شهر الفرنكوفونية ينطلق في بيروت وخارجها

في ظل تراجع الفرنسية بنسبة 50 % في لبنان

يتضمن شهر الفرنكوفونية نشاطات ثقافية مختلفة (المركز الثقافي الفرنسي)
يتضمن شهر الفرنكوفونية نشاطات ثقافية مختلفة (المركز الثقافي الفرنسي)
TT
20

شهر الفرنكوفونية ينطلق في بيروت وخارجها

يتضمن شهر الفرنكوفونية نشاطات ثقافية مختلفة (المركز الثقافي الفرنسي)
يتضمن شهر الفرنكوفونية نشاطات ثقافية مختلفة (المركز الثقافي الفرنسي)

في شهر مارس (آذار) من كل عام يحتفل العالم بشهر الفرنكوفونية. ويحطّ رحاله في بيروت متضمناً نشاطات مختلفة تستمر لغاية 28 منه. في هذه المناسبة جرى لقاء في المركز الثقافي في بيروت لأهل الصحافة مع رئيسة المركز سابين سيورتينو ومسؤولين آخرين فيه، ونوقشت أسباب تراجع الفرنسية في لبنان وكيفية إعادة تعزيز موقعها فيه. وتشير سيورتينو في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا التراجع يبلغ اليوم نسبة الـ50 في المائة. ولكن ما الذي سيحفّز الناس اليوم على التحدث بها؟ تردّ سيورتينو: «إن تعزيز التحدث في أي لغة هو نوع من الانفتاح. كما يساهم في التمتع بوجهات نظر غنية ومختلفة. ومن هذا المبدأ يمكن عدّ الفرنسية ليست مجرّد لغة، بل ثقافة وفن حياة. وللفرنسية أيضاً أبعاد تتعلق باستحداثها آفاقاً جيدة في مجالات العمل. فأن يجيد المرء التحدث بالعربية والإنجليزية هو أمر جيد، وإذا ما أضفنا إليها الفرنسية، فهي من دون شك ستُتيح للشخص التمتع بفرص عمل أكبر».

رئيسة المركز سابين سيورتينو خلال لقائها مع أهل الصحافة (المركز الثقافي الفرنسي)
رئيسة المركز سابين سيورتينو خلال لقائها مع أهل الصحافة (المركز الثقافي الفرنسي)

جرى في اللقاء مناقشة أسباب تراجع تعلّم الفرنسية والتحدث بها. فهناك نظريات عديدة توضح ذلك، لا سيما أن معظم جيل الشباب ينكبّ بشكل أكبر على استخدام الإنجليزية في يومياته. وبعض هؤلاء على الرغم من تعلّمهم في مدارس فرنكوفونية فإنهم يستسهلون التحدث بالإنجليزية. ويأتي التواصل بينهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ليضعها في الواجهة. في المقابل ينظِّم المركز الثقافي الفرنسي نشاطات لتفعيل الفرنسية ووضعها في الواجهة.

فالفرنسية تحتل اليوم المركز الخامس في انتشارها عالمياً. وهناك شعوب تساهم في انتشارها بشكل أساسي كالأفارقة. وحسب آخر تقرير للمنظمة العالمية للفرنكوفونية هناك 300 مليون شخص في القارات الخمس يتحدثون لغة موليير حيث تصنف الفرنسية في المركز الخامس بعد الصينية، والإنجليزية، والإسبانية والعربية.

وتؤكد سيورتينو في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن تراجع الفرنسية في لبنان لا يأتي عن عبث. وتوضح: «هناك لا شك تغييرات كثيرة يشهدها العالم باستمرار. وندرك تماماً بأن الانجليزية تلاقي رواجاً أكبر لأنها لغة تواصل عالمية، ولا سيما في عالم الأعمال. بيد أننا نرى أن على لبنان الحفاظ على موقعه الفرنكوفوني في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك نعمل على إبقائه في هذا المركز وتحسينه. وبذلك يُصبح اللبناني يتحصّن بلغات ثلاث هي، العربية والإنجليزية والفرنسية».

وتأتي برمجة شهر الفرنكوفونية غنية بالفعاليات التي تنظم في المركز الفرنسي في بيروت، وكذلك في فروعه المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية (طرابلس، وجونية، وصيدا، ودير القمر، وزحلة وبعلبك). وتتألّف من نشاطات في الأدب والموسيقى والسينما والفنون البصرية.

