التحالف الحاكم في العراق يتراجع عن تشريع «الحشد الشعبي»

حل أو دمج الهيئة سيعتمد على مصير سلاح «حزب الله» اللبناني

صورة متداولة لاستعراض عسكري لأحد فصائل «الحشد الشعبي» (إكس)
صورة متداولة لاستعراض عسكري لأحد فصائل «الحشد الشعبي» (إكس)
TT

التحالف الحاكم في العراق يتراجع عن تشريع «الحشد الشعبي»

صورة متداولة لاستعراض عسكري لأحد فصائل «الحشد الشعبي» (إكس)
صورة متداولة لاستعراض عسكري لأحد فصائل «الحشد الشعبي» (إكس)

قرر التحالف الحاكم في العراق وقف التصعيد مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتعطيل التصويت على قانون «الحشد الشعبي»، وتأجيل البتّ في مصير هذه القوات التي يتجاوز عددها 200 ألف مقاتل، بانتظار حسم الصراع في لبنان على نزع سلاح «حزب الله».

ويُعتقد على نطاق واسع أن قانون «الحشد» الذي عارضته واشنطن بقوة، يمنح جماعات موالية لإيران إطاراً مؤسساتياً يوازي وزارة الدفاع، ويحظى باستقلالية من حيث التمويل والتدريب في أكاديمية عسكرية خاصة.

وكشفت مسودة القانون المنشورة في موقع البرلمان، أن عناصر «الحشد» سيتلقون تعليمات قد تكون ذات طابع مذهبي، بسبب السعي لإقرار «مديرية التوجيه العقائدي».

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، وأمين مجلس الأمن القومي علي لاريجاني، قد دافعا، في مناسبات عديدة، لا سيما بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، عن وجود «الحشد» في العراق، وحذَّرا من حله وتقويض أدواره.

لكن، وخلافاً للمسار الشائع عن قبضة إيران، يعكف التحالف الشيعي الذي يواجه انقسامات في قضايا استراتيجية على معالجة مسألة قانون «الحشد الشعبي» ببدائل قد تبدو شكلية. وقال قيادي في «الإطار التنسيقي» إن «الظهير المسلح الذي يُفترض به حماية الفاعلين الأساسيين، يتحول إلى جمرة لا يمكن حملها طويلاً».

مع ذلك، قد يكون هذا التحول الذي يصيب خطاب «الإطار التنسيقي» أحد «تكتيكات إيرانية متبعة لتفادي الضغوط»، كما يعتقد مسؤول حكومي سابق.

مقاتلون يرفعون شعار «الحشد» خلال تدريبات عسكرية (الحشد الشعبي)

«شبح يطل برأسه»

تحدث قيادي بارز في «الإطار التنسيقي»، لـ«الشرق الأوسط»، عن تطورات لافتة داخل مطبخ القرار. قال إن «التحالف حسم أمره في اجتماع عقده أخيراً في العاصمة بغداد، بشأن إيقاف إجراءات كانت محل خلاف حاد مع واشنطن، من بينها قانون (الحشد)».

ونقل القيادي عن الاجتماع أن «قادة التحالف توصلوا إلى قناعة نهائية بأن تمرير القانون لن يحقق مصالح البلاد العليا». رغم ذلك، فإن «هادي العامري (زعيم منظمة بدر) وهمام حمودي (زعيم المجلس الأعلى الإسلامي) كانا أكثر مَن دفعا للتصويت على القانون»، وفق مصادر مطلعة.

ودافع ناشطون مقربون من التحالف الحاكم عن وجهة نظر العامري وحمودي التي كانت تفيد بأن القانون نفسه قد يكون «فرصة لفرض سيطرة الدولة»، لكن شكوكاً دوليةً ومحلية تغلبت، بسبب «شبح إيراني يطل برأسه على مؤسسة تثير الانقسام في البلاد».

خلال اجتماع «الإطار التنسيقي»، أبلغ زعيم حزب شيعي مخضرم زملاءه بأن «المؤشرات التي ترد من واشنطن مقلقة، وتستدعي التريث».

كان المجال العام مزدحماً بسرديات مختلفة عن طبيعة التهديد الأميركي للعراق في حال شرع القانون. وصل الأمر من لسان رئيس البرلمان محمود المشهداني الذي لمح إلى «غزو بري قد يجتاح البلاد». وتحدث سياسيون عن عقوبات اقتصادية على خلفية اعتبار العراق «دولة حاضنة للإرهاب».

