إيران تسرّع خططها لصناعة سلاح نووي بدائي

طهران تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى درجة 90 % خلال أيام

جدارية لخبراء أسلحة إيرانيين يصنعون صاروخ «فتاح 1» أول صاروخ باليستي فرط صوتي في ميدان انقلاب بطهران نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
جدارية لخبراء أسلحة إيرانيين يصنعون صاروخ «فتاح 1» أول صاروخ باليستي فرط صوتي في ميدان انقلاب بطهران نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
TT

إيران تسرّع خططها لصناعة سلاح نووي بدائي

جدارية لخبراء أسلحة إيرانيين يصنعون صاروخ «فتاح 1» أول صاروخ باليستي فرط صوتي في ميدان انقلاب بطهران نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
جدارية لخبراء أسلحة إيرانيين يصنعون صاروخ «فتاح 1» أول صاروخ باليستي فرط صوتي في ميدان انقلاب بطهران نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)

اكتشفت الولايات المتحدة، بناءً على معلومات استخباراتية جديدة، أن فريقاً سرياً من العلماء الإيرانيين يستكشف طريقة أسرع، وإن كانت أكثر بدائية، لتطوير سلاح نووي، إذا ما قررت القيادة في طهران الإسراع نحو إنتاج القنبلة، وفقاً لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.

يأتي هذا التطور رغم مؤشرات على أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يسعى بنشاط إلى التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وقد تم جمع المعلومات الاستخباراتية في الأشهر الأخيرة من إدارة بايدن، ثم نُقلت إلى فريق الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب خلال مرحلة انتقال السلطة، وفقاً للمسؤولين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية التفاصيل.

وحذَّر التقييم الاستخباراتي من أن مهندسي الأسلحة الإيرانيين وعلماءها يسعون إلى إيجاد طريق مختصرة تمكنهم من تحويل مخزونهم المتزايد من اليورانيوم عالي التخصيب سلاحاً قابلاً للاستخدام في غضون أشهر، بدلاً من سنة أو أكثر، لكن ذلك مشروط بقرار من طهران بتغيير نهجها الحالي.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم لا يزالون يعتقدون أن إيران ومرشدها علي خامنئي، لم يتخذا قراراً بتطوير سلاح نووي، حسبما أفاد مسؤولون في مقابلات أُجريت معهم خلال الشهر الماضي.

لكن معلومات استخباراتية جديدة تشير إلى أنه مع هزيمة وكلاء إيران وفشل صواريخها في اختراق الدفاعات الأميركية والإسرائيلية، فإن القوات المسلحة الإيرانية تدرس بجدية خيارات جديدة لردع أي هجوم أميركي أو إسرائيلي.

وأوضح المسؤولون أن إيران لا تزال عند العتبة النووية. فمنذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، استأنفت إيران إنتاج اليورانيوم، وهي تمتلك الآن كمية كافية من الوقود لصنع أربع قنابل أو أكثر. لكن ذلك ليس كافياً لإنتاج سلاح نووي فعلي، وتركز الأدلة الجديدة على الخطوات الأخيرة التي تحتاج إليها إيران لتحويل هذا الوقود سلاحاً نووياً.

ومن شبه المؤكد أن هذه الأدلة ستكون حتماً جزءاً من المناقشات التي ستجري الثلاثاء بين ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُعدّ أول زعيم عالمي يزور البيت الأبيض منذ تنصيب ترمب قبل أسبوعين.

وعلى مدى سنوات، كان نتنياهو على وشك إصدار أمر بشن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكنه تراجع في كل مرة، وغالباً كان تراجعه تحت ضغط من قادة جيشه وأجهزة استخباراته، وأيضاً من الولايات المتحدة.

لكن الديناميكية مختلفة الآن، وقد تكون حسابات نتنياهو مختلفة أيضاً.

ويرى المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون أن إيران لم تكن أضعف مما هي عليه اليوم. فقد خسرت «حماس» و«حزب الله»، اللذان تمولهما إيران وتسلحهما، قيادتيهما وقدرتيهما على ضرب إسرائيل. أما الرئيس السوري بشار الأسد، فقد فرّ إلى روسيا، ولم تعد بلاده ممراً سهلاً للأسلحة الإيرانية.

