الخوارزمي والتزامه بحماية الأطفال. وتصل الغرامات المقررة بموجب قانون الخدمات الرقمية إلى 6 في المائة من الإيرادات العالمية السنوية للشركة.


دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.