تحلّ الذكرى الثامنة والأربعون لاغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان والمنطقة، خصوصاً تاريخ الدروز، وبدا أن نجله وليد جنبلاط يخوض تحديات كبيرة تواجهه طائفته التي غالباً ما قدّم تنازلات من أجل حمايتها وبقائها في قلب العروبة.
تحولان
ويستقطب الاحتفال الذي يقيمه «الحزب التقدمي الاشتراكي» في دارة المختارة (جبل لبنان)، الأحد، اهتمام الداخل والخارج بالنظر لما سيقوله هذا الرجل، خصوصاً وأن ذكرى والده الذي اغتاله نظام حافظ الأسد في 16 مارس (آذار) 1977، جاءت وسط تحولين؛ الأول سقوط نظام آل الأسد والقبض على من يعتقد أنه قاتله اللواء إبراهيم حويجي، والثاني التطوّر الذي طرأ على وضع دروز سوريا الذين يرفض بعضهم الاعتراف بشرعيّة الدولة السورية الجديدة، ومحاولة إسرائيل التدخل في هذا الموضوع من زاوية «حمايتهم».
ما يحصل مع دروز سوريا يلقي بخطره على المنطقة بأسرها، إذ رأى أمين السرّ العام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» ظافر ناصر، أن «ذكرى اغتيال المعلّم كمال جنبلاط، تتزامن مع الأحداث التي تحصل في جنوب سوريا، وتهدد الهوية القومية والهوية الوطنية لدروز سوريا، وهي نقيض تاريخهم النضالي وتشبثهم بأرضهم وأوطانهم، وهو ما يضع وليد جنبلاط مرّة جديدة أمام حتمية العمل على إفشال هذا المخطط»، محذراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «الذهاب نحو أوهام إسرائيل بحماية الدروز»، ومعتبراً أن «الخطر الذي يتهدد مصير دروز سوريا نتيجة هذه الأحداث الأخيرة، لن يتوقف عن الواقع الدرزي في سوريا، بل يهدد مصير المنطقة، لأن مشروع تقسيم وتفتيت المنطقة هدف إسرائيل ثابت، وإن برز اليوم في الواجهة الواقع الدرزي».
عزل دروز سوريا
وأكد ظافر ناصر أن «الموقف التاريخي لوليد جنبلاط لم يتغير، وهو رفضه لنظرية الأقليات والدولة الدرزية التي طالما دغدغت أحلام البعض، وهو (جنبلاط) يؤكد بذلك على الموقف التاريخي لكمال جنبلاط ولدارة المختارة التي لم تتخل يوماً عن هويتها ووطنيتها وعروبتها».
ويعتزم وليد جنبلاط زيارة دمشق قريباً، ولقاء مرجعيات درزية سورية، محاولاً «قطع الطريق على تغيير هويتهم السورية والعربية والإسلامية»، كما يقول ناصر، لكنّه موقفه هذا يواجه بانتقادات حادّة من فعاليات درزية لبنانية طالما كانت تصطف ضمن محور الممانعة مثل الوزير السابق وئام وهاب، الذي يصوّب سهامه نحو جنبلاط لمجرد انتقاده جنوح بعض أبناء محافظة السويداء نحو الرغبات الإسرائيلية. ويعدُّ الوزير السابق رشيد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المسؤولية التي يحملها وليد جنبلاط كبيرة جداً، فهو يمشي على درب الجلجلة، ويعيش الظروف نفسها التي عاشها والده قبل اغتياله». ويشدد على أنه «يواجه موجة يقودها بعض رجال الدين المعروفين تهدف لأخذ دروز سوريا باتجاه إسرائيل».
اعتقال القاتل
ستكون لذكرى اغتيال كمال جنبلاط ميزة خاصة لدى أبناء الطائفة الدرزية وكلّ اللبنانيين الذين أحبّوه، لكونها تأتي بعد أيام قليلة على إعلان الدولة السورية اعتقال اللواء إبراهيم حويجي الذي نفذ عملية تصفيته مع مرافقيه، لكنّ وليد جنبلاط الذي اكتفى بالتعليق على هذا الحدث بكلمة «الله أكبر»، حقق ما قاله قبل أعوام بأنه «ينتظر على ضفة النهر عبور جثّة قاتل والده». ويلفت الوزير رشيد درباس إلى أن «النظام السوري الذي اغتال كمال جنبلاط حاول أيضاً اغتيال نجله أيضاً». وقال: «أدرك وليد جنبلاط بعد اغتيال والده أن الاشتباك مع نظام الأسد يشكل انتحاراً، فأنشأ معه علاقة متقلّبة، إلى أن وصل بشار الأسد إلى السلطة وحاول اغتياله عبر محاولة تصفية مروان حمادة إلى أن وصل الأمر به إلى اغتيال رفيق الحريري، عندها قاد جنبلاط معركة إخراج الجيش السوري من لبنان كزعيم لبناني وطني ونجح في ذلك».
ليس تفصيلاً أن يحتفل محبّو كمال جنبلاط في ذكرى اغتياله هذا العام، وقاتله قيد الاعتقال لدى الدولة السورية الجديدة والنظام الذي أمر بتصفيته انتهى إلى غير رجعة، ويلفت درباس إلى «الجريمة الإنسانية لا تمحى مهما طال الزمن»، مستغرباً كيف أن «نظام حافظ الأسد الذي كان يدعي العروبة والدفاع عن فلسطين، قتل أكثر اللبنانيين عروبة وحضارة، وأكثر من حمل مظلّة حماية القضية الفلسطينية والدفاع عنها، كما أنه قتل الشاعر والمفكّر وصاحب المبادئ».