بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
TT

بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)
عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)

لم تتوقف عجلة الدبلوماسية الأردنية على مدى عامين من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة مُلحقةً دماراً هائلاً، مع سقوط أكثر من 70 ألف شهيد، وتشريد آلاف من السكان، أمامَ حرب التدمير التي طالت البنى التحتية وجميع أشكال الخدمات الأساسية، ليشهد القطاع مجاعة كارثية أمام النقص الحاد في الغذاء والدواء، وفق تقارير أممية.

ومنذ الأيام الأولى لحرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في 2023، سعى الأردن لتقديم جهود الإغاثة الإنسانية العاجلة والضرورية للمدنيين، منفِّذاً إنزالات جوية بإشراف مباشر من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي وجَّه القوات المسلحة (الجيش العربي) لكسر الحصار الجوي على القطاع، وكان قد بدأ منذ سنوات سبقت الحرب الأخيرة.

الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يدلي بتصريحات خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالبيت الأبيض لمناقشة الوضع المستمر في غزة وإسرائيل والمساعدات الإنسانية للمنطقة (إ.ب.أ)

وبطبيعة الحال، فإن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تجمدت، بينما بقيت القنوات الأمنية مفتوحة مع الجانب الإسرائيلي، ما خدم جهود المملكة في التعامل مع تداعيات كانت محتملة لاستمرار الحرب على غزة.

وبعد تنفيذ سائقَين أردنيَّين عمليتين فرديتين معزولتين تصادفتا في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي والعام الحالي، وقتل 5 جنود وإصابة آخرين عند المعبر الحدودي من الجانب الإسرائيلي، استفاد الأردن من الإبقاء على خطوط الاتصال الأمني مع تل أبيب، لاحتواء جوانب العمليتين؛ إذ سلَّمت تل أبيب جثمان السائق ماهر الجاري، ولا تزال تحتفظ بجثمان عبد المطلب القيسي.

غير أن قرار منع إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة عبر المعبر الحدودي توقف منذ حادثة إطلاق نار على جنود إسرائيليين، وقتل اثنين منهم بمسدس القيسي الذي تعطل قبل إنهاء عمليَّته.

معنى المخاوف الأردنية

صعَّد الأردن موقفه الدبلوماسي ضد إسرائيل مع بداية عدوانها على غزة، ورفع وزير الخارجية أيمن الصفدي سقف الخطاب الرسمي منذ الساعات الأولى للحرب، واصفاً إسرائيل مبكراً بـ«الدولة المارقة»، ومتهماً إياها بارتكاب مجازر حرب، وهدد في شهر بدء العدوان نفسه بـ«وضع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية على الطاولة» قائلاً إنها «أوراق موضوعة على رفٍّ يعلوها الغبار».

واستخدم الأردن الرسمي تصريحاته التصعيدية ضد العدوان على غزة، للتحذير من المساس بالوضع القائم في الضفة الغربية والقدس، في وقت حذَّرت فيه عمَّان مبكراً من سياسات التهجير التي تنتهجها إسرائيل، مستغلة الحرب على غزة لدفع السكان نحو خيارات «الهجرة الطوعية»، وهو أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية، في حال تم تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي (رويترز)

وعليه، تنبه الأردن مبكراً لضرورة إدخال المساعدات اللازمة من غذاء ودواء للقطاع، منفِّذاً أول إنزال جوي بطائرات سلاح الجو في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بعد شهر تقريباً من بدء العدوان. وقاد أول مهمة للجسر الجوي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) اللواء الطيار يوسف الحنيطي. لتتبعها رحلة جوية ثانية كان على متنها ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ثم رحلة ثالثة كانت الأميرة سلمى بنت عبد الله الثاني على متنها.

وعلى قِلَّة المساعدات التي تحملها الطائرات التي يتم إنزال حمولتها بواسطة المظلات الموجهة بنظام الخرائط الجوية، في مناطق آمنة بعيدة عن السكان، فإن الإشارة الرمزية في ذلك كانت تتحدث عن إمكانية كسر الحصار لو توفرت إرادة دولية.

