طهران تخسر جولات في العراق... ولم تخسر الحرب بعد

أثر دومينو «7 أكتوبر» لم يطل بغداد مثل دمشق وبيروت

جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

طهران تخسر جولات في العراق... ولم تخسر الحرب بعد

جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)

قبل عامين كانت الفصائل العراقية متحمسة لتسجيل حضورها في مشاهد «طوفان الأقصى». الحماسة هدأت في الأشهر اللاحقة لأكتوبر (تشرين الأول) 2023، مع ما قيل إنها مفاوضات شديدة التعقيد بين الحكومة وتلك الجماعات، لتحييد العراق عن الحرب.

لم يظهر دليل واحد على أن إيران خسرت العراق بأكمله كما هو الحال في سوريا، لكنها بدأت تخسر جولة تلو الأخرى أمام الأميركيين في حلبة بغداد، كما أن وكلاءها بدأوا يعتادون على الحياة بسلام مع «أخطر رجلين في العالم هذه الأيام، دونالد ترمب، وبنيامين نتنياهو»، كما يصفهما وزير عراقي سابق.

يستدل سياسيون في بغداد على «جولات الملاكمة» التي ربحها الأميركيون على الإيرانيين بثلاث وقائع: تحرير الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف من «كتائب حزب الله» من دون صفقة، وسحب قانون «الحشد الشعبي» بينما كان جاهزاً للتصويت عليه في البرلمان، وقبل ذلك هدنة طويلة مع القوات الأميركية حتى خلال الهجمات الإسرائيلية الأميركية على إيران التي دامت 12 يوماً.

بعد عامين من «وحدة الساحات»، وفي أعقاب عملية 7 أكتوبر التي نفذتها حركة «حماس»، لم تظهر الفصائل العراقية في اللقطة الختامية لـ«الطوفان»، حتى بين الصفوف الخلفية. بالنسبة لكثيرين، هذا خبر جيد حتى الآن.

فصائل عراقية تشيع رمزياً حسن نصر الله في ذكرى مقتله في ساحة التحرير وسط بغداد (إعلام الفصائل)

البحث عن الخطة «ب»

كان سياسي شيعي زار طهران أخيراً وعاد إلى بغداد بتصورات ملتبسة قبل انطلاق الحملات الحزبية المؤهّلة لانتخابات البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

يقول هذا السياسي، الذي بدأ منذ 3 أكتوبر 2025 حملته الرسمية لحصد مقعد في البرلمان المقبل، إن «طهران تبحث عن (الخطة ب) حتى لا تسقط بالضربة القاضية»، ومن وجهة نظره فإنها «قد تفاجئ كثيرين بما لديها، وقد تعوّض سوريا من مكان آخر».

من العادات التي يواظب عليها سياسيون شيعة في بغداد أن «يقرأوا كتاب الانتخابات بلغة يفهمها الإيرانيون»، على حد تعبير السياسي.

كيف يمكن أن يكون هذا التنبؤ صحيحاً؟ يفتقر مقياس النفوذ الإيراني في العراق إلى أداة فحص حاسمة. ثمة انقسام حول درجة النفوذ، وما إذا كان تضاءل إلى حد يسمح بالقول إن قطعة الدومينو التي سقطت في سوريا سقط معها، بالتوالي، وكلاء وحلفاء في العراق!

الحال، دائماً، أن الرأي العام العراقي، وأدواته الحزبية التي تخوض في هذا المقياس، يخضع لسرديات مصنوعة أو مبتكرة، وأحياناً حمّالة أوجه ورسائل.

عناصر من «الحشد الشعبي» خلال دورية استطلاع في موقع شمال بغداد (إعلام الهيئة)

فصائل تسأل... وإيران لا تجيب

ضغطت أنباء عن حرب محتملة ضد إيران على الفصائل في بغداد. وبحسب مصادر، فإن قادة في تلك الجماعات عقدوا اجتماعاً أواخر سبتمبر (أيلول) 2025، وقرروا إرسال طلب استشارة من «الحرس الثوري» بشأن ما سيكون الوضع عليه لو اندلعت الحرب فعلاً. قال قيادي شيعي في فصيل انضم أخيراً إلى «قائمة أميركية للمنظمات الإرهابية»، إن طهران لم ترد حتى الآن.