في أكتوبر (تشرين الأول)، شنت إسرائيل ضربة مضادة على إيران أدت إلى تدمير الدفاعات الصاروخية بالقرب من طهران وبعض المنشآت النووية. كما استهدفت أجهزة الخلط العملاقة التي تُستخدم في تصنيع وقود الصواريخ الجديدة؛ ما شلّ قدرة إيران على الإنتاج.

وقد أشار ترمب إلى أنه ليس في عجلة من أمره للدخول في صراع مباشر مع إيران، ويبدو منفتحاً على التفاوض. وعندما سئل بعد التنصيب مباشرةً، عما إذا كان سيدعم ضربة إسرائيلية للمنشآت الإيرانية، قال: «نأمل أن يتم حل ذلك دون الحاجة إلى القلق بشأنه. سيكون من الجيد حقاً إذا تمكنا من إيجاد حل دون الحاجة إلى اتخاذ هذه الخطوة الإضافية». وأضاف أنه يأمل أن «تتوصل إيران إلى اتفاق».

وكان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الذي تولى منصبه في يوليو (تموز) بعد مقتل سلفه في تحطم مروحية، قد قال مراراً وتكراراً إنه يرغب أيضاً في التفاوض على اتفاق جديد. لكن التاريخ يشير إلى أنه قد لا يكون على دراية بما يعكف عليه «الحرس الثوري» أثناء تحضيره للخيار النووي، وفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين وخبراء في الشأن الإيراني.

وقال كريم سجادبور، الخبير في الشأن الإيراني لدى مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي: «من المحتمل أن الرئيس بزشكيان ووزارة الخارجية الإيرانية ليس لديهما أي معرفة بالمداولات النووية الداخلية للنظام».

وأضاف: «لطالما كان لدى الجمهورية الإسلامية نظامان متوازيان. هناك دولة عميقة تتألف من القوات العسكرية والاستخباراتية الخاضعة لسلطة خامنئي، التي تشرف على البرنامج النووي والوكلاء الإقليميين، والمكلفة القمع واحتجاز الرهائن والاغتيالات».

خامنئي يلقي خطاباً الأحد أمام مجموعة من أنصاره في طهران (موقع المرشد)

و أوضح سجادبور أن هناك أيضاً دبلوماسيين وسياسيين «يُسمح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين، لكنهم ليس لديهم دراية كافية بهذه الأنشطة، لكنهم مكلفون مهمة إنكارها».

ودأب المسؤولون الأميركيون على القول إن إيران تخلّت عن برنامجها للأسلحة النووية في عام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق. وبالمثل، أصرّ المسؤولون الإيرانيون على أن بلادهم تسعى فقط إلى تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية.

ومع ذلك، هناك القليل من الشكوك في أن إيران خططت منذ فترة طويلة لإنتاج سلاح نووي. فقد كشفت وثائق استولت عليها إسرائيل من مستودع في طهران عام 2018، عن تفاصيل الجهود التقنية المتعلقة بذلك.

وفي حين قررت طهران تغيير مسار برنامجها النووي والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل، فإن تقديرات المسؤولين الغربيين تشير منذ فترة طويلة إلى أن إيران ستحتاج فقط إلى أيام قليلة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، وهي درجة النقاء المطلوبة عادةً لإنتاج قنبلة. وقد قامت إيران بالفعل بإنتاج كمية كافية من الوقود المخصب بنسبة 60 في المائة لصنع أربع أو خمس قنابل.

لكن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى صالح للاستخدام في القنابل ليس كافياً لكي تتمكن إيران من إنتاج سلاح نووي.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن تحويل هذا اليورانيوم عالي التخصيب رأساً حربياً متطوراً يمكن تركيبه على صاروخ باليستي قد يستغرق ما بين عام و18 شهراً. وكانت بعض التقديرات الإسرائيلية أطول، حيث قدّرت الفترة بعامين أو أكثر.