ومن أبرز محطات هذا الشهر في بيروت تلك التي تنظّم في 11 و18 و25 مارس في سينما مونتانيي. وتحت عنوان «السينما الفرنكوفونية» يقيم المركز الثقافي الفرنسي بالتعاون مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية لقاءات عدة، يستهلها في 6 مارس بإطلاق الأنطولوجيا الشعرية «الغسق».

أما في 10 مارس، وفي مسرح المدينة تُنظّم أمسية «الشعر والموسيقى الملتزمة» مع ندى يافي وتانيا صالح. ويليها في 11 من الشهر نفسه، نشاط يحفّز على القراءة بعنوان «ربع ساعة للقراءة الوطنية»، ويشارك فيه تلامذة المدارس في مختلف أنحاء لبنان. ومن ثم تُسلَّم جائزة طلاب المرحلة الثانوية حول الترجمة الفرنكوفونية. ومن بعدها تعقد طاولة مستديرة بعنوان «المترجم في أعلى هرم الدولة».

لقاء الإعلام اللبناني مع المسؤولين في المركز (المركز الثقافي الفرنسي)
لقاء الإعلام اللبناني مع المسؤولين في المركز (المركز الثقافي الفرنسي)

ومن النشاطات الثقافية الأخرى التي تقام في شهر الفرنكوفونية معرض «أقلام شابة ملتزمة»، تستضيفه صالة إبراهيم نجار في 14 مارس في جامعة الـ«ألبا» للفنون الجميلة في بيروت. ولهواة الأفلام القصيرة بالفرنسية موعد في سينما مونتانيي في 19 مارس ضمن «احتفالية الأفلام القصيرة».

وتشهد مراكز أخرى خارج بيروت نشاطات تتوزّع على المركز الثقافي الفرنسي في دير القمر. وكذلك في صيدا وطرابلس وبعلبك وجونية ضمن عرض للدمى المتحركة بعنوان «ملكة الألوان».

ويختتم الشهر الفرنكوفوني فعالياته في 29 مارس بمعرض رسم بعنوان «اتركونا بسلام»، يمزج في صوره بين حسّ الفكاهة والحب والحرب والسَّلام، ويوقّعها كل من سيرج بلوش وشاكر بو عبد الله.

وتشهد باقي أيام شهر الفرنكوفونية لغاية 3 أبريل (نيسان) معرض «محيطات وبحار بلاستيكية» في جامعة القديس يوسف، وكذلك معرض «العالم بلا نهاية» في المركز الثقافي الفرنسي في دير القمر.

وتُنهي سابين سيورتينو حديثها عن منافسة الصينية للغة الفرنسية، موضحة: «أُعدّها من اللغات الأهم في المستقبل، وأنا شخصياً تعلمتها. وسيتعلق ذلك من دون شك بمدى التطور الديمغرافي والاقتصادي للصين. ولا يسعني أن أعدّها تدخلاً في مجال التنافس مع الفرنسية. فالقرار الأول والأخير يعود حتماً لجيل الشباب القادم وأهدافه المستقبلية. وأرى أنه لا تنافس بين اللغات أبداً لأنها تُكمل بعضها».


مقالات ذات صلة

تغريم بريطاني لاحتفاظه بتمساح في حديقته

المحبّة كلَّفت مالاً (أ.ف.ب)

تغريم بريطاني لاحتفاظه بتمساح في حديقته

غُرِّم بريطاني بعد اكتشاف احتفاظه بتمساح أليف طوله 1.2 متر (4 أقدام) في حوض بحديقة منزله الخلفية طوال عام كامل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لهذا الفنّ مكانة تاريخية (أ.ف.ب)

فتيات صينيات يُضفين لمسة حداثة على فنّ الكونغ فو القتالي القديم

الفنون القتالية الصينية تُعدّ مجالاً يُهيمن عليه الذكور، وإنما مجموعة من الشابات يتحدَّين هذه الفكرة ويروّجن لمدرستهنّ الخاصة للكونغ فو.