بالتزامن، كانت مجموعة من «الحرس الثوري» معنيّة بهندسة التحالفات الانتخابية للقوى الشيعية في العراق تعقد اجتماعات مختلفة مع فاعلين في تحالف «الإطار التنسيقي». تقول مصادر متقاطعة إنه «بالإمكان اعتبار هذه المجموعة لجنة انتخابات إيرانية تشرف على توزيع القوى الشيعية بين القوائم المتنافسة، وقد هندست من قبل تحالفات وازنة في برلمانات سابقة».

لقد فشلت هذه اللجنة «الخبيرة» في إقناع قادة أحزاب شيعية بتنفيذ خريطة معينة لدمج قوائم، أو إعادة توزيع مرشّحين، لضمان هندسة نتائج معيّنة في دوائر انتخابية وسط البلاد، وجنوبها.

من بين الفاعلين الشيعة الذين يُزعم أنهم خالفوا تعليمات إيرانية بشأن الانتخابات أعضاء في فصائل مقاومة انخرطت لفترة مع «طوفان الأقصى»، ثم تراجعت إلى «حديقة خلفية»، بحثاً عن مصادر نفوذ متنوّعة.

لافتات انتخابية بدا في إحداها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في أحد شوارع بغداد المؤدية إلى ساحة الفردوس (أ ف ب)

مساحات شبه خالية

في المدن المحرّرة من «داعش» تنشط أحزاب سنّية في حملة انتخابية شبه مستقرة. ثمة شعور بأن ارتخاء القبضة الإيرانية ساعدهم على الحركة بحرّية، لكنهم يترددون في التعبير عن ذلك، ثمة محاولات لضبط النفس، وعدم استفزاز «محور المقاومة».

يُعتقد على نطاق واسع أن رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي أقصاه عام 2023 تحالف موالٍ لإيران من المشهد، يعود الآن بقوة. يرجع مقرّبون منه ذلك إلى ما يوصف بـ«مهارات شخصية، وحسابات دقيقة»، لكن الأمر لا يخلو من استغلال مساحات شبه خالية من النفوذ الإيراني، سواء تُركت عمداً، أو بسبب الضغط الأميركي.

في المقابل، لا يزال زعماء سنة ينافسون الحلبوسي بحاجة إلى تحالفات مع فاعلين شيعة تضمن لهم أحصنة للمراهنة. ثمة فاعلون في نينوى وصلاح الدين وكركوك يهندسون مرشّحيهم مع قوائم تابعة لفصائل موالية للمرشد الإيراني علي خامنئي.

لذا قد تبدو المساحات الخالية كلياً من إيران مجرد سراب. ينقل السياسي الشيعي أن فصائل متنفذة تلقت أخيراً طلبات من طهران بمساعدة جماعات موالية في بلدان «مقاومة» في نقل أنشطتها إلى بغداد، وحدث ذلك بالفعل.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مختلفة أن علي لاريجاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني «يشرف على ترتيبات تتعلق بمساعدة الوكلاء المتضررين من الحرب». كان الرجل أخيراً في بيروت وغادرها قائلاً: «(حزب الله) يستعيد قوته سريعاً، وسيقلب الموازين».

«مصير بن لادن ليس حتمياً»

انضمّت أخيراً 4 فصائل إلى قوائم وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية، وهي «النجباء» و«كتائب الإمام علي»، و«أنصار الله الأوفياء»، و«كتائب سيد الشهداء»، لترتفع حصة العراق إلى 6 فصائل في هذه القائمة التي كانت تضم قبل سنوات أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة».

كانت «حركة عصائب أهل الحق» التحقت بالقائمة، عام 2020، و«كتائب حزب الله» منذ عام 2009، وكل منهما تحتفظ بمقاعد ووزراء في البرلمان والحكومة.

«ليس بالضرورة أن يكون مصيرك سيئاً مثل بن لادن حتى لو دخلت هذه القائمة»، يقول وزير عراقي سابق، عمل في حكومة عادل عبد المهدي (2018-2019)، إن «الجماعات الموالية لإيران تتكيّف الآن مع أخطر رجلين في العالم، دونالد ترمب، وبنيامين نتنياهو».

لقد سُمعت في بغداد أصوات داخل الأحزاب الشيعية تتساءل إن كان الرئيس الأميركي يؤخّر ضربات إسرائيلية في العراق، ويكسب في المقابل من الضغط الأميركي على الحكومة وصنّاع القرار، لقطع حبال الوصل مع الإيرانيين.

