بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
TT

بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)

لم تتوقف عجلة الدبلوماسية الأردنية على مدى عامين من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة مُلحقةً دماراً هائلاً، مع سقوط أكثر من 70 ألف شهيد، وتشريد آلاف من السكان، أمامَ حرب التدمير التي طالت البنى التحتية وجميع أشكال الخدمات الأساسية، ليشهد القطاع مجاعة كارثية أمام النقص الحاد في الغذاء والدواء، وفق تقارير أممية.

ومنذ الأيام الأولى لحرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في 2023، سعى الأردن لتقديم جهود الإغاثة الإنسانية العاجلة والضرورية للمدنيين، منفِّذاً إنزالات جوية بإشراف مباشر من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي وجَّه القوات المسلحة (الجيش العربي) لكسر الحصار الجوي على القطاع، وكان قد بدأ منذ سنوات سبقت الحرب الأخيرة.

الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يدلي بتصريحات خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالبيت الأبيض لمناقشة الوضع المستمر في غزة وإسرائيل والمساعدات الإنسانية للمنطقة (إ.ب.أ)

وبطبيعة الحال، فإن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تجمدت، بينما بقيت القنوات الأمنية مفتوحة مع الجانب الإسرائيلي، ما خدم جهود المملكة في التعامل مع تداعيات كانت محتملة لاستمرار الحرب على غزة.

وبعد تنفيذ سائقَين أردنيَّين عمليتين فرديتين معزولتين تصادفتا في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي والعام الحالي، وقتل 5 جنود وإصابة آخرين عند المعبر الحدودي من الجانب الإسرائيلي، استفاد الأردن من الإبقاء على خطوط الاتصال الأمني مع تل أبيب، لاحتواء جوانب العمليتين؛ إذ سلَّمت تل أبيب جثمان السائق ماهر الجاري، ولا تزال تحتفظ بجثمان عبد المطلب القيسي.

غير أن قرار منع إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة عبر المعبر الحدودي توقف منذ حادثة إطلاق نار على جنود إسرائيليين، وقتل اثنين منهم بمسدس القيسي الذي تعطل قبل إنهاء عمليَّته.

معنى المخاوف الأردنية

صعَّد الأردن موقفه الدبلوماسي ضد إسرائيل مع بداية عدوانها على غزة، ورفع وزير الخارجية أيمن الصفدي سقف الخطاب الرسمي منذ الساعات الأولى للحرب، واصفاً إسرائيل مبكراً بـ«الدولة المارقة»، ومتهماً إياها بارتكاب مجازر حرب، وهدد في شهر بدء العدوان نفسه بـ«وضع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية على الطاولة» قائلاً إنها «أوراق موضوعة على رفٍّ يعلوها الغبار».

واستخدم الأردن الرسمي تصريحاته التصعيدية ضد العدوان على غزة، للتحذير من المساس بالوضع القائم في الضفة الغربية والقدس، في وقت حذَّرت فيه عمَّان مبكراً من سياسات التهجير التي تنتهجها إسرائيل، مستغلة الحرب على غزة لدفع السكان نحو خيارات «الهجرة الطوعية»، وهو أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية، في حال تم تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي (رويترز)

وعليه، تنبه الأردن مبكراً لضرورة إدخال المساعدات اللازمة من غذاء ودواء للقطاع، منفِّذاً أول إنزال جوي بطائرات سلاح الجو في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بعد شهر تقريباً من بدء العدوان. وقاد أول مهمة للجسر الجوي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) اللواء الطيار يوسف الحنيطي. لتتبعها رحلة جوية ثانية كان على متنها ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ثم رحلة ثالثة كانت الأميرة سلمى بنت عبد الله الثاني على متنها.

وعلى قِلَّة المساعدات التي تحملها الطائرات التي يتم إنزال حمولتها بواسطة المظلات الموجهة بنظام الخرائط الجوية، في مناطق آمنة بعيدة عن السكان، فإن الإشارة الرمزية في ذلك كانت تتحدث عن إمكانية كسر الحصار لو توفرت إرادة دولية.

وشهدت لقاءات الملك عبد الله الثاني مع وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد جو بايدن أنتوني بلينكن حوارات صعبة، بعد أن طالبه العاهل الأردني «بألا يعود إلى عمَّان إذا كانت جولاته عبارة عن زيارات دبلوماسية، لا تمنع إسرائيل من التعسف في استخدام القوة ضد المدنيين في القطاع»، محذراً من سياسات تهجير سكان قطاع غزة تحت تهديد القتل والدمار، ومنع حصولهم على الغذاء والدواء.