ويلخص مسؤول عراقي لـ«الشرق الأوسط»، وجهة النظر الأميركية التي نقلها موظفون دبلوماسيون زاروا بغداد، الأسابيع الماضية، بأن القانون يمنح «الحشد» بُعداً استراتيجياً، إذ «يساهم في حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق»، وهذه مهمة إشكالية بسبب نفوذ إيران المتجذر في جماعات أساسية داخل الهيئة.

في النهاية، قرر «الإطار التنسيقي» بدلاً من تمرير القانون البحث عن صيغة بديلة تشمل إقرار هيكلية مناصب أمنية داخل هيئة الحشد ضمن صلاحيات الحكومة، ولا تحتاج إلى العودة للبرلمان.

ووصف القيادي الصيغة البديلة بأنها «شكلية لإرضاء قوى متشددة كانت تصر، ولا تزال، على تمرير القانون»، لكن مصادر مطلعة رجحت أن «الحكومة لن تبادر بصياغة الإجراءات البديلة بسبب حسابات دقيقة تتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، والضغط الانتخابي الهائل على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني».

وقال مستشار حزبي بارز شارك أخيراً في نقاشات عن مصير القانون، إن «الحكومة لن تقوم بإجراءات بديلة. لن تقترب من القانون، ولن تتحمل الارتدادات المتوقَّعة».

لذلك، شبه القيادي الشيعي هذه العملية المعقَّدة بـ«الوقوف على لغم تحت الأرض، سينفجر مع أقل حركة».

أرشيفية لعناصر من «الحشد» خلال دورية في موقع شمال بغداد (إعلام الهيئة)

«ماذا يريد الأميركيون أكثر؟»

تسود حالة من عدم اليقين داخل «الإطار التنسيقي». وقالت المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن قادة في التحالف يرون أن إدارة الرئيس الأميركي تريد ما هو أكثر من تعطيل قانون الحشد، والمضي إلى حله أو دمجه. «فلم لا نجرب التهدئة ونرى ما سيحدث».

لكن قرار «الإطار التنسيقي»، في تأجيل المواجهة مع ترمب، يعود إلى كسب الوقت وانتظار ما ستؤول إليه الأمور في لبنان، وفق القيادي الشيعي.

ويرهن التحالف الحاكم خطوته المقبلة لحسم مصير «الحشد» بنتائج الصراع حول مصير سلاح «حزب الله». وحسب القيادي الشيعي، فإن «كل شيء سيتوقف على ما إذا كان (حزب الله) قادراً على التموضع مجدداً، بالسلاح أو من دونه، بينما يواجه ضغوطاً خارجية وداخلية هائلة».

وقال القيادي: «ننظر إليهم (حزب الله) بحذر. نعتقد أنهم لن يسلموا بسهولة، ولا بد من صفقة. سنرى ما سيحدث، وسترون انعكاسه في بغداد»، وتساءل: «كيف سيكون التوازن الجديد بعد نزع سلاح أكبر طرف يمثل المقاومة في المنطقة؟».

بدا «الإطار التنسيقي» قد أعاد إحدى قدميه إلى الخلف من أجل التهدئة مع الولايات المتحدة التي تضغط بشكل متزايد، للتأكد من أن إيران لا يمكنها الوصول إلى موارد عسكرية ومالية في العراق.

والأسبوع الماضي، اجتمع سياسيون مع زعيم شيعي لمناقشة التهديدات الأميركية. كانوا يسألون عما إذا كانت جدية ووشيكة. قال إن «بغداد تلقت إشارات أوحت لنا بأن النظام السياسي. أشدد على عبارة (النظام السياسي)، مهدَّد بالخطر». وتابع: «من الواضح أن علينا تقديم أجوبة مختلفة عما ستكون عليه علاقتنا بإيران. ما زلنا نبحث في الأفكار والعبارات المناسبة».

في اجتماع منفصل، خلال الفترة نفسها، علمت «الشرق الأوسط» أن زعيم فصيل مسلح، كان قد التزم بالتهدئة طيلة العامين الماضيين، أبلغ مقربين منه بأن «(الإطار التنسيقي) قرر تجنب المغامرات».