وشهدت لقاءات الملك عبد الله الثاني مع وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد جو بايدن أنتوني بلينكن حوارات صعبة، بعد أن طالبه العاهل الأردني «بألا يعود إلى عمَّان إذا كانت جولاته عبارة عن زيارات دبلوماسية، لا تمنع إسرائيل من التعسف في استخدام القوة ضد المدنيين في القطاع»، محذراً من سياسات تهجير سكان قطاع غزة تحت تهديد القتل والدمار، ومنع حصولهم على الغذاء والدواء.

أردنيون يتظاهرون في عمَّان تضامناً مع الفلسطينيين في غزة (أرشيفية- رويترز)

وبعد عودة الرئيس دونالد ترمب وفريقه إلى البيت الأبيض، في مطلع العام الحالي، تجمدت الاتصالات مع الأردن سياسياً، في ظل تغييب عمَّان عن حلقة المشاورات؛ حيث لم يتلقَّ وزير الخارجية الأردني أي اتصال مباشر من نظيره الأميركي ماركو روبيو، باستثناء لقاء يتيم جرى في يوليو (تموز) الماضي، في حين أن مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لم يزُر عمَّان ولم يضعها في صورة تحركاته منذ تسميته لهذه الوظيفة.

وتداركاً لأي محاولات إسرائيلية للتصعيد في مناطق الضفة الغربية، وهو ما يخشاه الأردن، نتيجة الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، والتوسع الاستيطاني، والتضييق على حركة السكان، والاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين على مناطق وقرى فلسطينية، تنبَّه الأردن لأهمية تأمين متطلبات الحياة اليومية للسكان، مستبِقاً الأمر بتأمين كميات كافية من مادة الطحين، وإرسالها لمناطق الضفة تحت إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية. وكذلك أرسل الأردن مستشفى إلى مدينة نابلس، واستمر عمل المحطات الطبية في جنين ورام الله، لدعم الأشقاء الفلسطينيين.

مواجهة متأخرة مع «الإخوان»

على مدى عام ونصف عام، نفَّذت «الحركة الإسلامية» ممثلة بـ«جماعة الإخوان المسلمين» وذراعها السياسية، حزب «جبهة العمل الإسلامي» في البلاد، سلسلة احتجاجات في محيط السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية غرب العاصمة، وفي منطقة وسط البلد، رافعة شعارات مُحرجة للحكومة؛ مثل إعادة النظر في كافة الاتفاقيات الموقعة.

قوات الأمن الإسرائيلية في موقع الهجوم عند معبر اللنبي بين الضفة الغربية والأردن الذي أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين والسائق الأردني (رويترز)

ورحَّبت جماعة «الإخوان» وذراعها السياسية بعملية نفَّذها اثنان من كوادرها في أكتوبر العام الماضي، بعد محاولتهما اجتياز الحدود، وقالت في بيان إن «عملية بطولية نفَّذها اثنان من شباب الحركة الإسلامية، الشهيد البطل عامر قواس، والشهيد البطل حسام أبو غزالة، الجمعة، في منطقة البحر الميت، على الحدود الأردنية الفلسطينية، أسفرت عن إصابة عدد من جنود الاحتلال المجرم، وذلك رداً على المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والعدوان على المقدسات».

كانت تلك العملية مقدمة لإعادة النظر جذرياً في العلاقة بين «الدولة والجماعة». وفي أبريل (نيسان) الماضي، فعَّلت السلطات الأردنية قراراً قضائياً سابقاً بـ«حل جماعة الإخوان المسلمين» والذي قضى بـ«اعتبار الجماعة منحلة حكماً، وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية». بعد تجميد قرار لمحكمة التمييز صدر في عام 2020، وعدم تفعيله.