أردنيون يتظاهرون في عمَّان تضامناً مع الفلسطينيين في غزة (أرشيفية- رويترز)

وبعد عودة الرئيس دونالد ترمب وفريقه إلى البيت الأبيض، في مطلع العام الحالي، تجمدت الاتصالات مع الأردن سياسياً، في ظل تغييب عمَّان عن حلقة المشاورات؛ حيث لم يتلقَّ وزير الخارجية الأردني أي اتصال مباشر من نظيره الأميركي ماركو روبيو، باستثناء لقاء يتيم جرى في يوليو (تموز) الماضي، في حين أن مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لم يزُر عمَّان ولم يضعها في صورة تحركاته منذ تسميته لهذه الوظيفة.

وتداركاً لأي محاولات إسرائيلية للتصعيد في مناطق الضفة الغربية، وهو ما يخشاه الأردن، نتيجة الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، والتوسع الاستيطاني، والتضييق على حركة السكان، والاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين على مناطق وقرى فلسطينية، تنبَّه الأردن لأهمية تأمين متطلبات الحياة اليومية للسكان، مستبِقاً الأمر بتأمين كميات كافية من مادة الطحين، وإرسالها لمناطق الضفة تحت إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية. وكذلك أرسل الأردن مستشفى إلى مدينة نابلس، واستمر عمل المحطات الطبية في جنين ورام الله، لدعم الأشقاء الفلسطينيين.

مواجهة متأخرة مع «الإخوان»

على مدى عام ونصف عام، نفَّذت «الحركة الإسلامية» ممثلة بـ«جماعة الإخوان المسلمين» وذراعها السياسية، حزب «جبهة العمل الإسلامي» في البلاد، سلسلة احتجاجات في محيط السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية غرب العاصمة، وفي منطقة وسط البلد، رافعة شعارات مُحرجة للحكومة؛ مثل إعادة النظر في كافة الاتفاقيات الموقعة.

قوات الأمن الإسرائيلية في موقع الهجوم عند معبر اللنبي بين الضفة الغربية والأردن الذي أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين والسائق الأردني (رويترز)

ورحَّبت جماعة «الإخوان» وذراعها السياسية بعملية نفَّذها اثنان من كوادرها في أكتوبر العام الماضي، بعد محاولتهما اجتياز الحدود، وقالت في بيان إن «عملية بطولية نفَّذها اثنان من شباب الحركة الإسلامية، الشهيد البطل عامر قواس، والشهيد البطل حسام أبو غزالة، الجمعة، في منطقة البحر الميت، على الحدود الأردنية الفلسطينية، أسفرت عن إصابة عدد من جنود الاحتلال المجرم، وذلك رداً على المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والعدوان على المقدسات».

كانت تلك العملية مقدمة لإعادة النظر جذرياً في العلاقة بين «الدولة والجماعة». وفي أبريل (نيسان) الماضي، فعَّلت السلطات الأردنية قراراً قضائياً سابقاً بـ«حل جماعة الإخوان المسلمين» والذي قضى بـ«اعتبار الجماعة منحلة حكماً، وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية». بعد تجميد قرار لمحكمة التمييز صدر في عام 2020، وعدم تفعيله.


مقالات ذات صلة

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

شؤون إقليمية صورة مجمعة لرسالة منسوبة لقائد «حماس» الراحل يحيى السنوار نشرها مركز تراث الاستخبارات الإسرائيلي

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

نشر مركز تراث الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في تل أبيب، الاثنين، رسالة ادعى أنها كُتبت بخط قائد «حماس» الراحل، يحيى السنوار.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

خاص لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

يكاد يُجمع الدبلوماسيون الدوليون في لبنان على أن تغييراً كبيراً حصل فيه منذ 7 أكتوبر 2023.

نذير رضا (بيروت)
خاص لوحة دعائية مستوحاة من الأساطير الفارسية تُصوّر رجلاً يصارع تنيناً بألوان العَلم الأميركي وقد كُتب عليها «أنشد اسم إيران التي تقتل الأعداء» وذلك في ساحة انقلاب (الثورة) وسط طهران (إ.ب.أ) play-circle 03:39

خاص هجوم 7 أكتوبر: الشرارة التي هزَّت معادلات الردع الإيرانية

مثّل هجوم السابع من أكتوبر نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي فلم تقتصر تداعياته على الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بل امتدت لتطال جوهر معادلات الردع الإيراني.