لغم سينفجر في جميع الأحوال

وإذا تم تشريع القانون، فسيواجه العراق وضعاً صعباً مع الأميركيين، كما تفيد رسائل التهديد المزعومة، لكن عدم تشريعه أيضاً سيرتد على قادة الفصائل المسلحة. قال القيادي الشيعي: «كيفما تسقط العملة الحديدة، ستخسر في كلا الوجهين».

خلال الأسبوعين الماضيين، تحوَّل قانون «الحشد» إلى لغم ينفجر على التحالف الحاكم في جميع الأحوال، سواء شرعه البرلمان أو مضى في تأجيله، مع أن مشرعين ما زالوا يحاولون تحقيق نصاب جلسة التصويت؛ إذ يضغطون بارتداء بدلات عسكرية.

وقال القيادي الشيعي إن «القوى المنخرطة في التحالف الحاكم لديها حسابات انتخابية، وتريد نهاية مقبولة لجمهورها، بينما يركن قانون الحشد على الرف».

وتجنباً لانفجار اللغم، تبحث هذه القوى عن مخرج من المأزق الذي يتفاقم في الأمتار الأخيرة قبيل الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وأفاد مستشار سياسي بأن أحزاباً متنفذة داخل «الإطار التنسيقي» تبحث عن «سيناريو لإخراج جلسة التصويت على القانون دون تصويت»، في حين تحدثت مصادر عن رسائل أبلغت أحزاباً كردية وسنية بأنه «لا داعي لحضور نوابها الجلسة».

إلا أن السيناريو الأكثر قبولاً داخل «الإطار التنسيقي» أن يحضر عدد لا يضمن النصاب، لكنه يقدم صورة حاشدة عن النواب الشيعة وهم يرتدون الزي العسكري.

لكن المعضلة الكبرى، وفق القيادي الشيعي، تتعلق بكيفية التصرف بقانون الحشد الشعبي؛ إذ يعول عليه قادة فصائل للحصول على غطاء حكومي وقانوني يؤمن نفوذهم المسلح، الذي يبقى محل شك إقليمي ودولي.

أحد المشرعين العراقيين، الذي ادعى أنه شارك في كتابة فقرات في قانون «الحشد الشعبي»، قدم تصوراً عن ارتدادات عدم تشريعه. وقال إن «غياب الغطاء القانوني للجماعات المسلحة لا يفقد قادتها النفوذ المنتظر وحسب، بل سيرتد على تماسك الكيان».

وأوضح المشرع، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن «فقدان القدرة على مأسسة الحشد إلى مستوى جهاز يوازي وزارة الدفاع، كما كان يطمح قادة فصائل، سيسرب الشك والإحباط إلى صفوف المقاتلين الذين يبحثون عن صيغة مستقرة قابلة للصمود، كما هو الوضع في بقية الوكالات الأمنية الحكومية مثل قوات الرد السريع والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب.

والحال أن «الإطار التنسيقي» قرر إيقاف العجلة، محاولاً «إعادة تعريف نفسه كشريك موثوق في المنطقة»، لكن هذا يتطلب صفقة صعبة مع إيران لن يتحدد شكلها قبل حسم التسويات الأمنية والسياسية في لبنان، وفق المصادر.


مقالات ذات صلة

السوداني يؤكد تلقي العراق تهديدات «عبر طرف ثالث»

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يؤكد تلقي العراق تهديدات «عبر طرف ثالث»

أكد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تلقي بغداد تهديدات إسرائيلية «مستمرة» وصلت عبر طرف ثالث، في أول إقرار رسمي من هذا المستوى.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي السفير الإيراني لدى العراق كاظم آل صادق (إيرنا)

إيران تتطلع إلى رئيس حكومة عراقي «يراعي» مصالح البلدين

يقول السفير الإيراني في بغداد إن الفصائل العراقية وصلت إلى مرحلة اتخاذ القرارات بنفسها، في سياق حديث عن عزمها «حصر السلاح بيد الدولة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)

فصائل عراقية لا تمانع «التطبيع بشروط» مع واشنطن

أكدت مصادر مطلعة على كواليس الفصائل العراقية أنها لا تمانع «صيغة مقبولة» لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن بـ«شروط محددة».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مبعوثه الخاص إلى العراق المُعيّن حديثاً مارك سافايا (إكس)

مبعوث ترمب إلى العراق يشترط نزعاً «شاملاً» لسلاح الفصائل

تواصل الولايات المتحدة ضغوطها على القيادات السياسية والفصائلية في العراق لإنهاء ملف نزع سلاح الفصائل، باعتباره أحد أهم الأهداف الرئيسة التي تسعى إلى تحقيقه.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)

جدل في العراق بعد شكر القضاء للفصائل المسلحة على «نزع السلاح»

أثار البيان المقتضب الذي أصدره رئيس مجلس القضاء فائق زيدان حول قبول بعض قادة الفصائل المسلحة بمبدأ «حصر السلاح بيد الدولة» أسئلة وانتقادات.

