الحوثيون يستهدفون مصادر عيش السكان لتعزيز قبضتهم الأمنية

تركيز على سائقي الأجرة والدراجات والأسواق الشعبية

سكان صنعاء يخشون إجراءات حوثية جديدة تزيد من صعوبة المعيشة تحت مبرر تخفيف الزحام (رويترز)
سكان صنعاء يخشون إجراءات حوثية جديدة تزيد من صعوبة المعيشة تحت مبرر تخفيف الزحام (رويترز)
TT

الحوثيون يستهدفون مصادر عيش السكان لتعزيز قبضتهم الأمنية

سكان صنعاء يخشون إجراءات حوثية جديدة تزيد من صعوبة المعيشة تحت مبرر تخفيف الزحام (رويترز)
سكان صنعاء يخشون إجراءات حوثية جديدة تزيد من صعوبة المعيشة تحت مبرر تخفيف الزحام (رويترز)

تحت مزاعم التخفيف من الزحام والعشوائيات، تسعى الجماعة الحوثية إلى تعزيز قبضتها على العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، مهددة أرزاق آلاف السكان من سائقي سيارات الأجرة الجماعية والدراجات النارية والباعة وأصحاب المحلات التجارية، من خلال تقليص حركة سيارات الأجرة، وإزالة أو نقل عشرات الأسواق الشعبية.

وكشفت مصادر محلية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية تنوي اتخاذ إجراءات لتسهيل حركة قواتها الأمنية لقمع أي مظاهرات أو أفعال مقاومة شعبية، إلى جانب التنقلات السرية لقياداتها العليا، في ظل مخاوفها من مراقبتهم ورصد تحركاتهم واستهدافهم من الطيران الإسرائيلي.

وأشارت المصادر إلى مسارعة عدد من الجهات التنفيذية التابعة للجماعة للإعلان عن تقديم مقترحات وخطط لتخفيف الزحام وتسهيل حركة المرور، في الوقت الذي تناقش فيه أجهزتها الأمنية اتباع سياسة جديدة للرقابة على السكان، تحت مزاعم الخوف من تجنيدهم جواسيس أو عملاء لصالح إسرائيل.

وأفادت المصادر بأن الجماعة تسعى لتجنب سيناريو تجنيد العملاء لصالح إسرائيل في إيران، والذي تسبب في تسهيل حصولها على معلومات عن مواقع عسكرية واستراتيجية إيرانية واستهدافها، إلى جانب تجنيد العملاء في استهداف علماء وشخصيات مهمة.

الحوثيون يعتزمون اعتماد نظام جديد يسمح لنصف سيارات الأجرة الجماعية بالعمل خلال اليوم (غيتي)

وبحسب المصادر، فإن الجماعة تخطط لتقييد حركة الدراجات النارية خوفاً من استخدامها في تنفيذ عمليات اغتيال أو مراقبة وجمع معلومات.

تقييد حركة المرور

وناقشت إدارة وشرطة المرور التابعتان للجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، خطتها المتضمنة إجراءات لتنظيم حركة سيارات الأجرة الجماعية «الميكروباصات» في محطات وخطوط السير في العاصمة المختطفة صنعاء، والتي تقضي بالسماح بعمل نصف عدد السيارات خلال اليوم فقط، وفقاً لنظام تبادلي بين التي تحمل أرقاماً فردية وأخرى زوجية.

وبررت كلا الجهتين هذه الخطة بعدد الباصات العاملة الذي يَزيد على 30 ألف سيارة أجرة (ميكروباص) تعمل على مدار الساعة، حسب مزاعمها، ما يؤدي إلى العشوائية والزحام ووقوع حوادث شجار بين السائقين، وادعتا أن النظام المقترح سيسهم في انسيابية السير وتخفيف الازدحام.

على فترات طويلة كانت شوارع صنعاء خالية مقابل زحام أمام محطات الوقود (أ.ف.ب)

كما أقر اجتماعٌ لما يسمى لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس المحلي في صنعاء وقطاعات الأشغال والنظافة والمرور والنقل التابعة للجماعة الحوثية نقل الأسواق العشوائية إلى مواقعَ مخصصة بمزاعم توفير بيئة آمنة للبائعين، وضمان انسيابية الحركة في الشوارع.

