فستان على مقاس القلب... إيلي صعب يُقدِم تحفته الأجمل لعروس ابنه

زين قطامي لـ «الشرق الأوسط» : التصميم كان ثمرة حب واحترام بيننا

العروس زين قطامي لا تخفي أنها محظوظة لكون حماها هو المصمم إيلي صعب (إيلي صعب)
العروس زين قطامي لا تخفي أنها محظوظة لكون حماها هو المصمم إيلي صعب (إيلي صعب)
TT

فستان على مقاس القلب... إيلي صعب يُقدِم تحفته الأجمل لعروس ابنه

العروس زين قطامي لا تخفي أنها محظوظة لكون حماها هو المصمم إيلي صعب (إيلي صعب)
العروس زين قطامي لا تخفي أنها محظوظة لكون حماها هو المصمم إيلي صعب (إيلي صعب)

لم نكد نتجاوز ما لُقِب بعرس القرن في مدينة البندقية، والذي جمع جيف بيزوس، مؤسس «أمازون» ولورين سانشيز، حتى نقلنا عُرس سيليو صعب وزين قطامي إلى أجواء مختلفة تماماً. هذه المرة في قلب قرية فقرا بلبنان.

الفرق بين العُرسين شاسع. الأول كان بمثابة دعاية مصورة للعروسين واستعراضاً للجاه والثراء، والثاني كان تجسيداً لعرس لبناني بطقوسه وكرمه وأناقة تفاصيله.

على مدى ثلاثة أيام تنقل الضيوف بين فقرا وبكركي، ومنها إلى سحر الجبال اللبنانية في أجواء مفعمة بالحب والفرح. لكن من الخطأ القول إنه كان مجرّد احتفال عائلي توفرت فيه كل عناصر الإبهار والجمال. كان قبل كل شيء عربون حب وولاء للوطن، ومناسبة احتفت فيها عائلة صعب بالأناقة والحياة في الوقت ذاته.

كان واضحاً أن إيلي صعب تعمد أن يكون العرس لبنانياً بكل تفاصيله وطقوسه (إيلي صعب)

كان بإمكان إيلي صعب أن يقيم عرس نجله في أي وجهة عالمية كما فعل جيف بيزوس الذي اختار البندقية. فالإمكانات لا تنقصه ولا الخيارات، لكن الواضح أنه أراد دعم اقتصاد بلاده، وفق تعليقات العديد من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي. الكل بارك قراره على أساس أن حفلات الزفاف في لبنان صناعة قائمة بذاتها تساهم في اقتصاد البلاد كوجهة سياحية متميزة، من حيث تحريكها للفنادق والمطاعم ووسائل النقل وما شابه.

بيد أن هذا العُرس قدّم شيئاً إضافياً لا يُقدر بثمن: كشف الوجه الجميل والأنيق للبنان وصحَح تلك الصورة التي طالما غيَبتها الحروب والاضطرابات السياسية التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. كما كشف عن القدرات الفنية العالمية التي يتمتع بها أبناء البلد، من مصفف الشعر وسيم مرقص إلى فنان المكياج بسام فتوح ومنسق ومصمم الديكورات نايمن قزي. كان من الواضح أن إيلي صعب أرادها أن تكون قصة لبنانية بكل تفاصيلها.

حمل الفستان كل بصمات إيلي صعب الرومانسية والفخمة (إيلي صعب)

ضمن كل هذه الأهداف والرسائل، لا يمكن تجاهل أن العرس كان أيضاً تكريساً لمكانة «ميزون إيلي صعب» في عالم الموضة. فالعريس هو نجل المصمم الشهير، وبالتالي كان من البديهي أن ينتظر الجميع ما سيُبدعه لكنته الجديدة، زين قطامي بفضول. كان متوقعاً منه أن يلعب دور المايسترو. وجه الكل ويشرف على كل التفاصيل، وعلى رأسها فساتين العروس والحضور على حد سواء. اختار التدرجات الذهبية «تيمة» أساسية للأيام الثلاثة، في لفتة لعصر بيروت الذهبي، ورسم لوحة مبهرة ظهر فيها نجله سيليو وعروسه زين كبطلين لحكاية من حكايات «ألف ليلة وليلة».

العروس لدى وصولها إلى الكنيسة برفقة والدها (إيلي صعب)

في كنيسة بكركي تهادت العروس بفستانها وهي تستند إلى ذراع والدها في إطلالة جعلت فجأة كل ما رأيناه من فساتين الزفاف التي ظهرت بها النجمات وسيدات المجتمع في أعراسهن الأخيرة باهتة. نعم كان جمال العروس الكلاسيكي لافتاً، لكن سيبقى الفستان بتطريزاته وذيله الطويل والطرحة محفوراً في الذاكرة كما في أرشيف «ميزون صعب» للأبد.

وسائل التواصل الاجتماعي لم تهدأ. الكل أجمع كم أن زين محظوظة بأن يكون إيلي صعب حماها. وهي لا تُنكر هذه الحقيقة. بالعكس تؤكدها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «مثل العديد من الفتيات، كنت دوماً أحلم بأن أشعر كأميرة في يوم زفافي، وأنا محظوظة للغاية أن إيلي صعب هو حمايا، لأنه قدم لي أكثر من ذلك بكثير... جعلني أشعر كملكة بحق. ليس لأن الفستان كان ملكياً بكل المقاييس فحسب بل لأنه يُشبهني».