فاضل النشمي (بغداد)

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
TT

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى، في وقت تزامن فيه الحراك مع إجراءات أمنية وتحذيرات رسمية، وخطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل مؤسسات عامة.

وبينما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الإنصات للمحتجين عبر الحوار، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال التطورات، وسط تفاعلات داخلية وخارجية رافقت أحدث موجة من الاحتجاجات، عكست حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.

وفي تطور لافت، برز انضمام طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بأن مظاهرات طلابية نُظّمت في عدد من الجامعات بطهران، إضافة إلى مدينة أصفهان وسط البلاد. وحسب الوكالة، شملت التحركات جامعات «بهشتي، وخواجة نصير، وشريف، وأمير كبير، وجامعة العلوم والثقافة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا» في طهران، إلى جانب جامعة التكنولوجيا في أصفهان.

كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات على الغلاء والأزمة الاقتصادية، فيما رددت شعارات احتجاجية مناهضة لنظام الحكم، في بعض الجامعات، وفق ما نقلته قنوات طلابية على تطبيق «تلغرام». وفي مقطع فيديو نُشر من تجمع احتجاجي في شارع ملاصدرا بطهران، يظهر محتجون يرددون شعار: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».

طهران تستعد للذكرى السادسة لمقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية يناير 2020 في بغداد (إ.ب.أ)

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد، صباح الثلاثاء، على امتداد جادة ولي عصر، التي تمتد لمسافة 18 كيلومتراً من شمال العاصمة إلى جنوبها، رغم استمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى. وأضافت الوكالة أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، من دون الإشارة إلى مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.

في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، من بينها ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين، إضافة إلى دخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم.

إلى جانب طهران وأصفهان، أفادت تقارير إعلامية بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، من بينها كرمانشاه، وشيراز، ويزد، وهمدان وأراك، فضلاً عن كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وفي سياق امتداد التحركات إلى مدن أخرى، أظهرت الصور وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب في مشهد، ثاني كبريات المدن في البلاد، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات اجتماعية.

بالتزامن مع الاحتجاجات، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن مدارس ومصارف ومؤسسات عامة ستغلق في طهران و19 محافظة أخرى، الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، مشيرة إلى أن المراكز الطبية والإغاثية، والوحدات الأمنية، وفروع البنوك المناوبة، مستثناة من التعطيل.

حسب مصادر محلية، جاءت الاحتجاجات رداً على الغلاء المتزايد، والتضخم المرتفع، وتراجع القدرة المعيشية. وسجل الريال الإيراني، وفق سعر السوق السوداء غير الرسمي، مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، الأحد، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إيرانية تمر من دار صرافة بينما تظهر أسعار العملة الثلاثاء (رويترز)

ورغم تسجيل تحسُّن طفيف في قيمة العملة، الاثنين، فإن تقلبات سعر الصرف المستمرة أدت إلى تضخم مرتفع وتقلبات حادة في الأسعار، حيث ترتفع بعض أسعار السلع من يوم لآخر.

انطلقت التحركات، الأحد الماضي، من أكبر أسواق الهواتف المحمولة في طهران، حيث أغلق تجار محالهم بشكل عفوي احتجاجاً على الركود الاقتصادي وتدهور القدرة الشرائية، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وتوسعت الاحتجاجات لتشمل مناطق أوسع من وسط العاصمة، حيث واصل التجار إغلاق محالهم ونظموا تجمعات محدودة، تعبيراً عن استيائهم من الانخفاض السريع لقيمة الريال تحت وطأة العقوبات الغربية.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن عدداً من التجار فضلوا تعليق أنشطتهم «لتجنب خسائر محتملة»، في وقت ترددت فيه شعارات احتجاجية داخل بعض الأسواق.