وقوبل هذا المقترح باستياء وغضب في أوساط السائقين وعموم السكان، وسط مخاوف من استخدام الآلية المزمعة في ابتزاز السائقين ومضاعفة الأعباء عليهم وعلى مستخدمي وسائل المواصلات بتقليل فرص حصولهم على وسائل نقل بسهولة ويسر، ودفعهم إلى استخدام سيارات الأجرة الفردية (التاكسي) مرتفعة التكلفة.

ويرى سائقو سيارات الأجرة الجماعية أن الإجراءات الحوثية المتوقعة عقب هذا المقترح ستؤدي إلى مراكمة الأعباء عليهم بحرمانهم من نصف مداخيلهم اليومية في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها غالبية السكان وغلاء الأسعار والوقود، إلى جانب ارتفاع كلفة صيانة السيارات وقطع الغيار.

مخاوف الحوثيين من الاستهداف الإسرائيلي وراء مساعيهم لتقييد حركة السكان (رويترز)

ويتوقع السائقون أن يجري ابتزازهم عند تنفيذ هذا القرار بفرض غرامات بمبالغ باهظة عليهم عند المخالفة، وتمكين أفراد وعناصر الجماعة الحوثية العاملين في شرطة المرور من ضبط المخالفين، وسحب تراخيص القيادة ومزاولة المهنة، وعدم إعادتها إلا بعد دفع مبالغ كبيرة.

وسيلة مستحدثة للابتزاز

ويتخوف السائقون من عدم قدرتهم حتى على الخروج بسياراتهم للأغراض الشخصية والعائلية، حيث يبدون مخاوف من ألا يسمح لهم بقيادتها تحت أي ظرف خلال اليوم الذي يحظر عليهم العمل فيه.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، ذهب أحد سائقي سيارات الأجرة إلى توقع أن يمنح هذا الإجراء أفراد شرطة الجماعة الحوثية فرصة لابتزازه حتى والسيارات متوقفة أمام المنازل، وتهكم قائلاً: «سأشتري غطاء قماشياً لسيارتي كي لا يلمحها أفراد شرطة المرور، لكن هذا قد لا يكفي لمنعهم من الابتزاز، والأفضل أن أجد مخبأً لها».

من جهتهم، يرى مستخدمو وسائل النقل الجماعية أن مثل هذا القرار يزيد من صعوبة تحركاتهم، فإذا كان الزحام مشكلة مع توفر وسائل المواصلات، فإن تقليل عدد سيارات الأجرة إلى النصف سيؤدي إلى عدم قدرتهم على الركوب والتنقل بسهولة.

متسوقون في أحد شوارع صنعاء (رويترز)

ويبدي طلاب في جامعة صنعاء وعدد من الجامعات الخاصة وموظفون عموميون وآخرون في مؤسسات تجارية قلقهم من أن يتسبب مثل هذا القرار بانتقالهم من المعاناة مع الزحام إلى اضطرارهم للوقوف لأوقات طويلة في انتظار وصول سيارات الأجرة الجماعية.

ويتهكم أحد موظفي قطاع التجارة والصناعة من هذه الخطة التي يصفها بالغريبة والمستوردة من دولة مثل الهند التي تشهد انفجاراً سكانياً، ولا تناسب صنعاء التي لا تحتاج أكثر من التنظيم والوعي المرورين.

ويبين الموظف لـ«الشرق الأوسط» أن الزحام في صنعاء ليس بالقدر الذي يدفع إلى ابتكار مثل هذه الخطة، وأن جميع سكان المدينة يعرفون أنه يحدث في مواقع محددة وفي أوقات معينة خلال ساعات النهار، وبالإمكان التخفيف منه باتباع إجراءات محددة، وليس بقطع أرزاق آلاف الناس.


مقالات ذات صلة

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
TT

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)

«أشتري الآن أم أنتظر؟»، سؤال وجَّهه المصري محمد عبد الحميد، لرفقائه على المقهى بوسط القاهرة، خلال جلستهم نهاية الأسبوع الماضي، مستفسراً حول مناسبة الوقت الحالي لاستثمار حصيلة مدخراته المُقدَّرة بـ70 ألف جنيه (نحو 1475 دولاراً)، في شراء الذهب، بعد ارتفاعات متتالية في أسعاره طوال أيام الأسبوع، ليستقبل المهندس الأربعيني نصائح متضاربة: «اشترِ فوراً، فالسعر لن يرحم»، «انتظر، فالانخفاض قادم»، وصولاً إلى سخرية مريرة من أحدهم: «انتظر حتى يصل الغرام إلى 10 آلاف جنيه».