في كل بروفة تُجريها زين على الفستان كانت تقف مبهورة أمام عبقرية المصمم والحما (إيلي صعب)

تروي زين أنها قالت لإيلي في أول لقاء جمعهما بهدف تصميم الفستان أنها تثق فيه تماماً. كان طلبها الوحيد أن يعكس شخصيتها ويحافظ على طبيعتها. تتابع: «كان حواراً شيقاً ومفتوحاً بيننا استمع لي بعمق وفهم حتى ما لم أستطع التعبير عنه بالكلمات. والنتيجة كانت استثنائية لأن الفستان لم يكن فقط تحفة فنية، بل تجسيداً لأحلام الطفلة بداخلي والمرأة التي كبرت ونضجت وباتت تعرف ما تريد. في كل بروفة كنت أجريها، كنت أقف مبهورة وأنا أراه يُحول الحلم إلى واقع أجمل مما تخيلت بكثير. كان عبقرياً في أنه عبَر عني وعن أحلامي، وفي الوقت ذاته ظل وفياً لأسلوبه الخاص. من هذا المنظور، أعود وأقول إنني بالفعل محظوظة، وبأن الفستان كان ثمرة حب واحترام بيني وبين إيلي المصمم والحما، لأن هذه العلاقة الثنائية أضفت عليه بعداً عاطفياً خاصاً ارتقى به إلى أكثر من مجرد فستان زفاف».

كان العرس مهيباً عكس جمال الطقوس العربية (إيلي صعب)

اللافت في التعليقات وردود الأفعال إيجابياتها في المجمل. ففي العادة، يلي كل عرس انتقادات يتصيد فيها الضيوف الأخطاء. يسلطون الضوء عليها ويزيدونها بهارات. الأمر مختلف هنا. الكل أجمع أن الأناقة والرقي كانا العنوان الرئيسي طوال الأيام الثلاثة.

أما الفستان فلم يجسد فقط حلم زين للتميز. تحدى فيه إيلي صعب نفسه كمصمم وأبهر العالم، مرسخاً بذلك مكانته كملك فساتين الأعراس بلا منازع، إذ صبّ فيه كل بصماته الرومانسية والراقية، من استعماله خامة التول كأساس إلى سخاء التطريز، الذي اعتمد فيه على نحو 1500 حبة ترتر تتغير ألوانها وإشعاعاتها، حسب انعكاسات الضوء. الطرحة وحدها استغرقت نحو 250 ساعة بينما احتاج التطريز وتثبيت الترتر إلى نحو 480 ساعة. أما إجمالي ساعات العمل عليه فناهز 800 ساعة قام بها 39 حرفياً بدقة وشغف.

إيلي صعب وزوجته كلودين يتوسطان الأبناء الثلاثة والكنة الجديدة (إيلي صعب)

السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان في جعبة إيلي صعب المزيد مما يُدهش ويبهر بعد كل هذا الإبداع؟ الزمن كفيل بالإجابة، ربما في عرس نجله الأصغر ميشال.


مقالات ذات صلة

حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

لمسات الموضة «مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)

حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

في تسعينات القرن الماضي، بلغت حقيبة اليد أوجها. حققت لمصمميها النجاح التجاري والشهرة. هذا الوهج هو ما تأمل بيوت أزياء كثيرة في استعادته

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)
لمسات الموضة لقطة جماعية على خلفية قلعة درامون التي أقيم فيها العرض (تصوير سام كوبلاند)

«ديور» تنسج قصة أسكوتلندية من التويد والتارتان

في مايو (أيار) الماضي، وهو بداية موسم عروض خط «الكروز» أو الـ«ريزورت»، قدمت «ديور» تشكيلتها من هذا الخط لعام 2025 في أدنبره الاسكوتلندية. كان عرضاً مثيراً…

جميلة حلفيشي (لندن)

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
TT

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

قد تظن أنك تعرف كل شيء عن أم كلثوم. ولِمَ لا؟ فقد كبرنا على أغانيها وتشبعنا بالحديث عنها وبسيرها الذاتية. لكن «فيلم «الست» يفاجئنا؛ لأنه يأخذنا إلى منطقة لم تتطرق إليها السيرة من قبل. منطقة تتناول حياة امرأة تعيش بين المجد والوحدة. محاطة طوال الوقت برجال، شعراء وموسيقيين، لكنها بذكاء الأنثى، وبعد تجربة فارقة في بدايتها، ظهرت فيها منى زكي بطلة الفيلم مع الممثلة أمينة خليل في لقطة سريعة، تعلمت أن المظهر جزء من النجاح. في قلب هذه الرحلة تشارك عزة فهمي بمجوهرات تُجسّد بشكل أو بآخر طبقات نفسية وزمنية عاشتها الأسطورة.

منى زكي ولقطة من دورها في «الست» أثارت جدلاً كبيراً (المقطع الترويجي للفيلم)

لم يكن «الست» مجرد فيلم عن أم كلثوم، بل نافذة واسعة أعاد فيها المخرج مروان حامد كشف جانب إنساني كان مخفياً وراء الصورة الأيقونية المهيبة. ومن بين كل العناصر التي أشركها في صناعة هذه الحكاية، تألقت مجوهرات عزة فهمي لغةً سرديةً موازية، تضيء لحظات ومواقف، وتُعزز ملامح الشخصية كما تستحضر زمناً جميلاً بكل وهجه وعنفوانه. تخرج بعد مشاهدة الفيلم وصورة لا تفارقك لكوكب الشرق، أعمق وأكثر إنسانية. فالفيلم لم يركز على الأسطورة. فهذه تم استنزافها وأصبح الكل يحفظها عن ظهر قلب، بل كشف لنا عن جانب إنساني تجسّده وحدتها النفسية رغم كل النجاحات وحب الملايين.

منى زكي في افتتاح فيلم «الست» بالقاهرة (عزة فهمي)

إشادات بعد انتقادات

غني عن القول أن فيلم «الست» أثار موجة واسعة من الجدل قبل عرضه، وصلت حدّ التنمر على بطلته منى زكي. والسبب لا يتعدى حكماً مسبقاً على إعلان ترويجي قصير.

ثم عُرض الفيلم في الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ونال استحساناً كبيراً من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء، ثم عُرض في القاهرة فتبدّل المزاج العام، وانهالت الإشادات. فالإخراج محكم، كذلك الموسيقى وباقي المؤثرات السينمائية، بما فيها الماكياج والأزياء والمجوهرات التي شكَلت لغة بصرية آسرة.