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني وقادة في «الإطار التنسيقي» (إعلام حكومي)

هل يحمينا ترمب من نتنياهو؟

يقول الوزير السابق، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن واشنطن ربحت معارك في طهران، لأن العراقيين استجابوا للضغط في لحظة ارتباك إيرانية. كما أن فصائل شيعية ظلّت تسأل طوال الأشهر الماضية: «هل يحمينا ترمب بالفعل من نتنياهو؟». يبدو الأمر كذلك.

يرصد الوزير هذه الأيام ملامح «الخطة ب» التي تعمل عليها إيران. يقول: «هناك لاعبون جدد من أحزاب شيعية لم تتورّط في تداعيات (طوفان الأقصى) يحاولون اليوم تحديث نسختهم الراديكالية، ولبس رداء مدني يساعدهم على إنقاذ أنفسهم من دائرة الخطر».

إلى حد ما، يشبه الأمر رجلاً في مرمى قنّاص محترف، وعلى صدره نقطة ليزر. يعجز عن الحركة يميناً ويساراً، لأن أقل حركة ستُرديه في الحال. لا يشعر القنّاص بالملل من تسليط الليزر ما دامت الضحية متجمّدة.

وماذا لو غيّر الهدف وجهه واسمه وسلوكه؟ يقول الوزير السابق إن «قادة فصائل مسلّحة تستهويهم الآن فكرة إعادة السلاح إلى المخازن، وحلق اللحى، فيكونون مفيدين جداً لواشنطن وطهران».

إن قائد فصيل مسلّح «يفكر بهذه الطريقة المتقدّمة سيكون مفيداً لإيران حين تهدأ العاصفة»، يقول السياسي الشيعي الذي يعتقد أن 4 سنوات مع ترمب طويلة، وهي أطول بكثير مع نتنياهو، وتتطلّب التغيير.

بدأت ليالي الخريف في بغداد في عز صيف انتخابي لاهب. حتى مع تدفّق الأخبار عن احتمالات تجدّد الحرب بين إيران وإسرائيل، بات قادة فصائل افترشوا قبل عامين خرائط تل أبيب لقصفها يفتحون اليوم مكاتبهم لنخب ليبرالية وعلمانية للخوض في نقاشات طويلة عن انتخابات تبدأ إثارتها من الآن.


مقالات ذات صلة

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

شؤون إقليمية صورة مجمعة لرسالة منسوبة لقائد «حماس» الراحل يحيى السنوار نشرها مركز تراث الاستخبارات الإسرائيلي

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

نشر مركز تراث الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في تل أبيب، الاثنين، رسالة ادعى أنها كُتبت بخط قائد «حماس» الراحل، يحيى السنوار.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

خاص لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

يكاد يُجمع الدبلوماسيون الدوليون في لبنان على أن تغييراً كبيراً حصل فيه منذ 7 أكتوبر 2023.

نذير رضا (بيروت)
خاص لوحة دعائية مستوحاة من الأساطير الفارسية تُصوّر رجلاً يصارع تنيناً بألوان العَلم الأميركي وقد كُتب عليها «أنشد اسم إيران التي تقتل الأعداء» وذلك في ساحة انقلاب (الثورة) وسط طهران (إ.ب.أ) play-circle 03:39

خاص هجوم 7 أكتوبر: الشرارة التي هزَّت معادلات الردع الإيرانية

مثّل هجوم السابع من أكتوبر نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي فلم تقتصر تداعياته على الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بل امتدت لتطال جوهر معادلات الردع الإيراني.

عادل السالمي (لندن)
خاص عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)

خاص بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

منذ بداية الحرب، سعى الأردن لتقديم جهود الإغاثة الإنسانية العاجلة والضرورية للمدنيين في غزة، وصعَّد لهجته الدبلوماسية، محذراً من المساس بالوضع في الضفة والقدس.

محمد الرواشدة (عمَّان)
خاص شخص يحمل العلمين المصري والفلسطيني على شاحنة تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر رفح (رويترز)

خاص مصر و«حرب غزة»… موازنة تعقيدات الداخل والخارج

بينما تعيش غزة على وقع القصف، واصلت القاهرة تحركاتها السياسية والدبلوماسية لمنع ما تعتبره «خطراً وجودياً»، وهو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصفية القضية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.