فجرّت تصريحات الفنان السوري سلوم حداد التي سخر فيها من عدم قدرة الفنانين المصريين على الأداء باللغة الفصحى جدلاً واسعاً، ورغم اعتذار الفنان في وقت لاحق، فإن الضجة لم تهدأ، رغم تأكيد نقيب المهن التمثيلية بمصر، أشرف زكي، قبول الاعتذار احتراماً للعلاقة المتجذرة بين الفنانين المصريين والسوريين.
ودفعت تصريحات سلوم متابعين وفنانين للرد عليه، من بينهم الفنان أحمد ماهر الذي هاجم سلوم عبر تصريحات تلفزيونية، وقال ضمن تعليقه: «من يغفل الفنانين المصريين رواد هذه المهنة الذين صدروا الفن للمنطقة العربية؟ من يغفل أن السينما المصرية قدمت أفلاماً مثل (فجر الإسلام) و(رابعة العدوية)»، داعياً الفنان السوري لأن يراجع تاريخ مصر جيداً قبل أن يتحدث عنه.
كما هاجم المؤلف عمرو محمود ياسين، الفنان السوري، وقال إنه «ليس في موقع يسمح له بتقييم الفنان المصري، لأن تاريخ الفن المصري يزخر بفطاحل اللغة العربية الفصحى».
بينما رأى متابعون أن انتقادات الفنان السوري لها ظل من الحقيقة؛ لغياب الأعمال الدرامية التي تعتمد على اللغة الفصحى، مما أثار تساؤلات بشأن قدرة الدراما المصرية حالياً على تقديم أعمال بالفصحى.

ويرى المؤلف محمد السيد عيد الذي قدم عشرات الأعمال الإذاعية والتلفزيونية بالفصحى، من بينها مسلسل «الإمام الغزالي»، أن «هناك فرقاً بين أن المصريين لا يقدمون أعمالاً باللغة الفصحى إلا قليلاً، وبين أنهم لا يعرفون»، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أظن أن الفنان السوري لا يعرف المصريين، ولا يتابع أعمالهم على مدى السنوات الطوال، فلم يكن الفنانان الراحلان نور الشريف وعبد الله غيث من يجيدان التمثيل بالفصحى وحدهما، بل هما ضمن جيش كامل من نجوم كبار من مختلف الأجيال على غرار محمود ياسين وسميرة عبد العزيز وخالد النبوي ومحمد رياض وحنان مطاوع».
ويؤكد عيد قدرة الدراما المصرية على تقديم أعمال بالفصحى، موضحاً: «لدينا مؤلفات جاهزة وممثلون مبدعون لديهم قدرة فائقة على العطاء».
ويفسر عيد غياب هذه الأعمال عن الشاشات في السنوات الأخيرة بقوله: «لأن كل تفكير القائمين على الدراما المصرية ينصب على تقديم أعمال اجتماعية تدور حول الخيانة والعصابات والمشكلات الاجتماعية، ولا يقدمون شيئاً آخر، كأن الدنيا ضاقت أمامهم، فغاب المسلسل الديني والتاريخي».
واعتبرت الفنانة نادية رشاد أن «سلوم حداد تجاوز قليلاً في سخريته، ربما بحكم المنافسة»، حسبما تقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة: «نحن لدينا جهابذة في نطق اللغة العربية الفصحى، لكن ما ألوم عليه تجاه الأجيال الجديدة من الممثلين أنهم في نطقهم للغة الدارجة يتكلمون بشكل سريع جداً فلا يفهم البعض ما يقولونه، لذا أتمنى أن يراعوا ما تعلموه بمعهد الفنون المسرحية من براعة الاستهلال وحسن الختام».
وتُبدي الفنانة الكبيرة انحيازها لعودة اللغة العربية الفصحى للدراما، وترى أن «المشكلة إنتاجية» لأن هذه الأعمال تتطلب إنفاقاً كبيراً في الملابس والإكسسوارت والديكورات ولهذا لم تعد لها أولوية في الإنتاج، متمنية أن تعود مجدداً.
لكن في المقابل، رأى فريق آخر من بينه الناقد طارق الشناوي أن «سلوم حداد قال الحقيقة، وأن هناك تراجعاً ملحوظاً في أداء اللغة الفصحى بين الممثلين»، وأضاف الشناوي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التراجع بدأ من معهد الفنون المسرحية، وامتد إلى نشرات الأخبار بالتلفزيون فلم تعد تُقرأ بالفصحى التي اعتدناها من كبار المذيعين أمثال زينب سويدان وأحمد سمير».
ويتساءل الشناوي بدهشة: «لماذا هذه الحساسية المفرطة تجاه أي أحد ينتقد شيئاً في بلدنا، فمصر قرينة بكلمة (العرب) وكل فن يقدم من مصر هو فن عربي ومن حق أي عربي أن ينتقده».
لكن الفنان المصري أيمن الشيوي، الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية، أكد قدرة الدراما المصرية على تقديم الأعمال التاريخية بالفصحى بجانب تدريب ممثلين عرب، من بينهم سوريون، مشيراً إلى أن «فنانين سوريين كُثراً تخرجوا من معهد الفنون المسرحية، من بينهم الفنان جهاد سعد، وأن المعهد يستقبل في كل عام طلبة سوريين ومن مختلف الدول العربية يتعلمون أصول فن التمثيل في مناهج ترتكز على اللغة العربية الفصحى».