عادل السالمي (لندن)
خاص شخص يحمل العلمين المصري والفلسطيني على شاحنة تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر رفح (رويترز)

خاص مصر و«حرب غزة»… موازنة تعقيدات الداخل والخارج

بينما تعيش غزة على وقع القصف، واصلت القاهرة تحركاتها السياسية والدبلوماسية لمنع ما تعتبره «خطراً وجودياً»، وهو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصفية القضية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
خاص قادة وممثلو الدول المشاركة في القمة العربية - الإسلامية الطارئة في الدوحة في 15 سبتمبر 2025 (رويترز) play-circle

خاص دفاتر العام الثاني لـ«الطوفان»: ما الذي تغير في العالم العربي؟

مع العام الثاني باتت الحسابات أكثر تعقيداً، وأصبح النظر لعملية 7 أكتوبر غير مرتبط بمشاعر الثأر وإنما بالبحث بالأسئلة الفعلية: إلى أي حد أفادت القضية الفلسطينية

عمرو الشوبكي (القاهرة )

«حارس قضائي» حوثي يصادر أملاك أمين عام «مؤتمر صنعاء»

مبنى اللجنة الدائمة التابع لحزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء (الشرق الأوسط)
مبنى اللجنة الدائمة التابع لحزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

«حارس قضائي» حوثي يصادر أملاك أمين عام «مؤتمر صنعاء»

مبنى اللجنة الدائمة التابع لحزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء (الشرق الأوسط)
مبنى اللجنة الدائمة التابع لحزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء (الشرق الأوسط)

في تصعيد جديد ضمن سياسة التضييق والنهب المنظم، أقدمت الجماعة الحوثية، على تمكين من تُسميه «الحارس القضائي»، من الاستيلاء على ممتلكات وأصول تعود لأسرة أمين عام جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، غازي علي الأحول، الذي لا يزال رهن الاعتقال منذ أغسطس (آب) الماضي، في ظروف قمعية.

وجاءت هذه الخطوة، عقب ضغوط مارستها الجماعة الحوثية على قادة جناح الحزب الموالي لها في صنعاء، انتهت باتخاذ قرار بفصل الأحول من منصبه، في سابقة أثارت موجة غضب واسعة داخل الأوساط المؤتمرية، وعُدت «امتداداً لمسلسل إخضاع الحزب وتفريغه من قياداته غير المنسجمة مع توجهات الجماعة».

وحسب مصادر في الحزب، فإن الحارس القضائي الحوثي وضع يده، بموجب تعليمات الجماعة، على ممتلكات عقارية وتجارية تابعة لأسرة الأحول في العاصمة المختطفة صنعاء، شملت مباني وشركات وأصولاً أخرى، بعضها غير مسجل رسمياً باسم الأسرة، ما يكشف - وفق المصادر - الطابع الانتقامي والسياسي للإجراءات، بعيداً عن أي مسوغ قانوني.

الأمين العام لحزب «المؤتمر الشعبي» بصنعاء غازي الأحول (فيسبوك)

وتفيد المصادر ذاتها، بأن الحارس القضائي كان قد شرع مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في عملية حصر وتتبع دقيقة لجميع ممتلكات الأحول وعائلته، تمهيداً لمصادرتها، في إطار سياسة اعتمدتها الجماعة منذ سنوات لملاحقة الخصوم السياسيين ورجال الأعمال والتجار والبرلمانيين، عبر أدوات قسرية وذرائع قانونية مُفبركة.

وفي محاولة لتبرير هذه الخطوة، يروّج الحوثيون لوجود «شراكة» مزعومة بين أسرة الأحول ونجل الرئيس اليمني الأسبق أحمد علي عبد الله صالح. غير أن مصادر مطلعة، كشفت عن ضغوط متزامنة تمارسها قيادات حوثية بارزة، لإحالة الأمين العام المعتقل إلى قضاء خاضع للجماعة في صنعاء، تمهيداً لمحاكمته بتهمة «الخيانة».

رفض حزبي

وجاءت إجراءات المصادرة الحوثية، عقب إجبار قادة جناح «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرة الجماعة، على عقد اجتماع تنظيمي في صنعاء، اتُخذ فيه قرار فصل الأحول، وتعيين شخصية مقرّبة منها، نائباً لرئيس الجناح، وسط انتقادات حادة لتجاهل الاجتماع، قضية اعتقال الأمين العام، وعدم المطالبة بالإفراج عنه، فضلاً عن التغاضي عن الحصار المفروض على منزل رئيس الجناح وعدد من القيادات.

وفي ردود الأفعال، وصف أحمد عبادي المعكر، القيادي في الحزب، قرار فصل الأمين العام، بأنه «منعدم الشرعية وباطل مضموناً وشكلاً»، عادّاً أنه يندرج ضمن «تخلٍ سياسي موثق ومكتمل الأركان».