صورة التقطها قمر «ماكسار» للتكنولوجيا من محطة «فوردو» لتخصيب اليورانيوم يناير 2020 (أ.ف.ب)

يدرك الإيرانيون منذ سنوات أن هذه المدة الطويلة لتطوير السلاح تمثل نقطة ضعف كبيرة. وإذا ما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي لا تزال تجري عمليات تفتيش محدودة على إنتاج الوقود النووي، أن إيران بدأت في إنتاج وقود مخصب بدرجة 90 في المائة، فإن على الأرجح ستضطر إسرائيل والولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراء عسكري، كما حذرت في الماضي.

لذلك؛ سيكون أفضل رادع لإيران هو تحويل هذا الوقود سلاحاً نووياً فعالاً. لكن الوقت سيكون محدوداً جداً.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران تمتلك المعرفة اللازمة لصنع سلاح نووي من الطراز القديم، وهو سلاح يمكن تجميعه بشكل أسرع بكثير من التصاميم الأكثر تطوراً التي كانت طهران قد درستها في الماضي، حيث يرجَّح أنها حصلت على المخططات الخاصة بهذا السلاح من عبد القدير خان، عالم النووي الباكستاني الذي باع البلاد تصاميم أجهزة الطرد المركزي النووي قبل أكثر من ربع قرن.

لن يكون بمقدور هذا السلاح أن يُصغَّر ليُركب على صاروخ باليستي. ومن المرجح أيضاً أن يكون أقل موثوقية بكثير مقارنة بأي تصميم سلاح نووي أكثر حداثة.

نتيجة لذلك؛ من غير المحتمل أن يشكل هذا السلاح تهديداً هجومياً فورياً. لكن هذا النوع من الأسلحة البدائية هو الجهاز الذي يمكن لإيران أن تصنعه بسرعة، وتختبره، وتعلن للعالم أنها أصبحت قوة نووية، حسبما يعتقد المسؤولون الأميركيون.

وفي حين أنه سيكون من الصعب استخدام مثل هذا السلاح ضد إسرائيل، إلا أنه يمكن أن يكون له تأثير رادع؛ مما يجعل الدول التي تفكر في شن هجوم ضد إيران تفكر مرتين.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل».

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية مركز كيندي سيكون مقراً لسحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن (رويترز)

إيران ستحضر قرعة كأس العالم بعد التلويح بالمقاطعة بسبب التأشيرات

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم (الخميس)، أن وفداً إيرانيّاً سيحضر قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 غداً (الجمعة) رغم إعلان إيران سابقاً مقاطعة الحفل المقرر بواشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.


أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

تواجه «عملية السلام» في تركيا، التي تستوجب حلّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، أزمة جديدة بسبب الخلاف حول سرية لقاء عقده وفد برلماني مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي غرب البلاد.

وتفجّرت خلافات بين نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، خلال اجتماع لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» في البرلمان، المعنية باقتراح الإطار القانوني لنزع السلاح وعملية السلام، التي خُصّصت الخميس للاستماع لتقرير حول لقاء الوفد بأوجلان.

تقرير مجتزأ

وأعلن نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، أن التقرير الذي قُدّم خلال الجلسة، والذي لخّص محضر لقاء الوفد مع أوجلان في سجن إيمرالي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أخرج المحضر من سياقه، واجتزأه لينحرف عن المضمون الذي أراده أوجلان.

نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعب» الأعضاء في اللجنة البرلمانية (حساب الحزب في «إكس»)

وقال النواب الخمسة، غولستان كيليتش كوتشيغيت وميرال دانيش بيشتاش وحقي صاروهان أولوتش وجلال فرات وجنكيز تشيشيك، في بيان، إنه جرى استخدام جمل خارجة عن السياق، واقتباسات غير كاملة تفتح الباب أمام تكهنات عديدة.

وجاء في البيان أن «نشر محتوى الاجتماع بين أوجلان، الفاعل الرئيسي في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، ووفد اللجنة بشكل مجتزأ، مع تفسيرات ناقصة وذاتية، يُخاطر في المقام الأول بتضييق نطاق الدور (التاريخي) لأوجلان في هذه العملية وفتحه للنقاش، وهذا يتعارض مع النهج والوعود والتعريفات والمسؤوليات الأساسية للعملية المستمرة منذ أكثر من عام».