مقالات ذات صلة

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

شؤون إقليمية صورة مجمعة لرسالة منسوبة لقائد «حماس» الراحل يحيى السنوار نشرها مركز تراث الاستخبارات الإسرائيلي

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

نشر مركز تراث الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في تل أبيب، الاثنين، رسالة ادعى أنها كُتبت بخط قائد «حماس» الراحل، يحيى السنوار.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

خاص لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

يكاد يُجمع الدبلوماسيون الدوليون في لبنان على أن تغييراً كبيراً حصل فيه منذ 7 أكتوبر 2023.

نذير رضا (بيروت)
خاص لوحة دعائية مستوحاة من الأساطير الفارسية تُصوّر رجلاً يصارع تنيناً بألوان العَلم الأميركي وقد كُتب عليها «أنشد اسم إيران التي تقتل الأعداء» وذلك في ساحة انقلاب (الثورة) وسط طهران (إ.ب.أ) play-circle 03:39

خاص هجوم 7 أكتوبر: الشرارة التي هزَّت معادلات الردع الإيرانية

مثّل هجوم السابع من أكتوبر نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي فلم تقتصر تداعياته على الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بل امتدت لتطال جوهر معادلات الردع الإيراني.

عادل السالمي (لندن)
خاص شخص يحمل العلمين المصري والفلسطيني على شاحنة تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر رفح (رويترز)

خاص مصر و«حرب غزة»… موازنة تعقيدات الداخل والخارج

بينما تعيش غزة على وقع القصف، واصلت القاهرة تحركاتها السياسية والدبلوماسية لمنع ما تعتبره «خطراً وجودياً»، وهو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصفية القضية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
خاص قادة وممثلو الدول المشاركة في القمة العربية - الإسلامية الطارئة في الدوحة في 15 سبتمبر 2025 (رويترز) play-circle

خاص دفاتر العام الثاني لـ«الطوفان»: ما الذي تغير في العالم العربي؟

مع العام الثاني باتت الحسابات أكثر تعقيداً، وأصبح النظر لعملية 7 أكتوبر غير مرتبط بمشاعر الثأر وإنما بالبحث بالأسئلة الفعلية: إلى أي حد أفادت القضية الفلسطينية

عمرو الشوبكي (القاهرة )

تشديد مصري على ضرورة بدء مسار إعادة إعمار غزة

عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

تشديد مصري على ضرورة بدء مسار إعادة إعمار غزة

عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تناولت اتصالات هاتفية بين وزير خارجية مصر ونظيريه السعودي والتركي تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وسط تأكيدات من القاهرة على ضرورة «بدء مسار التعافي وإعادة الإعمار» في القطاع.

ووفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، فإنه جرى اتصال هاتفي بين الوزير بدر عبد العاطي ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان «في إطار التنسيق والتشاور بين البلدين حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وتناول الاتصال مستجدات الأوضاع في قطاع غزة، حيث استعرض عبد العاطي «الجهود المصرية الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان استدامته، والدفع نحو تنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب»، مشدداً على «أهمية الانتقال إلى ترتيبات المرحلة التالية بما يشمل تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة لإدارة الشؤون اليومية للمواطنين في القطاع، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية لممارسة دورها الكامل».

وأكد وزير الخارجية المصري «ضرورة ضمان التدفق المنتظم للمساعدات الإنسانية، وتهيئة البيئة اللازمة لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التشديد على رفض أي ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية أو فرض وقائع جديدة في الضفة الغربية».

كما جرى اتصال هاتفي ثان مع نظيره التركي هاكان فيدان «في إطار التشاور والتنسيق بين القاهرة وأنقرة حول سبل دعم العلاقات الثنائية، وتبادل الرؤى بشأن عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وتناول الاتصال «تبادل الرؤى بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث أكد عبد العاطي أهمية تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ للسلام»، مشدداً على ضرورة تدشين لجنة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة لإدارة الشؤون اليومية للمواطنين في القطاع، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية للاضطلاع بكامل صلاحياتها ومسؤولياتها.