صادق أبو رأس رئيس جناح حزب «المؤتمر» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وأكد المعكر أن ما جرى «لا يمكن توصيفه بأنه خلاف تنظيمي داخلي، بل هو بيع سياسي واضح للمواقف من أجل المصالح»، مشدداً، على «أن التاريخ سيسجل هذه الخطوة بوصفها سابقة تسقط الهيبة وتفتح باب المساءلة». وأضاف أن «القيادة التي تعجز عن حماية أمينها العام وهو معتقل، لا تملك أخلاقياً ولا سياسياً، صلاحية محاسبته أو فصله».

وأشار إلى أن القرار صدر «من دون جلسة قانونية، ومن دون تمكين الأمين العام من حق الدفاع، في وقت كان غائباً قسراً خلف القضبان»، عادّاً «أن الصمت على اعتقاله يمثل إدانة، وأن القرار ذاته بات وثيقة لا تمحى».

من جهتها، استنكرت أسرة أمين عام جناح «مؤتمر صنعاء»، موقف قادة الجناح الموالين للحوثيين، وعدت ما جرى «تخلياً مخجلاً». وقال شقيقه، عتيق الأحول، في منشور على «فيسبوك»، إن الموقف كان «محبطاً ومهيناً»، لافتاً إلى أن أياً من قادة الجناح، لم يصدر بيان تنديد أو حتى مطالبة بالإفراج عنه، في وقت تتعرض فيه الأسرة للمصادرة والضغط والتهديد.


37 ألف مهاجر غير شرعي إلى اليمن خلال 4 أشهر

السواحل الشرقية لليمن تتحول إلى قبلة للمهاجرين غير الشرعيين (إعلام محلي)
السواحل الشرقية لليمن تتحول إلى قبلة للمهاجرين غير الشرعيين (إعلام محلي)
TT

37 ألف مهاجر غير شرعي إلى اليمن خلال 4 أشهر

السواحل الشرقية لليمن تتحول إلى قبلة للمهاجرين غير الشرعيين (إعلام محلي)
السواحل الشرقية لليمن تتحول إلى قبلة للمهاجرين غير الشرعيين (إعلام محلي)

على الرغم من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وسط تراجع التمويل الدولي للمساعدات، وتصاعد القيود التي فرضتها الجماعة الحوثية على عمل المنظمات الإنسانية، بما في ذلك مداهمة مكاتب الأمم المتحدة واعتقال العشرات من موظفيها، لا تزال البلاد تستقبل شهرياً آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول القرن الأفريقي، في مشهد يعكس تعقيدات إنسانية وأمنية متشابكة.

وأفادت تقارير محلية وحقوقية بأن السواحل الشرقية لليمن، خصوصاً في محافظة شبوة، تحولت خلال الفترة الأخيرة إلى وجهة رئيسية للمهاجرين غير النظاميين، بعد تشديد الرقابة الأمنية على السواحل الغربية.

وتتهم منظمات حقوقية، الجماعة الحوثية وشبكات تهريب منظمة، بالتورط في انتهاكات واسعة النطاق بحق هؤلاء المهاجرين؛ تشمل التعذيب، والاغتصاب، والاحتجاز التعسفي، والاستغلال، وصولاً إلى التجنيد القسري للقتال.

شبكات التهريب تجني ملايين الدولارات من نقل المهاجرين إلى اليمن (إعلام حكومي)

وفي هذا السياق، ذكرت شرطة محافظة شبوة أن قارب تهريب أنزل خلال الأيام الماضية، 180 مهاجراً غير شرعي من حملة الجنسية الإثيوبية على ساحل مديرية رضوم، في موجة جديدة من تدفق المهاجرين إلى البلاد.

وأوضحت أن 4 بحارة من الجنسية الصومالية كانوا يقودون القارب، مشيرة إلى «اتخاذ الإجراءات الأمنية والقانونية اللازمة للتعامل مع هذه الظاهرة، بما يحفظ الأمن والاستقرار، ويحدّ من المخاطر الناجمة عن تدفقات الهجرة غير النظامية».

تجارة مربحة

وبحسب مصادر أمنية ومحلية يمنية، أصبحت محافظة شبوة قبلة رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين، مستفيدة من اتساع سواحلها وضعف الإمكانات الرقابية، الأمر الذي شجع شبكات التهريب على نقل نشاطها إليها.

وتشير تقارير حكومية إلى أن هذه الشبكات تجني ملايين الدولارات سنوياً من تهريب المهاجرين إلى اليمن، مستغلة أوضاعهم الاقتصادية الصعبة وهشاشتهم الاجتماعية.