أما منى زكي، فتألَقت على مدى ساعتين ونصف الساعة تقريباً، وهي تؤدي مشاهد عدة من دون أن تنبس بكلمة، مكتفية بعيونها للتعبير عما بداخلها، بينما نجحت الأزياء والمجوهرات التي ظهرت بها، في رسم انتقالها من فتاة قروية، بسيطة ومحافِظة إلى امرأة واثقة تكتسح الساحة المصرية ثم العالم. خلعت ملابس القروية البسيطة وارتدت أزياء من دور فرنسية مثل «ديور» و«شانيل»، ومجوهرات من «كارتييه» و«فان كليف أند آربلز» وغيرهم. أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى.

المخرج مروان حامد وعزة فهمي يتوسطان أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

لم تفت المخرج مروان حامد أهمية الأزياء والمجوهرات، فكبار المخرجين العالميين يوظفونها في أدوار مهمة منذ عقود طويلة. يكفي استحضار أفلام مثل «إفطار في تيفاني»، حيث تحوّلت مجوهرات «تيفاني آند كو» جزءاً من ذاكرة السينما، أو «الرجال يفضلون الشقراوات»، حيث ارتبطت مارلين مونرو بالألماس من هاري وينستون ارتباطاً أيقونياً. لكن خصوصية «الست» أنه أعاد هذا التقليد إلى القاهرة، وجعله جزءاً من سردية محلية، متجذرة في الثقافة، لا مستوردة من هوليوود. مروان حامد هو الآخر استعملها هنا عنصراً سردياً درامياً لا مجرد إكسسوارات زينة. يزداد بريقها مع تصاعد الأحداث ويخفت وهجها عند الانكسار وجرح القلب، ويتوهّج ويتراقص في لحظات المجد والتألق.

سِوار من مجموعة «سومة» التي استوحتها المصممة من أم كلثوم منذ سنوات ولا تزال تلقى نجاحاً (عزة فهمي)

خيار حامد على عزة فهمي لكي تشاركه هذه التحفة الفنية لم يكن من باب الصدفة أو من باب المجاملة والمحاباة. كان خياره محسوباً؛ كونه يعرف أنها جزء من التراث الثقافي المصري الأصيل، فضلاً عن علاقة فنية متينة تربط الفنانة عزة فهمي نفسها بأم كلثوم؛ إذ استلهمت من أغانيها الشهيرة الكثير مما جسدته في خواتم وعقود وأساور وبروشات، مثل «أنت عمري» و«من أجل عينيك عشقت الهوى» وغيرهما من الأشعار. في عام 2014، طرحت مجموعة كاملة بعنوان «سومة» كرَّست فيها عزة حبها وإعجابها بإرث كوكب الشرق بشكل واضح.

عزة فهمي والسينما

إلى جانب كل هذا، فإن عزة فهمي نفسها، تحمل قصة كفاح تشبه قصص النساء اللواتي يتمردن على القوالب التقليدية لبناء أنفسهن، فضلاً عن أن تجاربها في السينما ليست جديدة. تعاونت سابقاً مع الراحل يوسف شاهين في فيلميه «المهاجر» و«المصير»، مقدمة مجوهرات تعكس طبيعة حقبتين مختلفتين وشخصياتهما. عملت أيضاً مع المخرج علي بدرخان في فيلم «شفيقة ومتولي»، حيث قدمت لسعاد حسني حلياً تميزت بالطابعين الغجري والفلاحي.

لهذا؛ جاءت مشاركتها في فيلم «الست» امتداداً لمسيرتها في صون التراث من جهة، ولحركة عالمية باتت فيها العلامات الفاخرة تستعمل الصورة وسيلةً لاكتساب مصداقية أكبر بصفتها رموزاً ثقافية.

عزة فهمي الأم مع بنتيها أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

فاطمة غالي، ابنة عزة فهمي الكبرى والرئيس التنفيذي للشركة، تكشف عن أن المشاركة في الفيلم جاءت بشكل عضوي، حين عرض عليها مروان حامد، صديق الطفولة ورفيق المدرسة، التفكير في المشروع. تقول: «لم أتردد لأني معجبة برؤيته الفنية، وكنت على ثقة بأنه سيُوظف هذه القطع بشكل يليق بها». وهذا ما تحقق فعلاً.

لكن الجزء الأكبر من العمل وقع على عاتق أمينة غالي، الابنة الصغرى ورئيسة قسم التصميم. هي من حملت على كتفيها مهمة ترجمة سيرة شبه ملحمية إلى لغة فنية. تستعيد أمينة التجربة وتقول إنها بقدر ما كانت ممتعة وملهمة لم تكن سهلة. لكنها ولحسن الحظ نجحت في الإمساك بروح أم كلثوم وكل حقبة عاشت فيها، من خلال تصميمات حملت تطورات اجتماعية وثقافية، وأحياناً نفسية.

حفلاتها الشهرية كانت حدثاً كبيراً (مشروع القاهرة عنواني)

التحدي والنجاح

تروي أمينة أن التجربة استغرقت عامين من البحث والعمل: «لم يكن مطروحاً بالنسبة لنا تقديم قطعة أنيقة فحسب. كان علينا درس كل حقبة وكل شخصية حسب مكانتها الاجتماعية وتطورها». فالفيلم يتتبع رحلة أم كلثوم من البدايات في كفر السنبلاوين إلى ذروة المجد، وكان لا بد من هوية بصرية تُجسد عصراً وثقافة وهالة. تستشهد أمينة بلقطة قصيرة ومتسارعة في بداية الفيلم تظهر فيها عائلة أم كلثوم في القطار وهم متجهون إلى القاهرة لأول مرة. يجلسون في الدرجة الثالثة، لكن يقررون النزول من باب الدرجة الأولى «بين الدرجة والدرجة تمر الكاميرا على وجوه نساء يضعن حلياً صغيرة وأبسط مما قد يُرى على الشاشة عادة، تتغير الصورة في الدرجتين الثانية والأولى». تشرح أمينة: «هذه اللقطة وحدها أخذت وقتاً طويلاً لنتأكد أن كل قطعة، مهما صغرت، تنطبق على الشخصية والطبقة التي تنتمي إليها».