كما أكد وزير الخارجية المصري على «أهمية نشر قوة الاستقرار الدولية، وبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التأكيد على الرفض الكامل لأي إجراءات أو ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية».

وجاءت التأكيدات المصرية في ظل تقارير غربية تتحدث عن استعداد واشنطن لتدشين مؤتمر للإعمار في غزة قريباً.

وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، في ظل سعي إدارة ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

وقالت المصادر إنه «جرت دراسة واشنطن بوصفها مكاناً محتملاً للمؤتمر الذي قد يُعقد مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير، وإن مصر من بين عدة مواقع أخرى قيد الدراسة».

ونقلت عن مصدر أن المؤتمر لن يُعقد على الأرجح إلا بعد أن يُكمل المسؤولون تشكيل «مجلس السلام» بقيادة ترمب، والمقرر أن يشرف هذا المجلس على الحكومة الانتقالية، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حماس» في أكتوبر (تشرين الأول).

ويأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أُجّل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرجح السفير الفلسطيني الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن حديث «بلومبرغ» يشير إلى التنسيق المصري الأميركي بشأن المؤتمر وليس انفراد واشنطن بعقده، وأن الأقرب أن يتم في القاهرة كما حدثت قمة شرم الشيخ للسلام.

وغداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

ولم يقدم فيدان تفاصيل بشأن تلك الدراسة الأولية، وهل متفقة مع ما هو مطروح عربياً أم إسرائيلياً أم أميركياً، وتمسك بأهمية أن يدار القطاع من قبل أبنائه، مؤكداً رفض أي مخططات لتقسيم أراضي غزة.

وسبق حديث فيدان بيوم، تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب ومبعوثه ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

ويؤكد الفرا أن انحياز واشنطن التام لإسرائيل يدفعها للتمادي في غزة، وخلق عقبات لعدم الدفع بالمرحلة الثانية، وكان أحدثها تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الثلاثاء، بأن إسرائيل لن تنسحب من غزة.

وأضاف أن الوسطاء لن يقبلوا بأي خطط تهدد خطة الإعمار العربية، وأي مقترحات لا تتوافق مع يطلبه الفلسطينيون، وليس كما ترغب واشنطن أو إسرائيل بالإعمار الجزئي في مناطق سيطرتها التي تصل لنحو 52 في المائة بالقطاع، متذرعة بعدم نزع سلاح «حماس».


مصر تُشجع السفارات الأجنبية على الانتقال إلى العاصمة الجديدة

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
TT

مصر تُشجع السفارات الأجنبية على الانتقال إلى العاصمة الجديدة

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)

تشجع الحكومة المصرية السفارات والبعثات الدبلوماسية بالقاهرة للانتقال من مقراتها في القاهرة إلى «الحي الدبلوماسي» بالعاصمة الجديدة (شرق القاهرة).

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إجراءات انتقال السفارات والبعثات الأجنبية إلى العاصمة الجديدة، مع رئيس «شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية»، خالد عباس، إلى جانب الحوافز والتيسيرات التي يتم تقديمها للبعثات الدبلوماسية الأجنبية لتشجيعها على الانتقال، وفق إفادة لـ«الخارجية المصرية»، مساء الاثنين.

وزير الخارجية المصري خلال لقائه رئيس «شركة العاصمة الإدارية» (الخارجية المصرية)

وتضم المدينة الجديدة رئاسة الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء، بجانب «الحي الدبلوماسي» المقرر نقل مقرات السفارات الأجنبية إليه.

وتبلغ مساحة الحي الدبلوماسي في العاصمة الجديدة نحو 1500 فدان، تسع نحو 200 سفارة، وفق شركة العاصمة الإدارية. وحسب بيان «الخارجية المصرية»، ناقش عبد العاطي مع رئيس الشركة «خطة تنفيذ نقل مقار البعثات والسفارات بتوجيهات من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي»، وأشاد بـ«أعمال إنشاء وتجهيز الحي الدبلوماسي، وجهود توفير بنية تحتية ومرافق حديثة تلبي احتياجات السفارات والبعثات الأجنبية».