وفي تقرير حديث أصدره «المركز الأميركي للعدالة» (منظمة حقوقية يمنية في الولايات المتحدة)، أكد أن اليمن تحول إلى «ساحة مفتوحة لانتهاكات جسيمة بحق المهاجرين غير النظاميين»، في ظل غياب الحماية القانونية، وضعف التنسيق الإقليمي والدولي، واستفحال نشاط شبكات الاتجار بالبشر، وتداخلها مع أطراف مسلحة.

اتهامات بتورط الحوثيين في تهريب المهاجرين وتجنيدهم في الأعمال العسكرية (إعلام حكومي)

وأوضح التقرير الذي حمل عنوان «الهروب إلى الموت»، أن الطريق الشرقي للهجرة بات مسرحاً منظماً لعمل شبكات تهريب معقدة تحقق أرباحاً ضخمة، مستفيدة من تقاعس دول العبور عن مكافحة هذه الظاهرة، ومن استمرار النزاع المسلح في اليمن.

ووفقاً للتقرير الحقوقي، شهد اليمن تدفقات بشرية متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، حيث دخل البلاد 77 ألف مهاجر في عام 2022، و97 ألفاً في 2023، و81,342 مهاجراً في 2024، فيما تجاوز عدد الوافدين 37 ألف مهاجر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي فقط. وتتوقع السلطات أن يتضاعف هذا الرقم مع نهاية العام، رغم ظروف الحرب والانهيار الإنساني.

ووثق المركز الحقوقي 661 انتهاكاً بحق المهاجرين غير الشرعيين خلال الفترة بين 2023 و2025؛ «شملت الاختطاف، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والاغتصاب، والاستغلال، والتجنيد القسري، إضافة إلى القتل والوفاة جوعاً».

وحمل التقرير، شبكات التهريب، مسؤولية 45 في المائة من هذه الانتهاكات، فيما نسب 35 في المائة منها إلى جماعة الحوثي، وتوزعت النسبة المتبقية على أطراف أخرى مرتبطة بالصراع.

تداعيات خطرة

وحذر التقرير الحقوقي من «التداعيات الخطرة لانخفاض المساعدات الدولية، الذي دفع بعض النساء والفتيات إلى التعرض للاستغلال الجنسي القسري مقابل الغذاء والمأوى». وأشار إلى أن المهاجرين الإثيوبيين يشكلون نحو 89 في المائة من إجمالي المهاجرين، مقابل 11 في المائة من الصوماليين، لافتاً إلى تسجيل 585 حالة وفاة غرقاً خلال العام الماضي وحده.

ودعا المركز الحقوقي، المجتمع الدولي، إلى «اتخاذ إجراءات حازمة ضد شبكات الاتجار بالبشر، وتفعيل مسارات قانونية لحماية المهاجرين»، كما طالب جماعة الحوثي بوقف تجنيد المهاجرين واحتجازهم في مراكز غير مطابقة للمعايير الإنسانية. وحضّ دول القرن الأفريقي، خصوصاً إثيوبيا والصومال، على معالجة جذور الهجرة غير النظامية، والعمل على إعادة مواطنيها المحتجزين.

وأكد المركز أن «الصمت الدولي إزاء الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين في اليمن، يعني استمرار نزيف الأرواح، في سياق لا يُنظر فيه إلى هؤلاء المهاجرين بوصفهم بشراً لهم حقوق»، متعهداً «مواصلة التوثيق والمناصرة القانونية لمساءلة المتورطين».


العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
TT

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، يوم الأحد، الشركاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى «تغليب الحكمة ولغة الحوار».

وأوضح مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي دعا كذلك إلى «تجنيب الشعب اليمني والأمن الإقليمي والدولي، تهديدات غير مسبوقة، وعدم التفريط بالمكاسب المحققة خلال السنوات الماضية بدعم من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، وفي المقدمة مكاسب القضية الجنوبية العادلة».

وقال المصدر إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وجّه «باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض أي سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية».

وشدّد على أن «القيادة السياسية الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد المواقف السياسية العليا للدولة، وبالتالي فإن استغلال السلطة، واستخدام الصفة الوظيفية، أو المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب سياسية، يعد خرقاً جسيماً للدستور والقانون».

كما نقل المصدر عن العليمي دعوته «كافة المكونات السياسية، وأبناء الشعب اليمني، الالتفاف حول مشروع الدولة الوطنية، وحشد كافة الطاقات نحو معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وإنهاء المعاناة الإنسانية».