وبينما لم يتلقَّ المهندس الأربعيني إجابةً شافيةً لقلقه من خطوة الشراء، فإن ما شهدته أسواق الذهب المحلية والعالمية، خلال تعاملات (الاثنين)، من ارتفاعات قياسية جديدة، بعدما سجَّلت أوقية الذهب أعلى مستوى في تاريخها، جعله يحسم أمره، والتوجُّه إلى سوق «الصاغة» الشهير، لشراء سبيكة ذهبية وزن 10 غرامات بمبلغه المُدَّخر.

وأغلق سعر الذهب في مصر (الاثنين) على ارتفاع كبير ليسجِّل مستوى تاريخياً جديداً، مدفوعاً بازدياد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية بشكل أكبر، إلى جانب عودة التوترات الجيوسياسية التي تزيد من الطلب على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً، بحسب منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.

وارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية بنحو 100 جنيه للغرام، خلال تعاملات الاثنين، بينما ارتفعت خلال التعاملات الصباحية، الثلاثاء، 60 جنيهاً، ليسجل سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر تداولاً في مصر) مستوى 5960 جنيهاً، وهو أعلى مستوى يسجله على الإطلاق.

زيادة أسعار الذهب لم تُثنِ المصريين عن الشراء (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

لم يكن عبد الحميد وحده هو مَن قصد «الصاغة»، إذ جذب بريق المعدن الأصفر العشرات غيره إلى المنطقة، حيث «تشهد السوق حركةً نشطةً، ورغم الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، فإن الإقبال على الشراء لا يزال قوياً، لكن مع تغيّر واضح في نمط الشراء»، وفق ما يؤكده أمير رزق، تاجر الذهب والخبير المصري في مجال المصوغات والمشغولات الذهبية لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «منذ أكثر من 50 عاماً، هناك قاعدة ثابتة في السوق المصرية (كلما ارتفع سعر الذهب، زاد الإقبال عليه)، فالناس تشتري عندما ترتفع الأسعار، وتُحجم عندما تنخفض، خوفاً من الخسارة».

وبينما وصل حجم مشتريات المصريين من الذهب خلال عام 2024 إلى 50.1 طن، و32.5 طن خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، بحسب «مجلس الذهب العالمي»، فإن رزق يشير إلى أن الإقبال على الشراء لأغراض استثمارية يشهد زخماً غير مسبوق، حيث يتركز الإقبال على السبائك الصغيرة، قائلاً: «الطلب الأكبر حالياً على السبائك ذات الأوزان الصغيرة 2، و5، و10 غرامات، أما الذهب لأجل الزينة، فلا يُشكِّل أكثر من 5 إلى 7 في المائة من المبيعات؛ بسبب ارتفاع الأسعار».

وفق بيانات «آي صاغة»، ارتفعت أسعار الذهب محلياً بنحو 45 جنيهاً خلال الأسبوع الماضي، بينما سجَّلت أسعار الذهب بالأسواق المحلية ارتفاعاً بنحو 2050 جنيهاً، منذ بداية 2025.

يتوازى مع سجال المقهى، سجال رقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، التي يطرح روادها أسئلةً بشكل مكثف حول مناسبة الوقت لشراء الذهب.

داخل أحد محلات الذهب بحي مصر الجديدة بالقاهرة، يوضِّح تاجر الذهب، مدحت عليش، أن الزيادات المتتابعة للذهب أدت لحالة من «التخبط» يعيشها المستهلك المصري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الذهب يصعد، ثم يهبط، ثم يعاود الصعود... هذا التذبذب خلق حالةً من الترقب. الجميع يسأل: نشتري الآن أم ننتظر؟»، لافتاً إلى أن إجابته دوماً على هذا التساؤل هي أن «الذهب دائماً أفضل من السيولة النقدية».

ويلفت عليش إلى تحول جذري في ثقافة شراء الذهب لدى المصريين، قائلاً: «كانت (الشَّبكة) - هدية الزواج - تمثل العمود الفقري للمبيعات في العقود الماضية، لكن الطلب الآن ينصب بالكامل على السبائك والجنيهات الذهبية لأغراض الادخار فقط».