وتتركز غالبية مقار السفارات الأجنبية، حالياً، في أحياء راقية وسط القاهرة، لا سيما المُطلة على نهر النيل، مثل الزمالك، وجاردن سيتي، والمعادي، وهي أحياء كانت قريبة من مقر وزارة الخارجية المصرية بوسط العاصمة المصرية، قبل نقله إلى الحي الحكومي في العاصمة الجديدة.

سفير سويسرا يتابع إجراءات نقل مقر سفارة بلاده إلى العاصمة الإدارية في فبراير الماضي (شركة العاصمة الإدارية)

وخلال اللقاء، شدد وزير الخارجية المصري على ضرورة «تقديم الدعم والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية، لضمان انتقال سلس ومنظم للسفارات والبعثات الأجنبية، إلى مقارها الجديدة»، إلى جانب ضرورة «توفير أفضل الظروف لعمل البعثات الدبلوماسية المعتمدة في مصر»، حسب «الخارجية المصرية».

وتتوالى تعاقدات البعثات الدبلوماسية الأجنبية للحصول على مقرات لها بالعاصمة الجديدة، ووقَّعت «شركة العاصمة»، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، اتفاقاً مع سفارة الكاميرون، لبيع قطعتي أرض بمساحة 8500 متر، داخل الحي الدبلوماسي، لإقامة مقر جديد للسفارة وسكن للسفير، حسب إفادة للشركة.

ولا يوجد موعد محدد لبدء نقل السفارات الأجنبية إلى العاصمة الجديدة، وفق المتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، خالد الحسيني، وقال إن «البعثات الدبلوماسية الأجنبية توقع عقود مقراتها تباعاً، على أن تستكمل إجراءات النقل تدريجياً بمرور الوقت»، مشيراً إلى أن التعاقدات التي جرى توقيعها، «تشمل دولاً عربية وأفريقية وآسيوية وأوروبية ومن الأميركتين».

رئيس شركة العاصمة الإدارية وسفير الكاميرون بالقاهرة خلال توقيع عقد مقر جديد للسفارة الكاميرونية بالعاصمة الجديدة (الشركة)

وأشار الحسيني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عملية نقل السفارات الأجنبية لمقراتها للحي الدبلوماسي، أمر اختياري، وفق تقديرات كل دولة»، وقال إن «(شركة العاصمة) أقامت بالفعل مقرات مجهزة بالحي الدبلوماسي لتشجيع السفارات للانتقال إليها»، منوهاً بأن «الهدف تخفيف الضغط على مدينة القاهرة، والاستفادة من البنية المتطورة في العاصمة الجديدة».

وفي وقت سابق، قال الرئيس السابق لـ«شركة العاصمة الجديدة»، اللواء أحمد زكي عابدين، إن الشركة «تلقت طلبات من 60 دولة أجنبية وعربية للحصول على أراضٍ لإنشاء سفارات لها داخل الحي الدبلوماسي بالعاصمة»، وقال في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 إن من أبرز هذه الدول «الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والإمارات».

ولا يقتصر الحي الدبلوماسي بالعاصمة الجديدة على مقرات للبعثات الدبلوماسية الأجنبية فقط، وإنما يضم مكاتب ومقرات للمنظمات الدولية والإقليمية، ضمن رؤية تخطيطية تنفذها الحكومة المصرية للمدينة الجديدة، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد، وأشار إلى أن «تخصيص مصر حياً دبلوماسياً في العاصمة الجديدة نهج تطبقه دول عربية وأجنبية عند بناء المدن الجديدة، مثلما فعلت البرازيل».

سفير الجزائر بالقاهرة أثناء توقيع عقد تخصيص قطعة أرض لبناء مقر لسفارة بلاده في العاصمة الإدارية في فبراير الماضي (شركة العاصمة)

ويعتقد أحمد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المقرات الجديدة للسفارات الأجنبية «ستساعد الحكومة المصرية في توفير متطلبات الحماية الأمنية لهذه البعثات، بجانب تحقيق التجانس السكاني، وفق التخطيط العمراني الجديد».