تصاميم راعت فيها أمينة غالي محاكاة مجوهرات ظهرت بها أم كلثوم سابقاً بلغة عصرية (عزة فهمي)

مع تقدم الفيلم، تظهر المجوهرات وكأنها لغة قائمة بذاتها. الأقراط تتراقص وتتمايل مع طبقات الصوت، والعقود المرصعة بالأحجار الكريمة تتحدّث لغة القوة أو تروي وجعاً دفيناً، بينما تلمع أخرى مستلهمة من «الآرت ديكو» إيذاناً بولادة الأسطورة. كل تفصيلة كانت محسوبة. قارنت أمينة بين صور أرشيفية ومقتنيات من متاحف وصور حفلات الست وتسجيلات نادرة، محاولة فهم زمن لم تعشه، لكنه يسكن وجدانها من خلال أغانٍ عابرة للأجيال.

كانت المجوهرات مؤشراً على فترة زمنية أو حالة نفسية (عزة فهمي + وزارة الثقافة المصرية)

ما يُحسب لها أنها لم تستهدف استنساخ الأصل، سواء كان من «فان كليف أند آربلز» أو «كارتييه» أو «شوميه»، بل تقديم صياغة تحاكيه بأسلوب معاصر يعكس إرث عزة فهمي ولا يُشعِر المشاهد بالغربة التاريخية.

الهدف كان واضحاً ومتفقاً عليه منذ عام 2023، عندما بدأ الحديث عن الفيلم، أن تكون المجوهرات جزءاً من الحبكة وليس فقط للإبهار والزينة.

كانت أم كلثوم كأي امرأة تهتم بأدق تفاصيل أناقتها (عزة فهمي)

أم كلثوم وكوكو شانيل

فأم كلثوم، كما يكشف لنا حسن عبد الموجود في كتابه «أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة»، كانت امرأة وإنسانة قبل أن تكون أيقونة، وهذا يعني أنها كانت تهتم بأناقتها اهتماماً بالغاً. يروي الكاتب حكاية لقاء جرى بينها وبين كوكو شانيل في باريس، حيث كان الإعجاب بين أم كلثوم و كوكو شانيل متبادلاً، حسب ما جاء في الكتاب. استمعت شانيل لأم كلثوم باهتمام شديد، وعرفت أنها تفضل التصاميم المحتشمة والطويلة والأقمشة المرنة التي تتيح لها الحركة على المسرح، وكذلك ألوانها المفضلة من الزهري والأحمر والأبيض والأخضر بكل تدرجاتها.

كانت أم كلثوم تميل لألوان الزهري والأحمر والأخضر بكل تدرجاتها (الشرق الأوسط)

أخذت مقاساتها وأوكلت لمشغلها تفصيل مجموعة على المقاس، ترسلها لها بعد شهر. بيد أن الست لم تعد خالية اليدين، فقد أخذتها كوكو شانيل في جولة في المحل اختارت منه ما يروق لها من فساتين جاهزة ومعاطف بتصاميم بسيطة وعطور ومستحضرات تجميل.

تخرج من الفيلم وأنت مشبع بصرياً بالجمال، سواء من حيث المجوهرات أو الصوت والموسيقى وباقي المؤثرات، وفي الوقت ذاته بشعور غامر بأنك تحتاج إلى مشاهدته مرة ثانية لتستوعب كل الأحداث والمشاهد.


كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

TT

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

قد تظن أنك تعرف كل شيء عن أم كلثوم. ولِمَ لا؟ فقد كبرنا على أغانيها وتشبعنا بالحديث عنها وبسيرها الذاتية. لكن «فيلم «الست» يفاجئنا؛ لأنه يأخذنا إلى منطقة لم تتطرق إليها السيرة من قبل. منطقة تتناول حياة امرأة تعيش بين المجد والوحدة. محاطة طوال الوقت برجال، شعراء وموسيقيين، لكنها بذكاء الأنثى، وبعد تجربة فارقة في بدايتها، ظهرت فيها منى زكي بطلة الفيلم مع الممثلة أمينة خليل في لقطة سريعة، تعلمت أن المظهر جزء من النجاح. في قلب هذه الرحلة تشارك عزة فهمي بمجوهرات تُجسّد بشكل أو بآخر طبقات نفسية وزمنية عاشتها الأسطورة.

منى زكي ولقطة من دورها في «الست» أثارت جدلاً كبيراً (المقطع الترويجي للفيلم)

لم يكن «الست» مجرد فيلم عن أم كلثوم، بل نافذة واسعة أعاد فيها المخرج مروان حامد كشف جانب إنساني كان مخفياً وراء الصورة الأيقونية المهيبة. ومن بين كل العناصر التي أشركها في صناعة هذه الحكاية، تألقت مجوهرات عزة فهمي لغةً سرديةً موازية، تضيء لحظات ومواقف، وتُعزز ملامح الشخصية كما تستحضر زمناً جميلاً بكل وهجه وعنفوانه. تخرج بعد مشاهدة الفيلم وصورة لا تفارقك لكوكب الشرق، أعمق وأكثر إنسانية. فالفيلم لم يركز على الأسطورة. فهذه تم استنزافها وأصبح الكل يحفظها عن ظهر قلب، بل كشف لنا عن جانب إنساني تجسّده وحدتها النفسية رغم كل النجاحات وحب الملايين.