بدوره، يؤكد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية المصرية، هاني ميلاد، أن السوق المحلية لا تزال تشهد طلباً نشطاً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الارتفاع في الأسعار غالباً ما يدفع الناس إلى الشراء بدافع الخوف من زيادات إضافية، فعندما يرون السعر يتحرك صعوداً، يتسابق كثيرون للشراء قبل أن يرتفع أكثر».

ويؤكد أن السوق تشهد تحولاً في نوعية الزبائن، موضحاً: «مفهوم الاستثمار في الذهب جذب شرائح جديدة من المستهلكين، لم تكن معتادة على الشراء سابقاً، حيث دخل مستثمرون كبار، إلى جانب أفراد من الطبقة المتوسطة الذين يشترون كميات صغيرة، ما وسَّع قاعدة المشترين بشكل غير مسبوق».

سلوك المصريين في الإقبال على الذهب رغم ارتفاعاته، يُرجعه الخبير الاقتصادي، عادل عامر، إلى دوافع اقتصادية واجتماعية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك دوافع اقتصادية مباشرة، أبرزها الخوف من التضخم، وتآكل القوة الشرائية للجنيه، ما يجعل الذهب ملاذاً آمناً لحفظ القيمة، كونه لا يتأثر بالتضخم بالطريقة نفسها التي تتأثر بها العملة المحلية، كما أنه في الوعي الجمعي المصري ليس مجرد سلعة، بل رمز للأمان في أوقات الأزمات».

ويتابع: «الإقبال على شراء الذهب، خصوصاً السبائك، ليس نزعة استهلاكية، بل سلوك دفاعي عقلاني في بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين، لذا يستمر هذا الاتجاه رغم الارتفاعات». وهو الاتجاه الذي يؤكده الأربعيني محمد عبد الحميد، مُعللاً اتجاهه لشراء سبيكته، بقوله: «أغلى سعر اليوم... هو أرخص سعر غداً».


وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
TT

وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)

رفضت وزارات في الحكومة اليمنية سلسلة البيانات المنسوبة إليها أو إلى موظفين فيها، والتي تحدثت عن انحياز مؤسسات حكومية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي ودعمه في إجراءات التصعيد التي ينفّذها في محافظتيْ حضرموت والمهرة.

جاءت هذه المواقف في أعقاب موجة بيانات سياسية أصدرها وزراء ونواب وزراء ووكلاء وزارات وقادة مؤسسات ومحافظون محسوبون على «الانتقالي»، أعلنوا فيها تأييدهم العلني للخطوات الأحادية التي اتخذها المجلس في شرق البلاد، فيما عدَّه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خروجاً واضحاً عن مبدأ الشراكة ووحدة القرار.

وفي وقت سابق، كان مصدر مسؤول بمكتب رئاسة الجمهورية قد عبّر، في بيان، عن «قلق بالغ» من «خروج بعض الوزراء والمسؤولين التنفيذيين عن مهامّهم الوظيفية»، وتحولهم إلى التعبير عن مواقف سياسية «لا تنسجم مع المرجعيات الدستورية والقانونية»، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

وحذّر البيان من استغلال المناصب الحكومية لـ«تحقيق مكاسب سياسية» خارج الأُطر الشرعية، مؤكداً أن مجلس القيادة هو الجهة الوحيدة المخوَّلة بتحديد المواقف العليا للدولة.

رفض البيانات المنسوبة

في هذا السياق، نفت وزارة الأوقاف والإرشاد أي صلة لها ببيان جرى تداوله مؤخراً، تضمّن «مضامين سياسية لا تندرج ضمن اختصاصاتها». وأكدت الوزارة أن الشرعية السياسية «المعترَف بها محلياً وإقليمياً ودولياً» تتمثل حصراً في مجلس القيادة الرئاسي، وأن أي موقف خارج هذا الإطار لا يمثلها، ولا تتحمل مسؤوليته. كما شددت على التزامها بتحييد ملف الأوقاف والحج والعمرة عن أي تجاذبات سياسية؛ حفاظاً على سُمعة اليمن ومصالح مواطنيه.

في الاتجاه نفسه، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة رفضها القاطع أي «مواقف أو قرارات صادرة خارج الأطر الدستورية»، محذّرة من خطورة الزج بالمؤسسات الخِدمية في سياقات سياسية قد تضر بيئة الأعمال وتؤثر على مناخ الاستثمار وثقة القطاع الخاص. وجددت الوزارة أنها تعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية وبما يخدم «الاستقرار الاقتصادي ووحدة المؤسسات».