غير أنه لا يرجح استكمال إجراءات الانتقال بشكل كامل للسفارات الأجنبية للعاصمة الجديدة على المستوى القريب، وقال: «هناك سفارات دول كبرى تحتفظ بمقرات تاريخية لها في وسط القاهرة، وربما ستكتفي في الوقت الحالي بافتتاح مكاتب اتصال لها بالمقرات الجديدة بالعاصمة»، إلى جانب «وجود صعوبات مالية تواجه بعثات بعض الدول التي لا تمتلك موارد لشراء مقرات لها في الحي الدبلوماسي الجديد».

وإلى جانب سفارات الدول الأجنبية، سيضم الحي الدبلوماسي مقرات للمنظمات الدولية والأممية، ومن المقرر أن تستضيف العاصمة الجديدة مقرات مؤسسات أفريقية، من بينها «مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاع»، والمقر الرئيسي لـ«البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد».


حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
TT

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)

«أشتري الآن أم أنتظر؟»، سؤال وجَّهه المصري محمد عبد الحميد، لرفقائه على المقهى بوسط القاهرة، خلال جلستهم نهاية الأسبوع الماضي، مستفسراً حول مناسبة الوقت الحالي لاستثمار حصيلة مدخراته المُقدَّرة بـ70 ألف جنيه (نحو 1475 دولاراً)، في شراء الذهب، بعد ارتفاعات متتالية في أسعاره طوال أيام الأسبوع، ليستقبل المهندس الأربعيني نصائح متضاربة: «اشترِ فوراً، فالسعر لن يرحم»، «انتظر، فالانخفاض قادم»، وصولاً إلى سخرية مريرة من أحدهم: «انتظر حتى يصل الغرام إلى 10 آلاف جنيه».

وبينما لم يتلقَّ المهندس الأربعيني إجابةً شافيةً لقلقه من خطوة الشراء، فإن ما شهدته أسواق الذهب المحلية والعالمية، خلال تعاملات (الاثنين)، من ارتفاعات قياسية جديدة، بعدما سجَّلت أوقية الذهب أعلى مستوى في تاريخها، جعله يحسم أمره، والتوجُّه إلى سوق «الصاغة» الشهير، لشراء سبيكة ذهبية وزن 10 غرامات بمبلغه المُدَّخر.

وأغلق سعر الذهب في مصر (الاثنين) على ارتفاع كبير ليسجِّل مستوى تاريخياً جديداً، مدفوعاً بازدياد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية بشكل أكبر، إلى جانب عودة التوترات الجيوسياسية التي تزيد من الطلب على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً، بحسب منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.

وارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية بنحو 100 جنيه للغرام، خلال تعاملات الاثنين، بينما ارتفعت خلال التعاملات الصباحية، الثلاثاء، 60 جنيهاً، ليسجل سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر تداولاً في مصر) مستوى 5960 جنيهاً، وهو أعلى مستوى يسجله على الإطلاق.

زيادة أسعار الذهب لم تُثنِ المصريين عن الشراء (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

لم يكن عبد الحميد وحده هو مَن قصد «الصاغة»، إذ جذب بريق المعدن الأصفر العشرات غيره إلى المنطقة، حيث «تشهد السوق حركةً نشطةً، ورغم الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، فإن الإقبال على الشراء لا يزال قوياً، لكن مع تغيّر واضح في نمط الشراء»، وفق ما يؤكده أمير رزق، تاجر الذهب والخبير المصري في مجال المصوغات والمشغولات الذهبية لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «منذ أكثر من 50 عاماً، هناك قاعدة ثابتة في السوق المصرية (كلما ارتفع سعر الذهب، زاد الإقبال عليه)، فالناس تشتري عندما ترتفع الأسعار، وتُحجم عندما تنخفض، خوفاً من الخسارة».

