في وقت تتجه فيه الأنظار إلى مرحلة ما بعد الحرب، تشهد القاهرة حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، تحضيراً لمؤتمر إعمار غزة، الذي يتوقع أن يشكل محطة مفصلية لإعادة بناء القطاع المنكوب.
وقال خبراء لـ«الشرق الأوسط» إن أجندة المؤتمر ستكون «طموحة للغاية وتحمل تقديرات مالية سخية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القطاع حال سار اتفاق وقف إطلاق النار بغزة كما هو متفق عليه»، مشيرين إلى أن تأخير في التنفيذ سيكون بسبب تعثر الاتفاق.
وجرى اتصال هاتفي، الجمعة، بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ورئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى رئيس الوزراء الفلسطيني، تناول التحضيرات الجارية والتفاصيل لمؤتمر إعادة إعمار غزة، المقرر عقده في القاهرة خلال النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لاسيما ما يتعلق بالتمويل والتعهدات المالية، بالإضافة إلى تقييم وتحديث حجم الدمار بالقطاع، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».
كما ناقش عبد العاطي، الجمعة، مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي في نيودلهي، المؤتمر أيضاً، غداة دعوة الوزير المصري، المملكة المتحدة للمشاركة في المؤتمر ذاته، خلال اتصال هاتفي مع وزيرة خارجيتها، إيفيت كوبر، وسط ترحيب منها.
وذلك النقاش لم يكن الأول التي تطرحه مصر مع مسؤولين كبار منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة قبل نحو أسبوع، وشاركت القاهرة بوفد في اجتماع فني غير رسمي نظمته مؤسسة ويلتون بارك البريطانية لبحث إعمار غزة، بحضور فلسطيني وبريطاني في الفترة من 13 - 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بحسب بيان لـ«الخارجية المصرية».
وتعكف مصر حالياً على إنجاز التحضيرات الخاصة بعقد المؤتمر الذي سيكون «بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة وجميع شركاء السلام والتنمية في المنطقة والعالم بما في ذلك الدول المانحة والمنظمات الأممية والإقليمية والمؤسسات التمويلية الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وذلك بناء على الخطة العربية الإسلامية وخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب»، وفق البيان ذاته.
الأمين العام لـ«مركز الفارابي للدراسات»، الدكتور مختار غباشي، يرى أن التطلعات تتجه لأن «يحمل مؤتمر إعمار غزة بالقاهرة خطة طموحة لأن القطاع مدمر بالكامل في كل القطاعات، التعليم والطاقة والمياه والصحة»، مؤكداً أن إتمام المؤتمر في موعده يحمل فرصة جديدة لإنقاذ القطاع.

أما المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، فأكد أن المؤتمر يحمل بادرة مهمة للغاية لإنقاذ قطاع غزة المنكوب، متوقعاً تبرعات سخية من المانحين، خاصة مع طرح القاهرة خطة شاملة متكاملة.
وقبل إعلان اتفاق السلام في غزة، وضعت مصر خطة متكاملة لإعادة إعمار القطاع، تمتد على مدة 5 سنوات وتركز على الإغاثة الطارئة، وإعادة البناء، والتنمية المستدامة، وأقرت هذه الخطة في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس (آذار) 2025.
وتعتمد الخطة على إنشاء صندوق ائتماني دولي بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة لضمان الشفافية، مع خطط لاستضافة مؤتمر وزاري في نوفمبر المقبل لجمع الدعم من الدول المانحة والقطاع الخاص، لتمويل عمليات إعادة إعمار قطاع غزة.
وتنقسم الخطة المصرية إلى ثلاث مراحل لضمان الكفاءة، تبدأ المرحلة الأولى، المخصصة للتعافي المبكر، بتكلفة 3 مليارات دولار على مدى ستة أشهر، وتشمل إزالة الأنقاض من محور صلاح الدين ومناطق أخرى، وتوفير 200 ألف وحدة سكن مؤقتة تستوعب 360 ألف فرد، إلى جانب ترميم 60 ألف وحدة مدمرة جزئياً، وتشمل هذه المرحلة أيضاً إنشاء سبعة مواقع إيواء لأكثر من 1.5 مليون شخص.
وتمتد المرحلة الثانية حتى عام 2027 بتكلفة 20 مليار دولار، وتركز على بناء المرافق، الشبكات، الوحدات السكنية الدائمة، إلى جانب استصلاح الأراضي الزراعية. أما المرحلة الثالثة، التي تستمر حتى 2030 بتكلفة 30 مليار دولار، فتهدف إلى إنشاء مناطق صناعية، وميناء صيد، وميناء بحري، ومطار لتعزيز الاقتصاد المحلي.
وفلسطينياً، أعلن رئيس الوزراء محمد مصطفى، في بيان الخميس، أن مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة، سيكون «منصة مركزية لتعبئة الموارد والشراكات الدولية»، لافتاً إلى أن حكومة بلاده وضعت إطاراً موحداً للتعافي يستند إلى خطة مصر التي أقرت عربياً.
وكشف عن أن التقديرات الدولية المحدّثة تشير إلى أن الأضرار والخسائر والاحتياجات تتجاوز 67 مليار دولار، موضحاً أن البرنامج ينقسم إلى ثلاث مراحل متتالية: مرحلة طوارئ مدتها ستة أشهر تُركز على الإنعاش المبكر، بقيمة 3.5 مليار دولار؛ ومرحلة إعادة إعمار وتعافٍ مدتها ثلاث سنوات، بقيمة نحو 30 مليار دولار ومرحلة إعادة الإعمار الكاملة.
وبرأي غباشي فإن ما سيعرقل تنفيذ تلك الخطة ليست الماديات؛ لكنها عوائق إسرائيل المصرة على عدم الالتزام بأي شيء وتحقيق مكاسب أكبر بالتشدد في مطالبها من المقاومة.
وقال الرقب إنه ستكون هناك محاولات لتحويل تلك الأفكار لخطط تنفيذية سريعة، مشيراً إلى أن تعثر مسار الاتفاق هو ما سيعطل تلك الخطط ونأمل ألا يحدث ذلك في ظل حاجة القطاع لإنقاذ عاجل.