حشود في مدينة عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

أما وزارة الشباب والرياضة فعبّرت عن «استهجان بالغ» لنشر بيانٍ نُسب إلى موظفين فيها بعدن، وأعلنت رفضها «الزج بالمؤسسة في مواقف سياسية منحازة». وأكدت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية والإدارية ضد كل من يثبت تورطه في إصدار أو الترويج لبيانات تنتحل صفة الوزارة، مشددة على أن التزامها سيظل كاملاً بتوجيهات رئيس المجلس الرئاسي ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

الاتجاه نفسه اتخذته وزارة العدل، التي رأت أن البيان المنسوب إليها «تضمّن توصيفات ومسميات تتجاوز المرجعيات الدستورية»، مؤكدة أن أي استخدام للصفة الوظيفية للتعبير عن مواقف سياسية خارج إطار الشرعية يُعد «مخالفة جسيمة تستوجب المساءلة». وجدّدت الوزارة التزامها باستعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين، مؤكدة أن مؤسسات الدولة «تمثل جميع اليمنيين ولا يجوز القفز عليها».

وفي السياق نفسه، كانت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة قد أعلنت رفضها أي «اصطفاف سياسي أحادي»، أو استخدام للصفة الرسمية في مواقف سياسية. وشددت على أنها لن تتهاون مع أي محاولات لفرض أمر واقع إعلامي أو سياسي خارج إطار الشرعية، مؤكدة التزامها الكامل بإعلان نقل السلطة والتوافق الوطني.


صفقة يمنية ضخمة في مسقط لتبادل 2900 أسير ومحتجز

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
TT

صفقة يمنية ضخمة في مسقط لتبادل 2900 أسير ومحتجز

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

في صفقة هي الأضخم خلال الحرب التي أشعلها الحوثيون، أعلن وفد الحكومة اليمنية المفاوض في ملف المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً، التوصل إلى اتفاق مع الجماعة الحوثية يقضي بالإفراج عن نحو 2900 محتجز من الطرفين، في إطار الجولة العاشرة من المشاورات الإنسانية التي استضافتها العاصمة العُمانية مسقط، بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، وبمشاركة فاعلة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي حين أكد الحوثيون ومكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الاتفاق، أعادت الصفقة الأمل لآلاف الأسر اليمنية التي أنهكها الانتظار الطويل، كما أعادت ملف الأسرى إلى صدارة الأولويات بعد سنوات من التعثر والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بإفشال مبدأ «الكل مقابل الكل».

وأوضح بيان صادر عن الفريق الحكومي، أن الاتفاق الموقَّع ينصّ على الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف من جميع الأطراف ومن مختلف الجبهات، وعلى رأسهم القيادي السياسي البارز في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، إضافةً إلى كل المحتجزين من الأشقاء في التحالف، بمن فيهم الطيارون.

الوفد الحكومي اليمني المشارك في مشاورات مسقط بخصوص الأسرى (سبأ)

وأكد البيان أن الوفد الحكومي تحمّل كامل مسؤوليته الوطنية والإنسانية، وعمل بجدية والتزام كاملين لتنفيذ توجيهات القيادة السياسية في مجلس القيادة الرئاسي، التي شددت بوضوح على ضرورة الإفراج الشامل دون انتقائية أو استثناء، مشدداً على أن هذا الملف لا يحتمل المساومات السياسية.

في السياق ذاته، ثمّن الوفد عالياً الدور الذي لعبته سلطنة عُمان في احتضان هذه المشاورات، إلى جانب الجهود المحورية للمملكة العربية السعودية في دعم المسار الإنساني، إضافةً إلى الدور المهم الذي اضطلع به مكتب المبعوث الأممي والعاملون معه، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي وُصفت مساهمتها بـ«الإنسانية العظيمة والمعهودة».

ترحيب أممي

أكد مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، في بيان، أن الأطراف اليمنية اختتمت في العاصمة العُمانية مسقط، اجتماعاً استمر اثني عشر يوماً، توصلت خلاله إلى اتفاق على مرحلة جديدة من إطلاق سراح المحتجزين من جميع الأطراف على خلفية النزاع.