وبينما وصل حجم مشتريات المصريين من الذهب خلال عام 2024 إلى 50.1 طن، و32.5 طن خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، بحسب «مجلس الذهب العالمي»، فإن رزق يشير إلى أن الإقبال على الشراء لأغراض استثمارية يشهد زخماً غير مسبوق، حيث يتركز الإقبال على السبائك الصغيرة، قائلاً: «الطلب الأكبر حالياً على السبائك ذات الأوزان الصغيرة 2، و5، و10 غرامات، أما الذهب لأجل الزينة، فلا يُشكِّل أكثر من 5 إلى 7 في المائة من المبيعات؛ بسبب ارتفاع الأسعار».

وفق بيانات «آي صاغة»، ارتفعت أسعار الذهب محلياً بنحو 45 جنيهاً خلال الأسبوع الماضي، بينما سجَّلت أسعار الذهب بالأسواق المحلية ارتفاعاً بنحو 2050 جنيهاً، منذ بداية 2025.

يتوازى مع سجال المقهى، سجال رقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، التي يطرح روادها أسئلةً بشكل مكثف حول مناسبة الوقت لشراء الذهب.

داخل أحد محلات الذهب بحي مصر الجديدة بالقاهرة، يوضِّح تاجر الذهب، مدحت عليش، أن الزيادات المتتابعة للذهب أدت لحالة من «التخبط» يعيشها المستهلك المصري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الذهب يصعد، ثم يهبط، ثم يعاود الصعود... هذا التذبذب خلق حالةً من الترقب. الجميع يسأل: نشتري الآن أم ننتظر؟»، لافتاً إلى أن إجابته دوماً على هذا التساؤل هي أن «الذهب دائماً أفضل من السيولة النقدية».

ويلفت عليش إلى تحول جذري في ثقافة شراء الذهب لدى المصريين، قائلاً: «كانت (الشَّبكة) - هدية الزواج - تمثل العمود الفقري للمبيعات في العقود الماضية، لكن الطلب الآن ينصب بالكامل على السبائك والجنيهات الذهبية لأغراض الادخار فقط».

بدوره، يؤكد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية المصرية، هاني ميلاد، أن السوق المحلية لا تزال تشهد طلباً نشطاً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الارتفاع في الأسعار غالباً ما يدفع الناس إلى الشراء بدافع الخوف من زيادات إضافية، فعندما يرون السعر يتحرك صعوداً، يتسابق كثيرون للشراء قبل أن يرتفع أكثر».

ويؤكد أن السوق تشهد تحولاً في نوعية الزبائن، موضحاً: «مفهوم الاستثمار في الذهب جذب شرائح جديدة من المستهلكين، لم تكن معتادة على الشراء سابقاً، حيث دخل مستثمرون كبار، إلى جانب أفراد من الطبقة المتوسطة الذين يشترون كميات صغيرة، ما وسَّع قاعدة المشترين بشكل غير مسبوق».

سلوك المصريين في الإقبال على الذهب رغم ارتفاعاته، يُرجعه الخبير الاقتصادي، عادل عامر، إلى دوافع اقتصادية واجتماعية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك دوافع اقتصادية مباشرة، أبرزها الخوف من التضخم، وتآكل القوة الشرائية للجنيه، ما يجعل الذهب ملاذاً آمناً لحفظ القيمة، كونه لا يتأثر بالتضخم بالطريقة نفسها التي تتأثر بها العملة المحلية، كما أنه في الوعي الجمعي المصري ليس مجرد سلعة، بل رمز للأمان في أوقات الأزمات».

ويتابع: «الإقبال على شراء الذهب، خصوصاً السبائك، ليس نزعة استهلاكية، بل سلوك دفاعي عقلاني في بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين، لذا يستمر هذا الاتجاه رغم الارتفاعات». وهو الاتجاه الذي يؤكده الأربعيني محمد عبد الحميد، مُعللاً اتجاهه لشراء سبيكته، بقوله: «أغلى سعر اليوم... هو أرخص سعر غداً».