منى زكي في افتتاح فيلم «الست» بالقاهرة (عزة فهمي)

إشادات بعد انتقادات

غني عن القول أن فيلم «الست» أثار موجة واسعة من الجدل قبل عرضه، وصلت حدّ التنمر على بطلته منى زكي. والسبب لا يتعدى حكماً مسبقاً على إعلان ترويجي قصير.

ثم عُرض الفيلم في الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ونال استحساناً كبيراً من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء، ثم عُرض في القاهرة فتبدّل المزاج العام، وانهالت الإشادات. فالإخراج محكم، كذلك الموسيقى وباقي المؤثرات السينمائية، بما فيها الماكياج والأزياء والمجوهرات التي شكَلت لغة بصرية آسرة.

أما منى زكي، فتألَقت على مدى ساعتين ونصف الساعة تقريباً، وهي تؤدي مشاهد عدة من دون أن تنبس بكلمة، مكتفية بعيونها للتعبير عما بداخلها، بينما نجحت الأزياء والمجوهرات التي ظهرت بها، في رسم انتقالها من فتاة قروية، بسيطة ومحافِظة إلى امرأة واثقة تكتسح الساحة المصرية ثم العالم. خلعت ملابس القروية البسيطة وارتدت أزياء من دور فرنسية مثل «ديور» و«شانيل»، ومجوهرات من «كارتييه» و«فان كليف أند آربلز» وغيرهم. أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى.

المخرج مروان حامد وعزة فهمي يتوسطان أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

لم تفت المخرج مروان حامد أهمية الأزياء والمجوهرات، فكبار المخرجين العالميين يوظفونها في أدوار مهمة منذ عقود طويلة. يكفي استحضار أفلام مثل «إفطار في تيفاني»، حيث تحوّلت مجوهرات «تيفاني آند كو» جزءاً من ذاكرة السينما، أو «الرجال يفضلون الشقراوات»، حيث ارتبطت مارلين مونرو بالألماس من هاري وينستون ارتباطاً أيقونياً. لكن خصوصية «الست» أنه أعاد هذا التقليد إلى القاهرة، وجعله جزءاً من سردية محلية، متجذرة في الثقافة، لا مستوردة من هوليوود. مروان حامد هو الآخر استعملها هنا عنصراً سردياً درامياً لا مجرد إكسسوارات زينة. يزداد بريقها مع تصاعد الأحداث ويخفت وهجها عند الانكسار وجرح القلب، ويتوهّج ويتراقص في لحظات المجد والتألق.

سِوار من مجموعة «سومة» التي استوحتها المصممة من أم كلثوم منذ سنوات ولا تزال تلقى نجاحاً (عزة فهمي)

خيار حامد على عزة فهمي لكي تشاركه هذه التحفة الفنية لم يكن من باب الصدفة أو من باب المجاملة والمحاباة. كان خياره محسوباً؛ كونه يعرف أنها جزء من التراث الثقافي المصري الأصيل، فضلاً عن علاقة فنية متينة تربط الفنانة عزة فهمي نفسها بأم كلثوم؛ إذ استلهمت من أغانيها الشهيرة الكثير مما جسدته في خواتم وعقود وأساور وبروشات، مثل «أنت عمري» و«من أجل عينيك عشقت الهوى» وغيرهما من الأشعار. في عام 2014، طرحت مجموعة كاملة بعنوان «سومة» كرَّست فيها عزة حبها وإعجابها بإرث كوكب الشرق بشكل واضح.

عزة فهمي والسينما

إلى جانب كل هذا، فإن عزة فهمي نفسها، تحمل قصة كفاح تشبه قصص النساء اللواتي يتمردن على القوالب التقليدية لبناء أنفسهن، فضلاً عن أن تجاربها في السينما ليست جديدة. تعاونت سابقاً مع الراحل يوسف شاهين في فيلميه «المهاجر» و«المصير»، مقدمة مجوهرات تعكس طبيعة حقبتين مختلفتين وشخصياتهما. عملت أيضاً مع المخرج علي بدرخان في فيلم «شفيقة ومتولي»، حيث قدمت لسعاد حسني حلياً تميزت بالطابعين الغجري والفلاحي.

لهذا؛ جاءت مشاركتها في فيلم «الست» امتداداً لمسيرتها في صون التراث من جهة، ولحركة عالمية باتت فيها العلامات الفاخرة تستعمل الصورة وسيلةً لاكتساب مصداقية أكبر بصفتها رموزاً ثقافية.

عزة فهمي الأم مع بنتيها أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

فاطمة غالي، ابنة عزة فهمي الكبرى والرئيس التنفيذي للشركة، تكشف عن أن المشاركة في الفيلم جاءت بشكل عضوي، حين عرض عليها مروان حامد، صديق الطفولة ورفيق المدرسة، التفكير في المشروع. تقول: «لم أتردد لأني معجبة برؤيته الفنية، وكنت على ثقة بأنه سيُوظف هذه القطع بشكل يليق بها». وهذا ما تحقق فعلاً.

لكن الجزء الأكبر من العمل وقع على عاتق أمينة غالي، الابنة الصغرى ورئيسة قسم التصميم. هي من حملت على كتفيها مهمة ترجمة سيرة شبه ملحمية إلى لغة فنية. تستعيد أمينة التجربة وتقول إنها بقدر ما كانت ممتعة وملهمة لم تكن سهلة. لكنها ولحسن الحظ نجحت في الإمساك بروح أم كلثوم وكل حقبة عاشت فيها، من خلال تصميمات حملت تطورات اجتماعية وثقافية، وأحياناً نفسية.

