تنقية «التيك توك»... هل تنهي أزمته في مصر؟

إلغاء أكثر من مليون حساب وحذف فيديوهات «خارجة»

باشرت النيابة العامة تحقيقات سريعة في القضية (حساب النيابة العامة عبر فيسبوك)
باشرت النيابة العامة تحقيقات سريعة في القضية (حساب النيابة العامة عبر فيسبوك)
TT

تنقية «التيك توك»... هل تنهي أزمته في مصر؟

باشرت النيابة العامة تحقيقات سريعة في القضية (حساب النيابة العامة عبر فيسبوك)
باشرت النيابة العامة تحقيقات سريعة في القضية (حساب النيابة العامة عبر فيسبوك)

أعاد التقرير الصادر من منصة «تيك توك» حول الأعداد الكبيرة من الحسابات المحذوفة، وعمليات الإيقاف للبث المباشر، الحديث في مصر حول إمكانية إنهاء الأزمة التي تصاعدت في الأيام الماضية بشأن التطبيق واستخداماته، مع توقيف عدد من مشاهيره، وإحالتهم للنيابة باتهامات تتعلق بـ«نشر مقاطع خادشة للحياء»، و«التربح غير المشروع من المحتوى».

ووفق تقرير «إنفاذ إرشادات المجتمع» للربع الأول من العام الحالي، الصادر عن «تيك توك»، الاثنين، فإن المنصة حذفت 16.5 مليون فيديو مخالف لـ«إرشادات المجتمع» خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) الماضي، بالإضافة إلى توقيف أكثر من 19 مليون بث مباشر مخالف على مستوى العالم بنسبة زيادة بلغت 50 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.

وأكدت منصة «تيك توك» أن الالتزام بـ«إرشادات المجتمع» سيظل من أولوياتها بعدما أوقفت بشكل استباقي 1.5 مليون بث مباشر في كل من مصر والإمارات والعراق ولبنان والمغرب، وحظر أكثر من 849 ألفاً من مضيفي البث المباشر بهذه الدول خلال الربع الأول من العام الحالي.

وقالت وكيلة لجنة «الاتصالات» بمجلس النواب (البرلمان) مارثا محروس إن «هناك ضرورة لالتزام التطبيقات المختلفة بالقيم المجتمعية والثقافية التي تحافظ على هوية الأسرة المصرية»، مؤكدة في تصريحات صحافية أن «الأمر مرتبط بالقلق المتصاعد من ظاهرة المحتوى غير المنضبط على بعض المنصات الرقمية».

ويرى خبير تكنولوجيا المعلومات، إسلام غانم، أن الأعداد الكبيرة للفيديوهات المحذوفة أو الموقوفة مرتبطة بالقيم المجتمعية التي تضعها المنصة، وهي قيم لا يناسب بعضها الدول العربية، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «غالبية عملية الإيقاف تجري باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمرتبطة بشكل أساسي بالتعري، أو ببعض الكلمات أو الجمل المدرجة بوصفها مخالفة».

باشرت النيابة العامة تحقيقات سريعة في القضية (حساب النيابة العامة عبر فيسبوك)

ووفق التقرير، تعتمد منصة «تيك توك» في تطبيق «إرشادات المجتمع» على مزيج يجمع بين أنظمة مؤتمتة ومراجعة بشرية، لضمان مراجعة المحتوى، مع إخطار المستخدمين دوماً عند إزالة المحتوى، مع منحهم حق الاستئناف.

وبحسب التقرير الربع السنوي، أزالت منصة «تيك توك» 2.9 مليون فيديو خلال الربع الأول من 2025، بسبب «انتهاكها إرشادات المجتمع الخاصة بها»، مع تحقيق معدل إزالة استباقي بنسبة 99.6 في المائة، مع رصد المحتوى المخالف وحذفه قبل أن يبلغ عنه المستخدمون.

وأكد التقرير أن المنصة أظهرت استجابة لافتة مع إزالة 94.3 في المائة من المحتوى المخالف خلال أقل من 24 ساعة؛ مما يعكس استجابة قوية. بالإضافة إلى إزالة مقاطع الفيديو القصيرة المخالفة، بجانب حظر 347,935 مضيف بث مباشر وإيقاف 587,246 بثاً مباشراً «لانتهاك إرشادات المجتمع للمنصة».

وهنا يشير خبير الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى استحواذ مصر والعراق على ما نسبته نحو 30 في المائة من الحذف وهي نسبة كبيرة، خصوصاً في ظل تأكيد التقرير على أن العدد الأكبر من المحذوفين أو الموقوفين تم بوصفه إجراءً مباشراً من إدارة التطبيق، وهو أمر يطرح كثيراً من التساؤلات حول الآلية المعتمدة لديهم للتعامل مع ما يعدونه مخالفات.