وطالب البيان -الذي نشره الحزب على حسابه في منصّة «إكس»- بنشر محضر الاجتماع مع أوجلان ومشاركته مع جميع أعضاء اللجنة البرلمانية والجمهور بطريقة «وافية وموضوعية وكاملة وصادقة»، ووضع آلية شفافة لضمان دقة المعلومات العامة.

وقال مسؤولون في الحزب إن التقرير أُعدّ بالطريقة التي أرادها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لكن «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي هي عملية «جادة وتاريخية»، ويجب أن تُدار بشكل «موضوعي وشفاف، ولا يخضع للتفسيرات الشخصية».

صدام بين الحكومة والمعارضة

وخلال اجتماع اللجنة للاستماع إلى التقرير، احتجّ نواب من حزب «الشعب الجمهوري»، متسائلين عما إذا كان «جهاز المخابرات قد أعدّ التقرير»، وهل سيعمل نواب البرلمان تحت «رقابة جهاز المخابرات الوطني؟». وطالبوا بعرض محضر الاجتماع كاملاً.

جانب من اجتماع اللجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - «إكس»)

وقال نواب المعارضة إنه «يتم إخفاء (تفاصيل التقرير) ليس فقط عن الجمهور، بل حتى عن البرلمان». وردّ نائب حزب «العدالة والتنمية»، محمد شاهين على هذه الانتقادات بالقول: «لو أردتم أن تعرفوا ما جرى بالكامل، كان عليكم المشاركة في الوفد الذي زار إيمرالي».

ورفض حزب «الشعب الجمهوري» إرسال أحد نوابه ضمن وفد اللجنة البرلمانية إلى إيمرالي، عادّاً أنه كان يمكن عقد الاجتماع عبر دائرة اتصال تلفزيونية مغلقة لتجنب الحساسيات التي تثيرها زيارة أوجلان.

رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل (حساب الحزب في «إكس»)

وانتقد رئيس الحزب، أوغور أوزيل، ما جرى خلال اجتماع اللجنة، مطالباً بالشفافية في كل ما يتعلق بهذه العملية. وقال أوزيل، في مقابلة تلفزيونية، تعليقاً على رفض ذهاب نواب حزبه إلى إيمرالي: «إذا ذهبنا فسنذهب بصراحة، وسنتحدث بصراحة، وسنعود بصراحة، ولن نخفي شيئاً»، متسائلاً عن أسباب إخفاء محضر الاجتماع، وعدم إطلاع نواب اللجنة البرلمانية والرأي العام عليه.

«الكردستاني» يتمسك بموقفه

وفي خضم هذا التوتر، انتقد متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان، زاغروس هيوا، عمل اللجنة البرلمانية واكتفاء الحكومة التركية بـ«التصريحات فقط، دون اتخاذ خطوات حقيقية في إطار عملية السلام، على الرغم من اتخاذ حزب (العمال الكردستاني) العديد من الخطوات الأحادية».

وقال هيوا، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية الجمعة: «إننا لم نكن يوماً مسؤولين عن تخريب عملية السلام، وإن الدولة هي التي اتخذت القرار في عام 2015 بإنهاء العملية السابقة. ولهذا السبب، بدأوا بتجربة أساليب جديدة، ولم يتضح بعد ما إذا كانوا قد غيّروا حقّاً عقليتهم وسياساتهم تجاه الأكراد، أم أنهم يستعدون لموجة جديدة من الهجمات».

متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان زاغروس هيوا (إعلام تركي)

وقال هيوا إن «المفاوضات لم تبدأ بعد»، وإن لقاء أعضاء من اللجنة البرلمانية مع أوجلان في إيمرالي هي «عملية حوار».

وتابع: «لكي تبدأ المفاوضات، يجب أن يلتقي الطرفان على قدم المساواة، وأهم عنصر في هذه المفاوضات هي حرية أوجلان»، الذي وصفه بـ«كبير مفاوضي حزب (العمال الكردستاني)».

وأضاف: «يجب أن تراعي هذه العملية الاندماج الديمقراطي للأكراد وحركة الحرية الكردية في جمهورية تركيا، وتضمن مشاركتهم الحرة في الحياة السياسية الديمقراطية، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق في ظل الدستور الحالي الذي ينكر وجود الأكراد، بل جميع المجموعات العرقية في تركيا».