حفلاتها الشهرية كانت حدثاً كبيراً (مشروع القاهرة عنواني)

التحدي والنجاح

تروي أمينة أن التجربة استغرقت عامين من البحث والعمل: «لم يكن مطروحاً بالنسبة لنا تقديم قطعة أنيقة فحسب. كان علينا درس كل حقبة وكل شخصية حسب مكانتها الاجتماعية وتطورها». فالفيلم يتتبع رحلة أم كلثوم من البدايات في كفر السنبلاوين إلى ذروة المجد، وكان لا بد من هوية بصرية تُجسد عصراً وثقافة وهالة. تستشهد أمينة بلقطة قصيرة ومتسارعة في بداية الفيلم تظهر فيها عائلة أم كلثوم في القطار وهم متجهون إلى القاهرة لأول مرة. يجلسون في الدرجة الثالثة، لكن يقررون النزول من باب الدرجة الأولى «بين الدرجة والدرجة تمر الكاميرا على وجوه نساء يضعن حلياً صغيرة وأبسط مما قد يُرى على الشاشة عادة، تتغير الصورة في الدرجتين الثانية والأولى». تشرح أمينة: «هذه اللقطة وحدها أخذت وقتاً طويلاً لنتأكد أن كل قطعة، مهما صغرت، تنطبق على الشخصية والطبقة التي تنتمي إليها».

تصاميم راعت فيها أمينة غالي محاكاة مجوهرات ظهرت بها أم كلثوم سابقاً بلغة عصرية (عزة فهمي)

مع تقدم الفيلم، تظهر المجوهرات وكأنها لغة قائمة بذاتها. الأقراط تتراقص وتتمايل مع طبقات الصوت، والعقود المرصعة بالأحجار الكريمة تتحدّث لغة القوة أو تروي وجعاً دفيناً، بينما تلمع أخرى مستلهمة من «الآرت ديكو» إيذاناً بولادة الأسطورة. كل تفصيلة كانت محسوبة. قارنت أمينة بين صور أرشيفية ومقتنيات من متاحف وصور حفلات الست وتسجيلات نادرة، محاولة فهم زمن لم تعشه، لكنه يسكن وجدانها من خلال أغانٍ عابرة للأجيال.

كانت المجوهرات مؤشراً على فترة زمنية أو حالة نفسية (عزة فهمي + وزارة الثقافة المصرية)

ما يُحسب لها أنها لم تستهدف استنساخ الأصل، سواء كان من «فان كليف أند آربلز» أو «كارتييه» أو «شوميه»، بل تقديم صياغة تحاكيه بأسلوب معاصر يعكس إرث عزة فهمي ولا يُشعِر المشاهد بالغربة التاريخية.

الهدف كان واضحاً ومتفقاً عليه منذ عام 2023، عندما بدأ الحديث عن الفيلم، أن تكون المجوهرات جزءاً من الحبكة وليس فقط للإبهار والزينة.

كانت أم كلثوم كأي امرأة تهتم بأدق تفاصيل أناقتها (عزة فهمي)

أم كلثوم وكوكو شانيل

فأم كلثوم، كما يكشف لنا حسن عبد الموجود في كتابه «أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة»، كانت امرأة وإنسانة قبل أن تكون أيقونة، وهذا يعني أنها كانت تهتم بأناقتها اهتماماً بالغاً. يروي الكاتب حكاية لقاء جرى بينها وبين كوكو شانيل في باريس، حيث كان الإعجاب بين أم كلثوم و كوكو شانيل متبادلاً، حسب ما جاء في الكتاب. استمعت شانيل لأم كلثوم باهتمام شديد، وعرفت أنها تفضل التصاميم المحتشمة والطويلة والأقمشة المرنة التي تتيح لها الحركة على المسرح، وكذلك ألوانها المفضلة من الزهري والأحمر والأبيض والأخضر بكل تدرجاتها.

كانت أم كلثوم تميل لألوان الزهري والأحمر والأخضر بكل تدرجاتها (الشرق الأوسط)

أخذت مقاساتها وأوكلت لمشغلها تفصيل مجموعة على المقاس، ترسلها لها بعد شهر. بيد أن الست لم تعد خالية اليدين، فقد أخذتها كوكو شانيل في جولة في المحل اختارت منه ما يروق لها من فساتين جاهزة ومعاطف بتصاميم بسيطة وعطور ومستحضرات تجميل.

تخرج من الفيلم وأنت مشبع بصرياً بالجمال، سواء من حيث المجوهرات أو الصوت والموسيقى وباقي المؤثرات، وفي الوقت ذاته بشعور غامر بأنك تحتاج إلى مشاهدته مرة ثانية لتستوعب كل الأحداث والمشاهد.


حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
TT

حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)

إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن يجدد إطلالتك، فهو حقيبة اليد. إكسسوار يُثبت منذ تسعينات القرن الماضي قدرته العجيبة على الارتقاء بأي إطلالة مهما كانت بسيطة. منذ ذلك الحين وهو استثمار لا يخيب، على شرط اختياره بمواصفات معينة، تبدأ بمصدر الخامات وطريقة دباغتها إلى التصميم المبتكر، مروراً بجودة الخامة نفسها. فقط عندما تتوافر فيها هذه العناصر، تحافظ على قيمتها وقدرتها على شد الانتباه في الوقت ذاته.

الليدي إليزا وتوأمها الليدي أميليا سبنسر وحقائب للمساء والسهرة من «أسبينال» (أسبينال)

علاقة تجارية أولاً

الجدير بالذكر أنها لم تكتسب روح الاستثمار في التسعينات. فهذه الحقبة كانت المساحة التي بنت عليها سمعتها بوصفها إكسسواراً مهماً. شكّلت بالنسبة لصناع الموضة فرصة ذهبية لإغراء المرأة بشراء في كل موسم بجديد، ومن ثم تحقيق الربح. وسرعان ما أصبحت الترموميتر الذي تقاس به قدرة المصممين وتحدِّد نجاحهم وبقاءهم. كل هذا جعل المنافسة على أشدها بين كبار بيوت الأزياء لابتكار «حقيبة الموسم». وهذا يعني زيادة الضغوطات على المصممين الذين تسابقوا على طرح أشكال وألوان كثيرة منها، حتى إذا خابت واحدة تصيب أخرى. وطبعاً ساهمت المرأة في نشر هذه الثقافة الاستهلاكية بشرائها حقيبة أو أكثر في كل موسم.