وفق مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) نحو 52 في المائة على أساس سنوي. غير أن وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة «اعتماد»، أشارت إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: «لم يدعمنا أي مسؤول أو يسعَ لفهم كيف يؤثر سعر صرف الدولار على حياتنا»، مضيفاً: «كان يجب أن نظهر استياءنا».

الحكومة وخيار الحوار

في وقت متأخر الاثنين، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين. وقال بزشكيان، في منشور على منصة «إكس» نقلته وكالة «إرنا»: «طلبت من وزير الداخلية الاستماع إلى مطالب المحتجين المشروعة من خلال الحوار مع ممثليهم، حتى تتمكن الحكومة من التصرف بمسؤولية وبكل ما أوتيت من قوة لحل المشاكل والاستجابة لها».

كما أشار إلى أن «معيشة الناس» تشكل هاجسه اليومي، مؤكداً أن الحكومة تضع «إجراءات أساسية لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية» على جدول أعمالها.

وقالت المتحدثة باسم ‌الحكومة، ⁠فاطمة ​مهاجراني، إنه ‌سيتم إطلاق آلية حوار تشمل إجراء محادثات مع قادة الاحتجاجات.

وحسب وكالة «مهر» شبه الرسمية، التقى بزشكيان، الثلاثاء، مسؤولين نقابيين، واقترح عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

ولم تورد الوكالة تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه الإجراءات أو آلية تنفيذها.

وقالت مهاجراني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، إن الحكومة «ستستمع بصبر حتى لو واجهت أصواتاً حادة». ونقلت «رويترز» قولها في هذا الصدد: «نتفهم الاحتجاجات... نسمع أصواتهم وندرك أن هذا نابع من الضغط الطبيعي الناجم عن الضغوط المعيشية على الناس». وأضافت أن الحكومة «تعترف بالاحتجاجات»، وتؤكد «حق التجمعات السلمية المعترف به في دستور الجمهورية الإسلامية».

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» من ثاني أيام احتجاجات البازار (أ.ب)

وكانت إيران قد شهدت خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة لأسباب اقتصادية واجتماعية، من بينها موجة 2022 التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، وتعاملت معها السلطات بإجراءات أمنية مشددة.

وأشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تعمل على «إعداد برنامج للظروف الطارئة»، موضحة أن اجتماعاً للفريق الاقتصادي عُقد لوضع برنامج لإدارة الوضع الاقتصادي على المدى القصير، ضمن إطار زمني يقارب 15 شهراً، بهدف تحقيق الاستقرار.

وكانت الحكومة قد أعلنت، الاثنين، استبدال حاكم البنك المركزي. وقال مهدي طباطبائي، مسؤول الإعلام في الرئاسة الإيرانية، في منشور على منصة «إكس»: «بقرار من الرئيس، سيتم تعيين عبد الناصر همتي حاكماً للبنك المركزي».

ويعود همتي إلى هذا المنصب بعد أن كان البرلمان قد عزله في مارس (آذار) الماضي من منصبه كوزير للاقتصاد، بسبب فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية في ظل الانخفاض الحاد لقيمة الريال، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متراكمة جراء عقود من العقوبات الغربية، التي ازدادت وطأتها بعد إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب انهيار الترتيبات المرتبطة بالاتفاق النووي. وحسب تقارير اقتصادية، ساهمت هذه العقوبات في تقييد التجارة الخارجية، والضغط على العملة الوطنية، ورفع معدلات التضخم.

تحذيرات البرلمان

في المقابل، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من مخاطر «استغلال التظاهرات لبث الفوضى والاضطرابات».

وأعلن قاليباف أن النواب عقدوا اجتماعاً مغلقاً لبحث التطورات الأخيرة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول جدول الأعمال أو مخرجات الجلسة.

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

وقال قاليباف، في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن «الأعداء» يسعون إلى جر مطالب الناس إلى الفوضى، مضيفاً أن الشعب «سيمنع انحراف الاحتجاجات».

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا» إن تقلبات سوق العملة والذهب ترتبط أساساً بالأجواء السياسية وتصريحات قادة دوليين ومحليين، لا بتطورات اقتصادية فعلية، مؤكدة أن تصاعد الحديث عن الحرب أو صدور خبر واحد كفيل بدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأضافت مقصودي: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعال نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة. إذا تحدث نتنياهو بكلمة واحدة، فترتفع الأسعار».