وأوضح المكتب أن الاجتماع عُقد ضمن أعمال اللجنة الإشرافية المعنية بتنفيذ اتفاقية إطلاق سراح المحتجزين، برئاسة مشتركة بين مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مشيراً إلى أن هذه الجولة تُعد الاجتماع العاشر للجنة التي أُنشئت بموجب اتفاقية استوكهولم لمتابعة التزامات الأطراف بالإفراج عن جميع المحتجزين المرتبطين بالحرب.

ورحّب المبعوث الأممي بنتائج الاجتماع، واصفاً التقدم المحقق في هذا الملف بأنه ذو أهمية إنسانية كبيرة، لما له من أثر مباشر في التخفيف من معاناة المحتجزين وأسرهم في مختلف المناطق اليمنية.

ونقل البيان عن غروندبرغ تأكيده أن التوصل إلى اتفاق بشأن مرحلة جديدة من الإفراج عن المحتجزين يمثل خطوة إيجابية ومهمة، مشدداً في الوقت ذاته على أن نجاح الاتفاق مرهون بالتنفيذ الفعلي، واستمرار انخراط الأطراف وتعاونها، إلى جانب دعم إقليمي منسق، وجهود متواصلة للبناء على هذا التقدم وصولاً إلى عمليات إفراج أوسع.

كما أعرب المبعوث الأممي عن تقديره لسلطنة عُمان على استضافتها المشاورات ودعمها المستمر لجهود الوساطة، مثمناً الدور الإنساني الذي تضطلع به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تيسير تنفيذ الاتفاق وضمان احترام المبادئ الإنسانية ذات الصلة.

وجدد مكتب المبعوث الخاص التزام الأمم المتحدة بمواصلة تيسير وتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية، باعتبار ذلك جزءاً من مساعي بناء الثقة بين الأطراف ودفع المسار الإنساني قدماً في اليمن.

كسر حالة الجمود

حسب تصريحات رئيس وفد الحكومة اليمنية يحيى كزمان، فإن الاتفاق يشمل الإفراج عن 2900 محتجز ومختطف، في حين أعلن رئيس وفد الحوثيين التوصل إلى صفقة تبادل تشمل 1700 من عناصر الجماعة مقابل 1200 من الطرف الآخر.

ويتفق الطرفان على أن الصفقة تُعد من أوسع عمليات التبادل منذ سنوات، وتشكل كسراً لحالة الجمود التي خيَّمت على الملف الإنساني، خصوصاً بعد تعثر جولات سابقة في الأردن وسويسرا، وآخرها في مسقط قبل أشهر، بسبب ما وصفته الحكومة اليمنية بـ«تعنت الحوثيين».

ويأمل مراقبون أن تمهد هذه الصفقة الطريق لاستكمال الإفراج عن بقية المحتجزين والمخفيين قسراً على خلفية أحداث الحرب، بما في ذلك تبادل الرفات وجثامين القتلى، وهو ما أشار إليه الوفد الحكومي بوصفه جزءاً من رؤية شاملة لإنهاء هذا الملف المؤلم.

وعلى مدى السنوات الماضية، اتهمت الحكومة اليمنية الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، بإفشال كل الجهود الرامية إلى تنفيذ مبدأ «الكل مقابل الكل»، إذ لم تسفر المساعي السابقة إلا عن إطلاق نحو 2000 محتجز من الطرفين في أكبر صفقتين رعتهما الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتقدّر منظمات حقوقية محلية ودولية وجود آلاف المعتقلين في سجون الحوثيين منذ انقلاب الجماعة على التوافق الوطني أواخر 2014، وسط اتهامات بتعرضهم لظروف احتجاز غير إنسانية، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي، فضلاً عن الإخفاء القسري.

كما تحتجز الجماعة الحوثية عشرات من موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية الإغاثية، بعضهم منذ أواخر 2021، بعد توجيه اتهامات بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة وتعدها ملفقة.

وفي حين تتخذ الجماعة من اعتقال الموظفين الأمميين وموظفي المنظمات وموظفي السفارات ورقة للابتزاز السياسي والضغط الدولي، تعوّل الأمم المتحدة على دور الأطراف الإقليمية التي تحتفظ بقنوات اتصال مع الحوثيين، لدفعهم نحو الإفراج عن هؤلاء المحتجزين، بوصف ذلك اختباراً حقيقياً لجدية الجماعة في التعامل مع الملفات الإنسانية.