على الرغم من تأكيد الولايات المتحدة عزمها استخدام «القوة المميتة» لإنهاء تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة، فإن الخيارات أمامها لتحقيق ذلك في غياب مشاركة الحكومة اليمنية على الأرض، تبدو محدودة؛ نظراً إلى التضاريس الصعبة التي توفر ملاذاً آمناً للجماعة ولمراكزها القيادية ولمخازن أسلحتها؛ مما يرجح اللجوء إلى السيناريو الذي اتُّبع في ضرب قدرات «حزب الله» اللبناني.
ومع دخول الضربات التي أمر بها ترمب يومها الخامس، فإن الآثار الواضحة لهذه العملية لم تتبين كلياً، رغم تأكيد مصادر محلية ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية عن مقتل العشرات من عناصر وقيادات الحوثيين وتدمير مراكز قيادة ومواقع تدريب ومخازن أسلحة في أكثر من 7 محافظات يمنية.
إلا إن استئناف الجماعة إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه القطع البحرية الأميركية، ومن بعده إطلاق صاروخ نحو إسرائيل، يبين أن الضربات لم تصل إلى المستوى الذي يفقدها القدرة على الرد.
وإذا كان إطلاق المسيّرات بتلك الكثافة والصواريخ الباليستية يتطلب تجهيزات ومعلومات استخباراتية ومواقع آمنة، فإن الحديث، وفقاً لمراقبين، لا يزال مبكراً عن فاعلية الضربات الأميركية؛ مما يرجح وجهة النظر التي تستدعي السيناريو الذي اتّبعته إسرائيل في ضرب قدرات «حزب الله» اللبناني؛ لأنه، في تقديرهم، الأعلى فاعلية ومن شأنه نزع قدرة الحوثيين على الصمود وتقليل تكاليف المواجهة ومداها.

وفي حين يجمع قطاع واسع من اليمنيين؛ سواء أكانوا مسؤولين أم مواطنين عاديين، على أن القضاء الفعلي على قدرة الحوثيين يتطلب عمليات عسكرية على الأرض تواكب الضربات الجوية، جاءت تصريحات واشنطن لتؤكد أن هدف عملياتها هو وقف الهجمات على الملاحة فقط؛ مما يجعل من الصعب على الجانب الحكومي الذهاب إلى مرحلة المواجهة الميدانية مع الحوثيين.
وبالتالي، فإن تغلب واشنطن على غياب هذا الجانب والتضاريس الجبلية الصعبة التي توفر المخبأ للحوثيين ولتخزين الأسلحة ولإدارة العمليات، سيتطلب منها مزيداً من العمل الاستخباراتي واستخدام أسلحة أكثر فتكاً لإحداث فارق عما كانت عليه الضربات في عهد الإدارة الديمقراطية.
توسيع بنك الأهداف
مع الصعوبات التي تواجه تنفيذ ضربات مركزة ومكثفة تستهدف قادة الحوثيين بعد مغادرة معظمهم العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء والاحتماء في الكهوف الجبلية بمحافظة صعدة، حيث يقيم بشكل دائم زعيمهم منذ بداية التمرد على السلطة المركزية في 2004، فإن استهداف المقاتلات الأميركية مواقع متعددة في مديرية مجز بالمحافظة نفسها، يوحي بأن واشنطن قد وسعت بنك الأهداف وبأنها تعمل من أجل توجيه ضربة قاصمة للجماعة التي رفضت كل دعوات التهدئة.
ويستند المراقبون في فاعلية هذا السيناريو إلى حالة الارتباك التي أصابت قادة الحوثيين عقب مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني وتهديد إسرائيل آنذاك باتباع الأسلوب نفسه في اليمن، حيث اختفت كل قيادات الصف الأول من صنعاء وانقطع الاتصال معهم، ووجدت البعثات الأممية صعوبة في الوصول إليهم، خصوصاً أنهم غيروا عناوينهم وأرقام هواتفهم وانتقل معظمهم إلى محافظة صعدة، التي تتبع فيها الجماعة إجراءات مخابراتية صارمة، إلى جانب توفر عدد من الكهوف الجبلية والخنادق التي استُحدثت طوال سنوات المواجهة مع القوات الحكومية خلال العقدين الماضيين.
ووفق منصة «ديفانس» المختصة في القضايا الأمنية والعسكرية، فإن الغارات الأميركية الجديدة استهدفت مواقع في محافظة صعدة؛ خصوصاً بمديرية الصفراء، التي تحوي أكبر مجمع للقواعد العسكرية الحوثية. وذكرت أن الصفراء هي ثانية كبرى المديريات جغرافياً في المحافظة، وتمتد من حدود محافظة عمران جنوباً إلى الحدود السعودية شمالاً، وتوجد بها مجمعات وقواعد عسكرية قديمة، ومنشآت جديدة طورتها الجماعة الحوثية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ ما بعد إعلان الهدنة الأممية مطلع 2022.
ووفق ما أوردته المنصة، فإنه تنتشر في نطاق هذه الجغرافيا الجبلية الواسعة قواعد ومواقع ومخابئ ومغارات عدة تحت الأرض، وأنفاق وكهوف متعددة ومتباعدة، تربط بينها شبكة من الطرق المعبدة متعددة الوصول. وتقع في نطاق المديرية كسارات عدة؛ قديمة وحديثة، تتحدث معلومات عن استخدام الجماعة الحوثية بعضها لعمليات عسكرية.
خسائر معلنة
وأقر الحوثيون بمقتل 10 من الضباط المنتمين للجماعة في الغارات الأميركية التي استهدفت عدداً كبيراً من مواقعها، بعد أن كانوا يتحدثون عن مصرع 53 من المدنيين، فيما أكدت مصادر محلية وعائلات ضحايا أن عدد قتلاهم يقترب من المائة.

وذكرت وسائل إعلام الجماعة أن جثامين الضباط العشرة شُيعت في صنعاء، لكنها تجنبت ذكر أماكن وتوقيتات مصارعهم، غير أن عائلات مقاتلين أقل رتبة ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك العشرات من الضحايا من المجندين، فقد أدت الضربات إلى تدمير (معهد التدريب المهني) في محافظة البيضاء، وكل المقاتلين الذين كانوا بداخله، ودُفن بعضهم في صنعاء، وآخرون أُرسلوا إلى محافظاتهم».
وفي حين تتجنب الجماعة الكشف عن الخسائر التي تكبدتها رغم إقرار بعض قادتها بوقوع خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد، ذكرت المصادر أن أغلب الضحايا سقطوا في استهداف مبنى بوسط صنعاء، وفي المبنى الإداري بمحافظة الجوف، وفي محافظة البيضاء.