في الداخل، أفاد عدد من مستخدمي الهواتف المحمولة بتلقي رسائل نصية تحذيرية من جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، تحذرهم من المشاركة في تجمعات وصفت بأنها «غير قانونية»، حسبما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي.

ردود داخلية وخارجية

على الصعيد السياسي، أصدر حزب «نهضت آزادى (حركة الحرية)» رسالة مفتوحة انتقد فيها أداء الحكومة، معتبرة أن «تجاوز التحديات من دون إصلاح بنيوي لن يكون سوى وهم». وقالت الحركة إن سجل الحكومة خلال العام ونصف العام الماضيين «غير قابل للدفاع عنه إلى حد كبير، ولا ينسجم مع مطالب الشعب».

كما وصف مصطفى تاج زاده، السجين السياسي ونائب وزير الداخلية السابق، الاحتجاجات بأنها «حق» للمواطنين، معتبراً أن جذور الأزمة تعود إلى «البنية السياسية الحاكمة»، حسبما نقلت منصات إعلامية معارضة.

في الخارج، عبّر رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، عن دعمه العلني للاحتجاجات، معتبراً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيستمر «ما دام هذا النظام في السلطة». وفي رسالة نشرها على منصة «إكس»، دعا بهلوي مختلف فئات المجتمع إلى الانضمام للاحتجاجات، كما وجه نداءً إلى القوات الأمنية والعسكرية بعدم الوقوف في وجه المحتجين، لصالح «نظام في طور الانهيار».

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها الناطق بالفارسية على منصة «إكس»، دعمها لما وصفته بـ«صوت الشعب الإيراني»، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس حالة السخط الواسع من «السياسات الفاشلة وسوء الإدارة الاقتصادية».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب. وفي منشورات لاحقة، نشرت الخارجية الأميركية مقاطع مصورة من مدن إيرانية عدة، مشددة على أن موقف واشنطن ينسجم مع دعمها المعلن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقال مايك والتز، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن الشعب الإيراني يريد الحرية وقد عانى سنوات من حكم رجال الدين.

في إسرائيل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الاحتجاجات الجارية في إيران عبر رسالة مصوّرة نشرها على منصة «إكس»، قال فيها إن المتظاهرين الإيرانيين يستحقون «مستقبلاً أفضل» و«شرق أوسط أكثر استقراراً». واعتبر بينيت أن ما يجري يعكس، على حد تعبيره، فشل السياسات الاقتصادية والسياسية في طهران، موجهاً حديثه مباشرة إلى المحتجين.


إردوغان: قرار إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال غير مقبول وغير مشروع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
TT

إردوغان: قرار إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال غير مقبول وغير مشروع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)

كشف ​الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الثلاثاء، أن قرار إسرائيل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض ‌الصومال المعلَنة ‌من ‌جانب ⁠واحد ​خطوة ‌غير مشروعة وغير مقبولة، مضيفاً أنها تسعى إلى جرّ منطقة القرن الأفريقي إلى ⁠حالة من عدم ‌الاستقرار.

وفي مؤتمر صحافي ‍مع ‍نظيره الصومالي ‍حسن شيخ محمود في إسطنبول، قال إردوغان أيضاً إن ​تركيا تخطط لبدء عمليات تنقيب عن ⁠مصادر الطاقة في البحر قبالة سواحل الصومال عام 2026، بموجب اتفاقية ثنائية، مضيفاً أنها تعتزم إضافة سفينتيْ حفر جديدتين ‌إلى أسطولها.


صحيفة: إسرائيل ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية بدعوى «صلتها بالإرهاب»

موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
TT

صحيفة: إسرائيل ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية بدعوى «صلتها بالإرهاب»

موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)

نقلت صحيفة «هآرتس» عن الحكومة الإسرائيلية قولها، الثلاثاء، إنها تعتزم سحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد» و«أوكسفام» بدعوى «صلتها بالإرهاب».

وقالت وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية في بيان نشرته الصحيفة إن الحكومة ستسحب تراخيص هذه المنظمات الإنسانية بسبب ما وصفتها بأنها «انتهاكات لمعايير الأمن والشفافية». وأضاف البيان: «التحريات الأمنية كشفت عن تورط موظفين ببعض المنظمات في أنشطة إرهابية... لا سيما منظمة (أطباء بلا حدود)».