ووفق التقرير، جرت إزالة أكثر من 10 ملايين فيديو بالعراق خلال الربع الأول من العام الحالي مع حظر 346335 مضيف بث مباشر، وإيقاف 649551 بثاً مباشراً لمخالفة إرشادات المنصة.

شعار منصة «تيك توك» (حسابها على إنستغرام)

وأكد البرماوي أن «الإشكالية التي ستواجه القائمين على التطبيق بشكل أساسي مرتبطة بالبث المباشر، الذي يصعب التحكم في محتواه، بالإضافة إلى إشكالية (قيم الأسرة المصرية) المنصوص عليها في قانون جرائم الإنترنت، التي تحمل عبارة (فضفاضة) تختلف ليس فقط من بلد لآخر، ولكن من شخص لآخر».

وأوقفت وزارة الداخلية في الأيام الماضية نحو 8 من مشاهير «التيك توك» في مصر على الأقل باتهامات مختلفة، على خلفية بلاغات قدمت ضدهم، يعد مقدموها أن مقاطع البث التي يقدمونها تسيء لـ«قيم الأسرة المصرية»، كما تم ضبط مخالفات أخرى بحوزة بعضهم.

وعدت وكيلة لجنة «الاتصالات» بالبرلمان أن الإجراءات الأمنية تمت بسبب «تجاوز بعض صانعي المحتوى للخطوط الحمراء»، وفي إطار تطبيق صحيح القانون القائم وليس تقييد حرية الإبداع، لافتة إلى أنهم يعملون في الوقت الحالي بالمجلس على مواكبة التشريعات للتطورات التكنولوجية، الأمر الذي سيتم استئنافه عقب انتهاء الإجازة البرلمانية، بحسب تصريحاتها.

وكانت اللجنة قد منحت مسؤولي «تيك توك» مهلة 3 أشهر بدأت الشهر الماضي من أجل توفيق أوضاعهم، والعمل على التعامل مع المخالفات التي ترتكب من خلال التطبيق، وإلا سيتم اتخاذ قرار بحجبه.

ويتفق البرماوي وغانم على أن «حجب التطبيق لن يكون حلاً، لكن ثمة خطوات يمكن اتخاذها للتعامل مع الموقف، من بينها الاتفاق على قواعد حاكمة قابلة للتطبيق في مصر، بالإضافة إلى تحديد الأدوات الرقابية وفرض غرامات على المخالفين».


مقالات ذات صلة

جرعة زيت الزيتون صباحاً.. سرّ العافية أم أوهام مواقع التواصل؟

صحتك كوب من زيت الزيتون (بكسلز)

جرعة زيت الزيتون صباحاً.. سرّ العافية أم أوهام مواقع التواصل؟

يشجع عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على بدء يومك بجرعة من زيت الزيتون، مؤكدين أنها السر وراء صحة أفضل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق ظاهرة الزوجة التقليدية مستمرة منذ 2020 وانضمّ لها مؤخراً الابن التقليدي (غيتي - بكسلز)

من «الزوجة التقليدية» إلى «ابن الماما»... صيحات «تيك توك» يتبنّاها المجتمع

أبناء يعودون للعيش مع أمهاتهم في سن الـ30 والـ40 وزوجات يتفرّغن للمكوث في البيت وخدمة الزوج والأولاد. ما هي ظاهرة الزوجة والابن التقليديَين؟

كريستين حبيب (بيروت)
تكنولوجيا شعار تطبيق «تيك توك» (رويترز)

«تيك توك» يتيح لمستخدميه تقليل المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي

أعلن تطبيق «تيك توك» أنه سيمنح المستخدمين القدرة على تقليل كمية المحتوى المُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي في صفحاتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص «تيك توك»: يشهد المحتوى الرقمي في السعودية تحولاً من التركيز على الترفيه إلى صناعة تأثير اجتماعي حقيقي يقوده جيل جديد من المواهب (فري بك)

خاص كيف تقود المواهب السعودية تحولاً عميقاً في صناعة المحتوى على «تيك توك»؟

يتحول المحتوى الرقمي في السعودية من الترفيه إلى التأثير المجتمعي عبر مبادرة «صنّاع التغيير» على «تيك توك»، مبرزاً صانعات سعوديات يقدن الصحة والتمكين والابتكار.

نسيم رمضان (لندن)
سينما لافتة هوليوود في لوس أنجليس (أ.ب)

«الدراما العمودية» تغيّر المشهد في هوليوود بعدما غزت آسيا

بقصصها ذات المواضيع التشويقية وميزانياتها التي لا تتجاوز بضع مئات الآلاف من الدولارات، وجداول تصويرها السريعة، يُحدث النمط العمودي تحولاً جذرياً في قطاع متعثر.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.


أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.