واعتبر نقيب الممثلين المصريين، أشرف زكي، ما قاله الفنان سلوم حداد «زلة لسان»، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «العلاقة بين الفن المصري والسوري علاقة متجذرة، ونحن لن نقف أمام ما قاله الفنان السوري احتراماً لهذه العلاقة، لا سيما بعد أن أبدى اعتذاره وقبلناه، ولا بد أن يتوقف هذا الجدل».
ويرفض زكي القول بـ«غياب الأعمال الفنية التي تقدم بالفصحى»، قائلاً: «أدعوكم لمشاهدة مسرحية (الملك لير) بالمسرح القومي، وكيف يتألق الفنان الكبير يحيى الفخراني مع فريق عمل من الشباب والكبار على أعلى مستوى من الأداء بالفصحى»، ويُلفت إلى أن إذاعة «البرنامج الثاني» تقدم كثيراً من الأعمال الدرامية باللغة الفصحى، وكذلك مشروعات التخرج لطلاب معهد الفنون المسرحية معظمها بالفصحى.

وكان سلوم حداد قد كتب عبر حسابه في «فيسبوك» رسالة قال فيها: «لم أقصد أبداً الإساءة لأي فنان مصري، فمصر بتاريخها العريق وفنها الراسخ كانت وما زالت منارة للثقافة العربية»، مضيفاً: «إذا كان كلامي قد فُهم على نحو خاطئ فأنا أقدم اعتذاري العلني وأؤكد احترامي لكل فنان مصري قدم وأبدع وأسهم في بناء هذا الصرح الفني العربي العظيم».
وبدأت الأزمة عندما حل الفنان السوري ضيفاً على «دائرة الشعر العربي» بإمارة الفجيرة بالإمارات، وتطرق خلال حواره للحديث عن التمثيل باللغة العربية الفصحى، مُعلقاً بسخرية على أداء بعض الممثلين المصريين باللغة الفصحى، مما أثار ضحك الحضور، وقال إن «قلة من الممثلين المصريين هم الذين كانوا يجيدون الفصحى أمثال الراحلين عبد الله غيث ونور الشريف»، على حد تعبيره.
ويعد مسلسل «ممالك النار» بطولة الفنان المصري خالد النبوي من أبرز المسلسلات الناطقة بالفصحى خلال السنوات الخمس الماضية، بجانب مسلسل «رسالة الإمام» الذي قدم قبل عامين وهو من بطولة خالد النبوي أيضاً.








