فرضت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عودة الموظفين والعاملين الحكوميين إلى الحضور شخصياً بدوام كامل، بدءاً من الاثنين، متخذة إجراءات سريعة لإعادة تشكيل الوكالات الفيدرالية، ومنها وزارات الخارجية والدفاع والعدل، وتحديد سياساتها بما ينسجم مع استراتيجيته «أميركا أولاً» و«فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، فيما بدا أنه محاولة لزعزعة أسس «الدولة العميقة» في الولايات المتحدة.
وتزامنت إجراءات ترمب مع قرار منع الموظفين من التحدث عما يحصل داخل الدوائر الحكومية، في ظل تغييرات سريعة تشمل فصل موظفين، ونقل المسؤولين الكبار الذين يتعاملون مع الأمن القومي والفساد العام في الوزارات إلى مراكز أخرى، وتعيين موالين لترمب في أرفع المناصب، فضلاً عن تجميد تمويل بعض الإدارات الحكومية الرئيسية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المسؤولة عن تمويل الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية.
وكان ترمب قد بدأ عهده الثاني في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، بطرد 17 من المفتشين العامين في الوكالات الفيدرالية، رغم أن القوانين تفرض إخطار الكونغرس بمثل هذه الإجراءات قبل 30 يوماً من اتخاذها، وإقالة المسؤولين عن برامج التنوع والإنصاف والدمج التي تكفل إنصاف السود والملونين في عمليات التوظيف، ووقف المساعدات الخارجية من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فيما قد يكون مقدمة للتخلص من آلاف الموظفين لديها، وإلحاق أنصار ترمب بوكالات فيدرالية أخرى.
![وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يلوح للموظفين لدى وصوله إلى وزارة الخارجية في واشنطن (أ.ف.ب)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/935772.jpeg)
وأرسل مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض نحو 160 موظفاً إلى منازلهم، بينما أجرى مسؤولو ترمب عمليات فحص الولاء للتأكد من توافقهم مع أجندته. وشهدت وزارة الخارجية بقيادة ماركو روبيو مئات من عمليات الإقالة أو إعادة التعيين. وطُلب من عدد أكبر بكثير من الموظفين المحترفين الاستقالة مقارنة بالإدارات السابقة.
وأمرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بـ«وقف فوري» غير مسبوق لجميع التقارير الصحية والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى نهاية الشهر على الأقل، مما دفع العلماء إلى إلغاء اجتماعات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بشأن تفشي فيروس إنفلونزا الطيور.
قرارات «البنتاغون»
![وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى جانب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون في «البنتاغون» (أ.ف.ب)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/935770.jpeg)
وكشف وزير الدفاع بيت هيغسيث أن ترمب سيوقع قريباً قرارات تنفيذية تزيل التنوع والإنصاف والدمج من الجيش، وتعيد آلاف الجنود الذين طردوا لرفضهم لقاحات «كوفيد-19» أثناء الجائحة. وصرح بأن «هناك قرارات تنفيذية إضافية في الطريق».
ولطالما اشتكى ترمب وأنصاره من «الدولة العميقة» وأركانها من المسؤولين الحكوميين المحترفين في وزارة العدل، معتقدين أنهم معادون للجمهوريين، وفي كثير من النواحي، كانت هذه التحركات بمثابة هجوم خاطف ضد أجزاء من الوزارة التي تنفذ القوانين التي لا يحبذها بعض المحافظين، ولكنها لا تستطيع حمل الكونغرس على تغييرها.
استهدفت التغييرات في وزارة العدل بعض المسؤولين الذين يحملون أكبر قدر من السلطة والخبرة المؤسسية. في الأسبوع الماضي، أعيد تعيين 4 على الأقل من رؤساء أقسام مسؤولة عن برامج التنوع والإنصاف والدمج، في فريق عمل أنشئ حديثاً للتركيز على ملاحقة ما تُسمَّى «المدن الآمنة» التي لا تتعاون مع سياسات الهجرة بالقدر الذي ترغب فيه الإدارة الجديدة. ولكن المسؤولين الذين أعيد تعيينهم في قضايا الهجرة لديهم خبرة قانونية ضئيلة -أو معدومة- في هذا المجال، بعدما كرَّسوا حياتهم المهنية القانونية لقضايا أخرى، مثل قانون التنوع والإنصاف والدمج. وقيل لهم إن رواتبهم ستبقى على حالها، وإن لديهم 15 يوماً لقبول النقل أو مواجهة احتمال الفصل.
ووفقاً لمكتب الإدارة والميزانية، فإن هؤلاء الموظفين «هم الرابط الرئيسي بين هؤلاء المعينين وبقية قوة العمل الفيدرالية»؛ لأنهم «يديرون ويشرفون على كل نشاط حكومي تقريباً، في نحو 75 وكالة فيدرالية».
تغييرات «مروعة»
ويتساءل بعض موظفي وزارة العدل عما إذا كانت القرارات تنتهك قواعد التوظيف في الخدمة المدنية، وخصوصاً في حالة 4 مسؤولين كبار في المكتب الذي يتعامل مع قضايا الهجرة، تم فصلهم على الفور. ووصف مسؤولون حاليون وسابقون في وزارة العدل التغييرات السريعة بأنها «مروعة» للمتضررين، مشيرين إلى زملاء «أُجبروا فجأة على التفكير فيما إذا كانوا سيستقيلون أو يقاضون أو يقبلون بصمت مناصبهم الجديدة».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن أندرو ميرجن الذي تقاعد عام 2023، بعد أكثر من 3 عقود في برامج التنوع، أنه رغم إعادة ترتيب مناصب كبار المسؤولين في ظل الإدارات السابقة، فإن ما يحصل الآن «أكثر من مجرد امتياز للإدارة، وليس نوعاً من هذه الخطوة السياسية الكبيرة. لذلك لم يحدث شيء من هذا القبيل على الإطلاق». وإذ حذَّر من العواقب المترتبة على رحيل المسؤولين المهنيين، قال إن «كل من كان هناك في اليوم الذي تولى فيه ترمب منصبه، اختار العمل في إدارة ترمب، وبذل قصارى جهده»، مضيفاً: «ستكون خسارة للبلاد إذا غادر هؤلاء الأشخاص، وإذا غادر محامون آخرون في وزارة العدل».
وكذلك قال ديفيد أولمان الذي كان مسؤولاً بوزارة العدل أثناء إدارة بايدن، إن مجرد إزالة هؤلاء الرؤساء «لن يؤدي إلى توقف عمل الحكومة»؛ لأن نوابهم يمكنهم تحمل مسؤولياتهم.