بطلة السباحة يسرى مارديني وحقيبة من دار «سالفاتوري فيراغامو» (فيراغامو)

الأمر يختلف حالياً؛ إذ أصيب الجيل الجديد بنوع من التخمة من كثرة التصاميم الموسمية. عقليته وسلوكياته الشرائية أيضاً تختلف عن الجيل السابق. لم تعد منتجات تفقد وهجها بعد أشهر أو سنة تثيره، كما بدأ يبتعد عن كل ما يحمل «لوغو» صارخاً. الأناقة الحقيقية بالنسبة للغالبية هي تلك التي تقوم على الاستدامة والجودة العالية والابتكار، وهذا يعني الاستثمار في حقيبة يمكن أن تبقى معه طويلاً. تصرخ بالرقي من دون صوت أو ضجيج، بفضل شكلها وخاماتها. هذا التوجه كان له تأثير السحر على علامات معينة مثل «لورو بيانا» و«ذي رو» للأختين ماري كايت وآشلي أولسن، وعلامة «أسبينال»، التي تربطها خيوط متينة بالعائلات الأرستقراطية.

في حملتها الأخيرة، استعانت العلامة الإنجليزية بالليدي إليزا وأختها الليدي أميليا سبنسر، ابنتَيْ إيرل تشارلز سبنسر، شقيق الأميرة الراحلة ديانا لتسويق مجموعتها الجديدة. فهما سفيرتان للدار منذ سنوات، وتُجسدان روحها الإنجليزية الراقية. بينما بقيت التصاميم كلاسيكية، تنوعت أحجامها وتلونت بألوان الأحجار الكريمة، وكأنها تقول إنها لا تقل قيمة عنها. تشير الدار إلى أن الأختين ستظهران في كل مناسبات الأعياد بحقائب من هذه المجموعة؛ لأنها وبكل بساطة «تليق بالأميرات والملكات»، وتتنوع في أشكال تغطي كل المناسبات.

الليدي أميليا سبنسر وحقيبة «توت» لمناسبات النهار وأماكن العمل (أسبينال)

العودة إلى القديم

المشكلة المطروحة أن التنافس بين بيوت الأزياء والأسماء الكبيرة على خطف القلوب والوصول إلى الجيوب، خلق تنوعاً يُصيب بالحيرة، لا سيما أن جرعة الابتكار تضاعفت بدليل التصاميم التي طرحتها كل من «جيورجيو أرماني» و«ديور» و«بوتيغا فينيتا» و«سكياباريللي» و«فيراغامو» و«فندي» وغيرها. بعضهم تبنى فكرة أن تكون التصاميم جديدة بكل معنى الكلمة مثل «جيورجيو أرماني»، بينما عاد بعضهم الآخر إلى كلاسيكيات قديمة نجحت في عصرها باعتبارها مضمونة. في الحالتين، تستشعر رغبة محمومة في جعل حقيبة اليد تستعيد نفس النجومية التي حظيت بها في التسعينات وبداية الألفية، حين كان مجرد ظهور واحدة على كتف نجمة أو يد أخرى يجعلها، بين ليلة وضحاها، ظاهرة، تنفد من الأسواق، وتضاف إلى قوائم الانتظار لأشهر طويلة.

لشتاء 2025 شهدت حقيبة Paddington تطوراً دقيقاً مع الحفاظ على جوهرها (كلوي)

لم يكن هذا النجاح محض صدفة أو نتيجة تسويق ذكي، بل كان نابعاً من جاذبية التصميم. أكبر مثال على هذا، حقيبة «بادينغتون» التي تميزت بقفل كبير وجلد ناعم وتفاصيل مستوحاة من عالم الفروسية. حققت لدار «كلوي» نجاحاً منقطع النظير عندما أصدرتها أول مرة في عام 2005، وحلقت بفيبي فيلو، مصممتها آنذاك إلى العالمية. عيبها الوحيد كان وزنها الثقيل، وهو ما صححته «كلوي» هذا الموسم. استعملت معادن أخف وزناً، وجلداً أكثر نعومة ومرونة، وأضافت فتحة بسحاب واحد زاد من عمليتها. كل هذا من دون أن تغير بأساسيات هيكلها... فهو مكمن قوتها.

ولأنه من الصعب جداً ابتكار أشكال جديدة تماماً، فإن العديد من بيوت الأزياء الكبيرة عادت إلى قديمها بترجمات تقتصر على التفاصيل مثل المقابض والمشابك والتطريزات إضافة إلى إدخال مواد جديدة أو تطوير الخامات.

من بين هذا الكم الهائل من الحقائب المطروحة هذا الموسم والمواسم المقبلة، اخترنا التالي:

«لايدي ديور»

«لايدي ديور» النسخة الجديدة مزخرفة بحرفية وكأن قطرات ماء صافية تتدلى منها (ديور)

في كل موسم، يُعاد ابتكار حقيبة «لايدي ديور» بأسلوب يعكس روح الدار وحرفيّتها. وفي مجموعة «ديور كروز» لعام 2026، عادت بحلّة مصغّرة مصنوعة من الجلد الأبيض الناصع، تزينها تفاصيل شفافة وكأنها قطرات ماء صافية تؤكد مهارة حرفيي الدار في تقطيع الجلد، وصياغة المقابض وتثبيت كل جزئية بعناية مدروسة، بما في ذلك الأحرف التي نقش بها اسم «ديور». فهو ليس «لوغو» بقدر ما هو زخرفة تضاف لجمال الحقيبة.