«الشرق الأوسط» (جبل آماي الصين)
يوميات الشرق الرضا عن الحياة والسعادة انخفضا بين الشباب خلال العقد الماضي (أرشيفية)

دراسة: مرحلة الشباب «لم تعد من أسعد أوقات الحياة»

لأكثر من نصف قرن، كانت «أزمة منتصف العمر» سمة بارزة في المجتمعات، تتمثل في «ذروة بؤس» بين سن الأربعين والخمسين. لكن كل ذلك يتغير الآن، وفقاً للخبراء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق العقار تطوره شركتا «يور تشويس ثيرابيوتكس» و«كوشنت ساينسز» (أرشيفية)

أقراص لمنع الرجال من الإنجاب «توشك أن تصبح واقعاً»

قالت شركة تعمل على تطوير عقار يمنع الرجال من الإنجاب إن تجارب أولية على البشر أجريت على أقراص خالية من الهرمونات تمنع الرجال من الإنجاب تظهر أنها آمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أدمغة الآباء والأمهات أظهرت أنماطاً «مترابطة وظيفياً» أقوى (رويترز)

تربية الأبناء «صعبة» لكنها تُبقي الدماغ «شاباً» وتحميه من الشيخوخة

غالباً ما تُلام الأبوة والأمومة على التسبب في الشيب. وتشير أبحاث إلى أن ذلك قد يكون صحيحاً. لكن دراسة جديدة وجدت أن التربية قد تُساعد في الحفاظ على صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

معرض «شمس» لماركو بالومبي تحية مشرقة من لبنان إلى إيطاليا

صورة الشمس التي استوحى منها اسم معرضه في بيروت (الشرق الأوسط)
صورة الشمس التي استوحى منها اسم معرضه في بيروت (الشرق الأوسط)
TT
20

معرض «شمس» لماركو بالومبي تحية مشرقة من لبنان إلى إيطاليا

صورة الشمس التي استوحى منها اسم معرضه في بيروت (الشرق الأوسط)
صورة الشمس التي استوحى منها اسم معرضه في بيروت (الشرق الأوسط)

يحتار المرء كيف يحدد معاني كلمة «شمس»، فهي تحمل الدفء والأمل والضوء والحرية وغيرها. ولكن المصور الفوتوغرافي الإيطالي، ماركو بالومبي، جمع فيها كل هذه الصفات في معرضه «شمس»، فأطلق عليه هذا الاسم تيمناً بلبنان المشرق والمضيء. يقول إنه هكذا تراءى له في عيون تلامذة مدارس زارهم في صفوفهم. ومتنقلاً بين مناطق لبنان ومن شماله إلى جنوبه اكتشف في ملامح الأولاد ضوءاً لا يخفت في عيونهم. مشروعه الفني يرتكز على جولات قام بها لمدارس تستفيد من مبادرات التعاون الإيطالي.

مجموعة من صور معرض ماركو بالومبي في متحف سرسق (الشرق الأوسط)
مجموعة من صور معرض ماركو بالومبي في متحف سرسق (الشرق الأوسط)

ويتضمّن معرض «شمس» في متحف سرسق أكثر من 50 صورة فوتوغرافية. وجميعها تتناول ملامح و«بورتريهات» لتلامذة تلك المدارس. قرأ في وجوههم كما يسرّ لـ«الشرق الأوسط» الصلابة والقوة. واستشفّ من سمات وجوههم أحلام المستقبل المشرقة. «طبعت ذاكرتي عيون هؤلاء الأولاد بشكل كبير. واكتشفت مدى صلابتهم وقوتهم وحبّهم للحياة. إنها تلمع بالنور والأمل ولا مجال لكسرها أو إحباطها».

مرّ ماركو بالومبي على مدارس في طرابلس وصور وصيدا وبيروت، توقف في ساحاتها وملاعبها، تواصل مع تلامذتها ولمس جمالية تنوع أطيافهم. فهم يمثّلون نموذجاً حيّاً عن لبنان المتنوع بطوائفه وبمجتمعاته. ويعلّق في سياق حديثه: «سبق أن زرت لبنان أكثر من مرة، وهذه الصور التي ترونها تعود إلى عام 2023 حتى اليوم. وفي زيارتي الأخيرة لهذا البلد استوقفني حماس الشباب، كما أعجبت ببنية المدرسة اللبنانية إلى حدّ كبير».

وفي مقارنة سريعة يجريها بالومبي بين مدارس إيطاليا ولبنان يخبرنا: «تلامذة المدارس في إيطاليا يتمتعون بالاكتفاء على أصعدة مختلفة. ولديهم كل ما يرغبون به من أدوات وقرطاسية وأجواء كي تحفّزهم على الدراسة. ولكن تلامذة لبنان لم أرهم يحملون سوى الكتاب فقط. وهو أمر رائع؛ لأنهم يركّزون على لبّ الهدف التعليمي. ومع ذلك رأيتهم مرتاحين وفرحين بما لديهم. والأهم هو أنهم يمثّلون حلم مستقبل لبنان الواعد. وهو أمر لمسته عن قرب سيما وأن عيونهم تلمع بالأمل».

