تعدّ مدينة جدة، الواقعة في غرب السعودية، المدينةَ الوحيدةَ خارج نطاق الحرمين التي يمر بها الزائرون على مدار العام وبأعداد كبيرة، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، الذي تسجل فيه المدينة تدفق المعتمرين من مختلف دول العالم لقضاء بعض من الوقت والليالي بالمدينة الساحلية.
تتيح جدة خيارات متعددة لزوارها؛ منها زيارة المدينة التاريخية، خصوصاً في الشهر الفضيل؛ إذ تتزين المنازل القديمة التي شُيدت من الحجر المنقبي المستخرج من «بحيرة الأربعين»، والأخشاب التي كانت ترد من «وادي فاطمة» أو تُستورد من الهند، فتشكل حالة فريدة من التراث العتيق. فيما يبحث عدد من الزوار عن المواقع الإسلامية بالمدينة؛ ومنها «مسجد الشافعي»، و«مسجد عثمان بن عفان» رضي الله عنه، و«مسجد عكاش»، و«جامع الحنفي»... إلى جانب أعرق الأسواق الشعبية، التي تمثّل وجهة مفضّلة لمحبي التراث والقطع التذكارية.

ويدلف القادمون إلى المدينة التاريخية، الذين يرغبون في السير بين أزقتها، من وجهتين رئيسيتين، يضاف إليهما بعض المداخل الفرعية، إلا إن «باب النافعة»، الذي يعدّ أحد أبواب السور الغربي المقابل لـ«مركز المحمل التجاري» على «شارع الملك عبد العزيز»، أهم مواقع الانطلاق بعد عملية تجمع المعتمرين؛ إذ تتيح لهم هذه النقطة فرصة الانطلاق من غرب المدينة حتى يصلوا إلى «باب مكة» في الشرق.

وخلال هذه الرحلة بين «شارع قابل» و«باب مكة» يمر المعتمر والزائر بأكثر من 12 تجمعاً تجارياً مخصصاً لسلع محددة موزعة على جميع مساحات المدينة القديمة تحت أسماء: «الخاسكية»، و«البدو»، و«العلوي»، و«الندى»... وغيرها من الأسواق التي يبحث فيها المعتمر عن أنواع مختلفة من المواد الاستهلاكية، التي تأتي في مقدمتها الملابس والأقمشة، وفقاً لما ذكره العم حسن حامد، الذي أشار إلى أن أغلب الزوار يبحثون عن المنسوجات والهدايا، إضافة إلى المنتجات التقليدية المحلية.
وقال العم حامد، وهو أحد العاملين في منفذ لبيع الملابس، إن «القادمين من شرق آسيا هم الأعلى إقبالاً على الملبوسات؛ خصوصاً النسائية، ومن ثم يأتي الإقبال على الأقمشة الخام. فيما يقبل الرجال على شراء الثوب السعودي وغطاء الرأس (الشماغ)، في حين يفضل الغربيون التذكارات التراثية التي تظهر فيها روح المدينة وأصالتها، ومنها المنسوجات».
وللمأكولات الشعبية نصيب في هذه الجولة؛ «إذ تشتهر المدينة التاريخية بمنافذ لبيع (السمك)، و(الروس المندي)، إضافة إلى بيع الأنواع التقليدية من البليلة، والبطاطا المقلية، والكبدة، والتي يقبل عليها الزوار من سياح ومعتمرين». يقول أحمد حسين، أحد مقدمي الوجبات الشعبية، إن «عموم الزوار يتوافدون لشراء المأكولات منذ الساعة العاشرة، ويكون التركيز على البليلة، والكبدة. أما الوجبات الرئيسية، فيكون الإقبال عليها بعد الساعة الـ12 ليلاً».

وللساحل في جدة حكاية يرويها لزواره من المعتمرين والسياح، فهو الخيار الثاني بعد قضاء ليلة رمضانية في المدينة التاريخية، حيث تتدفق أعداد كبيرة منهم في وقت مبكر قبل صلاة العصر وبعدها، مستغلين اعتدال الأجواء، للاستمتاع بجمال غروب الشمس على طول الساحل بدءاً من الواجهة البحرية بمنطقة حرس الحدود جنوباً، إلى دوار النورس شمالاً، والتي تتخللها شواطئ رملية مفتوحة للعامة. هذه الأجواء واعتدال المناخ من الحوافز الكبيرة لجلب السياح والمعتمرين، وفقاً لثامر الفرشوطي، الذي أوضح أن انخفاض درجات الحرارة، مع الفعاليات المقامة في كل موقع من مدينة جدة، خصوصاً في المدينة التاريخية، زادا من عدد السياح.
من جانبه، كشف رئيس «لجنة وكلاء السياحة والسفر ومشغلي الجولات السياحية» في «الغرفة التجارية بجدة» لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «هذا الإقبال سينعكس بشكل مباشر على قطاعات المدينة المختلفة، وفي مقدمتها السياحة والترفيه»، متوقعاً أن «ترتفع نسبة الإنفاق مع زيادة تدفق الزوار على مدينة جدة»، مشيراً إلى أن «نحو 42 في المائة من إجمالي نسبة السياحة دينيةٌ، في حين أن 43 في المائة ترفيهية، وهذا الأمر من شأنه تعزيز القطاع السياحي في المدينة».

وتزخر مدينة جدة بعدد كبير من المراكز التجارية، التي عادة ما تكون وجهة لمرتادي المدينة، سواء منها الأسواق الشعبية التقليدية، والمراكز والمولات الحديثة، التي تجاوز عددها 325 مركزاً وسوقاً تجارية، وهي تقدم كثيراً من المنتجات مختلفة الصنع، بالإضافة إلى مواقع للترفيه، ومطاعم للوجبات السريعة، التي تشهد إشغالاً كاملاً في اللحظات الأخيرة قبل أذان المغرب.
يُذكر أن مدينة جدة سجلت في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024 ارتفاعاً في عدد القادمين إليها بنحو 4.7 مليون شخص، وفقاً لما أوضحت «شركة مطارات جدة» التي أعلنت أن «مطار الملك عبد العزيز الدولي» حقق أعلى رقم تشغيل سنوي في تاريخ المطارات السعودية، بأكثر من 49.1 مليون مسافر خلال عام 2024، ونسبة نمو بلغت 14 في المائة مقارنةً بعام 2023.