من «جيورجيو أرماني»

دار «جيوجيو أرماني» استعارت تفاصيل من الأزياء في حقائب مفعمة بالأناقة والفخامة (جيورجيو أرماني)

تبرز مجموعة بجلود فاخرة وتفاصيل أنثوية دقيقة، منها الأيقونتان «لابريما» و«لابريما سوفت» إلى جانب تصاميم جديدة، تتميز بآليات إغلاف فريدة مستوحاة من السترات التي برع فيها المصمم الراحل وأصبحت مرادفاً لقدرة الدار على الإبداع. أما حقيبة توت الجديدة فتستحضر أشكالاً أرشيفية تم تجديد الجزء العلوي منها لتصبح أخف وأقرب إلى التصميم المفكك، ما يمنحها عملية وأناقة. فهي تحتوي على كيس داخلي وحزام كتف قابل للتفكيك. وتأتي بجلد العجل المحبب أو السويد. تضم التشكيلة أيضاً حقائب «كلاتش» لتلك المناسبات الخاصة من جلد النابا أو السويد مع تطريزات أنيقة، وحقائب كتف من جلد العجل المحبب أو السويد بشكل شبه منحرف وحواف معدنية.

من «فندي»

طرحت «فندي» نسخاً جديدة من أيقوناتها الناجحة (فندي)

ركّزت دار «فندي» في مجموعتها لربيع وصيف 2026 على إكسسوارات تلعب على نقش Falena (الفراشة) بأسلوب تجريدي، بدءاً من حقائب Baguette التي جاءت مطرّزة بأجنحة الفراشة أو مرصّعة بالترتر، إلى حقائب Peekaboo المصنوعة من صوف الشيرلينغ المجزوز أو بالأنماط الزخرفية المحبوكة. تمتد طبعات الفراشة أيضاً على حقيبة FENDI Spy الناعمة. وحقيبة FENDI Verse الجديدة متعددة الاستخدامات مع أحزمة كتف قابلة للتعديل ومزيّنة بقطع معدنية تحمل شعار FF، فيما تأتي حقيبة Baguette أيضاً بتصميم clutch مع مشبك إغلاق يحمل شعار FF.

إيكارنو من «سان لوران»

حقيبة «إيكارنو» من «سان لوران» أصبحت حقيبة معتمدة من قبل النجمات (سان لوران)

نسخة مصغرة أيضاً طرحتها دار «سان لوران» لخريف وشتاء 2025من تصميمها الشهير «إيكارنو». إضافة إلى حجمها الذي يراعى الموجة السائدة حالياً في عالم الحقائب، يمزج تصميمها الأناقة بالعملية الوظيفية، ما يجعلها مناسبة لكل الأوقات. فحجمها رغم صغره عملي بامتياز بفضل سحاب الإغلاق ونعومة الجلد، تحافظ على رموز الدار وشخصية «إيكارنو» من ناحية جلد العجل الناعم، والخياطة المضلعة ذات الشكل الماسي المسطح، فضلاً عن الألوان المتنوعة ما بين الأسود والرمادي والأخضر والبني الباهت والبرتقالي المطفي وغيرها من الألوان. اختيارها بلون كلاسيكي محايد يجعلها استثماراً بعيد المدى.

«نيو لاغيج» من «سيلين»

حقيبة «نيو لاغيج» من سيلين ربما تكون الأكبر حجماً لتستوفي كل عناصر الأناقة والعملية (سيلين)

يبدو أن «سيلين» Celine أيضاً عادت إلى قديمها لتجدده. رسا الاختيار هذه المرة على حقيبة «نيو لاغيج» NEW LUGGAGE المستوحاة من حقيبة «فانثوم لاغيج» Phantom Luggage التي صممتها مديرتها الإبداعية السابقة، فيبي فيلو، وحققت نجاحاً كبيراً في 2010 بتفاصيل تستحضر حقيبة «ميسترال» التي صُممت أول مرة في عام 1969 على يد سيلين فيبيانا، مؤسسة الدار سيلين.

النسخة الجديدة تتميز بحجم أكبر، ومن جلد الحمل الناعم واللامع، فيما تم تحسين هيكل الحقيبة باستعمال خياطة عكسية مع حواف مخيطة وسحاب. تفاصيل تزيد من نعومتها وخفة وزنها وفي الوقت ذاته من عمليتها. فهي مطروحة بأحجام متنوعة وباستخدامات متعددة. حجمها الصغير يتيح حملها على الكتف أو باليد بعد إزالة الحزام. وبحجمها المتوسط يمكن أن تحمل باليد أو على المرفق، وبحجمها الصغير على الكتف أو بمقبض اليد.

«مي بولسا» Mi Bolsa

رغم خاماتها المترفة مثل جلود العجل الناعم والتماسيح تؤمن «مي بولسا» بأن جمال الحقيبة في بنيتها لا في سعرها (مي بولسا)

تعني بالإسبانية «حقيبتي». عمرها لا يتعدى بضع سنوات، ومع ذلك أكدت أن لها رؤية مبتكرة تجمع الأسلوب الإسباني المنطلق والكلاسيكية البريطانية. تأسست على يد ميكايلا وشقيقها أليكس، اللذين يجمعان خلفيات وتجارب متنوعة. فميكايلا مثلاً كانت تعمل في قطاع المال بلندن، وبعدها في تطوير المنتجعات في كوريا الجنوبية لكن شغفها بالحقائب جعلها تتخلى عن مسيرة مهنية مضمونة لتدخل عالم المنافسة من خلال حقائب حرصت على أن تعكس شخصيتها، وكل ما تعنيه كلمة الفخامة من معانٍ، لكن بأسعار متوسطة. فهي ترى أن الفخامة لا تقاس بالسعر بقدر ما تقاس بتلك العلاقة التي تربطها بصاحبتها. والنتيجة أن العلامة تقدم مجموعة واسعة من التصاميم، تخاطب كل الأوقات والأذواق. لكن يبقى الجلد الناعم والخفة قاسمين مشتركين في كل هذه التصاميم، سواء تلك التي تُحمل باليد أو على الكتف.