وعن سبب إطلاقه اسم «شمس» على معرضه يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لفتتني إحدى تلامذة المدارس في صيدا تحمل رسماً لكوكب الشمس، عنونته بالفرنسية (سولاي)، وقدّمته في رسم بسيط ومعبّر. كانت سعيدة لحملها هذا الكوكب على ورقة. والأهم هو أن نور الشمس الذي رسمته كان ينعكس على وجهها. فألهمتني لإطلاق هذه التسمية على معرضي».

يتألّف معرض «شمس» من مجموعة فوتوغرافية لتلامذة لبنانيين (الشرق الأوسط)
يتألّف معرض «شمس» من مجموعة فوتوغرافية لتلامذة لبنانيين (الشرق الأوسط)

على مساحات شاسعة من صالة المعارض في متحف سرسق تتوزّع صور ماركو بالومبي. التقط في بعضها لغة دمار قاسية لم توفّر حتى المدارس. وفي غيرها نقل براءة تلميذ يشير إليه بصفته مصوراً أجنبياً. في حين حملت باقي الصور موضوعات متفرقة، بينها رسمة على حائط تجمع ما بين عبارة «للوطن» وعلم لبنان. وفي أخرى التقط نماذج لتلامذة ترك لعدسة كاميرته حرية التعبير عن محتواها. فهنا ولد يعمل على تطبيق بصري. وهناك مجموعة فتيات تلوّن أحلامهن على الورق.

وبينما صور معرض «شمس» تتصدّرها شخصيات منفردة، عزّز بعضها الثنائية، فالتقط صوراً لزميلتَيْن على مقاعد الدراسة. وكذلك لتلميذتَيْن تبتسمان بخجل وعيناهما على كاميرا بالومبي. ويتوقّف المصور الإيطالي أمام واحدة من الصور التي يحبّ: «إنها تبرز رسماً للعلم اللبناني وتبرز بوضوح هوية البلد الذي التقطت فيه هذه الصور. فأنا أنوي نقل هذا المعرض قريباً إلى إيطاليا. وهناك سيتعرّفون بسرعة إلى لبنان من خلال علمه».

بابلو إلى جانب الصورة التي يحب وتحمل العلم اللبناني (الشرق الأوسط)
بابلو إلى جانب الصورة التي يحب وتحمل العلم اللبناني (الشرق الأوسط)

تم تنظيم معرض «شمس» من قِبل مكتب الوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية في بيروت، بمشاركة السفارة الإيطالية في لبنان. وتابع ماركو بالومبي على مدار عام كامل، بعثات رصد المشروعات الإيطالية. وزار المدارس ومراكز تعليم الكتابة والقراءة في جميع أنحاء لبنان. وسرد من خلال صوره الفوتوغرافية الوقع الإيجابي لهذه المبادرات على حياة الأطفال.

وتأتي صوره من ضمن مشروع أطلقته إيطاليا في لبنان عام 2023، وهدفه دعم نظام تعليم وتدريب مهني أكثر شمولاً وإدماجاً واستدامة في مجال التعليم. وهو يزيد من فرص الحصول على عمل محترف من خلال التدريب الجيد.

ويشير ماركو إلى أنه يختار شخصيات صوره تلقائياً ومن دون سابق تصميم. «عندما أدخل مكاناً ما يجذبني دفء ناسه. ربما نظرة أو ابتسامة أو حركة عفوية تلفتني فألتقطها بكاميرتي. فأنا لا أحب تصوير الأماكن الفارغة أو المقفلة. وأفضّل ممارسة التصوير في الشوارع التي تضج فيها الحياة».

والمعروف أن ماركو بالومبي اشتهر بتقاريره المصورة التي يروي فيها قصص الناس. عمل في مجال الريبورتاج المصور لتصاميم الأزياء والإعلانات التجارية. ونشرت أعماله في «لاريبوبليكا» و«لاستامبا» وصحف إيطالية أخرى. حاز على جائزة «بريميو أنيما» للتصوير الفوتوغرافي في عام 2023.

ويختم ماركو بالومبي لـ«الشرق الأوسط»: «سأتذكر لبنان دائماً مشرقاً بضحكات وابتسامات أولاده. إنه بلد رائع، ولا بد أن أقوم فيه بمشروعات تصويرية مستقبلية».